إسحق في جيرار

إسحق في جيرار

سفر التكوين 26

الحلقة 46

أحبّائي سلام المسيح معكم، وكلام الربّ هو الذي يرافقنا في حياتنا، في حياتنا اليوميّة بكلّ بساطتها، فالربّ هو الذي يكتب حياتنا من خلال الأعمال التي نقوم بها. الربّ هو الذي يكتب حياتنا من خلال الحجارة التي نقدّمها من خلال في كلّ عمل نعمله، في كلّ قول نقوله، في كلّ إشارة نشير إليها.

حبلت رفقة أو بالأحرى تأخّرت رفقة عن الحبل، فرأى أسحق في هذا التأخّر نداء إليه حتّى يصلّي ويرفع الصلاة. حبلت رفقة فحبلت بأمّتين سوف تعيشان الواحدة قرب الأخرى. ومن خلال الولادة اكتشف أيضًا تاريخ الربّ. ومن خلال خديعة يعقوب واستخفاف عيسو، كان الربّ أيضًا يكتب التاريخ. وهنا سوف نجد حلقة جديدة من حياة بسيطة جدٌّا، إسحق وصل إلى منطقة جيرار قرب غزّة مع خرافه وسوف نرى أنّه سيسمع صوت الربّ من خلال الحياة اليوميّة. إذًا نقرأ الفصل 26/..1. إسحاق في جيرار وكانت الأرض جوع غير الجوع الأوّل... إلى صار له رجلاً عظيمًا جدٌّا إلى أن صار له ماشية غنم وماشية بقر وعبيد كثيرون فحسده الفلسطنيّون.

ما نلاحظه أوّلاً هو أنّ الكاتب يمزج ما حدث في الزمن القديم مع العصر الذي يعيش فيه. هذا إذا كان في زمن داود وسليمان أو حتى بعد ذلك. وهو يذكر الفلسطنيّين، ننتبه الفلسطنيّون والفلسطنيّون. الفلسطنيّون هم أهل فلسطين في هذه الأيّام. وهم أصل أهل البلاد مع الذين أتوا من الشرق، الشرق العربي. أمّا الفلسطنيّون فهم جماعة جاءت من جزر اليونان وأقامت على ساحل فلسطين في خمس مدن منها غزّة وعصقلان إلخ. هناك فرق بين الإثنين والكاتب لا يهتمّ ولا يقول لنا أنّ الفلسطنيّين جاؤوا في القرن الثاني عشر، كلاّ. هو ينتقل من تفكيره الحاضر ويعود إلى الماضي ويمزجه هنا. ويدلّ وهذا شيء رائع يدلّ على السلام بين الفلسطنيّين والعبرانيّين. الفلسطنيّين بشخص أبي مالك والعبريّين أو العبرانيّين في شخص يعقوب. كأنّي بالكاتب نسي كلّ هذه الحروب بين العبرانيّين والفلسطنيّين. لا ننسى مثلاً معركة الجلبوع حيث مات شاوول الملك وابنه يوناثان ومع داود ظلّت الحرب حاضرة بين الفلسطييّن والعبرانيّين. ولكن الكاتب يبيّن لنا أنّ هناك حوار، لا شكّ أنّ الفلسطيّون حسدوا إسحق وعبيده، ولكن هذا الحسد ظلّ خارجيٌّا. بعض الخلافات البسيطة حول آبار المياه ولكنّها خلافات تنتهي كلّها بالحلف. ويقول هنا: تحالف الفلسطنيّون مع إسحق. نظرة الكاتب الملهم، لا نستطيع أن نقول هي نظرة تاريخيّة بمعنى أنّها تقرير صحافي. هي بالأحرى نظرة لاهوتيّة، كأنّي به يقول للعبرانيّين وللفلسطنيّين والآروميّين الأفضل أن تعيشوا بسلام، أن تعيشوا بالحوار، أن تعيشوا بالتعاون، أن تعيشوا في المحبّة.

الفكرة الثانية، هي أنّ حياة إسحق في يد الله. مع العلم أنّ في الخلفيّة هناك شخص إبراهيم. إذًا كان الله بارك إسحق لأنّ إبراهيم سمع كلام الربّ. دائمًا إبراهيم هو في الخلفيّة، هو أبو المؤمنين، وكلّ بركة تأتي إلى إسحق فإنّما ترتبط بشكل أو بآخر بالبركة المعطة لإبراهيم. إسحق أوّلاً أراد أن ينزل إلى مصر كما اعتاد العبرانيّون بل شعوب آسيا أن يفعلوا خلال الحرب. أراد أن ينزل لكن الربّ قال له لا تنزل، لا تنزل.

يقول في الآية 2: فتراءى الربّ وقال: »لا تنزل إلى مصر«. فكأنّي بالكتاب يقول، أخطأ إبراهيم حين نزل إلى مصر. فالخطر أحاط بامرأته سارة وهو كاد يخسر العهد ويخسر حامل العهد. أمّا هنا فالربّ طلب من إسحق لا تنزل إلى مصر بل اسكن في الأرض ولكن الأرض ناشفة، الأرض جافّة، لا محاصيل فيها ولا زراعة. كيف يبقى إسحق في هذه الأرض ومع ذلك أطاع إسحق كما أطاع إبراهيم. وهناك كلمتين جميلتين: »أنا أكون معك«. أجمل كلمة نسمعها من الربّ »أنا أكون معك«. بعد هذا ممّا أنت تخاف؟ ممنوع الخوف بعد ذلك. أنا أكون معك وعلامة حضوريمعك هو المباركة وأبارك فأعطي لك ولنسلك جميع هذه البلاد. نحن هنا في خطّ التقليد الإشتراعي الذي يشدّد على عطيّة الأرض من قبل الربّ. ويعود هذا النص لإبراهيم ويقول في 62/1 وكان في الأرض جوع غير الجوع الأوّل الذي كان في أيّام إبراهيم. انتبه الكاتب أنّه يكرّر الخبر الواحد لهذا السبب جعل غير الجوع الأوّل، ما عاشه إبراهيم يعيشه إسحق. وسنرى المواعيد ذاتها: أكثر نسلك كنجوم السماء، يتبارك فيك جميع الأرض إلخ... هذا كلّه نجده في الفصل 12، في الفصل 20 إلخ. إذًا طلب الربّ من إسحق ألاّ يذهب إلى مصر مع ما فيها من غنى، من مياه، من كلأ، وسوف نرى إسحق أطاع. إبراهيم أطاع لما قال له الربّ: انطلق من أرضك وعشيرتك فانطلق. أمّا إسحق فقال له أقم في هذه البلاد فأقام إسحق في جيرار. وعلامة البركة سيقوله لنا الكاتب فزرع إسحق في تلك الأرض مع الطقس الناشف فحصد في تلك السنة مئة ضعف. نحن نعرف أنّه عادة ضعف، إثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، مئة ضعف، عدد كبير. نتذكّر هنا مثل الزارع في متّى 13، في مرقس 4، كيف أنّ الزرع أعطى ثلاثين وستّين ومئة. أمّا مع إسحق فأعطى الزرع مئة ضعف وكانت هذه العطيّة علامة بركة الربّ على إسحق. لا ننسى أنّ بركة الربّ مثلّثة، الأبناء العديدون، الحياة الطويلة بعيدًا عن المرض وأخيرًا بركات الأرض الخير الوفير. وهكذا أعطى الربّ لإسحق الخير الوفير في هذه الدنيا. نتذكّر هنا أنّ البركة، البركة هي مجمل عطايا الربّ. ولا سمح الله، اللّعنة هي حين تؤخذ الخيرات من يد الإنسان. طريقة بشريّة، بها نعبّر عن علاقتنا بالله، نقول حين نكون في البرارة، في الحياة البارّة، الله يسمع لنا. وحين نكون في حالة الخطيئة الربّ يتركنا. هذا الكلام لا نستطيع أن نقوله. في أيّ حال الربّ لا يتركنا. سواء كنّا أبرار أو كنّا أشرار الربّ لا يتركنا. سواء كنّا أبرار أو كنّا أشرار الربّ لا يتركنا بل هو يحاول أن يردّنا إلى التوبة، أن يطيل روحه علينا. بـ 26/3 نلاحظ أنّ الكتاب يقول لإسحق ما قاله لإبراهيم: التي حلفتها لإبراهيم أبيك، هذه البلاد إذا أعطى لك ولنسلك جميع هذه البلاد وأفي باليمين التي حلفتها لإبراهيم أبيك. وكما وعد إبراهيم بنسل كنجوم السماء، هكذا يعد إسحق. وكما وعد إبراهيم بالأرض هكذا يعد إسحق. أجل الله هو الأمين، وأمانته لا تكون مع شخص واحد، بل مع أبنائه وأبناء أبنائه. يقول بسفر الخروج 20، »إذا كان الله يعاقب على ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال فهو يبارك على ألف جيل يعني يبارك إلى ابد الآبدين«. يتبارك فيك جميع أمم الأرض كما تباركت في إبراهيم كذلك تتبارك في إسحق والسبب لأنّ إبراهم سمع كلامي. فإذًا كلّ هذا كرامةً لإبراهيم الذي سمع كلامي، حفظ أوامري ووصاياي وفرائضي وشرائعي. كأنّي به طبّق أقوال الشريعة التي أعطيت لموسى، طبّقها عليه قبل أن يعرفها. وهكذا نلاحظ كيف أنّ الربّ طلب من إسحق أن يبقى هذا، أن يبقى في أرض فلسطين وإن غريبًا، فظلّ في أرض فلسطين رغم أنّه غريب، هذا شيء. والشيء الثاني، كانت مغامرة لإسحق على مثال المغامرة التي حدثت لإبراهيم. نتذكّر في الفصل 20 من سفر التكوين، أنّ إبراهيم قال هذه المرأة هي أختي، فأخذها منه الرجل واعتبرها حرّة وتزوّجها. أمّا هنا فلا شيء من ذلك أبدًا. كل ما كان هناك سؤال وسؤال بسيط هي أختي، وما أخذها ملك جيرار وسيقول فيما بعد: من مسّ هذا الرجل أو إمرأته فموتًا يموت. يعني صار إبراهيم وسارة، صارا ضيفين عند يسوع فمن يمسّها فكأنه يمسّ الملك ذاته. سيقول في آية 11: »من مسّ هذا الرجل وامرأته فموتًا يموت«. فإذا عامل أبي مالك إسحق على أنّه ضيف من ضيوفه، فيا ليت هذه المعاملة، كانت حاضرة سنة 587 حين طلبت الجيوش البابليّة من الآدوميّين أن يضايقوا بني إسرائيل قبل أن تصل الجيوش إلى أورشليم التي سفطت587 ق. م. وذهب الوجهاء من سكّانها إلى السبيّ. إذًا سألوه من هي؟ قال هي أختي وانتهى الموضوع هنا. ولكن ماذا حدث؟ مازال الخط والكاتب يشدّد دمعًا على جمال الأشخاص الذين يختارهم الربّ، جمال في الجسد وجمال في النفس والروح وجمال في الأخلاق. يقول الكاتب عن سارة كانت جميلة المنظر وهذا الجمال هو علامة من بركة الله. وأقام إسحق مدّة طويلة في هذا الموضوع ومرّة يقول الكتاب كان يداعب رفقة امرأته. الأمر بسيط، الملك بيته بطابقين، إذًا يرى ما يحدث في الشارع غير أصحاب البيت من دور واحد. لهذا السبب استطاع أن يرى إسحق وامرأته هنا. وكما عاتب ملك الفلسطيّين إبراهيم كذلك سيعاتب هنا إسحق لماذا قلت لي هي أختك. كما وجد إبراهيم عذرًا في خوفه من الموت كذلك وجد إسحق عذرًا وقال: لأنّي ظننت ربّما أُهلك بسببها. ويشكر أبي مالك الله لأن أحدًا لم يمسّ هذه المرأة. إذًا هنا بهذا الفصل رأينا الأمور العاديّة. هل أهاجر، هل أترك هذه البلاد أم أبقى هنا. سؤال يطرح على عدد من الناس عندنا وحولنا. هل أترك هذه البلاد من أجل حياة فيها بعض الرفاهية وبعض التأمين، أم أتذكّر أنّ عليّ رسالة في هذه البلاد. وهذه الرسالة يجب أن أعيشها، يجب أن أتابعها، يجب أن لا تتوقّف هذه الرسالة. فإذا ذهبت أنا وما قمت بهذه الرسالة تبقى غير متبعة ولا يعمل أحد بها. فكأنّي بإسحق قبل أن ينزل إلى مصر ويفعل كما يفعل والده خلد إلى الصلاة. فكّر ماذا تريد منّي يا ربّ أن أفعل. هذا ما سيفعله أيضًا بولس على طريق الشام. ماذا تريد يا ربّ أن أفعل؟ كلّ مرّة هناك دعوة من قبل الربّ أو مشروع من قبل الناس فلماذا لا تعود إلى الربّ، نسأله ماذا تريد منّي يا ربّ أن أفعل وهذا سأله إسحق وكان له الجواب: أسكن في الأرض التي أدلّك عليها وأنا اكون معك. أنت تطلب البركة، أنت تبحث عن البركة. لا تخف فأنا أكون معك. وأنا اكون ملء البركة البركة معك. لا تذهب إلى الآبار المشقّقة التي تمسك ماءً، فأنا ينبوع الماء الحيّ. أنا أعطيك البركة الحقيقيّة. هناك الناس يعطون الشيء من الخارج أمّا الله فيعطينا شيئًا من ذاته. فإذا سمع إسحق صوت الربّ في أعماق قلبه. ولا شكّ أنّه سأل ذلك الرجل أو ذاك فنال منه الجواب باسم الله. كأنّ الله يتكلّم معه.

أحبّائي هذا هو معنى الفصل 26 من سفر التكوين. حياة بسيطة، حياة عاديّة صار جوع. هل نبقى في الأرض أو نمضي. لا تبقون ومن خلال هذا الجوع سمع إسحق صوت الربّ ولم يكن هذا الصوت كلامًا فخسب بل زرع في تلك السنة فحصد مئة ضعف. وهكذا كانت هذه الصلاة التي قام بها إسحق مناسبة ليبقى على اتحاد مع الله ليكون بحسب مشيئة الله. فعاش الصلاة الربيّة، صلاة الأبانا قبل وقتها فكأنّي به في عمله قال ليتقدّس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء، لتكن مشيئتك معي في حياتي وفي عائلتي، أنت يا ربّ من يكون معي، أنت يا ربّ من تبارك وحين تبارك لا يمكن أن تأتي اللّعنة. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM