ردّة الفعل لدى عيسو

ردّة الفعل لدى عيسو

سفر التكوين 27/28

الحلقة 49

أحبّائي الربّ يكون معنا، كلمته مصباح لخطايانا ونور لسبيلنا ونحن ما زلنا نقرأ كلمته مرّة بعد مرّة. نقراها، هذه الكلمة تتقدّم وتتنقّى وتكبر وتثمر حتى تصل إلى الكلمة الذي هو يسوع المسيح. ونتابع قراءتنا لسفر التكوين 27/..27. بعد أن بارك إسحق يعقوب ما هي ردّة الفعل عند عيسو على هذه البركة. إنتظر عيسو أن تكون البركة له فإذا هي لأخيه يعقوب. ونقرأ أوّلاً البركة ليعقوب وردّة الفعل عند إسحق. فغذًا فصل 27/..27. فتقدّم إسحق من يعقوب وقبّله، فشمّ رائحة ثيابه وباركه وقال... فقالت رفقة لإسحق بواحدة من بنات حثّ مثل هاتين أو من بنات سائر هذه الأرض فما نفع حياتي؟

نلاحظ أوّلاً أنّ الكاتب يقرأ العلاقات بين الشعب العبراني والشعب الآدومي من خلال يعقوب وعيسو يعني آدوم. العلاقات هذه، كانت عادة في السيطرة للعبرانيّين على الآدوميّن، ولكن هناك مرّات استطاع الآدوميّون أن يكسوا نير بني اسرائيل وأن يأخذوا بعد الإستقلال هذا ما يقول في الآية 40: »فإذا قويت تكسر عن عنقك نيره«. ثمّ هناك مقابلة بين الأرض التي يقيم فيها العبرانيّون غربي نهر الأردن والأرض التي يقيم فيها الآدوميّون شرقي الأردن. الأولى خطبة فيها المياه. أمّا الثانية فهي جافّة لذلك يقول له في الآية 39: »بعيدًا عن خصوبة الأرض يكون مسكنك وعن ندى السماء من فوق«. وأخيرًا يبيّن أنّ الآدوميّين سيكونون أشخاص يحاربون بسيفهم حتّى يستطيعوا أن يعيشوا. فإذا هنا، عندما قراءة أولى، قراءة مهمّة جدٌّا متأخّرة عن العلاقة بين العبرانيّين والآدوميّين كما سبق وقلنا في حلقة سابقة، هذا على المستوى الإجتماعيّ. أمّا على المستوى الفرديّ فسوف نرى ردّة الفعل عند عيسو على يعقوب. اعتبر عيسو أنّ يعقوب أخذ منه أوّلاً الباكوريّة ثمّ البركة. نقول ما قلناه في السابق. أعطيَ الباكوريّة لعيسو فاستخفّ بها، فلم يأخذها على محمل الجدّ فكانت النتيجة أنّه خسر البركة أيضًا. وهكذا حين صرخ عيسو: أخذ باكوريّتي وهو الآن يأخذ بركتي كأنّي به وعى الحدّ الذي وصل إليه. واعتبر أنّ الربّ هو الذي يعاقبه، أنّ الربّ هو الذ أخذ منه كلّ هذه. وبما أنّه لا يستطيع أن يفعل شيئًا بالربّ فسيحاول أن يقتل أخاه. يقول: اقتربت أيّام الحداد على أبي فأقتل يعقوب معي. هنا نتذكّر قايين الذي قتل أخاه هابيل. ولماذا قتله لأنّ الربّ باركه. هو لا يستطيع أن يقتل الربّ، هو لا يستطيع أن ينتقم من الله، فماذا يفعل ينتقم من أخيه. في كلّ مرّة نحسّ هذا الصراع بيننا وبين الله نودّ أن ننتقم من الله في القريب الذي يعيش معنا. البركة ذهبت، قال له: »باركته فيكون مباركًا«. إذًا لا عودة عن هذه البركة. فإن قتل عيسو يعقوب، هل تعود هذه البركة، كلاّ ثم كلاّ. ومع ذلك قرّر عيسو أن يقتل يعقوب. ونلاحظ هنا المسيرة، أوّلاً الغضب، ثانيًا البكاء، ثالثًا الحقد، رابعًا النيّة بالقتل.

أوّلاً إذًا الغضبك صرخ عاليًا بمرارة آية 34 ثم يقول النص بكى بكاءً مرٌّا. ويقول هنا بآية 38: رفع عيسو صوته وبكى والمرحلة الثالثة حقد عليه أبغضه والحقد يدلّ على نيّة خبيثة عند ذلك الذي يبغض لهذا السبب يقول القدّيس يوحنّا في رسالته الأولى من أبغض أخاه كان قاتلاً. يبدأ بالقتل عندما يبدأ البغض، ويحلّ الحقد في قلب الإنسان. وهكذا صار عيسو قاتلاً ولو لم يستطع أن ينفّذ ما نواه. وسيظلّ يعقوب متحفّظًا من هذا القبيل ولا سيّما عندما يعود من أرض حاران يأخذ كلّ الإحتياطات يرسل الهدايا لئلاّ هذا الحقد بعده باقيًا في قلب عيسو. الحقد عاطفة تمتدّ طويلاً وهي تبعدنا كلّ البعد عن الله، تبعدنا كلّ البعد عن الحياة، تجعلنا في عالم الموت لنا ولغيرنا. بارك الربّ يعقوب، باركه أوّلاً أعطاه ندى السّماء: هذا هو وضع فلسطين، وضع المنطقة الواقعة غربي الأردن، أعطاه الأرض الخصبة، السهل الساحلي، سهل يزراعيل، غور الأردن هناك مناطق فيها الخص الكثير، فيضًا من الحنطة والخمر. الحنطة من أجل الطعام من أجل الفرح من أجل الأعياد. يعيش في الوفرة، في البحبوحة ويكون العيد دائمًا في بيته. ويتابع النص فيقول تخدمك الشعوب وتسجد لك الأمم. الكاتب ينطلق هنا من شخص داود وشخص سليمان. وكانا ملكين سيطرا على قسم كبير من شخص داود وشخص سليمان. وكانا ملكين سيطرا على قسم كبير من الأراضي المحيطة بهما. »وبنو أمّك يسجدون لك« تكون الرئيس، تكون الملك. وأخيرًا تنتهي هذه المباركة، مباركة إسحق لإبنه يعقوب بكلام قاله الربّ لإبراهيم. أبارك من يباركك وألعن من يلعنك. هنا يقول له ملعون من يلعنك، يعني من يلعنك الله يلعنه ومبارك من يباركك يعني من يبارك، من يقول لك أنت مبارك، الربّ يرسل عليه بركته. دائمًا نلاحظ المجهول أو إسم المفعول يدلّ على الله. هو الله الذي يدافع عن الذي باركه إسحق، يدافع عن يعقوب، من لعنه تحلّ عليه اللعنة ومن باركه تحلّ عليه البركة. أمّا البركة التي نالها عيسو هي عكس ذلك وهي كما قلت صورة عن الأرض التي أقام فيها الآدوميون أبناء عيسو. أقاموا على الجبل الأجرد الذي لا ماء فيه ولا خصوبة فكانوا يقيمون بعيدًا على خصوبة الأرض وعن ندى السماء. نلاحظ الفرق بين سلالة يعقوب وسلالة عيسو. مع عيسو هناك السيف، بسيفك تعيش ومع أنّ معه السيف ومعه القوّة فسيكون الخادم، سيكون الخاضع، هذا يعني أنّ السيف، أنّ القوّة، أنّ العنف لا يحلاّن الأمور أبدًا. وفي النهاية ينقلب السيف على صاحبه والعنف على الذي سبّبهز أمّا بالنسبة إلى يعقوب فلا نرى أبدًا أيّ نوع من العنف، بما أنّه عظيم، بما أنّه مبارك على مثال أبيه، الذي سمّاه الفلسطيّون »أنت مبارك من الربّ« بما أنّه مبارك فالكلّ يأتون إليه. أعطى إسحق يعقوب البركة. هل يستطيع أن يتراجع عنها. كلاّ ثم كلاّ. قال له: »باركته ومبارك يكون«. نعم باركته ومبارك يكون. هذه البركة التي هي إستنزال الخيرات، إستنزال الغنى، إستنزال المال، إستنزال البنين، هذه البركة المرسلة من الله. باركته، الأب يبارك، الأب يطلب، والربّ يستجيب ويبارك. باركته ومبارك يكون، فالربّ لا يندم على عطاياه. وبركة الربّ هي نوع من الإختيار. إختار الربّ يعقوب ربّما في الأصل إختار عيسو، ولكن عيسو لم يكن على قدر الإختيار ولمّا باع الباكوريّة خسر البركة أيضًا وخسر الإختيار. هو يشبه إلى حدّ بعيد يهوذا يوضاس. إختاره الربّ ليكون بين الإثني عشر. ليس فقط بين التلاميذ السبعين، بل بين الإثني عشر يعني من التلاميذ السبعين، بل بين الإثني عشر يعني من التلاميذ المقرّبين جدٌّا. وما يقوله لنا القدّيس لوقا في حديثه عن آلام يسوع: إنّ يوضاس، يهوذا أكل من هذا الخبز، خبز الوحدة، خبز البركة، الإفخارستيّا وبعد ذلك مضى، لم يكن على قدر المهمّة، على قدر الدعوة التي أرسلت إليه. باركه الربّ، دعاه، جعل منه رسولاً بين الإثني عشر ولكنّه خسر كلّ شيء، خسر كلّ شيء ساعة بدأ كما يقول يوحنّا يسرق من الكيس، كيس المال الذي فيه. تعبّد للمال فنسي العبادة للربّ. تعبّد للعنف فنسي أنّ يسوع هو الوديع والمتواضع القلب. أراد ان يفتح له طريقًا من خلال الرسل الإثني عشرن طريقًا إلى التوراة ربّما، إلى ملك ممجّد، إلى مسيح لا يمرّ في الالم، فكانت له الخسارة الكبيرة بدل الحياة مع يسوع كان الموت له وحده، شنق نفسه، مات ودفن في أرض العزباء. وهنا عيسو أيضًا، لم يكن على قدر البركة التي أعطيت له فخسر كلّ شيء. وسيذهب يعيش وحده في الجبل. فيا ليتنا ننتبه إلى عطايا الله، نِعَم الله يقال تمرّ ولا تعود الربّ يمرّ في حياتنا، يمرّ يقرع الباب فيا ليتنا نسمع صوته، نسمع قرعة الباب، نفتح له الباب. لا ما أراد عيسو أن يفتح الباب للربّ. الربّ يمرّ ويريد أن يترك بركته في قلوبنا، في حياتنا، في مشاريعنا، ولكن هذه البركة لا تتجسّد إلاّ إذا قبلنا بعطايا الربّ، إلاّ إذا تجاوبنا مع نداء الربّ. إذا لم نتجاوب نخسر كلّ شيء، هذا ما كان بالنسبة إلى عيسو سيكون على هامش الأرض المقدّسة، ويكون شعبه على هامش الأرض المقدّسة وستكون عداوة بين الآدوميّين والعبرانيّين خصوصًا لمّا هجم الآدوميّون على أورشليم في بداية الإجتيح البابليّ لأرض فلسطين. هذان الأخوان، بدل المحبّة عرفا العداوة. فكأنّي بعيسو الذي أراد أن يقتل يعقوب، يقرأ الكاتب كيف أن أدوم تريد أن تقتل أورشليم، مدينة السلام، أن تدمّر أورشليم. ويتابع الربّ فروعه، فروعه في يعقوب. سنترك مؤقّتًا عيسو ونتابع يعقوب. قالت له أمّهك أهرب إلى لابان أخي في حاران وأمم عنده أيامًا قليلة حتّى يهدأ غضب أخيك. هذه نتيجة مراوغة وكذب الأم، خسرت إبنها الأكبر وستخسر إبنها الأصغر مدّة عشرين سنة حسبت أنّ المشروع سيأخذ أيامًا قليلة. فإذا به يأخذ ما يقارب العشرين سنة. إذًا هدأ غضب أخيك ونسي ما فعلت به، أرسل وأخذك من هناك. ولكنّها لم تستطيع أن تتّخذ أيّة مبادرة. من جهّة ثانية، فهم إسحق ولكن متأخّرًا أنّ ابنه الثاني كان ماكرًا، كان كاذبًا. تقول الآية 35: جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك. لا شكّ أنّ إسحق أخطأ وفهم في النهاية أنّ إبنه لا يُركن له. ومع ذلك باركه ففعل ما لم يجب أن يفعله. ولكن كما قلنا الربّ هو الذي يوجّه الأمور رغم خطوطنا المعوجّة والملتوية. وأخيرًا هناك شخص يعقوب، هذا الماكر الذي لعب لعبة على أبيه. سيكون له أن يخسر إبنه يوسف حين يبيعه إخوته ويرسلونه إلى مصر ويخبرونه أنّ وحشًا قتله. مسيرة الأحداث مكتوبة من خلال خبر بسيط، خبر عائلي بين أخ وأخيه. هكذا يفعل دائمًا الكاتب الملهم يعود إلى الوراء، إلى الوراء الوراء منطلقًا من الحاضر الذي يعيشه، يتأمّل في هذا الماضي ليرى فيه مخطّط الله، ليرى فيه إصبع الله، وليزيد النصّ نوعًا ما حزننا على عيسو، نراه يتزوّج إمرأتين حثّيتين. تألّمت رفقة ولا شك في أنّ إسحق تألم. هذا ما سنعرفه في الحلقة المقبلة. تزوّج عيسو من إمرأتين حثّيتين، إذًا هو سيأخذ عادة الحنين ويترك العبادة ؟ الواحد. يعقوب سيكون في خط إبراهيم خصوصًا مع البركة، ملعون من يلعنك، مبارك من يباركك هكذا قال الله لإبراهيم وهكذا قال إسحق ليعقوب. أمّا عيسو فأخذ خطٌّا آخر كما فعل قبله إسماعيل. هذا أحبّائي هو معنى الفصل 27 بركة يعقوب وردّة الفعل عند عيسو ردّة الفعل لم تكن ندامة لأنّه استخفّ بباكوريّته فخسر البركة بل كانت عنفًا وشدّة على الربّ بما أنّه لا يستطيع أن يفعل شيئًا بالله أراد أن يقتل أخاه. ولكن لم يكن وضع يعقوب مثل هابيل بل جعلت الأم ابنها يهرب إلى أخيه يعود إلى أرض حاران. أتراه سيبقى هناك، كلاّ. فإن بقي هناك، كلّ مشروع الله منذ إبراهيم سيهوي على الأرض. ولكن في الوقت الحاضر كأنّي بوعد الربّ صار بعيدًا. عاد إلى نقطة الصفر. كما جاء إبراهيم من حاران كذلك سيفعل يعقوب وتبدأ المسيرة مع 12 قبيلة، 12 سيكونون في الأساس من شعب الربّ. فالربّ لا يتراجع، الربّ يفعل، يتابع بالأشخاص الذين هم أمامه، يدعوهم ويكرّر الدعوة وفي النهاية مشروع الربّ هو الذي يصل إلىالهدف. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM