إسحاق يبارك يعقوب

إسحاق يبارك يعقوب

سفر التكوين 27/1-29

الحلقة 48

ولمّا شاخ إسحق وكلّت عيناه عن النظر دعا عيسو... ملعون من يلعنك ومبارك من يباركك.

في الأصل، البركة هي للبكر يعني لعيسو، ولهذا السبب دعا إسحق ابنه عيسو وقال له: هيّء لي طعامًا فآكل منه وأباركك قبل أن أموت. ولكن لا ننسى في حلقة سابقة أنّ عيسو باع باكوريّته ليعقوب ببعض العدس، ببعض الطبيخ. واستخفّ بهذه البكوريّة، وسوف يكون تقليد يشدّد على هذا. الإستخفاف لدى عيسو بالبكوريّة، خسر بكوريّته. لهذا السبب بما أنّه أنكر البكوريّة فقد أنكرها الله عليه. أنت بعت الباكوريّة بلا شيء فلن تكون لك الباكوريّة. مثل هذه المواهب الكبيرة التي تعطى لنا، فإن نحن استخففنا بها، خسرناها كليٌّا. في الإنجيل يقول من له يعطى ويزاد ومن ليس له يؤخذ منه ما يظنّه له. يعني المواهب التي تعطى لنا إن نحن استثمرناها زادت وكبرت أمّا إذا استخففنا بها فهي ستكون خسارة وستكون سبب دينونة لنا. نتذكّر هنا مثل الوزنات: ذاك الذي كان له خمس وزنات، قال هذه خمس وزنات أخر ربحتها في المتاجرة، عافاك. أحسنت أيّها العبد الصالح. وكذلك صاحب الوزنتين. أمّا صاحب الوزنة الواحد الذي خاف من سيّده، الذي ما استثمر الهبة، الموهبة التي أعطيت له، كان جواب السيّد: أيُّها العبد الشرير الكسلان في النهاية خذوا منه الوزنة وأعطوها لمن له العشر وزنات هذا في نص متّى. أمّا في نص لوقا فسيكون اعتراض فله عشر، من له يعطي ويزاد. لو أنّ عيسو حافظ على الباكوريّة وعمل كلّ شيء لكي ينمّيها وينمّي وجدانه بالنسبة إليها لما كانت ضاعت هذه الباكوريّة. ولكنّه استخفّ بها فخسرها وكانت ليعقوب. وهنا نتذكّر أيضًا أنّ الربّ لا يتعلّق كثيرًا بعادات البشر، بقوانين البشر. هو يعرف من يختار ومتّى يختار. عادة البكر يرث الباكوريّة، البكر يكون له المقام الأوّل، البكر هو موضوع الإختيار، أمّا هنا فيعقوب. وكذا نقول عن إسماعيل وإسحاق، إسحاق هو الثاني. وكذا نقول منذ البداية عن قايين وهابيل، هابيل كان الثاني. إستخفّ إذًا عيسو بالباكوريّة فخسرها. ولكن عندما نعيد قراءة هذا النصّ، نفهم أنّ الطرق التي سلكها البشر، يعني رفقة ويعقوب، ليست بطرق سليمة هي طرق فيها الكثير من الحيلة، فيها الكذب بكلّ بساطة، فيها الكذب، وسوف نرى أنّ رفقة كاذبة وعلّمت ابنها الكذب وسيكون ابنها أكذب منها. هنا نريد أن نشدّد على أنّ هذه الأشخاص الموجودين في التوراة، في الكتاب المقدّس، ليسوا كلّهم قدّيسين من الدرجة الأولى. وفي الساعة الأولى من اتصالهم بالربّ. هناك مسيرة طويلة قبل أن يصبح يعقوب ذاك المختار من الله. لا بدّ له من لقاء أوّل، ولقاء ثاني مع الربّ حتّى يبدّل حياته. لكن نستطيع أن نقول منذ الآن هو ذاك الكاذب ابن ذاك المراوغ. ومع ذلك الربّ إختاره، إختاره رغم أخطائه، رغم خطاياه، رغم نقائصه، الربّ يختار. الربّ لا يختارنا لأنّنا كاملون، كلاّ. بل يختارنا لكي يكمّلنا، لكي يرسلنا، لكي يحمّلنا مهمّة. يختارنا كما نحن بضعفنا، بخطيئتنا، بصحّتنا بمرضنا، بإمكانيّاتنا الكبيرة أو القليلة، ما هم هو الذي أعطاناه أياها ولكن يعرف كيف يساعدنا حتّى ننطلق في المسيرة التي هيّأها هو لنا. ونتذكّر لمّا قال لإبراهيم: أترك أرضك وعشيرتك. سوف نرى ابراهيم يخون حالاً نداء الربّ. وبدل أن يبقى في فلسطين ذهب إلى مصر، وبدل أن يحافظ على حاملة الوعد يعني سارة التي ستعطيه ابنًا يتابع عهد الله باع امرأته في مصر ونال بسببها الغنى الكثير من جمال، من غنم، من معز إلخ.. ولكن مع ذلك ظلّ الربّ أمينًا لأنّه لا يندم أبدًا في عطاياه. واختار يعقوب مع أنّه المراوغ، مع أنّه الكاذب، إختار الربّ وسيأتي يوم يعرف أنّ طرق البشر تختلف عن طرق الله. وسيتعلّم في وادي يبوف حين يلتقي بالربّ وجهًا لوجه في صراع سرّي، أنّ الإتّكال على الربّ هو النجاح الكبير. في يعقوب نجد من جهّة برج بابل ونجد من جهّة ثانية ابراهيم ببرج بابل، أراد الإنسان أن يبني نفسه بنفسه دون العودة إلى الربّ، فكانت النتيجة الخراب والتشتّت. أمّا ابراهيم فلمّ أمره إلى الله فكانت له الأرض الحلوة وخصوصًا النسل الكثير مع إنّه بشريٌّا لا يمكن أن يكون له النسل لا هو ولا امرأته سارة. إذًا يعقوب سيمرّ في هاتين المرحلتين. الأولى يعمل ذكاءه، يعمل الحيلة، يعمل المراوغة، يعمل الكذب لكن في المرحلة الثانية لن يخطو خطوة حتى يطلب بركة الله، يطلب نعمة الله ويسير على نيّة الله، على هدي الله. الحيلة الأولى إذًا هي الأم التي هيّأت الحيلة الأولى للإبن الذي تحبّه، ليعقوب. سمعت ما قال إسحق لإبنه عيسو فأخذت ما سمعته ودبّربت الأمور. أرادت أن تكون البركة ليعقوب لا لعيسو. هو الربّ ينطلق ممّا في العالم ويتابع مشروعه. هو الذي يختار الإنسان منذ وجوده في بطن أمّه. يختاره ويختاره وهذا الإختيار يصبح مجسّدًا إذا كان هذا الإختيار يتجاوب مع نداء الربّ واختياره. أمّا الوسائل، فهناك جميع الوسائل فيقول أحد القدّيسين: الربّ يكتب كتابة مستقيمة من خلال كتابتنا الملتوية المعوجّة. وهكذا لعبت رفقة دور يعقوب وعلّمته ماذا يفعل. خذ لي جديين من خيرة المعز وأنا أهيّأهما طعامًا لأبيك كما يجب. أمرت رفقة فسمع منها يعقوب. وكانت الحيلة الأولى أنّها جعلت على جسد يعقوب الأملس جلد المعز. فالإبن بدا ببعض التردّد. التردّد لا بسبب ضميره الحيّ كلاّ ولكن بسبب خوفه أن يصبح البركة التي يطلبها لعنة. »ماذا لو حسّني والدي فوجدني مخادعًا ألا أجلب على نفسي لعنة لا بركة«. ولكن الأم شجّعت إبنها: عليّ لعنتك يا ابني فقد تهيّأت، فقد احتاطت لكلّ هذه الأشياء. »هات الجدي وأنا أعرف ماذا أعمل«. وبدأت المسيرة من أجل البركة. في آية 15: »وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التي عندها في البيت وألبستها ليعقوب وكست يديه والجانب الأملس من عنقه يجلد المعز وهكذا كان الحيلة تسير مسيرتها. وحمل يعقوب الطعام إلى أبيه. هنا نلاحظ كذبة وراء كذبة بالنسبة إلى يعقوب، وكذب فيها بعد انتهاك القديسات: يا أبي، من أنت يا ابني. أنا عيسو بكلّ بساطة. هي الكذبة الأولى. هو يعقوب وليس عيسو، ماذا جاء، جاء يطلب بركة الأب إذًا أوّل كذبة على مستوى إسمه وشخصه، أنا عيسو لكنّه يعقوب، أنا بكرك ولكنّه ليس البكر. وهو فعل كلاّ، هي أمّه التي فعلت وأرسلته ليطلب البركة. فقال له إسحق: ما أسرع ما وجدت صيدًا يا ابني. قال وهي كذبة ثانية: الربّ إلهك وفّقني. هنا مؤكّد جعل وكأنّ الربّ أسرع وأعطاه الصيد اللازم الموافق. الربّ إلهك وفّقني. لا، كلاّ لكنّ الحيلة وفّقته. نلاحظ هنا كيف أنّ يعقوب أبرع من أمّه في المراوغة. فقال تعال أجسّك يا ابني فأعرف هل أنت ابني عيسو أم كلاّ. فالأب ما زال متردّدًا. الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو. نتذكّر هنا الكتاب المقدّس الذي يمنع من أن يوضع حجر عثرة أمام الأعمى، الأعمى لا يرى، إذًا يقول لا يشتم الأضم ولا تضع حجر عثرة أمام هذا الأعمى الذي هو إسحق. لهذا يبدأ الكتاب ويقول منذ البداية شاخ إسحق أن يميّز بني عيسو ويعقوب. الصوت يمكن صوت الأخ يشبه أخاه واللباس لباس عيسو كان هنا. إذًا كلّ الأمور صارت جاهزة لكي تسير الأمور مسرح. لكن في آية 23 يقول له فكاد أن يباركه. ما زال إسحق متردّدًا. هو يتردّد كأنّ قلبه دليله. ماذا سيفعل هنا كلّ شيء جاهز. هو طلب من عيسو وهو الطعام يأتي إليه مجهّز كما يحبّه هنا. إذًا ماذا ينقص بعد. مع ذلك قال له آية 24 هل أنت حقٌّا ابني عيسو؟ وزاد كذبته قال: »أنا هو«. هنا نتذكّر، لكن في طريق معاكس ما فعله بطرس، سمعان بطرس في الإنجيل لمّا كان يسوع يحاكم في بيت عظيم الكهنة، سألته الخادمة هل أنت؟ أنكر. هل تعرف يسوع. أنكر أنّه لا يعرف يسوع أبدًا. هناك كذبة، إنكار وهنا كذبة من نوع آخر هي تشديد: »أنا هو«. من أنت يا ابني: أنا عيسو بكرك وهنا أنا هو. في كلّ هذا الوقت، كان من الممكن على يعقوب أن يتأخر، أن يتراجع، أن يقول لا يا أبي، أنا لست عيسو أبدًا، ولكن الشيطان غرغر بي. ماذا أقول؟ كان يمكن أن يتردّد. كلاّ، لا بدون أي تردّد. »أنا هو« قالها وربّما حاول أن يقلّد بصوته صوت يعقوب. من بعد كلّ هذه الأمور ويعقوب متشدّد بشخصه الجديد، عيسو البكر، وإسحق يتسأل ويتردّد وفي النهاية: قدّم لي من صيدك يا ابني حتّى آكل وأباركك. سنعود إلى البركة في الحلقة المقبلة لكن منذ الآن نعرف أنّ البركة هي طلب من الربّ حتّى تكثر الخيرات في الشخص الذي نباركه. أمّا اللعنة هي طلب أن تزول البركة من هذا البيت أو من هذا الشخص. وما يقدّم للإنسان من طعام إنّما هو رمز، رمز لما سيحصل عليه مقدّم الطعام للذي يباركه فكأنّي هنا أمام البواكير التي تقدّم في الهيكل للربّ، فيردّها لنا الربّ أضعاف وأضعاف. وكذلك قدّم هذا الطعام فكأنّي ببركة إسحق ستعيد هذا الخير إلى يعقوب أضعاف أضعاف. ومن بعد أن أكل وشرب. قال له إسحق تقدّم وقبّلني يا ابني. أراد أيضًا أن يتأكّد. هو يعرف ثياب عيسو، هو يعرف رائحة عيسو. فتقدّم وقبّله. نتذكّر هنا قبلة ثانية هي قبلة يوضاس أو يهوذا الذي أراد أن يقبّل الربّ علامة على صداقته. هنا قبل قبلة يعقوب علامة على صدقه تجاه والده. فشمّ رائحة ثيابه، لا ننسى أنّ الثياب التي يلبسها يعقوب هي ثياب عيسو فقال: ها رائحة ابني كرائحة حقل باركه الربّ. نشدّد هنا أنّ هذا الشعر الموضوع هنا سنعود إليه في الحلقة المقبلة. هذا الشعر كتب فيما بعد. كتب على ضوء حياة يعقوب الذي كانت له العائلة الكبيرة، الذي كانت له الغنى الكبير وسيكون له العمر الطويل. هذه البركات المثلّثة، العمر الطويل، الخير الوفير والأبناء العديدون. وهذه البركة يعطيها الإنسان وخاصة صاحب السلطة، يعني ربّ البيت، الوالدة الوالدان. هذه البركة تعطى فلا يمكن أن يستعيدها ذاك الذي أعطاها. كما قلنا الربّ لا ندامة في عطاياه. فعندما تأتي بركة تصل إلى الإنسان من عند الله، هذه البركة لا يمكن أن تردّ أبدًا. في أيّ حال إستفاد الربّ من هذا الوضع الذي لا يمكن أن يكون مستقيمًا ومع ذلك إختار يعقوب بل كان اختاره من قبل. ولكن هذه الوسيلة البشريّة عمّقت أختياره، فهو سيكون البكر وهو سيكون حامل الوعد في إبراهيم وإسحق، إلى أبنائه وحتّى يسوع المسيح. هذه البركة تشبه إلى حدٍّ ما بركة داود لسليمان كان داود مريضًا في آخر حياته والإبن الأكبر أدونيا هو الذي يحقّ له بأن يكون الملك. ولكن كما لعبت لعبتها رفقة مع يعقوب لعبت بتشابع مع إنّها امرأة الزنى فوصل سليمان إلى الملك. ودخل سليمان في السلالة بين يد داود ويسوع المسيح. هو الربّ يأخذنا من خطايانا، من ضعفنا، من نقائصنا ويبني بنا مشاريعه.

هذا أحبّائي هو معنى النص من سفر التكوين 27/1-27: أسحق يبارك يعقوب. الربّ هو الذي اختار يعقوب وشدّد النص منذ البداية، كان يمسك بعقب أخيه، سيتغلّب على أخيه في الجدّ والكذب والإحترام لقوانين القبيلة. وسيتغلّب عليه بالمراوغة، بالحيلة والكذب ولكن سينال بركة أبيه، بركة لن تعود إلى الوراء، لأنّ الربّ لا يعطي ولا يستعيد. فشكرًا للربّ على عطاياه لنعرف كيف نتاجر بالوزنات التي يعطينا إيّاها. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM