الفصل الثالث والثلاثون: شقاء الحياة وأفراحها.

الفصل الثالث والثلاثون

شقاء الحياة وأفراحها (40: 1 - 42: 14)

1- المقدّمة

يتضمّن هذا الفصل قسمين كبيرين.

في الأوّل (40: 1 - 41: 13) يَطرح سموُّ نظام عناية الله الذي تحدّثنا عنه في ما قبل، اعتراضاتٍ عديدة. فحياة الإنسان ليست كلّها راحة. لهذا صحّح ابنُ سيراخ ما في وصفه للعالم من شعر وخيال، وأكمل في تعارض مؤثّر برثاء حول شقاء البشريّة. قال: لا شكّ في أنّ حياة الإنسان حياة عذاب، والسبب ليس حصرًا الخطيئة. بل هو أيضًا يرتبط بواقع الأشياء. من هذا القبيل، يأتي الألم من الله. فكلّ إنسان، سواء كان رفيعًا أو وضيعًا، يرافقه الشقاء والشرّ (40: 1 - 7) ليلاً نهارًا، منذ ولادته حتّى موته. ولكن يبقى أنّ الخطأة يتألّمون أكثر من الأبرار (آ 8 - 11). أمّا الغنى الذي نقتنيه بالظلم فهو عابر، باطل. والخير الوحيد الحقيقيّ هو مخافة الله. أخيرًا، إذا كان الموت يصيب جميع البشر، فهو أقسى للأشرار، ممّا هو للأبرار (41: 1 - 13).

في قسم ثانٍ (41: 14 - 42: 14)، نكتشف نوعين من الخجل، من الحياء. واحد يرتبط بالفضيلة (41: 14أ؛ 16 - 27). وآخر بالخطيئة (42: 1 - 8)، وينطبق على حالة الفتاة والمرأة (آ 9 - 14). وطالب الكاتبُ بسلطة تمنحه الحكمة لكي يُعلّم الآخرين. هذا القسم يشكل خاتمة القسم السابق: يجب على الإنسان أن لا يُخفي حكمته، لأنّها تؤمّن الخلود لذكراه. وفي أيّ حال، لا يبدأ الموضوع الجديد إلاّ في آ 16 مع عنوان جعله العبريّ في هذا الموضع: تفسير عن الحياء (م و س ر ا. ب ش ت). لا نجده في الترجمات، ولكن يقع في خطّ الكتب الحكميّة المصريّة. بيد أنّه نادر في النصّ العبريّ، ما عدا 44: 1 (ش ب ح. أ ب و ت. ع و ل م: تسبيح آباء الأَبد. أو الآباء القدامى، في اليونانيّة: مديح الآباء وكذلك في السريانيّة).

2 - نظرة إلى النصّ

آ 1. هنا يبدأ الكلام عن شقاء الإنسان (آ 1 - 11). قال العبريّ: الله أعطى صعوبات كثيرة، ترك اليونانيّ اسم الله. موضوع معروف في الشرق والغرب: هنيئًا لمن لم يولد. ويتبعه ذاك الذي ما إن وُلد حتّى مات. لكنّنا نوفّر على نفوسنا الشرور من حسد وخلافات وخصومات... وفي النهاية، الشيخوخة. رج أي 3: 1ي.

آ 4. هو عظيم الكهنة. في قلب هذه الشرور السبعة (رقم الكمال)، تبرزُ مخافة الموت.

آ 7. يظنّ... وقت الخلاص، أو: وقت خدمته.

آ 11ب. العبريّ: ما يأتي من فوق يعود إلى فوق، رج جا 3: 12؛ 12: 7.

آ 12. الخيرات الكاذبة والخيرات الحقيقيّة.

آ 13. كالساقية. تقوى في بداية الأمطار وتجفّ في بداية الصيف (أي 6: 15 - 20؛ إر 15: 18). قال العبري: مثل سيل قويّ في غيم الرعد.

آ 15. الصخر لا يسمح للجذور بأن تغرز في العمق.

آ 17. هي جنّة مباركة، فيها الماء والأشجار. اللفظ فارسيّ والمفهوم أيضًا.

آ 18. تبقى مخافةُ الله الخير الأسمى. في آ 18 - 27، نجد لائحة بتسعة خيرات. وفي كلّ مرّة يُقال لنا إنّ هذا الخير له ما يجاوزه. هي تسعة أشعار، وكلّ شعر في ثلاثة أشعار. والشطر الأخير، السابع والعشرون هو مخافة الله. قال العبريّ في آ 18: »الحياة حلوة مع الخمر والشراب«.

آ 19أ. وبناء مدينة. هناك عدد من المدن حملت اسم بانيها: الإسكندريّة، إنطاكية. وبعد ذلك يُضيف العبريّ والسريانيّ: وفوق الاثنين اكتشاف الحكمة. النسل (أو: الماشية) والأغراس تُزهر الاسم.

آ 21ب. روحن اليونانيّ النصّ. أمّا الموضوع فصداقة بين الأصدقاء (سريانيّ) أو بين الزوجين (عبريّ).

آ 23ب: لقاء امرأة قديرة (عبريّ).

آ 26أ. العبريّ: يُفرحان القلب.

آ 27أ. جنّة مباركة أو جنّة غنّاء.

آ 28. كلام عن التسوّل. الموت أفضل منه.

آ 29ب. أو: أيّ طعام يكون هذا الطعام، ولا سيّما إذا كان معارضًا لفرائض الشريعة!

41: 1. ويعود ابن سيراخ إلى فكرة الموت. رج 1: 13، في آ1ب: في بيته. أو: وسط خيراته. في آ 1د: اللذائذ (عبريّ، سريانيّ). أو: الطعام (حسب اليونانيّ).

آ 2. فاقد البصر (عبريّ). أو: المتمرّد (اليونانيّ).

آ 5. ويأتي عقاب الأشرار. رج حك 3: 12؛ حز 16: 44.

آ 9 - 10. نقرأ في العبريّ: إن نموتم فللدمار، وإن ولدتم فللحزن. إن عثرتم فلشماتة دائمة، وإن متّم فللعنة. في السريانيّ جاء »ع م« (الشعب) بدل »ع ل م« (دائم). وهكذا نقرأ: شماتة (هزء) الشعب. وفي آ 10: ما يأتي من العدم يعود إلى العدم. هكذا الشرّير يأتي من الباطل ويعود إلى الباطل (الفراغ. لا شيء).

آ 11. الاسم الخيّر الذي يُتَرك بعدنا. في العبريّ: الإنسان باطل في جسمه، وصيتُ التقوى (أو: الصلاح) لا يزول.

آ 14. الخجل والحياء. منه ما هو صالح ومنه ما هو رديء. في آ 14أ: تعليم ذاك الخجل، تعليم الخجل. اسمعوا تعليم الخجل (العبريّ).

آ 19د. العبريّ: أو: رفض العطاء لطالبه.

42 :1. هنا يبدأ مخطوط مصعدة، الذي يتضمّن ف 42 كلّه. بعد أن عدّد ابنُ سيراخ أعمالَ خجل نتجنّبها، دعانا إلى أن لا نخجل من القيام بأعمال أخرى بفعل الحياء البشريّ (4: 20 - 31).

آ 2. إذا كان »الشرّير« بريئًا، فلماذا نخجل من القول إنّه ما أخطأ. لهذا، لا نؤخذ بمحاباة الوجوه، فنفضّل شخصًا على آخر دون وجه حقّ. قد يكون الشرّير هو الغريب. فكيف نجعل الحقّ في جانب الغريب لا في جانب القريب والأخ، حسب سي؟ العدالة هي العدالة.

آ 3ب. العبريّ: جدال حول الخيرات والميراث.

آ 4أ. العبريّ: من غبار الميزان والوزن. قال الرابّينيّون في المشناة (بابا باترا 5:10): »على تاجر الجملة أن ينظّف موازينه مرّة في الشهر، وتاجر المفرَّق مرّة في السنة... بل ينظف بعد كلّ وزن«.

آ 5أ. كان كلام عن خطر التجارة في 26: 29؛ 27: 2.

آ 9. نقرأ هنا في العبريّ قطعتين (آ 9 - 11 ثمّ آ 12 - 14) مع فاصل من الفراغ. تعالج القطعة الأولى الهمّ المتواصل الذي تسبّبه الفتاةُ لوالدها. والثانية، شرَّ المرأة بشكل عامّ، مع نظرة متشائمة. رج 7: 24 - 25؛ 22: 3 - 5؛ 26: 10. في آ 19: همّ خفيّ. في العبريّ: كنز مخيِّب.

آ 11. أضاف العبريّ والسريانيّ: »لا تكن نافذة حيث تقيم، فترى الناس يدخلون ويطوفون حول البيت«.

آ 12. لهذا، يحذر الإنسانُ النساء. في آ 12أ: لا تكشف جمالها لأيّ رجل (عبريّ). في آ 12ب: »ولا تثرثر (هي) في بيت النساء«.

آ 14. هي قساوة كبيرة تجاه النساء. ذاك هو مناخ المعلّمين اليهود. ويبقى أنّ المعنى: حين تعاشر الفتاة امرأة متزوّجة، تعرف خطرًا لا تعرفه أمام رجل شرس، فظّ.

3 - شرح الآيات (40:1 - 42:14)

أ - شقاء الإنسان (40:1 - 11)

هذه القطعة حول شقاء هذه الحياة، تقابل موضوعَ الشقاء البشريّ الذي عالجه علماء الأخلاق في مصر: حوار من تعب من الحياة. تنبيهُ حكيم مصريّ. تشكيّات الفلاّح. نبوءة الحمل. نبوءة الخزّاف. ونجد أيضًا سمة التشاؤم هذا في الفكر اليهوديّ اللاحق خلال قرنين من الزمن. ناقشت مدرستا هلاّل وشمّاي السؤال التالي: هل كان أفضل للإنسان أن يُخلَق أم لا يُخلَق؟ وجاءت النتيجة: خير له لو لم يُخلَق. والأسفار المنحولة تُسمعنا التشكيّات حول ما يصيب الإنسان من شقاء: حياة قصيرة ممتلئة شرورًا، وبالتالي تعيسة. وأخيرًا نجد هذا الضيق نفسه في الأدب اليونانيّ. فشقاء الحياة على الأرض هو اعتراض على نظام كامل يُعتبَر موجودًا في العالم. إعتبرت آ 1 في العبريّ، أنّ ا؟ هو الذي فرض على الإنسان ضرورة الجهاد والصراع (ع س ق). رج »أسخوليا«. لاراحة. إنشغال. صعوبة.

هي حالة من العبوديّة والعمل الشاقّ والاضطراب المتواصل والهموم ترسلها العناية (أي 7: 1ي؛ 14: 1؛ مز 90: 9؛ جا 2: 23). هو نير يُثقل كاهل البشر ولا يستثني أحدًا (حك 7:1 - 26) منذ ولادتهم إلى »عودتهم إلى أمّ جميع الأحياء« (العبريّ؛ رج 16: 30؛ 17: 1). كلّ هذا نتيجة الخطيئة، كما قال الآباء. حين ترجم سي العبارة العبريّة (ميتارابنتون: أمّ الجميع)، ترافق كلامُه مع استعارة معروفة لدى اليونان واللاتين: الأرض الأمّ. من هنا المعنى العامّ في آ 2. نظرة إلى يوم الموت، موضوع انتظارنا. هو عذاب رئيسيّ لدى الإنسان. غير أنّ الحياة اليوميّة تتضمّن شرورًا أخرى لا يُفلت منها أحد: الأمراء وعبيدهم، الأغنياء والفقراء، عظيم الكهنة (العبريّ: على رأسه التاج والعمامة). كلّهم فريسة اضطرابات عددها سبعة (آ 3 - 4). وزمن النوم نفسه لن يكونَ حقٌّا وقت راحة (آ 5). رج 31: 1ي؛ أي 4: 13ي؛ 7: 13 - 16. قال بلاوتس في »الحبل الكبير« (593 - 595): »يتلاعب الآلهة بالبشر بشكل غريب. يرسلون إليهم أحلامًا غريبة في نومهم. ولا يتركوننا نرتاح حتّى في منامنا«.

لا يستطيع الإنسان أن يجد وقت تهرُّب، فالأحلام تشوّه عقله، تبدّل معرفته، فلا يعود يسيطر على أفكاره ويتيه. وما إن ينام (آ 6) حتّى تأتيه الأحلام المزعجة فيحسّ أنّه حارس يخاف من جميع الأخطار التي يمكن أن تهدّده. يودّ أن يُفلت فيهرب. ولكنّ العدوّ يتعقّبه. وإذ يتعب ويحسّ نفسه في أمان. يستيقظ فجأة (آ 7)، ويرى بدهشة أنّ مخاوفه من عالم الخيال (أش 29: 8). كان نائمًا في سريره! فالآلام السابقة عواطف مضطربة يخضع لها جميع البشر.

وشدّدت آ 8 - 11 على الكوارث الخارجيّة والعذابات الجسديّة التي تُصيب كلَّ خليقة، كلّ لحم ودم (39: 19) حتّى الحيوان. والخطأة ينالون عقابًا قاسيًا. فالخطيئة هي التي جلبت الألم إلى العالم وكانت سبَبَه. فالطوفان كان جوابًا على الخطيئة وعقابًا. »بسببهم كان الدمار« (العبريّ). وهكذا قُدِّم حلّ على اعتراض لا يفهم وجود الألم في كمال عالم مخلوق (39: 25، 28). هذا ما تعبِّر عنه آ 11 بشكل مثل: كما أنّ ما يأتي من الأرض يجب أن يعود إلى الأرض (41: 10؛ تك 3: 19؛ أي 34: 15؛ مز 146 :4). وكما أنّ ما يأتي من الماء يجب أن يجري إلى البحر (جا 1: 7؛ 1 أخن 17: 5 - 8). كذلك تصل الخطيئة إلى عقاب من يقترفها. ما ذكر السريانيّ والعبريّ »الماء« بل قال: »ما يأتي من فوق يعود إلى فوق« (جا 12: 7). قد نكون أمام خلود النفس بعد انحلال الجسد إلى تراب. غير أنّ هذه الفكرة غريبة عن السياق. لهذا، نتحدّث عن أعمال الخطأة الشرّيرة التي تتبخَّر فجأة، وعن تقوى الأبرار التي تثبت أمام ا؟. وهكذا يبقى الطرح الأساسيّ هو هو: كلّ أعمال الله حسنة. هي الحقيقة إطلاقًا.

ب - الخير الحقيقيّ (40:12 - 30)

ويأتي اعتراض آخر حول سموّ النظام المخلوق: غنًى اقتناه إنسان بالجور تجاه الفقر. ردّ ابن سيراخ على هذا الاعتراض فبيّن أنّ هذا الغنى ليس بثابت (آ 12 - 13؛ 9 - 11). وأنّ الذين يملكونه هالكون (آ 14 - 16؛ 11:19). أمّا الأبرار فيدومون إلى الأبد (آ 17). وما يفضَّل على جميع خيرات هذا العالم، هو مخافة ا؟ (آ 18 - 27). ويبقى التسوّل خسارة نعمة (آ 28 - 30) جاءت هذه القطعة بعد عرض الشرور التي يشارك فيها النسل البشريّ والضربات الموجّهة إلى الخاطئ، فبيّنت ما في الفضيلة من فوائد.

إذا كان الموت (آ 12 - 17) نصيب جميع البشر (آ 1 - 2)، فهو لا يضرّ بهم جميعًا بالشكل عينه. لهذا نحفظ نفوسنا من الجور، ومن الرشوة التي تصل إلى حكم جائر، لئلاّ نعاقَب بموت مبكّر لا أمل فيه. والغنى الذي جمعناه بالجور أو العنف (العبريّ)، ليس بثابت. هو يشبه سيولاً (ن هـ ر. في اليونانيّ: بوتاموس، لا »ن ح ل« كما هي العادة) تكثر مياهها في الشتاء ولكنّها تجفّ في الصيف. أو مثل ضجّة شبيهة بالرعد. تُرعب الناس ولكنّها لا تدوم (أم 10:25). وحين يكون هؤلاء الرجال في الضيق ويمدّون أيديهم ليطلبوا معونة، يضحكون عليهم، أو يشمتون بهم حين يسقطون. وكان دمارُهم تامٌّا.

يُضرَبون في نسلهم (آ 15 - 16) الذي يشبه غرسة لا تنمو، فيُحكم عليهم بالهلاك السريع. نبتوا على الصخر، أو بين القصب. ما إن يأتي وقت القيظ حتّى تيبس. أمّا سخاء البارّ فهو مثل »جنّة« تُنتج الأزهار والأثمار المباركة. والصدقة تدوم إلى الأبد، والرحمة. وينتهي هذا المقطع كما بدأ (آ 12) فيعلن استمرار الفضيلة وثمارها.

ترد في آ 18 - 27 لائحة بعشرة خيرات هي بركة الحياة. ونفهم أنّ مخافة الله هي خير الخيرات. كما نفهم أنّ كلّ أعمال الله صالحة للبارّ. إن كان للعامل والفلاّح ما يُقيته دون أن يهتمّ للغد، فمن اكتشف كنزًا يغتني سريعًا (آ 18). والأولاد الذين يحملون اسم أبيهم أو جدّهم، حسب العادة في الشرق (لو 1:58، 59)، والمدن اسم مؤسّسها. قال غريبوس في »الحبل الكبير« لبلاوتوس: »حين أصير شخصًا مشهورًا، أبني مدينة واسعة بأسوارها، وأدعو هذه المدينة باسم غريبوس، كأثر لمجدي ومجهودي«. وهكذا ينقل اسم صاحبها إلى الخلف (16: 4). وهناك فضيلة المرأة، واكتشاف الحكمة (في العبريّ، 16: 1) والخمر والموسيقى (أو الشراب كما في العبريّ) وحبّ الحكمة، أو حبّ الأصدقاء (العبريّ)، فرح الروح والقلب.

إن رغبت العينُ في مشاهدة غرض جميل، تتطلّع إلى نبات الحقل (العبريّ) الذي تُعلن ولادتُه حصادًا وفيرًا. ورفقةٌ متواصلة لامرأة قديرة (العبريّ) أعظم من علاقات متباعدة مع أصدقاء أو رفاق. وقلبٌ مملوء رحمة، سندٌ أقوى من كلّ معونة ننتظرها من الأسرة، أو تدخّل الحاكم. ونصيحة صالحة أفعل من الغنى من أجل ثبات الحياة وسعادتها. وتبقى مخافة ا؟ كنزًا يسمو على كلّ هذه الخيرات، وامتلاكُها قوّة الافتخار والثقة. هي وحدها تكفي لسعادة الإنسان (مز 34: 10) الذي لن يعرف العوز ولا الضعف.

قال اليهود لبطليموس فيلدلفوس ملك مصر: »بما أنّك تقيّ لن يحلّ بك شرّ« (رسالة ارستيس 233). هي جنّة نجد فيها كلَّ فرح وكلَّ عون مفيد، لأنّها تتضمّن حماية الله المستمرّة. وتبدو آ 27ب وكأنّها تمثّل الله وهو يوسّع مخافته المليئة بالاحترام والحبّ، في غطاء (أو: حماية) مجيد، وتأتي الخاتمة: تتفوّق البركة الإلهيّة، بالكرامة والفائدة، على جميع خيرات الأرض.

وتجعلنا آ 28 - 30 نشعر أنّنا لا نهتمّ بامتلاك الخيرات الضروريّة للحياة (11: 14، 17؛ أم 10: 22)، فنصل إلى ديانة الكسل. لهذا، يجعل الكاتب الأمور في نصابها، فيعلن أنّ حياة المتسوّل لا تليق بالإنسان. فالموت خير من هذا العار. شدّدت آ 29 على هذا الوضع المذلّ الذي يُعتبر عقابًا من الله(لا 26: 1ي؛ تث 15: 4؛ مز 37: 25). فالذي يلزق بالناس يتعرّض للذلّ القاسي (29:22ي) وتضيع شهرتُه. ثمّ يقال إنّ الفرد يتنجّس لأنّه لا يعرف الطعام الذي يقدَّم له. وينتهي المقطع (آ 30) فيقول: التسوّل هو للكسول الذي خسر كلّ كرامة واحترام. وهو يُعاقَب بما به خطئ. لا يستطيع إلاّ أن يحسّ في العمق، بتعاسة حاله من ذُلّ وعذاب. وهنا أيضًا، مخافةُ ا؟ تنقِّي من هذه الشرور بحيث يسقط الاعتراض على سموّ النظام الذي تدبّره العناية الإلهيّة. عواطف الإنسان هي التي تجعل الظرف خيرٌّا أو رديئًا.

ج - الموت (41: 1 - 13)

والموت نفسه الشرّ الكبير، الذي يشمل الجميع، لا يمسّ حكمة العناية الإلهيّة (41: 1 - 13). فالله هو من فرضه على البشريّة. هو خير لبعض الناس (المرض) وما هو شرّ مطلَق إلاّ للخطأة.

لا شكّ في أنّ فكرة الموت (آ 1 - 2) مُرّة (1 صم 15:32) للإنسان السعيد في هذا العالم، العائش في السلام، الغنيّ الذي لا همّ عنده ولا تمزّق. سَيْرُهُ سهلٌ، وما إن يقوم بعمل حتّى ينجح فيه. وفي النهاية، شهيّته صالحة فينعم بملذّات المائدة أمّا قرار (ح ق، في العبريّ، كريما، 14: 12؛ 38: 22) الموت (أو الحكم به)، فهو حلو للفقير، للإنسان الذي تلاشت قوّته، فوصل إلى شيخوخة متأخّرة. هو يتعثّر (العبريّ) بسبب عمره الكبير. وكذا نقول عن الإنسان الذي تأكله الهموم، الذي أصابه اليأس فما عاد أمينًا لالتزاماته، فما عاد له رجاء ولا صبر. لمثل هؤلاء الناس الموت نجاة (أحيقار 3: 66).

وترد اعتبارات: حين لا نقدرُ بعد أن نعيش حياة حلوة، يبدو الموت حلوًا (قال مناندريس). لا شكّ في أنّ الخوف من الموت أمرٌ طبيعي لدى الإنسان، وحبّ الحياة متجذِّر في القلب. فمهما كان الإنسان تعيسًا فهو لا يتمنّى الموت حقٌّا. يأتي خبر إيسوفوس حول إنسان يُتعبه حِملُ حطب فيطلب الموت. وما إن رآه حتّى بدّل كلامَه. الجميع يخافون الموت. وبالحريّ الأغنياء، السعداء. والنتيجة: لا نتعلّقْ بالحياة ولا بخيرات هذا العالم. نعتاد على فكرة الموت، نتأمّله، ننتظره كشيء لا بدَّ منه وعلى أنّه قريب (أي 21: 23 - 26). ذاك هو موضوع الآيات التالية.

مهما يكن وضعُ الإنسان (آ 3 - 4) فعليه أن يقبل الموت دون أن يقنط من مصيره، فهو لا يُفلت منه (آ 3). فلا امتياز لأحد، وهذا ما يعزّي: »من سبقك ومن تبعك (الأجداد والأحفاد، جا 1: 11) يكونون معك« (العبريّ). ثمّ ما فائدة التمرّد على قرار الله الذي لا يتبدّل، الذي يصيب جميع البشر (آ 4). فنحن في قتال ونعرف أنّنا نموت. فلماذا اليأس؟ لماذا لا نقبل الموت ونستسلم لإرادة الله؟ ومهما طالت الحياة على هذه الأرض، فلها نهاية. وحين نكون في الشيول (مثوى الأموات)، لن نهتمّ بأن نكون مُتنا باكرًا أو طالت أيّامنا. في هذا المعنى نفهم آ 4د: لن يجادلك أحد هناك (ي ك ح، في العبريّ). حين يموت الإنسان، لن يعاتب الحياة لأنّها تخلّت عنه (جا 6:6). روى سينيكا عن أرسطو أنّه أراد أن يحاجج الطبيعة بسبب الحياة القصيرة (الحياة القصيرة 1: 2). ما الفائدة من ثورة على الموت نقوم بها اليوم؟ أمّا الحكمة فتقوم بأن نقبل القرار الإلهيّ بدون تذمّر.

إذا كان على الإنسان أن لا ينهمّ (آ 5 - 10) من طول الحياة، ففكرةُ الموت تشجّعه على الحياة. في الواقع، موتُ الخطأة كارثة حقيقيّة. ويُصابُون في نسلهم. أولادهم يشبهونهم بالعار والوقاحة. ويكوّنون مجتمعًا رأى الناس مثله في القرن الأوّل ق.م. لا يعرفون أن يحافظوا على ما تركه لهم الآباء من خير فيبذّرونه، وفي النهاية يَلعنون (العبريّ آ 7) من أورثهم حياة من العار. ويستعيد ابن سيراخ هذا الكلام ليوجّهه إلى اليهود الجاحدين الذين أخذوا بعادات الوثنيّة الهلّنيّة ومعتقداتها (آ 8؛ 1 مك 2: 23؛ 3: 6ي) ومنهم عائلة عظماء الكهنة. كانت حياتُهم وموتهم إلى التعاسة (آ 9). قال العبريّ: الأولاد حزن. لسقوطكم فرح للعالم وشماتة. موتكم للعنة. كلّ ما يأتي من الباطل يعود إلى الباطل. والخاطئ التائه (ت هـ و) يظلّ في تيهان. حياة فارغة. هذه الاعتبارات حول الموت تذكّرنا بما عرفناه عن الصادوقيّين.

فإن بدأ الجسم ينحلّ (آ 11 - 13)، لماذا نهتمّ، »والإنسان في جسمه باطل« (العبريّ)؟ ولكنّ ذكر الخطأة يُمحَى سريعًا. أمّا اسم الأبرار فيدوم بعد موتهم (أم 10:7). في آ 6 قابل العبـريّ بين انحلال الجسم وشهـرة الفضيلـة التي لا تزول (آ 11ب). هذا يعني أنّه إن أصاب الموتُ الجميع بدون استثناء، فعلى الأبرار أن يتشجّعوا في حياتهم وينتظروا الذكر الطيّب والاسم الدائم. فالاسم الحلو يرافق النفس بأمانة، لا الخيرات المادّيّة التي يمكن أن نخسرها (آ 12). وتوجز آ 13 المقابلة، كما في العبريّ: سعادة الحياة هي سعادة أيّام معدودة، وسعادة الاسم أيّام لا عدّ لها (37:25؛ أحيقار 3:6 - 65؛ سينيكا، الحياة القصيرة 15:3ي).

د - الحياء الحقيقيّ والحياء الكاذب (41:11 - 42:14)

يعالج هذا المقطع الأخير نوعين من الحياء، من الخجل: الفاضل (41:14 - 27) والخاطئ (42:1 - 8). ويطبّق هذا الكلام على المرأة (42:9 - 14).

في آ 14 - 16 نقرأ توطئة لهذا المقطع في العبريّ: »تعليم عن الخجل. اسمع، يا ابني«. هي عاطفة احترام ومخافة وخجل (عد 12:14). أراد ابن سيراخ أن يضع في قلوب تلاميذه نظرة دقيقة عن الخجل، في وقت أخذ فيه المؤمن يخجل من إيمانه. قال العبريّ في آ 16 ج: لا نختار كلَّ خجل.

وإليك الأمور التي يجب على اليهودي التقيّ (آ 17 - 27)، في القرن الثاني ق.م.، أن يخجل منها: سلوك سيِّئ أمام الوالدين، الكذب والغش أمام السلطة (العبريّ)، أمام القضاة (آ 18). كان اليهود يخدمون الملوك والملكات. فلا كذب في مثل هذه الخدمة: نخجل حين نتجاوز شريعة موسى. من عمل جائر، ماكر (العبريّ) أمام الأصدقاء (آ 19)، من السرقة أمام الجيران، ولا سيّما في أرض الغربة (الغريب يكون أديبًا) بحيث تخجل منّا أمّتنا. نخجل حين ننسى قسَمًا أقسمناه أو عهدًا قمنا به (آ 20أ). في آ 20ب: نرفض عطيّة طُلبت منّا، كما قال العبريّ، ونحن نهين الشخص. شخص لا أحشاء له ولا رحمة (4:8؛ 1 صم 25:2 - 13). ونخجل حين لا نردّ التحيّة، حين ننظر إلى البغيّ، حين نميل بنظرنا عن والدينا.

فمن أحسّ بالخجل أمام هذه الأعمال، كان خجله حقيقيٌّا، لاكاذبًا، فاضلاً، بحيث يحترمه الجميع. وهكذا قدّم ابن سيراخ قواعد سلوكيّة لأهل الشتات في علاقاتهم داخل الجماعات. هكذا يحلّ السلام والعدالة والرحمة بين اليهود، فينالون احترام الوثنيّين كما في آ 27. في هذا الخطّ، نقرأ 1 كور 6:1ي؛ 10:32؛ فل 2:15؛ 1 تم 6:1؛ تي 2:8؛ 3:3.

وبعد أن عدّد ابن سيراخ ما يدعو إلى الخجل الحقيقيّ (42:1 - 8) عاد إلى ما يجب أن لا نخجل منه (4:20 - 30). فالحياء البشريّ خطيئة خطيرة، حين نُخفي معتقداتنا لئلاّ يهزأ الناسُ منّا (يع 2:1). فالخجل أمام الوثنيّين من شريعة ا؟ وفرائض موسى، هو ينبوع تجاوزات بحيث يقودنا إلى أن نجحد إيماننا. لا خجل في عدالة نقوم بها تجاه الوثنيّ والغريب إن كان بريئًا. هذا ما يعارض المبدأ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا. بل ننصح أخانا بأن لا يظلم أحدًا. ونساعده إن هو ظُلم.

لا نخجل إن طالبنا بدَين. إن طالبنا بميراث لنا، أو بحقوقنا. والتاجر لا يستعمل المثاقيل الكاذبة (آ 4). وربّ البيت لا يخجل من تأديب أولاده ومعاقبة خدمه (33:26ي). فهذا أعظم عمل يقوم به، ولا يخجل إن هو رفض كلام البلداء.

في آ 9 - 11 نصل إلى أخلاقيّة الفتاة والمرأة (26:10 - 12). فالفتاة تحمّل والدها الهمّ. هي مثل كنز غشّاش (العبريّ) يمنع عنه النوم، حين تكونُ بعدُ صغيرة. هي لم تجد من يتزوّجها. أو إن هي تزوّجت، أن يكرهها زوجُها ويأخذ غيرها (تث 21:15). وقد يصاب صيته من تصرّف ابنته. لهذا عليه أن يسهر (آ 11) لئلاّ يشمت به أعداؤه (اسمٌ رائحتُه كريهة، العبريّ) ويصبح حديث المدينة. »في جماعة الباب« (العبريّ). هي تجتمع عند باب المدينة.

وتقدّم آ 12 - 14 إجراءات يقوم بها الوالد الذي يهمّه كرامته وكرامة ابنته، في العبريّ. في اليونانيّ، تبدو النصائح وكأنّها تتوجّه إلى الفتاة. هناك اختلاف بين حضارة وحضارة. ويكون الكلام قاسيًا بالنسبة إلى المرأة: »رجلٌ يُسيء، خيرٌ من امرأة تُحسن«. وفي النهاية، المرأة (أو: الفتاة، كما في العبريّ) التي تسوء سمعتها، هي عار لوالديها، بل هي خطر للجماعة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM