العهد بين يعقوب ولابان

العهد بين يعقوب ولابان

أو

بين شعب إسرائيل والشعب الآرامي

سفر التكوين 31/22

الحلقة 54:

وتلقّى لابان بعد ثلاثة أيّام خبر فرار يعقوب... وذبح ذبيحة في الجبل ودعا رجاله ليأكلوا طعامًا فأكلوا وباتوا في الجبل.

هنا نحن نأمام منظارين: منظار فردي، علاقة لابان بيعقوب، ومنظار جماعي على مستوى شعوب المنطقة، منظار جماعيّ إذًا يدلّ على العلاقة بين بني إسرائيل والآرميّين. وسيقول في نهاية الفصل: ها هو العامود شاهد أنّي لا أتجاوز هذه الكومة لأسيء إليك وأنّك لا تتجاوز هذه الكومة وهذا العامود لتسيء إليّ. يعني جعلت الحدود بين أرض آدم وأرض إسرائيل، فلسطين. جعلت حدود فلا أحد يتجاوز تلك الحدود. فكأنّي بالكاتب يقول جاربتم كثيرًا، قتلتم كثيرًا، دمّرتم كثيرًا، هل وصلتم إلى نتيجة؟ كلاّ. فالعنف ما أعطى يومًا حلاٌّ لأيّة مشكلة. بل هو يكّدس البغض والحقد بين الأفرقاء وسيأتي يوم يعود البغض على صاحبه والحقد على الذي تنفّس به من صدره. نلاحظ هنا قبل العودة إلى المستوى العائلي هو أنّ العبادة، عبادة الله الواحد لم تصل بعد إلى المستوى العائلي هو أنّ العبادة، عبادة الله الواحد لم تصل بعد إلى مستوى الوحدانيّة، الإله الواحد الذي لا إله سواه كما سيعرف إله الشعب اليهودي، إله المسلمين وإله المسيحيّين. هنا إبراهيم له إلهه، وناحور له إلهه. هي في نظرة أولى: هناك إله ناحور وهناك إله إبراهيم. وناحور هو جدّ لابان. نتذكّر هنا أنّ جماعة ناحور أو أقرباء إبراهيم ظلّوا على عبادة الأوثان، أمّا إبراهيم فتعلّق بالإله الواحد. هنا نتذكّر، مهمّ جدٌّا أنّنا أمام مراحل: في المرحلة الأولى عبد إبراهيم كما عبد أخوه وأبوه الآلهة العديدة، خصوصًا الإله القمر، سواء في أور مع سين أو في حران مع ياراح الذي هو إسم الشهر باللغة الآراميّة أو في السريانيّة. إذًا هناك عبادة الأوثان كان فيها وكان فيها أخوته عبدوا الآلهة الكثيرة. وكانت خبرة لإبراهيم ولإسحق ويعقوب أنّهم يتعبّدون لإله دون سائر الآلهة. يعني هناك علامة فريدة بين إبراهيم وإلهه بين إسحق وإلهه، بين يعقوب وإلهه. ولكن هذه العبادة لا تنفي وجود آلهة أخرى. فالآراميّون لهم إلههم والموابيّون لهم إلههم، والآدوميّون لهم إلههم والفلسطيّون لهم إلههم. فالإله يجسّد الملك. فكما أنّ في المدينة ملك، هنا إله، لهذا السبب استطاع الإثنان لابان ويعقوب أن يحلفا بإلهين إذا أردنا أن نقل، إله إبراهيم هو من جهة يعقوب وإله ناحور هو من جهة لابان.

بالمرحلة الثالثة لا إله، إلاّ الإله الواحد كما نقول في النؤمن: نؤمن بإله واحد هو آب وضابط الكلّ خالق السماء والأرض. الشعب العبراني في النهاية سوف يرفض هذا الموقف إله إبراهيم وإله ناحور. كلاّ ثمّ كلاّ. سيقول إله إبراهيم وناحور يحكم بيننا. في أيّة حال، صيغة المفرد تدلّ أنّ الكاتب الملهم لمّا كتب هذا النصّ في تقريبًا بعد المنفى، لم يقل إله إبراهيم وإله ناحور يحكمان بيننا بل يحكم بيننا. هذا يعني أنّنا وصلنا إلى موضع، إلى حقبة، لا إله فيها إلاّ إله خالق السماء والأرض. أمّا الأصنام فهي بكم، آلهة بكماء، لها عيون ولا تنظر، لها آذان ولا تسمع، لها يد ولا تفعل، لها رجل ولا تتحرّك. وارتبط يعقوب إذًا من جهّة بإبراهيم، يعني بجبرون، ثمّ بإسحق يعني ببئر سبع، فكأنّي به ارتبط بأرض فلسطين كلّها. ونعود إلى العلاقة بين لابان ويعقوب. فرّ يعقوب مع إمرأتيه وجاريتيه وأولاده وجميع الخير الذي له. ولم يعرف به لابان إلاّ بعد ثلاثة أيّام. وكان اللّحاق، ربّما من أجل الحرب. هنا كلّ عالم الشرق لا بل الغرب أيضًا عرف السلب والنهب، الغزو كأنّي بلابان قد جاء ليغزو يعقوب وعلى يعقوب أن يحامي عن نفسه وهكذا تكون الحرب. وأراد لابان حقٌّا أن يحارب ويعيد يعقوب وماله إلى أرض بلاد الرافدين، يعني كأنّنا نقرأ من خلال هذا النصّ عودة بني اسرائيل سنة 722 مع السامرة و587 مع بابل، عودتهم إلى أرض المنفى، إلى أرض الجلاء، إلى أرض بابل وآشور. يريد أن يعيد هذا الشعب إلى المنفى. ولكنّ الربّ هو هنا، مع الشعب العبراني في المنفى 721 - 722 و 587 - 586. الربّ أعاد شعبه من المنفى أمّا هنا فيعقوب رفض أن يعود إلى المنفى. وسوف نترك مع يعقوب منطق العنف ونعود إلى منطق الحكمة. منطق العنف سيعود إليه راوبين ولاوي فيما بعد، سيعود إليه إبنا يعقوب عندما تخطف دينا في يديهما. هنا سنرى بعد ذلك، كيف سيعود أبناء يعقوب إلى العنف. أمّا يعقوب هنا فيتعامل مع الآخرين بالحكمة. والربّ هو الذي يساعده. يقول الإنجيل: طوبى لفاعلي السلام فإنّهم أبناء الله يدعون. إذًا نحن بحثنا حقٌّا عن السلام، إذا ابتعدنا عن الحرب، عن العنف، عن القتل، عن الدمار، لا بدّ لنا بأن نلتقي بالله. ما أراد يعقوب هو أن يحارب، أن يقاتل، اكتفى بأن يهرب من وجه لابان. لهذا كان الربّ حاضرًا وهو ربّ السلام. ويقول مار بولس الربّ هو سلامنا جعل من الإثنين واحد.

والله سوف يكلّم لابان كما كلّم يعقوب، ولكن لكلّ واحد الكلمة التي يحتاج إليها، إحتاج يعقوب إلى كلمة تشدّده، تشجّعه، تقول له أنا أكون معك فسمع وهنا لابان سيسمع في الحلم كلمة تحذير، كلمة تنبيه: إيّاك أن تكلّم يعقوب بخير أو بشرّ، إيّاك أن تسيء إليه أبدًا. في سفر العدد سيكلّم الربّ نبيٌّا ليس من أنبياء اسرائيل هو بلعام سيعلّمه ماذا يجب أن يقول في شعب الله. وهنا الربّ كلّم لابان الآرامي. كلمة الله ليست محصورة في شعب اسرائيل، في أرض فلسطين، في الأنبياء أو الملوك، كلمة الله تتوجّه إلى جميع الناس، تتوجّه إلى جميع الشعوب، إلى الفقراء والأغنياء، إلى الكبار والصغار، إلى الخطأة والأبرار، كلمة الله تتوجّه إلى الجميع. كما توجّهت إلى يعقوب كذلك توجّهت إلى لابان الآرامي في حلم الليل. دائمًا نعرف أنّ كلمة الله لا يمكن أن تلاصق الإنسان، فهناك عازل بينها وبين الإنسان. أمّا أن يكون الملك كما في البشارة: أرسل الملاك جبرائيل من الله إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف. وهنا ترسل إلى يعقوب وتحذّره: إيّاك أن تكلّم يعقوب بخير أو بشرّ. كان هذا التنبيه كافيًا وهكذا سيفهم لابان أنّ يعقوب في حماية الربّ يقول في آية 29 أنا قادر أن أعاملكم بالسوء لولا أنّ إله أبيكم كلَّمني البارحة فقال لي إيّاك أن تكلّم يعقوب بخير أو بشرّ. فهم لابان كلّ الفهم أنّ الربّ يدافق عن يعقوب وعن عياله. هذا الكلام الذي قاله الربّ للابان منع الحرب بين الإثنين. نتذكّر من بعد موت سليمان واعتلاء رحبعام العرش. انقسم الشعب قبائل الشمال مع مملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة ومملكة الجنوب مع عاصمتها أورشليم، إذًا في مملكة الجنوب أو مملكة يهوذا وأرادوا الحرب فجاء نبيّ وقال لماذا تقاتلون إخوتكم. وهنا الربّ ظهر ونبّه لابان أنّ لا حاجة للحرب، لا فائدة، لا نفع من الحرب. أراد لابان الحرب فإذا الربّ يدعو إلى السلام. فكان عتاب بين يعقوب وبين لابان. لابانن أظهر أقلّه خارجيٌّا أنّه أراد أن يودّع حفدته وبناته. لكن يعقوب لمّا لم يستطع لابان أن يبني ما الذي سرقه له يعقوب. فيقول في آية 36 فاحتدّ يعقوب وخاصم لابان وقال له: ما جريمتين وما خطيئتي حتّى خرجت مسرعًا ورائي. وكانت عودة إلى الحياة العائليّة التي عاشها لابان برفقة يعقوب. ويفهمنا يعقوب هذه الحياة القاسية التي عاشها هو والتي يعيشها الرعاة في الحقل مع مواشيهم ذكر لابان بكلّ ما حصل له حين كان يقوم برعاية المواشي. فاعتبر لابان أنّ يعقوب صار عبدًا له وأنّ نباته هنّ إيماء، هنّ عبدات في خدمته. هناك سيقول له البنون نباتي وكلّ ما معك، هو لي. فإذا أنت لا تملك شيئًا، فاعتبر لابان يعقوب عبدًا له. هذا ما حدث أيضًا في مصر لمّا اعتبر لابان يعقوب عبدًا له. تهذا ما حدث أيضًا في مصر لمّا اعتبر فرعون أنّ العبرانيّين العاملين معه إنّما هم عبيد ويستطيع أن يثقّل عليهم قدر ما يشاء، أن يطلب منهم من العمل على قدر ما يشاء. هذا أحبّائي هو معنى الفصل الثاني من فصل 31 من سفر التكوين، العهد بين يعقوب ولابان.

هناك عهد على مستوى العائلة وسيقول لابان ليعقوب إن أذللت بنتيّ أو تزوّجت نساءً عليهما فلا أحد يراك. فإذًا من يشهد عليك، الله هو الشاهد. وسيقول ملاخي عندما يطلّق أحد الرجال امرأته: الربّ كان شاهدًا لك عندما خنت امرأة سواك. عهد على مستوى العائلة وعهد بين شعبين. الربّ هو حاضر لكي يضع السلام في القلوب، لكيّ يضع السلام في الشعوب، فيا ليت نتجاوب مع ندائه. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM