العلاقات بين الرعاة

العلاقات بين الرعاة:

(العلاقات بين العبرانيّين وبين الفلسطينيّين.

وفي النهاية هناك حلفٌ وتحالف بين هؤلاء الشعوب)

سفر التكوين الفصل 26:15-35

الحلقة 47:

نبدأ ببعض الملاحظات العامّة:

1 - نجد هنا أخبار تتتابع أو لا تتتابع ليس المهم أن نرى دائمًا اللحمة. المهم أن نكتشف من خلال كلّ خبر العبرة الروحيّة.

2 - هذه الإختلافات بين خبر وخبر مردُّها إلى تنوّع المراجع، فهناك مراجع ترتبط مثلاً بمملكة الشمال وتسمّي الله إلوهيم الله.

أمّا المراجع التي ترتبط بالجنوب، بحكماء الجنوب فهي تسمّي الله يهوه يعني الإله الذي هو.

عندنا أكثر من مرجع في الكتاب المقدّس. هذه المراجع سواء كانت خطيّة أم شفهيّة لا همّ، فكان الناس يتذكّرون الأمور ويحفظونها. ولكن المهمّ أنّ الذي جعل الكتاب في الشكل النهائيّ الذي نعرفه أخذ من كلّ هذه المراجع وأراد أن يقدِّم خبرًا متكاملاً، ولكن لئلاّ يضيع شيء، جعلَ الكلُّ ولو كانت بعض التعارضات بين نصٍّ وآخر.

3 - هو هذا الأخذ والردّ بين الفلسطيّين وبين العبريّين. أمّا الموضوع الأساسي هنا فهو حول المال. وبدأ النصّ بـ آ 25 فروى لنا ما يفعله المحتاج في بلدٍ من البلدان. يضع الضرر والخراب بعده. هنا لا يقول شيئًا عن البيوت فلا بيوت في هذه الصحراء. ولكنّه يقول عن الآبار ردم الفلسطيّون جميع الآبار. ملؤوها ترابًا كأنّي به يكره الشيء.

لماذا فعلوا فافعلوا لكي يضرّوا العبرانيّين، وهذا عمليٌّا ما يحدث في حياتنا. نحن لا نزيح شيءًا ومع ذلك نريد أن نجعل الآخر يخسر. هنا طمروا الآبار، ملؤوها ترابًا، كان بالإمكان أن يستفيدو منها هم لكنّهم فضّلوا أن يحدثوا ضررًا.

أمّا إسحق المسالم فماذا فعَلَ؟ إبتعد عن هذه الآبار وبحث عن آبارٍ أخرى. لكن سوف نرى فيما بعد كيف أنّ الهدوء والسلام سيعود بين الحبشيّين ويكون حلفٌ بين الفئتين.

وعاد إسحق فحفر آبار الماء التي ردمها الفلسطيّون بعد موت إبراهيم أبيه. وكانت حُفرت في أيّامه. إذًا هنا يعيد إسحق ما تهدّم، يفتح الآبار التي رُدمت. هذا ما يحدث مرّات عديدة بين الشعوب بعد الخراب والدمار نعود إلى البناء. البناء عمليّة طويلة أمّا الخراب فعمليّة سريعة. وكان لهذه الآبار التي حفرها عبيدُ إسحق، والعمّال عنده أسماء. الإسم مُهمّ جدٌّا لأنّه يدلّ على الواقع، مثلاً أوّلاً بئر سمّاها غسق، معناها النزاع. إذًا ربط هذه البئر التي فُتحت جديدًا بالنزاع الذي كان بين العالم العبريينّ وعالم الفلسطيّين. ثمّ كانت بئرًا ثانية رَطَن أي الخصومة. وأخيرًا ارتاحوا كلّهم رُحبوط.

واستخلص الكاتب العبرة: الرب رحَّب بنا، فتح لنا الأرض الواسعة لنكثر من الأرض، هذا على مستوى الإنسان، على مستوى البشر، الخلاف بين الفلسطييّن وجماعة إسحق، الدمار الذي خلَّفه الفلسطيّون، والبناء الذي عاد يقوم به عبيدُ إسحق.

بعد الوجه البشريّ هناك الوجه الإلهيّ. الله حاضر في حياة إسحق كما هو حاضر في حياة كلّ واحد منّا. قلنا هناك لما أراد أن ينزل وقال له الربّ: لا تنزل في مصر بل أُسكن في الأرض التي أدُلُّك عليها وأنا أكون معك وأباركك. هنا قال له الربّ أنا إله إبراهيم أبيك لا تخف. فأنا معك وأباركك. تقولون كيف يكلّم الله إسحق وكأنّه إنسان بقربه.

ولماذا أحبّائي؟ فالله يكلِّمُنا أيضًا. يكلِّمُنا في أعماق قلوبنا. يكفي أن نصمت. يكفي أن نفتح له بابنا، يكفي أن نستمع إليه فنسمع كلامَهُ.

ويكلّمنا أيضًا من خلال الأحداث التي تطرأ على حياتنا. الله يكلّمنا، يكلّمنا بواسطة شخص نستشيره. شخص حكيم فيقول لنا ما يجب أن نفعل، يكلّمنا بواسطة الجماعة نجتمع، نتشاور ونأخذ القرار اللازم.

إذًا لا ننسى أنّ الربّ يكلّمنا، يكلّمنا في الحياة اليوميّة، في الأمور الصغيرة من حياتنا، والأمور الكبيرة، وهنا مؤكَّد، امور كبيرة أن ينزل إسحق إلى مصر. فكأنّي به يغيِّر الارض التي وعد بها الربّ. ومن الملاحظ أيضًا هو إستمراريّة الربّ أنا معك، أنا معك. يعني الربّ هو الثابت معنا. قال وسيُتم.

هو معنا في الماضي ومعنا اليوم وهو معنا إلى الأبد. إسمه عمانوئيل الله معنا. وفي هذا الخط، قال لنا يسوع من خلال تلاميذه أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء الدهر. فإذًا هذا الربّ الذي وعد إسحق مرّةً أولى أنا معك. يعدُه مرّة ثانية. ولماذا يكرِّر الربّ. يكرِّر الربّ لأنّنا نحن الذين ننسى أنّ الربّ معنا. نريد أن نستند إلى البشر، أن نرتكز على العظماء والأقوياء، أن نرتكز على المال وعلى قوّتنا. فيأتي الربّ ويقول لنا: أنا معك. لا تستند إلاّ إليَّ. فأنا السند الوحيد. وسوف يقول إشعيا مثلاً نحن مصر: هي قصبة مثقوبة تفرز في اليد ولا تُسنِدُ الإنسان. أنا معك. هذه الكلمة يجب أن نُردِّدُها دومًا في حياتنا. الله معنا. إذا كان الله معنا كما يقول مار بولس. فمن علينا هو الذي أعطانا إبنه فماذا يبخل علينا بعد ذلك.

وهناك قال أنا اكون معك وأباركك. ومرّة ثانية وأنا أباركك.

هذه البركة هي حاضرة. حاضرة خصوصًا من بعد بركة العطاء، لا ننسى بـ 26:12 حصد في تلك السنة مئة ضعف. إذًا أوّلاً أوّل بركة الخيرات الكثيرة أُعطيت لإسحق حتى فهم الناس أنّ الربّ معه. أنّ الربّ باركَهُ، وسيسمّونه مبارك من الربّ. إذًا أوّل بركة كانت بركة الغلال والغنى. والبركة الثانية التي نقرؤها مرّتين هي النسل. ها إنّي أعطي لك ولنسلك. أكثرُ نسلك. إذًا بـ آ 46-4 وبـ آ 26-24. إنّي أُكثرُ نسلك.

إذًا الربُّ هو الذي وعَدَ وهو الذي يفي، وكما قلنا في الحلقة السابقة من أجل عبد إبراهيم ما يُسند تاريخ الآباء منذ البداية هو شخص إبراهيم، هو إيمان إبراهيم. وإذا أراد إسحق أن يجسّد هذه البركة، أن يجسّد هذا الحضور الإلهي، ماذا فعلَ؟ بنى هناك مذبحًا ودعاه باسم الربّ.

هكذا منذ البداية مع أنوش بالفصل 5 مع أنوش بدأوا الدعاء باسم الربّ. وهنا إسحق أيضًا دعا باسم الربّ. وهنا إسحق أيضًا دعا باسم الربّ. نتذكّر أنّ الإسم يدلّ على الشخص.

وسيقول لنا مار بطرس بأعمال الرسل: ما من إسم به نخلص سوى اسم يسوع المسيح. وفعل إسحق كما سيفعل العبرانيّون في البريّة. هناك خيمة الربّ، وهناك خيام القبائل. هنا حفر إسحق، جعل مذبحًا باسم الربّ ونصب خيمة بقربه. فالربّ الحاضر هو الذي يحميه هو الذي يدافع عنه، هو الذي يقويّه.

إذا كان الله معنا، فمن علينا، فمن يتجاسر أن يكون علينا. هذا ما فهمه إسحق، بل بالأحرى، فهمه أبي مالك الذي جاء إلى إسحق بعد أن طرده. كان قال له بـ آ 16: أخرج من عندنا لأنّك صرت أعظم منّا كثيرًا. إذًا طردَهُ. الآن هو يأتي إليه. لا كرامَةً له. بل كرامةً للّذي هو معه. كرامةً للربّ. على كلٍّ يقول له بـ آ 27: انتم أبغضتموني وصرفتموني من عندكم. لا شكّ هو كإنسان يخاف منه سائر الناس. لكن بـ 28 يقولون: قالوا الآن رأينا أنّ الربّ معك. وكما قلت، رأؤوا أنّ الربّ معه من البركة التي أعطاه إيّاها. وهذه البركة هي أوّلاً الخير الوفير بانتظار النسل الكبير.

هنا كلمة رأينا، رأينا، وصلنا تقريبًا إلى الملاحظة، اختبرنا أنّ الربّ معك. جميلٌ جدٌّا أن يرى الناس أنّ الربّ معنا، القدّيسين وحدهم يستطيعون أن يقولوا أنّ الربّ معنا، لأنّه من خلال أعمالهم، وحياتهم وأقوالهم يظهر الله. يكون الله حاضر، وقلنا ليكن حلفٌ بيننا وبينك ولنقطع معك عهدًا. أرادوا إذًا أن يقطعوا عهد، أن يتحالفوا مع إسحق. لماذالله لأنّ إسحق صار قويٌّا. ومن أين جاءته قوّته؟ من الله الذي هو معه. رأينا أنّ الربّ معك. وبماذا يقوم هذا الحلف؟ هناك وُجهة سلبيّة وهناك وُجهة إيجابيّة، السلبيّة لا تُسيء إلينا ونحن لا نُسيء إليه حُسن الجوار.

ثانيًا: هناك معاملة، معاملة بالحُسنى بين الإثنين، مهمّة جدٌّا هذه. وأخيرًا يعطوا إسحق هذا الإسم الجميل أنت الآن مباركٌ من الربّ.

هنا عندنا صفة حلوة. مديح جميل جدٌّا. أنت مبارك من الربّ، هي فعلاً مديح رائع، بما أنّه مبارك من الربّ، بما أنّه رجل سلام، يقولون لهك صرفناك بسلام، يعني نريد أن تعاملنا بالسلام، أن لا يكون بيننا حرب.

كما عرف الفلسطيّون والعيرانيّون في زمن داوود وشاوول وما بعد هذين الملكين من حروب، فأقام لهم إسحق وليمة. فأكلوا وشبعوا، نتذكّر هنا أو سوف نتذكّر ما فعله لابان ويعقوب في نهاية الصراع والخصومة.

هنا أقام إسحق وليمة، وليمة ربّما وليمة ماديّة ووليمة أمام الله.

فأكلوا وشبعوا، يعني بقي أمامهم طعام، وبكرّوا في الغد وتحالفوا وصرفهم إسحق. فمضوا من عنده بسلام. يعني لم تكن هناك حرب بين الإثنين. ونعود أيضًا إلى حديث البئر مع الإرتباط بمدينة مقدّسة في جنوب فلسطين هي بئر سبع. هذه المدينة القديمة مع موضع الهيكل سيمرّ منه العبرانيّون وهم خارجون من مصر.

وجدنا ماءً فسمّاها إسحق شبعة. فصار إسم المدينة بئر سبع إلى هذا اليوم.

ونستعدّ في نهاية هذا الفصل إلى الكلام عن يعقوب وعيسو من جديد. تركناهما في البداية حيث منع يعقوب عيسو. واستخفّ عيسو بالباكوريّة فباعها لأخيه ببعض الطعام من العدس.

خط يعقوب هو خط اللآباء. كما اتّخذ ابراهيم زوجته من حاران، وكما اتّخذ اسحق زوجته من حاران أيضًا ماذا تُرى سيفعل يعقوب؟ سيفعل مثلهما، أمّا عيسو فيبدّل الخط. لا يريد أن يكون في خط إسحق، تزوّج إمرأتين حثيثتين. يعني إمرأتين وثنيّتين. وهنا نذكر بأنّ الجشيّين الذين جاؤوا من تركيّا. بقيت منهم بعض العائلات، بعض العشائر فاتّصل بها العبرانيّون. لكن هذا الزواج من امرأتين حثيثتين.

يقول كان هذا الزواج لاسحق ورفقة. خيبة مُرّة. وهكذا بدأ الإنقطاع. بدأت القطيعة بين إسحق وبين عيسو.

بانتظار أن تكون أوسع بين عيسو ويعقوب، فيقيم عيسو على الجبل سفير ويبقى يعقوب في أرض فلسطين، في السهل.

هكذا كانت قراءتنا للفصل 26 من سفر التكوين على مرحلتين. بالمرحلة الأولى: علاقة إسحق بأبي مالك ملك الفلسطيّين. وانتهى كلّ شيء بالزراعة التي زرعها إسحق فحصد مئة ضعف.

والقسم الثاني هذا التحالف، بين عالم الفلسطيّين وعالم العبرانيّين من خلال إسحق وأبي مالك.

يا ليتنا نكتشف من خلال هذه النصوص وبساطتها أنّ الربّ حاضر في تاريخ شعبه. في تاريخ كلّ واحد منّا. هو الذي يوجّه حياتنا، هو يقول نا أنا أكون معك. وأنا أباركك. فلنعي حضور الربّ معنا. فلتكن بركته علينا دائمًا. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM