الفصل الأوَّل:أجداد يسوع المسيح*

 

الفصل الأوَّل

فحواه تعداد جدود المسيح بحسب الجسد. وإرشاد الملاك ليوسف بأنَّ حبل مريم العذراء من الروح القدس وأنَّها ستلد المسيح العتيد.

أجداد يسوع المسيح*

1. كتاب ميلاد. وقرأت اليونانيَّة* تاريخ ميلاد. يسوع*** المسيح ابن. يعني ابن أولاد. داود. الملك. ابن إبراهيم. ذكرَ الإنجيليّ داود وإبراهيم خاصَّة لأنَّه أراد أن يبيِّن أنَّه قد تمَّ الوعد الذي كان لهذين، خاصَّة بأنَّ المسيح يولد من نسلهما. وقدَّم داود على إبراهيم على الأصحّ لأنَّ الوعد لداود بأنَّ الماسيّا أي المسيح يأتي من نسله كان أكثر حدوثيَّة واشتهارًا عند العامَّة، وكان اليهود يعرفون أنَّ المسيح يكون ابن داود. كذا فسَّر فم الذهب وأوتيميوس** وغيرهما.

2. فإبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وإخوته.

3. يهوذا ولد فارص وزارح من تامر. ثمَّ ذكر في الأعداد التالية راحاب وراعوت وبتشابع امرأة أوريّا، ولم يذكر غير هؤلاء النساء المشهورات بالخطايا وبعضهنَّ وثنيّات أيضًا لأنَّهنَّ اقترنَّ مع رجالهنَّ بنوع غير اعتياديّ فقط. بل ليتَّضح للمسكونة كلِّها أيضًا أنَّ المسيح لم يأنف من أن يولد من نساء خاطئات ووثنيّات أيضًا لأنَّه أتى ليبرِّر الخطأة ويضمَّ الوثنيّين إلى كنيسته لتتفاضل النعمة حيث تعاظم الإثم، كما فسَّر فم الذهب* وإيرونيموس* وأمبروسيوس* وأوغسطينوس*. فإذًا هؤلاء النساء بالمعنى الرمزيّ رمز على العدد الوافر من الخطأة والوثنيّين الذين كان عتيدًا أن يتَّحد مع المسيح عريسه بعد التوبة النصوحة. وبالمعنى الأبديّ إنَّه لا ينبغي أن نستحي من خطايا غيرنا ولو كانوا والدينا متى ارتكبت تلك الخطايا دون ذنب منّا. قال فم الذهب* إنَّ الشرف الحقيقيّ لا يجب طلبه من الحسب والنسب، بل من الفضيلة الشخصيَّة. وقد ذكر الإنجيليّ فارص وزارح لأنَّهما وُلدا معًا. فهما توأم وفارص ُولد أوَّلاً (كما في تك 38: 27) فكأنَّهما كانا يتزاحمان البكوريَّة في الحشاء، فذكر الإنجيليّ أوَّلاً من وُلد أوَّلاً. ولماذا لم يذكر عيسو مع أنَّه وُلد مع يعقوب بن إسحق؟ ارتأى بعضهم أنَّه لم يذكر عيسو وإسماعيل بن إبراهيم لسوء سيرتهما، ولكن فنَّد فم الذهب* ذلك بأنَّ الإنجيليّ ذكر النساء الزواني أنفسهنَّ. فالأصحّ أنَّه لم يذكرهما لأنَّ المسيح لم يولَد من نسلهما، ومقصده أن يبيِّن أجداد المسيح. وقد ذكر يهوذا وإخوته مع أنَّ إخوته لم يأتِ المسيح من نسلهم، لأنَّ إخوة يهوذا كانوا آباء الاثني عشر سبطًا، فوجب ذكرهم بمنزلة أعمدة لشعب الله كما ذكر فارص وزارح لما تقدَّم من أمر البكوريَّة.

فارص ولد حصرون، حصرون ولد آرام.

4. آرام ولد عمّيناداب، عمّيناداب ولد نحشون، نحشون ولد سلمون.

5. سلمون ولد باعاز من راحاب، باعاز ولد عوبيد من راعوت، عوبيد ولد يسّى.

6. يسّى ولد داود الملك، داود ولد سليمان من امرأة أوريّا.

7. سليمان ولد رحبعام، رحبعام ولد أبيّا، أبيّا ولد آسا.

8. آسا ولد يوشافاط، يوشافاط ولد يورام، يورام ولد عوزيّا. لا بدون واسطة بل بواسطة. فإنَّ يورام ولد أحزيّا وأحزيّا ولد يوآش ويوآش أماسيّا وأماسيّا ولد عوزيّا الذي يُدعى عوزريّا أيضًا. ولكن لمَ أهمل متّى ثلاثة مواليد متوسِّطة؟ فالجواب لأنَّه لم يُرد أن يتفاوت عدد الأجيال أي الأشخاص في كلِّ من الرتب الثلاث التي ذكرها في آ17 من هذا الفصل على رأي بعضهم. وقد أهمل هؤلاء الثلاثةَ دون غيرهم لأنَّهم ولدوا من نسل آخاب وإيزابيل المنافقين اللذين تقدَّم الله فأنذر بأنَّ ذرِّيَّتهما تمحى، ولذا أراد متّى أن يهمل ذكرهم إلى الجيل الرابع كأنَّهم لم يوجَدوا والذرِّيَّة في الكتاب المقدَّس تحسب إلى الجيل الرابع كما في خر 25: 5 و2 مل 10: 30.

9. عوزيّا ولد يوتام، يوتام ولد آحاز، آحاز ولد حزقيّا.

10. حزقيّا ولد منسّى، منسّى ولد آمون، آمون ولد يوشيّا.

11. يوشيّا ولد يوخانيا وإخوته في سبي بابل. إنَّ يوشيّا ولد أربعة أولاد يوحانان وإلياقيم (ويسمّى يواكيم أيضًا) وسولوس وصدقيّا الذي يسمّى ماتانيا. أيضًا فسولوس خلف أباه في المُلك فعزله ملك مصر وأقام مكانه أخاه الثاني يواكيم وهذا ولي سنة 11 ثمَّ قتله بختنصَّر ملك بابل وأقام مكانه ابنه وكان اسمه يواقيم. وبعد ثلاثة أشهر اقتيد للسبي وأقام مكانه عمَّه صدقيّا فإذًا المراد بيوخانيا بن يوشيّا، هو يواكيم ابنه الثاني. ويواكيم هذا وَلد يواقيم الذي يسمّى يوخانيا أيضًا. وهو أبو شلتائيل الآتي ذكره. فإذًا الأب والابن كانا يسمَّيان يوخانيا. وقد حدث من سهو النسخ أنَّ اسم يوخانيا لم يذكر هنا مرَّتين كما كان لازمًا لتكميل عدد السلسلة أي الأربعة عشر جيلاً. وإنَّ متّى نفسه أهمله لئلاّ يذكر اسم يوخانيا مرَّتين كما ارتأى مار أوغسطينوس* في ك 2 في توفيق الأناجيل* رأس 4، فإذًا يجب أن يُقرأ في بعض النسخ اليونانيَّة واللاتينيَّة أنَّ يوشيّا ولد يواكيم (المسمّى يوخانيا وإخوته ويواكيم ولد يواقيم المدعوّ أيضًا يوخانيا) في سبي بابل الذي ابتدأ في السنة الثالثة لمُلك يواكيم.

12. ومن بعد سبي بابل يوخانيا. أي يوخانيا الثاني المدعوّ يواكيم ولد شلتائيل. وليراجع بهذا الشأن سفر الأيّام الأولى 3: 15-16 و2 مل 23-24. نقول إنَّ إرميا في 22: 20 يدعو يوخانيا هذا عاقرًا. أجيب أنَّ إرميا أوضح هناك أنَّ يوخانيا هذا يكون خاليًا لا من كلِّ ولد (إذ ولد كثيرين كما يظهر من سفر الأيّام الأوَّل) بل من أولاد يجلسون للمُلك على كرسيّ داود أي يضبطون الصولجان الملوكيّ في يهوذا لأنَّ أولاده وإن دُعوا لشرف أصلهم ملوكًا كما يظهر في زربّابل بن شلتائيل، لكنّ السلطان والمُلك كانا حقيقة للأحبار. شلتائيل ولد زروبّابل.

13. زوربّابل ولد أبيّود، أبيّود ولد ألياقيم، ألياقيم ولد عازور.

14. عازور ولد صادوق، صادوق ولد آخين، آخين ولد أليّود.

15. أليّود ولد أليعازر، أليعازر ولد ماتان، ماتان ولد يعقوب.

16. يعقوبُ ولدَ يوسفَ رجلَ مريمَ التي وُلدَ منها يسوعُ الذي يُدعى المسيح. يظهر من ميناون* الروم وبعض المؤلِّفين أنَّ حنَّة أمَّ مريم كانت عمَّة يوسف وأخت يعقوب أبيه، وعلى ذلك تكون مريم ابنة عمَّة يوسف وهو ابن خالها. وارتأى أوسابيوس* وأمبروسيوس* ونيكفورس* وأوتيميوس* والدمشقيّ* وغيرهم أنَّ يواكيم أبا مريم كان عمّ يوسف وأخا يعقوب أبيه. وعلى ذلك تكون مريم ابنة عمّ يوسف وهو ابن عمِّها، واليهود أنفسهم يقرُّون بأنَّه قد اندرج عندهم دائمًا الزواج بين أولاد الإخوة بسماح السنَّة بذلك، بل بأمرها به متى لم يوجد أولاد آخرون لئلاّ ينتقل الميراث إلى الأجانب. ومن المؤكَّد أنَّ مريم كانت ابنة وحيدة لوالديها، ويُظنُّ أنَّه كان لها ميراث حقل ما منهما. ولذا زُوِّجت يوسف الذي كان جدُّه وجدُّ مريم واحدًا وهو ماتان. ولكن إن كان جدُّها واحدًا كما هو المحقَّق، فلماذا ذكر الإنجيليّ يعقوب ويوسف مع أنَّهما لم يلدا المسيح، ولم يذكر حنّة أو يواكيم بقوله، وماتان ولد حنّة أو يواكيم ويواكيم ولد. أو: حنَّة ولدت مريم التي منها وُلد يسوع. أجيب أوَّلاً مع مار إيرونيموس* أنَّه لم تكن عادة المؤرِّخين أن يذكروا النساء في الأنساب. ثانيًا أنَّه كان لازمًا ذكر يوسف لاعتباره لدى العامَّة أبًا ليسوع ليظهر أنَّ المسيح من نسل داود تصديقًا للوعد بذلك. ثالثًا أنَّ الإنجيليّ أراد أن يبيِّن أنَّ حقَّ المُلك الداوديّ اتَّصل إلى يسوع لأنَّه الوريث الحقيقيّ بالتخلُّف الشرعيّ لا بمنحة إلهيَّة فقط. وهذا الحقّ لم يكن ليسوع بولادته من مريم إذ الإناث لا حقَّ لهنَّ على الحكم مع وجود الذكور. فيُعترض على ذلك بأنَّ يسوع لم يكن ابنًا طبيعيًّا ليوسف، فإذًا لا يتَّصل إليه حقُّ المُلك من أبيه. أجيب: إنَّ الأولاد الذين يعتبرهم الجمهور أولادًا شرعيِّين والذين يُتبنَّون بالذخيرة يفرض لهم ناموس الأمم الإرث والخلافة بالحقول، فكم يكون أولى بذلك مَن كان بالحقيقة ابنًا خاصًّا وشرعيًّا ليوسف الذي اكتسبه من زيجته الشرعيَّة وإن لم يكن بمجامعة طبيعيَّة بل بقوَّة الروح القدس الفائقة الطبيعة. فالزوج مسلَّط على جسم امرأته ولذا يكون مسلَّطًا على كلَِّ الثمار الناتجة من هذا الجسم بأيِّ نوع كان. وكما كان ليوسف جميع حقوق المتولّي الحقيقيّ والأب على يسوع بما أنَّه إنسان، حتّى كانت مريم العذراء نفسها تدعوه أبًا له، هكذا كان ليسوع من حيث هو ابن خاصّ وشرعيّ ليوسف جميع حقوق الابن الشرعيّ وبالتالي حقّ المُلك أيضًا منذ موت يوسف. ومن ثمَّ يظهر أنَّ وظيفة يوسف كانت شريفة جدًّا ومرتبته رفيعة، وسلطته سامية جدًّا، إذ كان بمنزلة أب لابن الله وزوج لأمِّ الله حتّى خال السواري أن يقدِّمه على الرسل بالنعمة والمرتبة والمجد. وأمّا الاختلاف الذي بين سلسلة النسب التي ذكرها متّى هنا وبين السلسلة التي ذكرها لو 3: 23 فسيأتي الكلام فيه في بشارة لوقا في المحلِّ المذكور.

إنَّ الإنجيليّ لم يقل هنا كما قال في باقي الأنساب أنَّ يوسف وَلَد يسوع، ولا أنَّ مريم ولدت يسوع، بل قال: التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح إشارة إلى أنَّ مريم ولدت يسوع لا بقوَّة طبيعيَّة بل بقوَّة فائقة الطبيعة أي بقوَّة الروح القدس. ويظهر من هذا القول أنَّ مريم أمٌّ حقيقيَّة ليسوع أي أمٌّ لهذا الإنسان الذي هو إله وإنسان معًا بوحدة الأقنوم الإلهيّ. لذا هي أمُّ الله حقيقة لأنَّها وإن لم تلد اللاهوت فقد ولدت هذا الإنسان الذي هو إله. فأمُّ بطرس مثلاً هي أمٌّ لبطرس القائم من نفس وجسد وإن لم تلد النفس بل الجسد وحده.

فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعةَ عشَر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعةَ عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعةَ عشَرَ جيلاً. قد ذكر متّى هذه المراتب الثلاث ليشير إلى أحوال اليهود الثلاث الأولى تحت ولاية الآباء والقضاة كجدعون وشمشون والباقي، والثانية تحت ولاية الملوك من داود إلى سبي بابل، والثالثة تحت ولاية القوّاد والأحبار كيهوذا وسمعان وباقي المكّابيّين. ويشير الإنجيليّ إلى أنَّه بعد تغيير هذه الحالات الثلاث يجب أن يأتي مُلك المسيح الأبديّ. وعلى رأي فم الذهب* ذكره ملدوناتوس* أنَّ الله استعمل تدبير الناس بكلِّ الأساليب وإذ لم ينجحوا أرسل ابنه. وقد تقدَّم في آ11 أنَّ المرتبة الثالثة تُنقص جيلاً لإهمال ذكر يوخانيا مرَّتين. والمرتبة الأولى إذا حُسبت فيها الولادات فتكون ثلاثة عشر جيلاً ولكن يفترض فيها ميلاد إبراهيم. وقد استخلص متّى بذكر مجموع الأجيال في هذه الآية لسببين على ما روى ملدوناتوس*: الأوَّل لنفهم أنَّ في ذلك سرًّا. والثاني لئلاّ يظنَّ أحد أنَّ الملوك الثلاثة الذين أهمل ذكرهم في آ8 قد ترك ذكرهم غفلة، وربَّما احترص من أن يزيد واحدٌ أو ينقص من سلسلة نسبة المسيح.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM