الفصل 20: بين بني اسرائيل والمصريّين

بين بني اسرائيل والمصريّين (16:1 - 29)

أ - المقدمة

ها نحن نعود إلى المقابلة بين ضربات حلّت بمصر، وخيرات (مياه) أُغدقت على بني اسرائيل (11:5 - 14). وذكّرنا الكاتب بالضربات المتأتيِّة عن الحيوانات كعقاب لخطايا المصريين. عبدوا الأصنام، فكان لهم ما استحقّوا. وبعد اعتبارات على طريقة الله في معاقبته للبشر، واستطرادات عن عبادة الأصنام، عاد الكاتب إلى المقابلة بين الاسرائيليين والمصريين. فالنقيضة الثانية تستند إلى الضفادع، وتجد ما يقابلها في السلوى. والنقيضة الثالثة تُقابل ضربةَ الجراد والذباب بالشفاء الآتي من حيّة النحاس. فالذي يقدر ان يخلِّص من كل سوء، يشفي الكلَّ بكلمته، وله سلطان على الحياة والموت.

وترك الكاتبُ الضربات المتأتية عن الحيوانات، فعاد إلى البرَد الذي يناقضه عطاء المن الالهي. ضربةُ البرَد عرفت الماء والنار، وعطية المن تنعمّت بكل الصفات. وهكذا أراد الله أن يعطينا درسين. الأول: الطعام الحقيقي لأبناء الله هو كلمة الله. الثاني: يجب أن نستفيق قبل طلوع الشمس لنصلّي إلى الرب ونشكره.

ب - تفسير الآيات الكتابية

1 - السلوى والحيوانات المضرة (16:1 - 4)

نجد تقاربًا بين هجوم الضفادع (الضربة الثانية التي حلّت بالمصريين) ومعجزة السلوى، تلك الطيور التي أرسلَها الله طعامًا لشعبه.

(16:1) قدّم المصريون للحيوانات عبادة لا تليق الا با (15:18 - 19)، فوجب أن يُعاقَبوا بهذه الحيوانات عينها (11:16).

(آ 2) أما الله فأعطى شعبَه خيرات عميقة بواسطة الحيوانات، أعطاهم طعامًا غريبًا، السلوى (خر 16:9 - 13؛ عد 11:10 - 32؛ رج مز 78:26 - 29؛ 105:40). اهتمّ الكاتب بكرامة شعبه فما أشار إلى تذمرهم (خر 16:2 - 8)، ولا إلى غضب الرب عليهم (عد 11:33 - 34؛ مز 78:3 - 31).

(آ 3 - 4) وجاع المصريون أيضًا، وما استطاعوا، رغم جوعهم، ان يأكلوا، بسبب شناعات هذه الحيوانات، هذه الضفادع (خر 7:28 - 29؛ 8:2). إذًا هناك مقابلة بين مضطهِدين أحسّوا بالجوع رغم الوفر الذي لهم، وبين مظلومين أحسّوا موقتًا بالجوع (ليفهموا خطورة عقاب أعدائهم) قبْل أن يعطيهم الربُّ طعامًا.

2 - الجراد وحية النحاس (16:5 - 6)

نجد هنا أيضًا تقاربًا بين تكاثر البعوض والجراد (الضربتان الثالثة والثامنة اللتان حلتا بالمصريين) وشفاء بني اسرائيل الذين لدغتهم حيّات سامّة.

(آ 5) وهلك عدد كبير من أبناء الشعب المختار بفعل الحيات السامة (عد 21:6 - 9) الملتوية (رج أش 27:1). ولكن غضب الله لم يَطُل (رج 18:20).

(آ 6) كان هذا العقابُ الموقتُ تنبيهًا (11:10) سيُعرَض هدفهُ في ما بعد (آ 11). وأعطاهم الله مع العقاب، علامةَ خلاص تذكّرهم بالشريعة التي هي ينبوع حياة. اما العلامة فهي الحية النحاسية التي نصبها موسى إطاعة لأمر الله.

(آ 7) لم يكن لهذه الحية قوة سحرية (2 مل 18:4) بل كانت علامة (عد 21، 8 حسب السبعينية). فمن التفت إلى الحية النحاسية بثقة وتوبة، شفاه الرب الذي يخلّص وحده التعساء (هو 13:4؛ أش 45:15، 17 - 22؛ 49:6). نشير إلى ان الحية النحاسية ومخطط الخلاص الشامل موجودان في نص واحد: يو 3:14 - 17.

(آ 8) وسيعرف المصريون (بواسطة القوافل) معجزة الخير هذه، وأن لاله اسرائيل قدرةً لا نجدها عند الآلهة الكاذبة.

(آ 9) ذكر خر 8:16 - 20 البعوض (أو الذباب هنا) والجراد (خر 10:4 - 15)، وأشار إلى أن هذه الحيوانات تكاثرت. غير أن هذه الضربة لم تسبّب الموت للمصريين، بل اكتفت بإيلامهم بعد أن نفد كلُّ دواء. استحقّوا أن يعاقبهم الله، فعاقبهم عقابًا قاسيًا بوسائل بسيطة.

(آ 10) ولكنه شفى أبناءه وبناته، رغم أنياب الأفاعي السامة. فرحمتُه عَمِلت.

آ 11) خفّف الكاتب من حدة الضربة. اما عد 21:6 فقال: »لدغت الشعب، ومات قومٌ كثيرون من بني اسرائيل«. عاقب الله وشفى، وهدفُه ان ينبّه شعبه، ويعيدهم إلى ممارسة الشريعة التي هي شرط لنوال خيرات الله.

(آ 12) تمّ الشفاء لا بنبات أو مرهم (فيلون، ذبيحتا هابيل وقايين، 70)، بل بكلمة الرب التي تعبِّر عن إرادته (أش 55:10 - 11؛ مز 33:9؛ 107:20)، أجل، تّم الشفاء بصلاة رُفعت إلى الله (عد 21:7) الذي يستجيب الدعاء. أما عند فيلون، فالحية النحاسية ترمز إلى الحكمة التي تشفي من كل مرض وميل شرير. ويسوع اعطى المعنى الأخير لهذا الحدث: رَفعُ الحية يرمز مسبقًا إلى رفعِ المسيح على الصليب كينبوع خلاص للذين يؤمنون به (يو 3:14 - 15).

(آ 13) ونستنتج العبرة اللاهوتية: الله وحده يملك سلطان الحياة وسلطان الموت (تث 32:39؛ 1 صم 2:6؛ طو 13:2). سلطانُه مطلقٌ على مصير البشر. إنه ينجّي من المرض (أش 38:10، 17؛ مز 30:4)، ومن خطر الأعداء الأقوياء والظالمين (مز 9:14؛ 107:18 - 19). ويقدر أن يُعيد إلى الأرض النفسَ التي نزلت إلى الجحيم، ويجمعها إلى الجسد (1 مل 17:17 - 21؛ 2 مل 4:33 - 35؛ 13:21).

(آ 14) ولكن سلطان الانسان محدود: هو يقدر أن يقتل، ولكنه لا يقدر أن يُعيد الحياة الى الضحية. الجحيم (هاديس في اليونانية، شيول في العبرانية): مثوى الأموات، أكانوا أبرارًا أم أشرارًا، وهو شبيه بسجن تُغلق أبوابُه (أش 38:10؛ أي 17:16؛ 38:17).

3 - البرَد والمن (16:15 - 29)

(آ 15) لا يهرب أحدٌ من يدك. ونقرأ في أش 43:13: »قال الرب: منذ البدء انا هو، ولا منقذ عن يدي. أفعل ومن يردّ« (رج تث 32:39؛ عا 9:2 - 4). اما المثل على قدرة الله فهو أن نار البرق أصابت الأشرار، وأن نعمة المن أعطيت لبني اسرائيل.

(آ 16 - 17) الكافرون هم: المصريون الذين رفضوا أن يعرفوا الاله الحق (12:27)، فعاقبَتْهم قدرتُه. ذكر الكاتب هنا الضربة السابعة (خر 9:13 - 35). نزلت عاصفة على البلاد واحرقت البروقُ الغلال رغم المياه القليلة في هذه البلاد (تث 11:10 - 11). فكأني بالمياه ضاعفت من قوة النار. أورد فيلون هذه الضربة في كتابه »حياة موسى« (1:14، 18) وقال إن البروق قتلت عددًا من المصريين. أجل، تدخّلت العنايةُ من أجل الصالحين، ففهم المضطهِدون واطلقوا الشعب.

(آ 18 - 19) حسبَ الكاتبُ أن الضربات الأولى لم تتوقّف عند بروز الضربات اللاحقة، بل كانت تتكدّس... هنا توقفت النار لئلا تحرق الوحوش التي أُرسلت لمعاقبة الكافرين، غير انها أحرقت غلة الأرض.

(آ 20 - 21) وبدأ الحديث عن عطاء المن. فا الذي عذّب المصريين، أرسل إلى شعبه طعامًا علويًا (عد 11:7 - 9؛ خر 16:1ي). المن هو طعام الملائكة كما يقول مز 78:25 في السبعينية (في العبرية: هو طعام الأقوياء). طعام لم يتعبوا فيه. أو: لم تتعب انت فيه ولم تملّ.

كان هذا الأكل كبزر الكزبرة. »وطعمه كقطائف بعسل«. هكذا قال خر 16:31. اما حك فشدّد على حلاوته التي ترمز إلى الله (مز 34:9؛ 119:103). وتشير التقاليد اليهوديّة إلى ان طعمه كان يلائم كلَّ ذوق.

قابل يسوع بين المن والافخارستيا (يو 6:49)، وعلى خطاه سار آباء الكنيسة. ولكن عطيّة المسيح تجاوزت كلَّ عجائب المن.

(آ 22 - 23) كالثلج والجليد. كذا كان المن الذي قابله خر 16:14 بالجليد وعد 11:7 (حسب السبعينية) بالثلج. رج حك 19:21. النار المذكورة هنا هي نار الموقد المستعملة لتهيئة الطعام (عد 11:8).

(آ 24) والأمثولة: الخليقة وكل قوى الطبيعة تخضع للخالق. تقسو على الخاطئين إذا شاء الله، وتلين من أجل الذين يثقون بالرب.

(آ 25) ولهذا كانت الخليقة تتحوّل (هكذا كان يفكر الفيزيائيون في العصور القديمة) لتكون طوع مشيئتك، التي تجود بالخير على كل محتاج (مز 104:27 - 28؛ 136:25؛ 145:16؛ أع 14:17).

(آ 26) والأمثولة اللاهوتية: يتعلّم الأبرار أن ثمار الأرض لا تغذّي الانسان، بل الكلمة الخلاّقة التي تحفظ كل المؤمنين بالرب. هنا نلتقي مع تث 8:3 حسب النص اليوناني: »أطعمتك المن لأعلمك ان الانسان لا يعيش بالخبز فقط، بل يحيا بكل كلمة (في العبرية: كل ما يخرج) تخرج من فم ا«. هذا هو النص الذي استعمله يسوع ليجيب الشيطان (مت 4:4؛ رج عا 8:11؛ أم 9:1 - 5؛ سي 24:19 - 21).

(آ 27) وينتهي الحديث عن المن: ما لم تُتلفه النار، ذاب حين لحقه أولُ شعاع من الشمس.

(آ 28) العبرة الأولى: نستفيق قبل طلوع الشمس، لنسبِّح الخالق على عطاياه.

(آ 29) العبرة الثانية: المن الذي يذوب، يشبه ناكر الجميل الذي يزول رجاؤه كجليد شتوي، ويذهب كماء لا منفعة فيه. الله يحب ان يعطي، ولكنه يوقف عطاياه عندما لا يعرف الانسانُ ان يشكر الله الوهاب.

ج - الخاتمة

الأصناميّة المصريّة تهدّد الجماعة اليهوديّة في الاسكندريّة. فذكّرهم الكاتب كيف أن مصر، التي اضطهدت وعبدت الأصنام، نالت عقابًا متأتيٌّا من كوارث طبيعيّة. أما بنو اسرائيل، فنالوا الخير في البرية. وإذا حلّت بهم »ضربة«، كانت لتربيتهم وتهذيبهم ودعوتهم إلى التوبة. وهكذا نقل إلينا حك يقينه بأن الكون كلّه يأخذ جانب البار. فالطبيعة التي خُلقت لتخدم مخطّط الله، تثأر لنفسها بقساوة من الذين يضعون يدهم عليها، ليُشبعوا عطشهم إلى الغن

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM