بركة يعقوب لأبنائه

بركة يعقوب لأبنائه

سفر التكوين الفصل 49-50

الحلقة 69:

يجب أن نفهم أوّلاً أنّنا لم نكن هنا أمام تقريرٍ خرفيّ لما حدث ليعقوب. فالكاتب كتب بعد ذلك الوقت بكثير، ساعة كانت يهوذا قبيلة كبيرة جدٌّا. لملكها داوود ثمّ سليمان ثمّ رحبقام ثمّ سائر ملوك يهوذا.

وكتب الكاتب أيضًا هذا الكلام ساعة كانت افرائيم في شخص يوسف قبيلة جدٌّا في مملكة الشمال بعاصمتها السامرة.

قرأ الكاتب التاريخ المتأخّر وجعَلَهُ في فم يعقوب الذي سبقه تقريبًا بألفِ سنة. نحن هنا أمام شاعر، أمام كاتب مُلهم، نظر إلى القبائل في أيّامه، وشدَّدَ على قبيلتين مهمّتين: قبيلة يهوذا، وقبيلة افرائيم، في شخص يوسف.

ويبدأ الكلام عن كلّ قبيلة فيتذكَّر التاريخ الذي عاشته. البكر هو راؤوين، لماذا لم يكن لراؤوين وهو البكر المُقام الأوّل مع أنّه يُسمّيه هنا بكري، قوّتي، باكورة رجولتي.

لماذا لم يكن راؤوين الأوّل؟ سيقول لماذالله لأنّك علوتَ فراش أبيك فحرَّمت جاريتين عليَّ.

يروي الكتاب ف »35-22« كيف أن راؤوين زنى مع امرأة أبيه أو بالأحرى مع جارية أبيه، فما عاد يعقوب يقرّبُ من هذه الجارية. بدأ حياته في الزنى، بدأ حياته عكس ما تطلب الشريعة التي تفرض على الإنسان أن لا يكشف عورة أخته، امرأة أبيه...

ولكن راؤوين تعدَّى هذه الشريعة فاستُبعِدَ عن البركة التامّة. لا شكّ يُحدِّثُنا عنه فيقول: فاضلٌ من الرفعة، فاضلٌ في العزّ. هائجٌ كالسير لا تُفضّل ولكن علوت فراش أبيك، فحرَّمت جاريتي عليَّ. ولهذا السبب لن يكون لراؤوين المقام الأوَّل مع سائر القبائل.

في آ 5 نتعرّف إلى قبيلتين: شمعون ولاوي.

ماذا يقول التاريخ عن شمعون؟

شمعون كانت في الجنوب، ثمّ ذابت في قبيلة يهوذا وتشتّت سكّانها هنا وهناك. فلم يعد لها من اسم. أمّا لاوي، لاوي أيضًا فتشتّتت هنا وهناك. ولكن ما يُخلِّصهُ هو أنّه سيُصبح فيما بعد القبيلة الكهنوتيّة، التي كانت مشتّتة في الأساس في طول البلاد وعرضها حيث وجدت معابد وُجد بني لاوي. ولكن بعد إصلاح يوشيّا سنة 622، اجتمع بنوا لاوي، اجتمع الكهنة واللاويوّن كلّهم حول معبد أورشليم الذي صار الموضع الوحيد الذي تذبح فيه الذبائح، الموضع الوحيد الذي كما يقول نصّ سفر التثنية: اختاره الربُّ له.

ماذا يقول هذا النشيد عن شمعون ولاوي؟ يقول سيوفهما سلاحُ العنف، مجلسهما لا أدخُلُه، ماذا فعلالله هنا يتذكّر النصّ سفر التكوين حيث هما على حامور هناك في شكيم وقتلا من قتلا بعد أن مارسا الختان مع رجال تلك المدينة. مارسا العنف عنف السلاح، يقول يعقوب مجلسهما لا أدخله، هذا يعني أنّ يعقوب يرفض العنف، نلاحظ أيضًا التبدّل عند يعقوب الذي يرفض العنف، يرفض السيف، يرفض القتال، يقول: في صحبتهما لا أبتهج، ففي غضبهما قتلا بشرًا. قتلا شكيم وكلّ أهل شكيم وفي نقمتهما عرقبا ثورًا أو اقتحما سورًا يعني قاما بالحرب، ملعون غضبهما فهو شديد وغيظهُما لأنّه قاسٍ، سأفرّقهما بين بني يعقوب. وكما قلت: تشتّت شمعون إلى ان ذاب في يهوذا. أمّا لاوي فشتّت ايضًا في طول البلاد وعرضها قبل أن يجتمع في أورشليم حول المذبح. ونصل بعد راؤوبين، بعد شمعون ولاوي إلى يهوذا. لا شكّ في أنّ يهوذا هو الصورة المحبّبة، الصورة الأهمّ في هذه اللوحة. هذا يعني أنّ هذا الشعر الذي وُضع في فم يعقوب كتب ساعة كانت يهوذا في شخص داود وسليمان في قمَّة المجد. يهوذا بحمدُك إخوتك. أكيد لأنّ يهوذا في شخص داود خلّص إخوته من الحروب التي تحيط بالشعب. سواء مع الفلسطيّين، مع المؤامبيّين، مع الأدوميّين، مع الآرامييّن وحتّى مع الفقينيقيّين، بين داوود وسليمان من جهة، وأحيرام من جهة ثانية. وهذا التعاون سيصل إلى مملكة الشمال مع آخاب إذًا هناك تعاون تامّ. إذًا يحمدُك إخوتُك لأنّك حملت إليهم السلام. ويتابع يدُك على رقاب أعدائك. هذه الصورة تعني النصر. عندما توضع اليد على الرقبة علامة النصر. نتذكّر هنا ما كان يحدُث في القديم حينما كان الملك المنتصر يدوس رقبة الملك المغلوب على أمره ليصعد حصانَهُ. ويتابع، يسجُدُ لك بنو أبيك، يسجُدُ لك كما يسجدُ للملوك. هكذا سجد إخوة يوسف ليوسف، وهكذا يسجُد الناس للملك داوود ومن بعده سليمان.

يهوذا شبلُ أسد، هنا نعود إلى سفر العدد »24-9« حين أراد للعام أن للعين »شعب اسرائيل« فإذا هو في الواقع يباركُهُ. هو أسد ابن اسد، هو قويّ إبن قويّ.

يهوذا شبل أسد هو أقوى من الأقوياء. من الأطراف صعدت يا ابني. الأطراف نتذكّر أنّ قبيلة يهوذا كانت في جنوب أرض فلسطين. في طرف الأرض، فصارت في قلب الأرض. صارت في أورشليم عاصمة البلاد. كأسدٍ يركع ويربض وكلبوةٍ فمن يُقيمهُ. نلاحظ هنا أربع مرّات هذه الكلمة، شبلُ أسد أسد لبوة. إذًا عندنا هنا أربع كلمات تجعلنا أمام الأسود. تجعلنا أمام قوّة لا يتجاسر أجد أن يقترب منها. ويتابع بـ آ 10 فيقول: لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا السلطان من صُلبهِ. يعني سلالة داود ستبقى إلى الأبد. والسلالة الملكيّة تصوّر بكلمة الصولجان وبكلمة عصا السلطان. إذًا يهوذات هو ملك ثمّ أبناؤه هم ملوك، داود هو ملك وفي صلب داود ستبقى الملوك، في قراءةٍ أولى علامة على نسل داود ولكن هذا النسل سيتوقّف سنة 587 حين يؤخذ الملك إلى المنفى والشعب إلى المنفى وتدمّر أورشليم ويحرق الهيكل. وهكذا في الواقع العبراني سيزول الصولجان من يهوذا وعصا السلطان من صلبه أي من سلالة داود.

لكن يتبوّأ في شيلو من له طاعة الشعوب، هنا ينظر الكاتب إلى أبعد من الملك الأرضيّ، إلى الملك الذي يرسله الله من عنده. هذا الذي تطيعه جميع الشعوب. مازال الشعب اليهوديّ ينتظر هذا الذي يتبوّأ في شيلو العرش وتطيعه جميع الشعوب.

أمّا نحن المسيحيّين فنرى في هذا الذي لن يزول صولجانه، نرى فيه يسوع المسيح الذي قال أمام بيلاطس أنا ملك ولهذا أُرسلتُ لأن أكون إذًا ملكًا.

هذا الذي تطيعه الشعوب لا يمكن أن يكون إلاّ يسوع المسيح، نتذكّر هنا المزمور 2 قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك. لماذا ارتجّت الأمم وهدّت الشعوب بالباطل؟

قام ملوك الأرض والعظماءُ وائتمروا معًا على الله وعلى مسيحه. لنقطع ربوطهما ونلقى عنّا نيرهما. ولكن الشعوب لا تستطيع أن تفعل شيئًا تجاه الله وتجاه من يرسله الله وهو الملك المسيح. ويتابع صورة يهوذا يربط بالكرمة حجشة. وبالدالية ابن أتانه يعني يعطيه أفضل الورق، يغسلُ بالخمر لا بالماء ثيابه وبدم العنب رداؤه.

إذًا من كثرة الخيرات، من كثرة البركة، لم يعد هناك من ماء بل فقط هناك خمرٌ ودم العنب، تحمرّ من الخمر عيناه ومن اللبن تبيّض أسنانه. إذًا اللبن الكثير أو كما نقول الحليب، يسيل الحليب على الجبال من كثرة بركة الربّ بالنسبة إلى يهوذا الذي يكون أبا داود. ويتابع النشيد: فيذكر زبولون الساكن على ساحل البحر والعامل في صيدون مع الفينيقيّين، ويذكر يساكر الذي اعتاز أن يعمل أيضًا في المرافئ كشخصٍ ينزلُ البضائع لذلك سمّاه أحنى. كتفه للحمل وصار للسُخرةِ عبدًا.

ووصلنا إلى دان وتلاعبَ النصّ على الكلمات دان يدينُ شعبه كأحد أسباط اسرائيل يكون ثعبانًا على الطريق ؟؟؟؟؟ ليلسع الفرس في عقبها فيقع راكبيها إلى الوراء. إذًا دان هو ذلك المحتال، في خطّ أبيه الأوّل.

في آ 18 عندنا عبارة ليتورجيّة، عبارة صلاة، أنتظر خلاصك يا ربّ، أقحمت هنا لتعطي المعنى الروحيّ لهذه البركة التي يحملها يعقوب إلى أبنائه. أنتظرُ خلاصك يا ربّ.

إذًا هنا لا حاجة إلى كلّ هذه الأمور البشريّة. فالربّ وحده هو الذي يعطي الخلاص. ثمّ جاد بغزوه الغزاة أشير طعامه دسم، نفتالي غزالة شريدة؟؟؟

ثلاث قبائل غير مهمّة بالنسبة إلى هذا الشاعر إلى هذا الكاتب الملهم، الملهم له أن يصل بسرعة إلى يوسف، آ 22 فصل 49 يوسف غصن مثمر.

مثمر له معنى افرائيم يعني يعطي الثمر، يعطي البركة. مثمرٌ يعني يعطي الثمر، يعطي البركة. مثمرٌ على عين ماء، فروعه صعدت على صور، هاجمه أصحاب السهام وخاصموه وضايقوه كثيرًا ولكن قوسه بقيت ثابتة.

يقرأ النصّ هنا قبيلة افرائيم ومملكة اسرائيل التي بدأت سنة 933 بعد موت سليمان وانقسام الشعب العبراني إلى عشر قبائل في الشمال وقبيلتين في الجنوب. وكانت قبيلة يوسف أو بالأحرى قبيلة افرائيم.

كيف ينتصر افرائيم؟ أبكثرة شعبه؟ كلاّ. أبكثرة سهامه؟ كلاّ. أبقوّة قوسه؟ كلاّ. يقول هنا بقدره الجبار إلهي يقول. باسم الراعي خالق اسرائيل. بإله أبيك الذي ينصرك. بالقدير الذي يباركك. إذًا الربّ هو الذي يعطي القوّة. الربّ هو الذي ينصر. الربّ هو الذي يرعى. وهذا ما فهمه يعقوب وما يجب أن يفهمه كلّ واحد منّا.

ويتابعن تتردّد الكلمات خمس مرّات: بركات السماء من فوق، بركات الغمر، بركات الثديين، بركات أبيك، بركات الجبال، لا ننسى أهميّة الرقم خمسة في الشعب العبراني يعني ملئ البركات جاءت على يوسف.

لتكن على رأس يوسف على هامة خيرة أخوته. ومن بعد يوسف يأتي شخص بنيامين الذي هو أصغر أبناء يعقوب.

وينتهي سفر التكوين بموت يعقوب ودفنه دفن بهية كبيرة، رافق جيشه أبناءه ولكن رجال حاشية فرعون وجميع أعيان مصر. بعد موت يعقوب خاف الإخوة على نفوسهم. خافوا من يوسف أن ينتقم منهم بعدما فعلوا ما فعلوا هم ما زالوا والشرّ في قلوبهم. ولكن يوسف قال لا تخافوا 50 آ 19: لا تخافوا هل أنا مكان الله.

الشرّ الذي أردتموه لي أراده الله خيرًا كما ترون. لينقذ حياة كثير من الناس. أنتم نويتم شرٌّا والربّ حوَّل هذا الشرّ إلى خير. وفي النهاية مات يوسف وطلب من إخوته أن يأخذوا عظامه معهم إلى أرض إسرائيل، إلى أرض كنعان، إلى أرض الآباء والأجداد.

ويقول النصّ في النهاية ومات يوسف وهو ابن مئة وعشر سنين. فحنّطوه ووضعوه في تابوتٍ بمصر. وسيعود هذا التابوت مع يشوع.

وهكذا انتهينا من قراءة سفر التكوين الذي هو تكوين العالم، تكوين الإنسان الأوّل، تكوين البشريّة، تكوين شعب الإيمان مع ابراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف.

هؤلاء هم أجدادنا في الإيمان ونحن نسير في خطاهم. قد يكونون أخطأوا ونحن ننخطئ ولكن المهمّ هو هذه المسيرة التي بدأت مع آدم، مع نوح، مع ابراهيم، وإسحق، ويعقوب، فيحملها الشعب العبراني عبر فقراء الربّ إلى يسوع المسيح. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM