يعقوب يبارك ابني يوسف

يعقوب يبارك ابني يوسف

سفر التكوين الفصل 48

الحلقة 68:

آ 1: ومرّت الأيّام فقيل ليوسف أبوك مريض. فأخذ معه ابنيه منسَّى وافرائيم، ولمّا قيل ليعقوب ها هو ابنك يوسف قادم إليك جمع قواه وجلس على فراشه.

وقال يعقوب ليوسف: الله القدير ظهر لي في لوز في أرض كنعان وباركني وقال لي سأنميك وأكثرك وأجعلك عدّة شعوب وأعطي نسلك هذه الأرض من بعدك مُلكًا أبديٌّا. ثم قال يعقوب والآن يا يوسف فابناك منسَّى وافرائيم اللذان ولدا لك في أرض مصر قبل مجيئي إليك يكونان لي مثل رائوبين وشمعون. ومن يولد لك بعدهما من البنين لا يكون ل بل يكون لك وينال نصيبه من الميراث على قدر أخويه منسَّى وافرائيم. وأمّا أنا فلمّا رجعت من سهل آرام، فوجعت بموت أمّك راحيل في أرض كنعان من الطريق على مقربة من أفرات فدفتنها هناك في طريق أفرات وهي ببيت لحم. ورأى يعقوب ابني يوسف فقال من هذان؟ فقال له يوسف ابناي اللذان رزقنياياهما الله هنا.

قال قرّبهما إليّ لأباركهما.

وكانت عينا يعقوب كليلتين من الشيخوخة. ولم يقدر أن يُبصر. فقرَّبهما إليه، فقبّلهما واحتضنهما. وقال ليوسف ما كنت أظنّ أنّي ارى وجهك، فأراني الله نسلك أيضًا. ثم أخرجهما يوسف من بين رُكبتي أبيه، وسجد على وجهه إلى الأرض.

وأخذ يوسف ابنيه الإثنين، فقرَّب افرائيم بيمينه إلى يسار يعقوب وقرّب منسَّى بيساره إلى يمين يعقوب، فمدّ يعقوب يديه مخالفًا فوضع يمينه على رأس افرائيم وهو الأصغر ويساره على رأس منسَّى مع أنّه البكر. وبارك يوسف وقال: الله الذي سلك أبواي ابراهيم وإسحق أمامه، الله الذي رعاني طول حياتي إلى اليوم، الله الذي نجّاني من كلّ سوء، يُبارك هذان الصبيّين، يتسمّيان باسمي واسم أبويّ ابراهيم وإسحق. ويكثران جدٌّا في الأرض. فلمّا رأى يوسف أنّ أباه وضع يده اليمنى على رأس افرائيم ساءه ذلك. فأمسك بيد أبيه لينقلها عن رأس افرائيم إلى رأس منسَّى، وقال يوسف لأبيه: ما هكذا يا أبي. لأنّ هذا هو البكر وعلى رأسه تضع يمينك. فرفض أبوه وقال له: عرفتُ يا ابني. عرفتُ. منسَّى أيضًا يكون شعبًا وهو أيضًا يصير عظيمًا ولكن أخاه الأصغر يصير أعظم منه، ويكون نسه عدّة أمم.

وباركهما يعقوب في ذلك اليوم وقال: تكونان بركةً في بني اسرائيل ويُقال: يجعلك الله مثل افرائيم ومثل منسَّى. هكذا قدّم يعقوب افرائيم على منسَّى. وقال يعقوب ليوسف ابنه: دنت ساعةُ موتي وسيكون الله معكم ويردُّكم إلى أرض أبائكم، وأنا اعطيتك شاكيم علاوة على إخوتك، وهي التي أخذتها من يد الأموريّين بسيفي وقوسي.

نُلاحظُ أوّلاً في هذا الفصل أمرين: الأمر الأوّل يعقول يتذكّر حياته مع الربّ وفي هذا التذكّر يُصلّي. هذا الربّ الأمين الذي رافق يعقوب، يرافق يوسف ويرافق ابني يوسف، ويرافق الشعب الذي ينحدر من يوسف وابنيه.

والأمر الثاني نتوقّف عند قطعة من تاريخ الشعب العبراني مع افرائيم ومنسَّى. يعقوب هو الذي يبارك ولدي يوسف افرائيم ومنسَّى.

ونلاحظ أنّ الكتاب يقرأ على ضوء التاريخ. اللاحق ما فعله يعقوب في هذه الفترة. في الواقع كما كُتب هذا النصّ كانت قبيلة افرائيم أقوى بكثير من قبيلة منسَّى.

لهذا سيضع يعقوب يمينه على افرائيم لأنّه شعب البركة، لأنّه صدق البركة، وكلمة افرائيم تعود إلى »فرى« أي نما.

ونلاحظ أيضًا أنّنا أمام أكثر من تقليد، فهناك تقاليد عديدة تحدّثت في سفر التكوين عن شخص يعقوبن هناك مثلاً التقليد اليهوهي المرتبط بالله يهوى، الله الذي هو، وهناك التقليد اللألوهيمي المرتبط باسم الله إلوهيم مع صيغة الجمع جمع الجلالة.

لهذا السبب نلاحظ بعض التكرار. لأنّ الكاتب أخذ التقليدين ووضع الواحد تُجاه الآخر، ولم يُحاول أن يُعيد كتابتهُما، لم يحاول أن يدمُج بين الإثنين، بل جعل التقليد بقرب التقليد الآخر. فكلمة الله يجب أن تُحفظ كلّها يجب أن لا يضيع شيءٌ منها.

ونعود إذًا إلى القسم الأوّل الذي سمّيناه التذكّر. يعقوب يتذكّر. يتذكّر حياته مُنذُ البداية مع الربّ. أين بدأت حياة يعقوب؟

بدأت عندما ظهر له في لوز في أرض كنعان، هنا نتذكّر عندما مضى يعقوب إلى أرض حاران إلى خاله لابان.

فكأنّي هذا التذكّر يترك جانبًا طفولة يعقوب. يعقوب كان توأم عيسو في حشى أمّهما رفقة. وكان الصراع بينهما.

الكاتب الذي كتب هذا المقطع، نسي هذه الحالة. وهناك حدث آخر، لمّا جاء عيسو وهو جائع وطلب بعض الطعام بعض الآدام من يعقوب. ففرض عليه يعقوب أن يُعطيه البكوريّة. فباع عيسو بكوريّته بصحنٍ من الطعام، بطبقٍ من الطعام.

هذان المشهدان تركهُما جانبًا، كما ترك أيضًا جانبًا هذه البركة التي نالها يعقوب من أبيه اسحق بالحيلة. فكأنّي بالكاتب، ترك الصورة البشعةن الصورة المشوّهة، للعار لدى الله، للإنسان الذي يُرضي الله. انطلق الكاتب من خط واحد هو خط انطلاق يعقوب إلى خاله لابان.

وعلى هذه السُلَّم تصعد الملائكة وتنزل فتدُل على حضور الله في حياة يعقوب. لهذا السبب بارك يعقوب الموضع الذي كان نائمًا فيه. أخذ الحجر، جعله مذبحًا ووعد الله أنّ حفظَهُ وأعادَهُ سالمًا بأن يُكرِّس هذا المكان له.

ذلك ظهورٌ إلهي$ في بداية مسيرة يعقوب. والظهور الإلهيّ الثاني بعد عودته من أرض حاران في وادي بيّوت هناك يقول النصّ تصارع يعقوب مع شخصٍ سرِّي، »بين ملاك« وكان يعقوب هو الأقوى.

قال النصُّ فيه غَلبتَ الله وغلبت. إذًا هناك بركة الله في البداية وفي النهاية. وهذه البركة ظهرت بشكلٍ خاصٍّ بأولاد أعطوا له مواشي عديدة جعلتهُ غنيٌّا. وهذه البكرة لم تتوقّف عنده وعند ابنائه، لهذا نقرأ في آ 3 وقال لي: سأنميكَ وأكثركَ وأجعلُكَ عدّة شعوب.

هنا يقرأ الكاتب الملهم الذي دوَّن هذا النصّ بعد المنفى أو في زمن المنفى، يقرأ التاريخ فيرى أنّ اللذين ارتبطوا بيعقوب هم شعوب عديدة. ويقول: وأعطي نسلك هذه الأرض من بعدك ملكًا أبديٌّا.

نحن هنا في زمن المنفى، وهذه الأرض ليست في الواقع ملك الشعب العبراني، هي ملك الملك الذي يسيطر على الشعب العبراني، فمنذ القرن السادس، والسيطرة لم تعد للشعب العبراني ولملوك بني اسرائيل.

جاء البابليّون بعد الأشوريّين، ثمّ الفرس، ثمّ اسكندر المقدوني، ثم اللاجيون، ثمّ الساروفيون، إذًا شعوب عديدة. وهكذا صار الشعب العبراني شعبًا غريبًا على أرضه يسمّيه الربّ شعبًا ضيفًا في أرضه. وتتواصل البركة، من يعقوب إلى يوسف مع ابني يوسف. وسيقول يعقوب ليوسف: كنت أرجو أن أراك أنت، فإذًا أنا أرى نسلك، وهكذا كانت البركة، كما يقول وترى بني بنيك.

يعقوب رأى بني بنيه، ابني ابنه يوسف وسيقول له هذان الإبنان هما مثل رائوبين وشمعون.

رائوبين هو البكر وشمعون هو الثاني بين أولاد يعقوب.

إذًا القسم الأوّل من هذا الفصل 48 من سفر التكوين هو تذكّر يعقوب وحياته بين موضعين مهمَّين: لقاءٌ أوّل قبل الذهاب إلى أرض حاران، ولقاءٌ ثاني بعد العودة من حاران. لقاء مع الربّ، الذي باركه والآن ويعقوب هو في آخر حياته يتذكّر هذه البركة.

كم هو بعيدٌ عنّا هذا الرجُل، بعيدٌ عنّا لأنّنا في نهاية حياتنا عندما يكبر بنا السنّ، نتذكّر الأمور السيّئة، الأمور المظلمة، الأمور المعدمة. كلاّ، لماذا لا نترك كلّ هذه الأمور المظلمة ونتذكّر خيرات الربّ. نتذكّر بركات الله طوال حياتنا.

يعني كلّ ما هو تراب، كلّ ما هو وحل، كلّ ما هو وسخ نتركه. ونأخذ هذا النور، الذي مرَّ في حياتنا منذُ البداية إلىالنهاية.

التشاؤم خطيئة، لأنّنا لا نعرف أن نرى عمل الله فينا. عمل الله بأيدينا الضعيفة، محبّة الله بقلبنا المنغلق، نظرة الله من خلال عيوننا. كلمة الله من خلال فَمِنا. هنا يعقوب لم ينظر إلاّ إلىعمل الله في حياته. فرآه عملاً جديدًا جدٌّا، فرآه بركة متواصلة منذ البداية إلى النهاية.

ونحن لا ننتظر أن نصل إلى السبعين أو الثمانين حتّى نتذكّر مشوع الله فينا. بل في كلّ ليلة، وفي كلّ صباح، نتطلّع إلى هذه البركة التي حملناها في أيدينا. حملناها يقول مار بولس كما يُحمل الكنز في إناء من خزف، لتظهر القوّة من الله - لامنَّا -

هذه البكرة حملناها إلى نفوسنا، حملناها إلى الآخرين، وهذا ما فعله يعقوب في أواخر حياته رأى هذه البركة بين يديه تنتقل منه إلى ابنه يوسف إلى ابني يوسف وسيقول لنا النصّ إلى آخر الشعب. يقول بـ آ 1: سيكون الله معكم ويردُّكُم إلى أرض آبائكم. فكأنَّه يقول هذا الكلام للّذين ذهبوا إلى المنفى سنة 587 قل المسيح ذهبوا إلى المنفى. قال لهم سيردُّهم، فالله هو الذي يبارك، الله هو الأمين والكلمة الأخيرة من فمه هي كلمة البركة، كلمة الخير، كلمة الخلاص لا كلمة العقاب وكلمة الدينونة.

في القسم الثاني من هذا الفصل كما قلنا سيُبارك يعقوب ابني يوسف. يعني سينقل إليهما البركة التي نالها من الربّ. قبّلهُما واحتضنهُما، يقول في آ 12: أخرجهما يوسف من بين ركبتي أبيه، يعني جعلهما يوسف هنا في شكلٍ يقول: إنّ افرائيم ومنسَّى ولدا من يعقوب، صارا ابني يعقوب، وكما كانت راحيل قد تبنَّت ابن جارتها، فولد على رُكبتيها، كذلك تبنّى يعقوب افرائيم ومنسَّى وجعلهما مثل ابنائه مثل راؤبين وشمعون. وسيقول هؤلاء سيكون لهما، هذا سيكون لهما ما هو لسائر أبنائي، أمّا من يولد لك بعد ذلك فيكون لك.

في الواقع لن يقول لنا النصّ إنّ يوسف نال غير هذين الولدين افرائيم ومنسَّى. وراح يوسف بخط البشر الكبير يكون عن اليمين موضع البركة، واليسار موضوع بركة أقلّ. لذلك سيقول لابنه يوسف بـ آ 19 عرفت يا ابني عرفت أنّ منسَّى هو البكر، وافرائيم هو الثاني، عرفت ومع ذلك لا تخف. منسَّى أيضًا يكون شعبًا وهو يصير أعظم منه ويكون نسلُه عدّة أمم.

هنا نتذكّر أهميّة افرائيم في تاريخ الشعب العبراني. وهذا النصّ كُتب بعد الأحداث بمئات السنين، كُتب بعد الأحداث بمئات السنين، كُتب على ضوء الواقع التاريخيّ، حيث كانت قبيلة افرائيم هي القبيلة الأكثر في مملكة اسرائيل، في مملكة الشمال تُجاه مملكة يهوذا، مملكة الجنوب. ولهذا بما أنّ افرائيم تبارك. هذا يعني أنّه في أصل هذه القبيلة جُعل الأب من عن يمين يعقوب فباركه، بين يوسف الذي ينظر نظرة الشرّ، وبين يعقوب الذي ينظر نظرة الله، عادة في نظرة البشر البكر هو الأهمّ. ولكن نلاحظ قايين هو البكر. ولكن هابيل هو الأهمّ.

اسماعيل هو البكر ولكن اسحق هو الأهمّ. عيسو هو البكر ولكن يعقوب هو الأهمّ.

وهكذا نقول عن رجالٍ كثيرين. داود كان آخر الأبناء. ومع ذلك صار أوّلهم اعتبر صموئيل عندما جاء إلى بيت يسَّى في بيت لحم أفرات أنّ البكر أو الثاني أو الثالث أو الرابع أو الثامن. ولكن الأخير هو الذي اختاره الربّ.

الربّ يعرف كيف يختار.

هنا النصّ يقرأ اختبار الربّ على مستوى التاريخ، أمّا إذا يوسف فينظر إلى الأمور على مستوى النظرة البشريّة البسيطة. ويقول النصّ بطريقة عابرة: وكانت عينا يعقوب كليلتين من الشيخوخة.

ولم يكن يقدر أن يُبصر، يعني عينا الجسد لم تعودا تُبصران، فهم يعقوب ما فهم، رأى يعقوب ما رأى، لا بعينيه البشريّتين بل بعينين أُخرَيتين. أخذهما من الربّ، ولهذا سيقول في آ 19 عرفتُ يا ابني عرفتُ. من قال له؟ عَرفَ بوحيٍ داخليٍّ، عرفَ بنورٍ جاء إليه وفهم، ومعرفة يعقوب هي معرفة الكاتب الملهم. الذي عاد يقرأُ التاريخ على ضوء الله، لا على ضوء البشر. ولهذا يقول: عندما جُعل افرائيم إلى يسار يعقوب ومنسَّى إلى يمينه. مدَّ يعقوب يديه مُخالفًا. فوضع يمينه على افرائيم، ويساره على منسَّى، مع أنَّه البكر. يعقوب عرف ما لم يعرفه يوسف. وهذا يدلّ على هذه المسيرة الطويلة التي عاشها يعقوب مع الله.

تبدَّل كما قُلت من رجل الحيلة والكذب إلى رجل الثقة بالله والاستسلام له. تحوَّل إلى ذلك الذي يرى بعينيّ الله، يقول بيد الله، يتصرّف تصرُّف الله، عرفتُ يا ابني عرفتُ.

نعم عرف يعقوب بنور داخليّ.

هذا هو أحبّائي معنى هذا النصّ، بركة يعقوب لابنيّ يوسف.

هذه البركة التي بدأت مع ابراهيم ومع اسحق فوصلت إلى يعقوب. وحملها معه يعقوب إلى مصر. هذه البركة انتقلت إلى أبناء يعقوب ومنهم يوسف.

هذه البركة لم تتوقّف عند يوسف، بل وصلت إلى ابنيّ يوسف.

ويقول النصّ في آ 20: تكونان بركة في بني اسرائيل. فهذه البركة أيضًا، لم تتوقّف عند افرائيم ومنسَّى ابني يوسف، بل ذهبت إلى البعيد البعيد. ونظر الكاتب الملهم إلى شاوول وداود وسليمان، والملوك، والأنبياء، وكلّ هؤلاء الطيّبين، فقراء الربّ الذين عاشوا ببركة الربّ.

ونحن ننظر إلى هذه البركة أبعد من الشعب الأوَّل، نصل إلى الشعب الثاني أبعد من شعب العهد القديم، فنصل إلى شعب العهد الجديد. فهذه البركة، لم تكن في كمالها إلاّ في شخص يسوع المسيح، هنا نتذكّر كلام القدّيس بولس في الرسالة إلى أهل أفسس:

تبارك الربّ أبي ربّنا، تبارك الله ابي ربّنا يسوع المسيح، باركنا بكلّ بركة روحيّة في السماوات. هذه البركة وجدت ملأها في يسوع المسيح، وهي تصل إلينا عندما يجمع الله في شخص يسوع كلّ ما في السماء وكلّ ما على الأرض. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM