يعقوب عند لابان

يعقوب عند لابان

سفر التكوين 28/..1.

الحلقة 51:

وذهب يعقوب ومضى إلى أرض المشرق ونظر... فسمّته يهوذا وتوقّفت عن الولادة.

هذا أحبّائي هو الفصل 29 من سفر التكوين. يشبه إلى حدّ بعيد الفصل 24 وزواح إسحق من رفقه.

من هم الأشخاص أوّلاً يعقوب هذا الذي تسلّح ببركة الربّ تسلّح بركة أبيه من قبل الربّ. تسلّح بوصيّة أوصاه بها الله وأخيرًا تسلّح بحضور الربّ ووعده له: أنا أكون معك، أحفظك أينما اتّجهت. ونحن ننتظر أن تسير الأمور بأحسن ما يكون بالنسبة ليعقوب. يكفي شيء واحد الله معه. الله يرافقه.

الشخص الثاني هو لابان. لابان هو خال يعقوب. إذًا هو شقيق رفقة. وهو الذي أعطاها لخادم إبراهيم حين جاء يطلب امرأة لسيّده إسحق. سوف نرى لابان ذاك المخادع الذي بدأ فخدع يعقوب. ما أعطاه راحيل بل أعطاه ليئة. وكانت الخدعة الأولى وستتبعها خدعات أخرى. وسوف نتساءل فيما بعد، من هو أكثر خداعًا الابن أم خاله؟ يعقوب أم لابان. بدأ يعقوب خداعاته لمّا خدع أباه وخدع أخاه. وهنا سوف نرى لابان ذاك المخادع وسيقول له يعقوب بالحرف الواحد لماذا خدعتني؟

وهناك شخصان آخران هما راحيل وليئة. ويخبرنا الراوي منذ البداية أنّ راحيل كانت حسنة الهيئة، جميلة المنظر. أمّا ليئة فهي بشعة. يقول ضعيفة العينين ونحن نعرف أهميّة العينين في الجمال. هنا ننظر إ لى الجمال على مستوى البشر. ولكن ليس الأمر كذلك على مستوى الله. ليئة ليست الجميلة ومع ذلك هي الكبرى ثمّ ليئة ليست الجميلة ومع ذلك جعلها الله ولودًا وسمح أن تكون راحيل عاقرًا. مقاييس البشر غير مقاييس الله. فكأنّ الربّ أراد أن يعوّض لليئة عدم محبّة زوجها لها. ولكن ما في اليد حيلة بالنسبة إلى ليئة. إذًا أربعة أشخاص في هذا المشهد: يعقوب، لابان، وابنتا لابان: ليئة وراحيل، وفوق هؤلاء الأشخاص الأربعة هو الربّ يوجّه الأمور، يوجّه خطى يعقوب حتّى يتزوّج ليئة وراحيل. ومضى يعقوب كنت أقول فقيرًا، لا شيء معه. هي مسيرة جديدة، مسيرة جديدة مع الله. والمسيرة مع الله يجب علينا فيها أن نتخلّى عن كلّ شيء. لن يذهب إذًا يعقوب إلى حاران ومعه قطعان الغنم والجمال. كلاّ. سيرجع من حاران كذلك لكنّه مضى إلى حاران فقيرًا لا شيء يملكه. فسيبدأ حياة جديدة من حاران: سينطلق من جديد من حاران كما انطلق جدّه ابراهيم . ونقول الشيء عينه عن موسى. موسى الذي كان في بلاط فرعون، أجبر أن يترك البلاط وأن يذهب لا يعرف إلى أين حتّى وصل إلى مديان. تعرّى من كلّ شيء تجرّد من كلّ شيء. فكرة مهمّة جدٌّا على المستوى الروحيّ. ليس يعقوب بقوّته كان له كلّ هذا الغنى، كلّ هذه العيال. وليس موسى بقوّته، بل الربّ هو الذي فعل. والربّ لا يستند إلى الوسائل البشريّة، لا يستند إلى الغنى. إذا كنت غنيٌّا الربّ يعمل معك أفضل كلاّ، فهو بدأ، فطوّب المساكين بالروح. وإذا كنت قويٌّا كلا، لا شكّ سوف نرى أنّ يعقوب وحده دحرج الحجر عن فم البئر. وسوف نرى أيضاً مع موسى أنّه دافع عن نبات يترو كاهن ميديان ولكن هذه القوّة في النهاية تنقلب على صاحبها. أراد موسى أن يدافع أوّلاً عن ابن شعبه ضدّ سيّد مصري. فماذا فعل أجبر على الهرب ببساطة. استعمل القوّة فهذه القوّة لا تنفع وفي بستان الزيتون. لمّا أراد التلاميذ أن يدافعوا عن يسوع بالقوّة. إنتشق سمعان بطرس السيف وضرب به أذن مالكوس خادم رئيس الكهنة فقطع له أذنه. نلاحظ هنا هذه السخرية. كلّ هذا العنف. إنتهى بإذن سوف يشفيها يسوع المسيح. إذًا لا يستند الربّ إلى المال، ولا إلى القوّة، ولا إلى السلطة، ولا إلى العنف لكي يعمل مشروعه. يريد من الذين يسيرون معه أن يكونوا عزّلاً، أن لا يكون معهم شيء. فهو من لا شيء سيخلق أشياء كثيرة. وهنا نلاحظ خصوصاً إنجيل لوقا من بعد الصيد العجيب تركوا كلّ شيء. نبدأ مع يسوع من الصفر، نبدأ من يسوع منذ البداية. هكذا بدأ إبراهيم، ترك أرضه، عشيرته وبيت أبيه. ترك كلّ شيء. وهكذا فعل يعقوب ترك كلّ شيء وانطلق في حاران بلا شيء. لا امرأة له، لا خراف له، لا قطعان له، ليس له شيء معه. ونعود إلى خبرة البئر، البئر الحاضرة في حياة خادم إبراهيم. هناك على البئر وصل إلى رفقة ويعقوب على البئر تعرّف على راحيل. وموسى سيتعرّف إلى صفّورة عند البئر. وفي النهاية يسوع المسيح سيرافق تلك السامريّة عند البئر. فيعلّمها الحبّ الحقيقيّ، الحبّ الذي هو تضحية وعطاء. الحبّ الذي لا يكثر من الزواج. خمسة أزواج والسادس الذي معك. ليس زوجك. فيبقى أن الزوج السابع أو العريس السابع سيكون يسوع المسيح. عندئذ تصرّفت تلك السامريّة كما تصرّف إبراهيم ويعقوب وموسى، خيرها الوحيد جرّتها تركتها هنا وذهبت، تركت كلّ شيء حتّى تبشّر بيسوع المسيح، تخبر الناس بما قاله لها يسوع. عند ذاك البئر التقى يسوع بتلك السامريّة، كلّمها عن الماء الحيّ، كلّمها عن العماد بالماء والروح. هذا هو معني البئر في الكتاب المقدّس. وكما قلنا قمّة الخبر عن البئر كان في إنجيل يوحنّا الفصل الرابع عند السامريّة. في النهاية ستتطلب المرأة ماءً من يسوع المسيح. هذا الماء الذي من البئر لا ينفع كثيرًا. فهناك ماء من نوع آخر تبحث عنه تلك المرأة. ويعقوب هنا، لا يهمّه أمر القطعان ولا يهمّه أمر البئر. كلّ ما يهمّه في النهاية هو أن يلتقي براحيل، براحيل إبنة خاله، بعد هذا المعنى عن البئر، نجد أمور الضيافة، كيف استقبلت راحيل يعقوب. وكيف استقبل لابان يعقوب. سيقول له: أنت حقٌّا من لحمي ومن عظمي. يعني أنت قريب إليّ. ونرى فرحة راحيل حين ذهبت وأخبرت أباها. وإسراع لابان ليستقبل يعقوب في بيته. والضيافة ثالثًا هي أنّ يعقوب أقام عنده شهرًا وما سأله شيئًا، هو في بيته. ربّما أخبره يعقوب ما حدث فقال له أنت هنا وأنت في أمان وأنت ضيفي. هذه الضيافة سيتردّد عليها الكتاب المقدّس مرارًا. في الفصل 18 نتذكّر كيف استضاف إبراهيم الضيوف الثلاثة. وسيقول عن هذه الضيافة الرسالة إلى العبرانيّين ستقول: »أضاف الملائكة وما علم«. ولوط أيضاً سيكون مضيافًا. الضيافة هي صفة مهمّة جدٌّا، هي نوع من مساعدة الغريب، من مساعدة المحتاج، من مساعدة البائس. نقدّم له كلّ شيء ولا نطلب منه شيئًا تجاه ذلك. ولكن كان في فكر لابان أبعد من الضيافة المجانيّة، رأى في ابن أخته الرجل الذي يحتاج إليه من أجل ماشيته، ومن أجل قطعانه ومن أجل ابنتيه ليئة وراحيل. بدأ إذًا المشروع حالاً بعد شهر وقال له: »ألأنّك نسيبي تخدمني مجّانًا أخبرني ما أجرتك«. إذًا من جهة انتهى وضع الاستقبال، من جهة ثانية يبدو أنّ يعقوب بدأ يعمل حالاً في القطعان مع راحيل وليئة. وهكذا أحبّ يعقوب راحيل كما قال فيما بعد فقال: أخدمك سبع سنين وتعطيني راحيل زوجة لي، وكانت بداية المشروع الكبير الذي سيعيشه يعقوب عند خاله لابان، خدمة سبع سنين من أجل راحيل، خدمة سبع سنين من أجل ليئة. في الواقع كما سبق وقلنا، خدع لابان ابن أخته وأعطاه ليئة. ولمّا حاول الابن أن يحتجّ، قال له: نحن في العادة تتزوّج الكبرى قبل الصغرى. هذا القويّ يتاجر بالضعيف. هذا الغنيّ يتاجر بالفقير. هنا نوع من المتاجرة. نوع من الاستغلال سيعيشه يعقوب عند خاله لابان. وسيكون الكتاب المقدّس قاسيًا بالنسبة إلى أصحاب العمل الذين يأكلون أجور العاملين عندهم. يقول القدّيس يعقوب: إنّ صراخ العمّال وصل إلى الربّ القدير. وفي بداية مسيرة الشعب العبراني في مصر، لمّا صرخ الشعب المسخّر، المستعبد في مشاريع مصر يقول النصّ نص سفر الخروج سمع الربّ صوتهم ونتذكّر ما قلنا عن إبراهيم لمّا طرد هاجر وابنها إسحق، يقول النص وسمع الربّ صوت الصبي. ولا شكّ في أنّ يعقوب صرخ إلى الربّ. في أيّ حال سوف نرى في الحلقات السابقة أنّ الربّ هو حاضر معه وسيسمع صرخته ويكون بقربه. لا يشير النصّ أبدًا إلى حضور الله في هذا الفصل من سفر التكوين 29. لا يريد أبدًا اسم الله، أبدًا. كلّ ما هو لقاء عند البئر، مشروع في المساعدة في القطيع وفي النهاية زواج أوّل مع ليئة وزواج ثانٍ مع راحيل. لكن كما في الفصل 24 الربّ هو الذي يوجّه الأحداث. لا صدفة في حياتنا. هذا ما يجب أن نعرفه دائمًا، لا صدفة في حياتنا. الربّ هو الذي يوجّه حياتنا من خلال أعمال البشر، من خلال حياتنا البسيطة. يعقوب كان يرعى الغنم وسيظلّ يرعى الغنم. لم يتبدّل شيء في حياته إنّما تبدّل حضور الربّ في حياته، حضور الربّ قبل أن ينطلق إلى أرض حاران ولا شكّ حضور الربّ وهو في حاران. هنا نتذكّر في حلقة سابقة لمّا ترك حضور الربّ الهيكل وذهب مع المنفيّين لم يتركهم هناك بل ذهب معهم. وعندما عاد المنفيّون في المنفى، في سبي بابل كان الربّ معهم. ويقول حزقيال النبيّ: عاد الربّ بحضوره إلى الهيكل. ونستطيع أن نقول الشيء عينه عن يعقوب، رافقه الربّ فكان معه في أيّام الضيق، سيقول فيما بعد للابان في البرد، في الحرّ، في التعب، أمام الوحوش كنت هنا أنا. لا شكّ في أنّ الربّ أعطاه القوّة ليتحمّل كلّ هذا. الربّ هو الحاضر وهو الذي سيوجّه حياته وفي النهاية يعيده إلى أرض الموعد. هذا أحبّائي هو معنى فصل 29 من سفر التكوين. لاحظنا بالمستوى السلبي هذا الخداع عند لابان الذي يقابل خداع يعقوب لأبيه ولأخيه. أمّا على المستوى الإيجابيّ، فنلاحظ حضور الله، حضور الله في تفاصيل حياتنا، في مسيرة حياتنا، في أعمالنا، في تصرّفاتنا، في لقاء الناس بنا. الربّ هو الحاضر. هو الدي يفعل وبدأت بركة الربّ فأعطت يعقوب النبيّ العديدين من ليئة المرأة المروهة، أعطاه البنين العديدين وسيأتي يوم يعطيه بركة القطعان فيعود إلى أرض الميعاد وقد اغتنى لا بزنده البشريّة بل ببركة الله له.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM