الفصل السابع والأربعون: من شريعة المِثْل إلى الغفران.

الفصل السابع والأربعون

من شريعة المِثْل إلى الغفران (27: 30 - 28: 7)

يقدّم لنا ابن سيراخ حكمة بني إسرائيل في القرن الثاني ق. م. فيشدّد على التربية الخلقيّة والإنسانيّة، أكثر منه على نظريّات عرفتها حكمةُ اليونان. وتجاوز هذا الكاتبُ سفر الجامعة، فاهتمّ بحياة تحرّكها مخافةُ الربّ، مراعاة الشريعة، وتكريم العهد. لهذا، تعلّقت الكنيسة الأولى بحكمة ابن سيراخ ككتاب »مدرسيّ« لتعليم الموعوظين. وفي المقطع الذي نقرأه، نرى تسبيقًا لكلام يسوع يدعونا إلى أن نسامح القريب ممّا أساء إلينا. عرف سفرُ الخروج شريعة المِثْل. أي مثل ما تعاملني أعاملك. أخذتَ عيني، آخذ عينك. أخذتَ سنّى، آخذ سنّك (خر 21 : 23 - 25). أمّا الصلاة الرّبيّة، فدعت المؤمن إلى أن يغفر كما غفر الله له (مت 6 : 12). فأين يقف ابن سيراخ في هذا الخطّ الذي ينطلق من شريعة المِثْل كما في كلام موسى، فيصل إلى المسامحة بلا حدود كما في كلام المسيح؟

ونقرأ النصّ

27: 30 الحقدُ والغضب كلاهما حماقة،

والخاطئ متمسّك بهما.

28: 1 المنتقمُ ينتقمُ منه الربّ،

ويحفظ حسابًا لخطاياه.

2 إغفر لمن يسيء إليك،

فيغفرَ الله ذنوبَك حين تدعوه.

3 أيحقدُ إنسانٌ على آخر،

ثمّ يلتمس من الربّ رحمته؟

4 وإن كان لا يرحم إنسانًا آخر.

فكيف يستغفرُ عن خطاياه؟

5 وإنّ تربّى على الحقد وهو بشر،

فمن أين يجيئه الغفران؟

6 أذكر آخرتك وأذكر الفسادَ والموت،

واترك البغضَ، واعمل بالوصايا.

7 أذكر الوصايا، ولا تحقدْ على قريبك،

واذكرْ عهدَ العليّ وتغافلْ عن الاساءة.

1 - سياق النصّ

نحن هنا في القسم الثالث من حكمة ابن سيراخ، الذي يبدأ بمديح للحكمة: تحدّثت عن نفسها وعن دورها في تاريخ الخلاص. هذه الحكمة تدعو الإنسان العائش في المجتمع إلى الطاعة لشريعة الله، وهذه الطاعة هي ثمرة مخافة الله. بعد ذلك، يتوسّع الحكيم في العلاقة بين الرجل والمرأة: تناسقٌ واتّفاق، مع نظرة أولى إلى الزوج الصالح أو الرديء، ثمّ إلى الزوجة الصالحة التي هي أعظم هديّة. وإلى المرأة الشرّيرة التي لا يعادلُ خبثٌ خبثَها. ونصل إلى العلاقات مع القريب، والخطايا التي تُقترَف ضدَّ العدالة والمحبّة: في التجارة. على مستوى الخبث والنميمة. والبغض والخصومة، والدَين بالربا وتسلّم الرهن.

ونصل إلى العلاقات الدنيويّة. فيا ليت الحكيم لا يتعلّق بالظواهر، بما فيها من خداع. يُظهر لك الإنسان غير ما يُبطن. ترى التعبير عن عواطفه، ولا تعرف الرياء الذي يملأ قلبه. هنا نجد أهمّيّة الصديق الصدوق. مثل هذا الخبث يمقته الله نفسه، ويعاقبه ولا يتأخّر. فالعقاب هو نتيجة أكيدة للشرّ. نحن أمام الشرور التي تصيبُ الإنسان في هذه الحياة:

يرون هلاكهم بعيونهم،

ويتجرَّعون غضب القدير (أي 21: 20).

وربّما أشار الكاتب إلى ما حدث لأنطيوخس الذي اضطهد شعب اله. قال عنه سفر المكابيّين الثاني: »ولمّا لم تخفّ أوجاعُه، لأنّ قضاء الله العادل كان حلّ عليه، سيطر عليه اليأس...« (2 مك 9: 18). »وهكذا مات هذا المجرمُ الذي جدّف على الله، بعد أنا عانى أوجاعًا مميتة كالتي أنزلها بالآخرين. مات على الجبال في أرضٍ غريبة، ميتة شقاء« (آ 28). نلاحظ هنا طريقة الكتاب الذي يعتبر أنّ الله يعامل الإنسان بالمثْل، على هذه الأرض. كأنّي به نسيَ إله الرحمة الذي لا يريد موت الخاطئ، بل أن يعود عن ضلاله ويحيا. ففي تصرّفات الإنسان، تبرز عدالةٌ يريدها حتّى في الآخرة: يجب أن يعاقَب الخاطئ، في جهنّم! ولكن أما من عقاب على هذه الأرض يدعوه إلى التوبة، فيكون العقاب دواء للشفاء، لا اقتصاصًا للانتقام؟

هناك عقاب حتميّ وأكيد للخطيئة. هذا ما يقول عنه الكتاب ولا سيّما الأسفارُ الحكميّة: أنت تُعاقَب بما به خطئتَ (حك 11: 16).

l من يحفر هوَّةً يسقط فيها،

ومن يدحرج حجرًا يرجع عليه (أم 26: 27).

l من يحفر حفرة يقع فيها،

ومن ينقب جدارًا تلدغه حيّة.

من يقلعْ حجارة يُؤذَ بها،

ومن يشقّق حطبًا يُجرَح به (جا 10: 8 - 9).

l يحفر حفرة ويوسّعها،

وفي الهوّة التي صنعها يسقط.

يرتدّ فسادُه على رأسه،

وعلى نافوخه يقع عنقُه (مز 7: 16 - 17).

والمبدأ الأساسيّ: يجب أن يأتي العقاب على الشرّير قبل موته. فكيف يرضى الحكيم أن لا يتوجّع من أوجع عباد الله الأتقياء؟ ولكنّ الإنسان ليس هو الذي ينتقم، بل يترك »الانتقام« للربّ إذا أراد أن ينتقم. أمّا انتقام الربّ فمحبّة رحيمة بحيث تفيض النعمة حيث تكثر الخطيئة.

2 - موضوعان في هذا النصّ

يُذكر هذان الموضوعان منذ بداية المقطع الذي نقرأ. هناك أوّلاً موضوع »الغضب والحقد« الذي يرفضه الحكيم. ثمّ موضوع »غفران الإنسان ورحمة الله«. سبب الغفران رحمة الله. ونتيجة رحمة الله غفراننا بعضنا لبعض. منذ الآن نلاحظ هنا أنّ حكمة ابن سيراخ لا تنحصر في البحث عن معرفة عمليّة، ولا في بناء حياة الحكيم. بل هي تريد أن تدفع القارئ لكي يحدِّد موضعه بالنسبة إلى الله. من أجل هذا، دعا الإنسان لكي يطبع حياته بطابع احترام الوصايا. بحيث يعيش في عهد مع العليّ (آ 7). من هذا المنطلق، الحقدُ الذي يشوّه في الإنسان عاطفةَ الحبّ، يبدو لامتوافقًا مع مثل هذه الحياة.

أ - الغضب والحقد

أوّلاً: الغضب

الغضب حاضر. والحقد حاضر. ولكنّ هذا لا يعني أنّ وجود الواحد يفرض وجود الآخر. فهناك غضب ينتهي في عنفه. فلا يبقى سوى الندامة بأنّ صاحبه لم يكن حكيمًا. عالجَ سفرُ الأمثال بشكل حصريّ تقريبًا هذا الغضب الذي يُفقد الحسّ، هذا الضعف الذي هو ينبوع الجهالة والخصومات والأخطار:

l من لا يضبطْ نفسه يكن

كمدينة مفتوحة بلا حامية (أم 25: 28).

l القليلُ الصبر يتصرّف بحماقة.

ومن يذمّ الآخرين يُبغضه الناس (أم 14: 17).

l البليدُ يُخرجُ كلَّ غيظه،

والحكيم يهدّئه ويكبته (أم 29: 11).

l الغضوبُ يجرّ إلى الخصام،

والضيِّقُ الصدر كثير المعاصي (آ 22).

l لا تصاحبِ الرجلَ الغضوب،

ولا ترافقِ الإنسانَ الساخط،

لئلاّ تألفَ السير في سُبُله،

وتُوقع نفسك في الشرك (أم 22: 23 - 25).

l الغيظ قاسٍ والغضبُ غامر،

والحسدُ من يقف في وجهه (أم 27: 2).

إذن، لا بدّ من التغلّب على الغضب. ولا تتأخّر بالتفكير وامتلاك الذات:

ضع يدك على قلبك،

لأنّ خضَّ العين يُخرج الزبدة.

ودلْكُ الأنف يُخرج الدم،

وهياج الغضب يبعثُ الخصام (أم 30: 32 - 33).

هكذا يعيش الإنسان العاقل. لسنا هنا أمام خلقيّة رفيعة، بلا نظرة عاديّة يبيّن فيها الحكيم أنّه متنبِّه لنتائج الغضب له وللذين حوله. تأثّر ابن سيراخ مرارًا بسفر الأمثال. أمّا على مستوى الغضب فلم يتبعه، إلاّ ليحمل تهديد الربّ للغضوبين:

l حيث تُعيلُ المرأة زوجها،

فهناك الغضبُ والوقاحة والفضيحة (25: 22).

l المرأة السكّيرة تثير الغضب،

فهي لا تقوى على ستر عارها (26: 8).

في هذا المجال. قدّم ابن سيراخ نظرةً إجماليّة إلى غضب الله وانتقامه. نقرأها في 5:6 - 7:

لا تقل: »رحمةُ الربّ عظيمة،

فيغفر لي كثرة خطاياي«.

فرحمةُ الربّ لا تخلو من الغضب،

ونقمتُه تحلّ على الخاطئين.

لا تؤخِّر التوبة إلى الربّ،

ولا تؤجِّلها من يوم إلى يوم.

فغضب الربّ ينزل بغتة،

ويُفنيك يوم الانتقام.

رفض ابنُ سيراخ نظرة مطمئنّة إلى رحمة الله. وعرف أيضًا ما يُقال عن غضب الله يوم الدينونة (18:24):

أتريدُ أن يغضب (الله) عليك آخر أيّامك؟

وأن يحوّل وجهه عنك، ومنك ينتقم؟

غير ابن سيراخ عرف أنّ عند الله مكانًا للرحمة تجاه الإنسان. قالت المزامير:

l مراحمك كثيرة، يا ربّ (119: 156).

l الربّ حنون رحيم،

بطيء عن الغضب وعظيم الرحمة (145: 8).

l غضبُ الربّ لحظة،

ورضاه طول الحياة (30: 6).

من أجل هذا، تُذكرُ الرحمةُ مع الغضب، والغفرانُ مع العقاب (5: 6؛ 16: 11). وهكذا تجنّبَ الحكيمُ مُواجهة جاهلة لغضب الله في يوم المجازاة. ففضَّل أن يربّي تلاميذه تربية إنسانٍ يحسبُ حساب الأمور. وجاءت رسالة يعقوب في امتداد هذا التفكير: »غضب الإنسان لا يحقّق عدالة الله« (يع 1: 20). وقال سي: غضب الله يضع حاجزًا أمام رحمة الله.

ثانيًا: الحقد

عاطفةُ الحقد يتحدّد موقعها في العمق. يقول علماء النفس: ردّة فعل ثانويّة. هي تجعل الغضب يستمرُّ في القلب، والحقد يقيم في الإنسان فيتدبّرُ الانتقام. فمن حقدَ »غذّى الغضب على القريب«. في مثل حالة النفس هذه، يكتشف الحكيمُ لاتوافقًا مع الاقتراب من الربّ، سواء من أجل الصلاة أو نوال غفران الذنوب.

إحتفظَ العهدُ القديم بعدد من الشهادات تدلّ على عقليّة ارتبطت بمجتمع بدائيّ اعتبر الانتقام الردّ العاديّ من قبل إنسان أهين في كرامته. أو أمواله، أو حياته (تك 4: 23). حاول التشريع الموسويّ أن يخفّف من محاولات الانتقام. »تخلّصُ الجماعةُ القاتل من يد وليّ القتيل« (عد 35:25. رج تث 19: 14 - 11). أمّا شريعة المِثل، فرفضت انتقامًا لا حدود له (خر 21: 23: لا 24: 19؛ تث 19: 21). مع يسوع المسيح، انقلبت الآية. لا نقول بعد: »سنّ بسنّ، عين بعين«، بل نرفض مقاومة الشرّير (مت 5: 38 - 42). ونحبّ أعداءنا كما نحبّ قريبنا (آ 43 - 44).

ولكن ما من تشريعٍ يقدر أن يحرِّر قلب الإنسان من تذكّر مرٍّ لإساءة نالها، ولا أن يمنعه من الانتقام. هنا يتدخّل الحكيمُ. نحن لا نجد في أم تحذيرًا من البغض أو الحقد، بالنظر إلى ما يسبّبانه للقريب. هما يصوَّران فقط كرذيلتين ارتبطتا بانحرافات أخرى على مستوى تصرّف الإنسان: الكذب والحيلة (أم 26: 24 - 26). الرياء (أم 15:17). هذا عمل الجهّال لا عمل الأبرار (أم 10: 18). هما يُشعلان الخصومات، أمّا الحبّ فيحجب الذنوب. وهكذا يندّد سي بالنتائج العميقة للبغض في نفس من يخفيه. فهو يمنعه من أن يحدِّد موقعه في توافق مع عواطف الربّ.

ب - إنتقام الربّ

للوهلة الأولى بدا الحكيم غير منطقيّ مع نفسه. منع الإنسان من أن يجترَّ الحقدَ والبغض، وأن يستسلم للغضب، فوجد أنّه من الطبيعيّ أن ينتقم ا؟! سار في خطّ عدد من الأسفار المقدّسة، ففسَّر سلوك ا؟ حسب ما تفعله خلائقُه. فكلّ شرّ هو عقاب (كما يقول أيّوب). وكلّ عقاب يعبّر عن غضب ا؟ وعن انتقامه. هنا نقول إنّ مقاطع قليلة (رج تث 8:2 - 6) تفلت من هذا التفسير لعمل ا؟. لقد اعتبرت كتب الأنبياء والمزامير هذا »الانتقام الإلهيّ« عادلاً جدٌّا. فا؟ يتدخّل لكي يُنقّي شعبه. مثل هذا التدخّل يُبعد الأبرار، بالمخافة، عن العقابات، وفي يوم الدينونة، السامية، يُزيل الشرّ. فإذا كان ا؟ يقوم بحساب دقيق بالنسبة إلى الخطايا (28:1)، فبالنظر إلى متطلّبات العدالة، لا طلبًا للانتقام. من هنا كانت نداءات ابن سيراخ: اذكرْ آخرتك، وأتركْ كلّ بغض. فكّرْ بالفساد والموت (آ 6).

3 - نظرة ابن سيراخ إلى المجازاة

يحدّد الحكيمُ موقعه في نقطة التقاء بين فكرين: اللاهوت التقليديّ في العهد القديم، وفكر الحكماء وما فيه من نظرة إلى الإنسان. يرى التقليد أنّ المجازاة هي ؟. ويربطها سفرُ التثنية بلاهوت العهد، فتأخذ، من هذا القبيل، شكل عقدٍ بين ا؟ والإنسان. ستخفّ هذه النظرة حين يعي الأنبياء التزام الشخص البشريّ: ما هو موقفُ الآباء؟ فالأبناء يُلزمون نفوسَهم بنفوسهم تجاه ا؟ (إر 31:29؛ حز 18:2). ومع ذلك، لبثت المجازاة مسألة حسابيّة بين ا؟ والإنسان. إهتمّ ابن سيراخ، في خطّ سائر معلّمي الحكمة، بالحساب بالنسبة إلى موقف الإنسان الشخصيّ. ولكن عبر النصوص التي أوردنا استشفّ علاقة السيّد بالعبد، كما بين ا؟ والإنسان، على أنّها علاقة بين شخص وشخص، بين إنسان وإنسان. يرى الخاطئ أنّه مدين ؟. ويرى أيضًا الرحمة لدى الذي أغاظه. هو موقف جديد في العهد القديم، ومع ذلك اعتبر رحمة ا؟ حسابًا مفتوحًا لدى الربّ. هي تشبه رأفة الإنسان بالفقراء (أم 19:17؛ 21:13).

وواصل ابن سيراخ فكره في هذا المجال، فضمَّ عواطف داخليّة لم تلفت انتباه دارسي الأخلاق قبله. مثل الغضب والحقد. ثمّ تحدّث عن موقف ا؟ تجاه الإنسان الخاطئ. هو ما تطلّع إلى خطيئة محدّدة، حتّى خطيئة بغض أو حقد. بل تطلّع إلى خطيئة أقامت في الإنسان وتربّعت، إلى حالة خطيئة يتحرّر منها الإنسانُ بصعوبة، فتجعله مدينًا ؟ الذي يطلب منه حسابًا. فمثل هذا الإله يكون متطلّبًا باسم العدالة أو رحيمًا باسم المحبّة. من يحدِّد موقفه؟ الخاطئ، كما يقول ابن سيراخ، وفي علاقته مع القريب. وهذا ما يقوله الإنجيل أيضًا.

بعضُ عناصر هذا النصّ قد تصدم عقليّتنا. فالحكيم يصوِّر لنا ا؟ كإله البهاء الذي يَرفع سيف الانتقام، ويحاسبنا الحساب الدقيق على خطايانا. ولكن يجب أن لا ننسى متطلّبات العهد مع العليّ، مع الآخر الآخر. مع المتسامي المتعالي. لا نستطيع أن نتخلّى عن الوصايا التي تدلّ على أمانة الإنسان، في الفكر اليهوديّ.

4 - شروط الغفران

حين يغفر الله، فهو يخلق من جديد. يحوّل وضع عداء إلى حياة حميمة يعيشُها الإنسان معه. نستطيع أن نتحدّث عن »عودة إلى حياة النعمة« بعد عفوٍ نلناه. والنعمة هنا هي مشاركة في حياة الله بالنسبة إلى المسيحيّ. وحده الله يستطيع أن يغفر الخطيئة، غفرانًا يشبه الشفاء. وماذا نفعل لكي ننال غفران الله هو من يتّخذ المبادرة فيغفر. فالأنبياء الذين تحدّثوا عن هذا الغفران، اعتبروا العودة نتيجة، لا شرط هذا الغفران. وأعلن ابن سراخ أنّ على الإنسان أن يقوم بالخطوة الأولى: عليه أن يصلّي لكي ينال المسامحة عن خطاياه وشفاءه. مثلُ هذا الفكر ليس بجديد. فموسى طلب الغفران (خر 34:6 - 9). وصاحبُ المزامير (مز 32: 5؛ 51: 1، 11 - 12) أيضًا. عندئذٍ بدا إله »الانتقامات« على أنّه إله« »الرحمات« (نح 9: 17؛ دا 9:9).

التعليمُ الأساسيّ في هذا المقطع، نجده في شرط آخر، جوهريّ من أجل فاعليّة الصلاة: غفران الذنوب. منذ الآن نجد الوصيّة الإنجيليّة عن حبّ القريب والغفران له (مت 5: 43؛ مر 12: 30 - 31). فتحَ سفرُ الأمثال الطريق لهذا التصرّف (أم 10: 11؛ 25: 22)، ولكنّه لم يربط بشكل صريح، كما فعل سي، بين غفران نمنحه للقريب وغفران ننتظره من الله. وربطت آ 7 بالوصايا، دعوةً لتجاوز الإساءة. لا شيء في الوصايا العشر يشير إلى مثل هذه الفريضة. ولكنّنا نجدها في لا 19: 17 - 18 (مت 28: 37 - 40) حيث ترتبطُ فريضةُ حبّ الله بحبّ القريب. هنا يتوضّح الكلام عن »دَين« تجاه الله وتجاه القريب، كما ستقول صلاة الأبانا.

خاتمة

هي صورة قاسية عن الغضب والحقد. ونداء إلى الإنسان لكي يقدّر تقديرًا حقيقيٌّا وضعَه كبشر مائت، كإنسان خاطئ. ولكي يتذكّرَ وضع القريب، الذي يشبهه: هو يشاركه في وضع يعيشه الآن، وفي مصير ينتظره. كما يتذكّر الله في عدالته التي لا تحابي، وفي رحمته التي ندعوها فنستحقّها. ونتذكّر أخيرًا وضْع حياة داخل العهد في مراعاة للوصايا: هكذا يجتمع التعليم الذي قرأناه في هذا النصّ. وهو يُعدّنا لتعليم المسيح حول محبّة القريب وتقديم المغفرة له، كما يدعونا إلى أن نأخذ على محمل الجدّ ما نقوله في صلاة الأبانا: »اغفر أنت لنا، كما نحن نغفر«. ويذكّرنا إلى أنّ آخر كلمة تلفّظ بها المسيح ساعة دشّن بدمه العهد الجديد: »اغفر لهم، يا أبتِ، لأنّهم لا يدرون ماذا يعملون« (لو 23: 34).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM