الفصل 19: شعب اسرائيل وعبادة الأوثان

شعب اسرائيل وعبادة الأوثان (15:1 - 19)

أ - المقدمة

وتوجّه الكاتب أيضًا إلى الله في صلاة هي مزيج من نشيد حمد وفعل إيمان. فأبرز صورة اللّه الحي أمام الأصنام العاجزة والميتة. وقابل بعالم الأوثان، وضعَ الشعب اليهودي المميَّز الذي اعتاد على صورة إله صالح وحنون، وانتظر غفران خطاياه، وانطلق في طريق الخلود، لأنه يملك معرفة الله الحقة.

أجل، إن معرفة الله الحي هي ينبوع خلود، وقد حفظت بني اسرائيل من عبادة الاصنام. أما الذين يصنعون الاصنام، فينسون انها خلائق وحسب. وينسون الله خالقهم. وما يثير الاشمئزاز والشفقة في قلب الكاتب، بلاهةُ أبناء عصره وبلده (أي مصر) الذين يعبدون أصنامًا لا عدّ لها، بل يعبدون حيوانات قبيحة استثناها الله نفسه من بركته، فصارت نجسة.

ب - تفسير الآيات الكتابية

1 - سعادة شعب اسرائيل (15:1 - 6)

سعادةُ شعب اسرائيل أنه نجا من عبادة الأوثان. أجل، حما الله شعبه من الانحطاط الخلقي الذي عرفه الوثنيون، وفتح أمامهم الرجاء الأبدي المحفوظ للذين يؤمنون بالاله الحق. ولهذا نقدم له الشكر.

(15:1) الاصنام آلهة كاذبة وعاجزة ومصدر كل شر. أما الاله الذي يعبده بنو اسرائيل، فهو الرؤوف والصادق والحقيقي. إنه طويل البال (مز 86:15؛ خر 34:6 - 7؛ عد 14:18؛ نح 9:17)، صبور على ضعف الذين يتعبّدون له، ويدبِّر الكون بالرحمة.

( الله 2) ويُعرَف صلاحُ الله من تصرفه مع شعبه، حتى في حالة الخطيئة. يقدر الوثنيون أن يستسلموا إلى الخطيئة (14:29)، أما بنو اسرائيل فمحفوظون من الخطيئة لأنهم ينتمون إلى الله أو لأنهم يخافون عقابه (11:21). وإذا خطئوا، فإنه يردّهم إلى الطريق القويم (11:9 - 10). وهكذا يبقى الشعبُ حصةَ الله ومقتناه.

نخاف عقابك، يا ربّ، فلا نسير في طريق الهلاك. ونثق برحمتك فنطلب غفرانك. وهكذا لا نخطأ، لا نقترف هذه الخطايا الكبيرة المذكورة في 14:23 - 26.

(آ 3) وهذا العلم. أي نعلم من أنت. ومعرفتكُ معرفة حقّة ينتج عنها تعلّق النفس بك والخضوع لقدرتك. الصلاح أو البر: توافق الفكر والعمل مع ارادة الله كما تعبِّر عنها شريعته. قال إر 9:23: »ليفتخر المفتخر بأنه يعرفني، وأنه يعلم أني أنا الرب المجري الرحمة والحكم والعدل في الأرض«. وسيقول يسوع: »الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الاله الحق وحدك، ويعرفوا الذي أرسلته يسوع المسيح« (يو 17:3؛ رج عب 11:6). بدأت الحياة الأبدية بالإيمان با الحق.

(آ 4) الأمانة  منعت الشعب من الضلال. وفي الواقع، ظلّ الشعبُ اليهودي اجمالاً أمينًا لديانة التوحيد بعد الجلاء. أما اليونانيون، فأحبوا أن يَطلوا تماثيلهم بمختلف الألوان (13:14). نحسّ بالسخرية في هذا الكلام (14:20).

(آ 5) روى ارنوبيوس اليوناني أن بغماليون القبرصي أُغرم غرامًا جسديًا بصنم من العاج. أجل، لم يكتفِ بالتعبّد للأصنام، بل اشتهاها كما يشتهي الرجل امرأة.

(آ 6) وهكذا ستخيبُ آمالُ صانعي هذه الاصنام وعابديها. إنهم أحبّاء الشر، كما أن الأبرار هم أحبّاء الحكمة (8:2). إذًا التوحيد ينبوع كل خير، والشرك أصل كل شر.

2 - جنون صانعي الاصنام (15:7 - 13)

(آ 7) وبعد أن حكم الكاتب على الاصنام، عاد إلى صانعيها، فرسم أمامنا خزّافًا. نحسُّ هنا بقرف عابد إلهٍ لا يريد له صورة من كل هؤلاء الخزّافين الذين ملأوا السوق بآلهتهم الرخيصة الثمن. تتواتر صورة الخزّاف في الكتاب المقدس (أش 29:16؛ 45:9؛ إر 18:4؛ سي 28:29 - 30؛ روم 9:20 - 21). ويختلف الخزّاف عن النجار (13:11ي). فهذا يستلهم فكرة دينيّة، أما الخزّاف فيصنع آنية لكل الخدم الشريفة والخسيسة، ويقرّر بنفسه استعمال ما يصنعه.

(آ 8 - 9) يستعمل الخزاف الطين ذاته ليصنع الهًا باطلاً، أي غير موجود، عكس الاله الحق (12:27) الاله الذي هو (13:1). ولكن كيف يصنع الهًا ذلك الذي جُبل من التراب وسيعود إلى التراب (تك 3:19؛ أي 10:9؛ 34:15؛ سي 17:1)؟ لا يهتمّ الانسان بأواخر أيامه التي يذكّره بها الطينُ الذي يشتغله (تك 2:7؛ 3:19)، بل بمنافسة الصاغة في صناعتهم المزَّيفة. ما يصنعه هو أيضًا مزيَّف.

(آ 10) قلبُ هذا الخزاف مثل التراب (رج أش 44:20 حسب السبعينية). ورجاؤه احطُّ من الطين الذي يشتغل فيه، وحياتُه أقل قيمة من الطين الذي يصنع منه صنمًا: الطين يفيد، أما عمله فلا يفيد.

(آ 11) كل هذا يحدث، لأنَّ الخزاف جهل الله الذي جبله (تك 2:7 - 8؛ 15:19؛ أش 64:7)، ونفخ فيه النفس. عاد الكاتب إلى تك 2:7، واستبعد كلَّ فكرة تقول بان النفوس خُلقت قبل الاجساد. وأعلن أن في الانسان عنصرين: النفس أو الروح والجسد.

(آ 12) كان على الخزاف أن يعرف أن المائت لا يصنع حيا، وذلك من خلال عمله. إلا أنه تصرف تصرفًا صبيانيًا، وبحث عن الربح السريع مهما كلف الأمر.

(آ 13) يعرف هذا الخزاف أنه من الخاطئين، لأنه يصنع من طين واحد تماثيل وأوعية سريعة العطب.

3 - جنون عابدي الاصنام (15:14 - 19)

(آ 14) بعد استطراد طويل (13:1 - 15:13)، عاد الكاتب إلى المصريّين الذين هم أجهل الجهال، بل أجهل من الأطفال. أخضعوا شعب الرب مرة أولى في زمن الخروج، ومرة ثانية على عهد البطالسة (فيلوباطور، 222 - 204، فسكون، 146 - 117 وخلفاؤهما).

(آ 15) ولماذا كان المصريون جهالاً؟ لأنهم ما اكتفوا بالتعبّد لآلهتهم الخاصة، بل تعلّقوا بآلهة الشعوب الغريبة، وكوَّنوا هكذا تلفيقًا دينيًا. هذه الأصنام لا تُبصر... رج مز 115:4 - 7؛ 135:15 - 17، ونتذكّر النقائض في 13:18 - 19: الاذن هي للسماع ولكنها لا تسمع، والأصابع للمس وهي لا تلمس.

(آ 16 - 17) ولا نعجب من عدم الحركة عند الاصنام، فصانعُها صائر إلى الفناء. هو لا يستطيع أن يصنع كائنًا مثله، فكيف له أن يصنع الهًا. انه مائتٌ، ولا تصنع أصابعه إلا الموت.

(آ 18) الناس، أي خلق الله. بارك الله كلَّ الكائنات الحية ووجدها حسنة (تك 1:21، 25، 31). بعد الخطيئة لُعنت الحية (تك 3:14 - 15)، وعلى مثالها تُلعن هذه الحيونات، آلهة مصر، لأنها لم تبقَ في النظام الذي حدَّدته العناية الالهية، فخسرت المديح والبركة.

ج - الخاتمة

قابل الكاتب بين شعب اسرائيل الذي يخصّ، في العمق، الربّ، وإن تكرّرت خياناتهم، وبين عبّاد الأصنام الذين صاروا ألعوبةً في يد الجشعين وصانعي الآلهة الكاذبة. وذكرَ أيضًا المصريّين الذين عبدوا الأصنام، فهيّأنا لقراءة ضربات مصر قراءة تختل90% error accessing QuarkXPre

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM