نسل إبراهيم

نسل إبراهيم

سفر التكوين 25/1
الحلقة 44

وعاد إبراهيم وأخذ زوجة إسمها قطّورة، وولدت له زمران و.... وهكذا نزل إسماعيل بمواليده قبالة إخوته.

حين نقرأ هذا النصّ نتساءل ما قيمة هذه الأسماء؟ لماذا ذكرها الكاتب؟ وبالنسبة إلينا، ما معناهالله لا شكّ في أنّنا لا نتوقّف عند التفاصيل وإن كانت هذه الأسماء معروفة، معروفة ببلدان عربيّة مثلاً نبايوت، قيدار، مشماع إلخ... إذا هذه الأسماء كانت معروفة في قسم كبيرة منها. يبقى السؤال لماذا جعلها الكاتب الملهم هنا. جعلها هنا ليربط جميع الشعوب بإبراهيم. مع إبراهيم هناك خليقة جديدة، هناك انطلاقة جديدة. مع آدم بدأت بشريّة إنتهت بالطوفان. وبعد الطوفان مع نوح ابتدأت بشريّة، انتهت في التشتّت مع برج بابل فصل 11 من سفر التكوين. ومع إبراهيم يبدأ شعب جديد هو شعب الإيمان. حاولت البشريّة أن تبني نفسها بنفسها. منذ البداية أراد آدم أن يصير الله ويستغني عن الله. فإذًا هو عبد للخطيئة وللشرّ. وبعد الطوفان حاول الناس أن يبنوا برجًا يصل إلى السماء ويهاجم الله في عقر داره. كأنّ السماء مملكة مصوّرة وأرادوا أن يصعدوا إلى هذه المملكة حتّى يهاجموا الله ويخضعوه لهم. بدل من أن نخضع الإنسان لالله، أراد الإنسان أن يُخضَع الله له. أمّا مع إبراهيم فتبدّلت الأمومر كلّها. هم أرادوا بقوّتهم أن يبنوا مدينة أن يكونوا شعبًا تجاه الله ضدّ الله. أمّا إبراهيم فما أراد أن يكون له شيء إلاّ من يد الله، من نعمة الله.

والفصل 12 من سفر التكوين هو واضح. الربّ هو الذي يتّخذ المبادرة وليس إبراهيم أحبّائي من قال للربّ أنا أريد أن أكون لك، كلاّ، لكنّ الربّ قال لأبرام، لإبراهيم: »أترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك وتعال إلى المكان الذي أدلّك عليه«. إذًا الربّ هو الذي اتّخذ المبادرة وكانّ جواب إبراهيم هو »نعم« فمضى إبراهيم كما أمره الربّ. إذًا نحن أمام بشريّة جديدة من نسل إبراهيم، من نسل الإيمان. ومضى الكاتب الملهم في كلّ هذا الشرق القديم يجمع الشعوب والممالك والعشائر ليجعلها ترتبط كلّها بإبراهيم، لكيّ تنال البركة التي نالها إبراهيم. ذاك كان الوعد الذي قاله الربّ: »بك تتبارك جميع الأمم«. كما بارك الربّ أبرام سوف يبارك جميع الشعوب في هذا الشرق. لا شكّ ستكون بركة خاصّة لإسحق ولكن البكة ستكون لجميع هذه الشعوب. لهذا السبب ربط الكاتب الملهم العمونيّين (عمّان اليوم) والآروميّين بواسطة لوط ربطهم بإبراهيم. وهنا من قبيلة قطّورة مع أولادها دخلوا كلّهم في سلالة إبراهيم. ومواليد إسماعيل أيضًا دخلوا في سلالة إبراهيم. هم أبناء إبراهيم، هنا نلاحظ أنّ أسماء الأمّهات مثلاً هنا قطّورة بآية 12، هاجر هي قبائل وليست امرأة، أو إذا كانت امرأة فهي تمثّل القبيلة. نتذكّر دائمًا إنّ المرأة تدلّ على الشعب. عندما نقول إفرحي يا بنت صهيون يعني إفرح يا شعب صهيون، يا شعب أورشليم. وهنا قطّورة تدلّ على جماعة من القبائل، مجموعة من القبائل. وكذا نقول عن هاجر، هادر، إسماعيل ثمّ أبناء إسماعيل. وسنعرف بعد وقت قليل أنّ هناك نسل آدوم ونسل إسحق، كلّ هؤلاء يدخلون في نسل إبراهيم. لسنا هنا أمام نسل من نوع ماديّ. وعندما يقول فصل 25/1 وعاد إبراهيم فأخذ زوجة إسمها قطّورة ونعرف بآية 7 بأنّه سيموت قريبًا، فهذا لا يعني أنّ ابراهيم تزوّج وهو ابن 175 سنة وكان له كلّ هذا العدد من الأولاد. كلاّ، أراد الكاتب أن يبيّن القرابة الروحيّة بين إبراهيم ونسل قطّورة، كلّ هذه القبائل التي ارتبطت بقبيلة قطّورة. ونقول الشيء عينه عن هاجر، هاجر هي قبيلة ارتبطت بها عدد من العشائر فصارت قبائل على خطاها. ونلاحظ في نسل إسماعيل 25/16 يقول إثنا عشر رئيس. لا ننسى أنّ قبائل بين إسرائيل هي 12. وهنا قبائل إسماعيل وعندنا قبائل آدوم، كلّ هذه القبائل هي 12 قبيلة. لماذا هذا العدد 12. 12 هو رقم كامل هو ضرب 4 رقم الكون شمال، جنوب، شرق وغرب هذا يسمّوه أربعة جهّات العالم و3 رمز الألوهة. 4 × 3 = 12. إذًا نحن هنا أمام رقم الكمال. إذا كان بنو إسحق إكتملوا بجدّهم إسحق وجدّتهم رفة كذلك بنو إسماعيل كانوا كاملين بجدّهم إسماعيل وجدّتهم هاجر. ولماذا هذا العدد 12 لأنّه كان هناك معبد يتوالى على خدمته عدد من القبائل. بما أنّ في السنة 12 شهرًا كانت القبائل اثنتي عشر حتّى تؤمّن كلّ قبيلة خدمة المعبد شهرًا في السنة. وهكذا سيكون الأمر بالنسبة إلى بني إسرائيل سواء كانوا حول الجلجال، حول شكيم، حول المصفاة أو حتّى حول أورشليم كانوا هناك 12 لتؤمّن كلّ قبيلة خدمة المعبد. وكذا نقول بالنسبة إلى الكعبة في العصر الجاهلي كان هناك قبائل تدور حول الكعبة وتؤمّن كلّ قبيلة خدمة المعبد شهر في السنة. وفي العالم اليوناني كذلك حول معبد دلفس كان هناك 12 مجموعة في الشعوب تؤمّن كلّ مجموعة خدمة المعبد. ونلاحظ أيضًا من خلال هذا النسل، النسل الواسع أنّ هناك نسلاً خاصٌّا هذا النسل يمرّ من إبراهيم إلى إسحق، إسحق يعقوب. إذًا هناك أوّلاً كان يوجد إسحق وإسماعيل، إسماعيل أخذ خطٌّا آخر أمّا إسحق فكان خطّ إبراهيم. ولدا إسحق يعقوب وعيسو. أخذ عيسو خطٌّا آخر وكان يعقوب الخط الأساس. ومن 12 قبيلة أبناء يعقوب خط يهوذا فقط وهكذا يتوالى الخطّ حتّى يسوع المسيح، كما نراه في إنجيل متّى الفصل الأوّل من الآية الأولى وما يلي. مهمّ جدٌّا أن نفهم أهميّة الأسماء وأهميّة الأنساب في مثل هذا الكتاب وفي مثل هذه الفصول. السلسلة أو النسب تربط كلّ شخص بإبراهيم ومن خلال إبراهيم بنوح ومن خلال نوح بآدم. كما يقول القدّيس لوقا في السلسلة التي أوردها، يسوع كان يعرف ابن يوسف إبن آدم وإبن الله. وهكذا ترتبط البشريّة كلّها بالله بواسطة إبراهيم وقبله نوح وقبله آدم. ويقول النصّ أنّ إبراهيم أعطى إسحق كلّ ما يملك. هناك المعنى الماديّ أعطاه بعض الخراف و بعض الجمال ولكن الأهمّ من هذا أعطاه الإيمان، شعلة الإيمان ستكون في يد إسحق التي ينقلها إلى يعقوب وإلى القبائل حتّى تصل إلى المسيح. هذه الشعلة سلّمها إذًا إبراهيم إلى إسحق ويقول الكاتب هو بعد حيّ، يعني في حياته وسيقال بعد الوقت أن إبراهيم منذ حياته نقل إلى إبنه وأبنائه أعظم ما عنده من إرث وهو إرث الإيمان. وذكر الكاتب هذه السلالة حالاً قبل موت إبراهيم. لماذا ليدلّ على أنّه كما الأب يعطي الميراث لإبنه كذلك إبراهيم أعطى الميراث لكلّ أبنائه وخصوصًا إسحق. ويقول لنا عن عمر إبراهيم 175 سنة من الصعب أن يصل الإنسان إلى هذا العمر ولكن لا ننسى أنّ إبراهيم تأخّر في التعرّف إلى الله، تأخّر في الحصول على إبن يقول 100 سنة، كلّ هذه الأرقام هي أرقام رمزيّة. ما أراد الكاتب أن يقوله هو إنّ إبراهيم كان عمره أكثر من إسماعيل، إسماعيل فقط 137 ثم 120، 110 أمّا إبراهيم فكان عمره أكبر الأعمار ليدلّ على أنّ برارته تفوّقت على برارة الآخرين. ويقول في الآية 8: »وفاضت روح إبراهيم« يعني خرجت منه، لم يعد إنسانًا حيٌّا. ثم يقول: ومات بشيبةٍ صالحة. أجل الإنسان المبارك يموت بشيبة صالحة، يموت شيخًا شبع من الحياة. نظرتا نحن اليوم بعيدة عن نظرة العبرانيّين الذين لم يكونوا يؤمنوا بعد بالحياة في الآخرة. أمّا نحن فسواء مات الولد أو الشاب أو الصبي بعمر من الأعمار فهو يستقبله الله. يقول شيخًا شبع من الحياة وانضمّ إلى آبائه يعني جعل في ذات المدن مع آبائه. هنا نلاحظ أنّ ما قال الكاتب عن إبراهيم، قاله عن إسماعيل بآية 7 وانضمّ إلى آبائه عن إبراهيم وفي آية 17 يقول فاضت روح إسماعيل ومات وانضمّ إلى آبائه. ما قيل عن إبراهيم، قيل عن إسماعيل، هذا يعني أنّ لا رفض لأحد في مخطّط الله، الجميع لهم ميراثهم، الجميع لهم العمر الطويل، الجميع لهم البركة. إبراهيم، إسماعيل، إسحق، سنرى كيف يكون إسحق مباركًا. فبركة الله هي أوسع من أن تنخصر بشخص من الأشخاص أو شعب من الشعوب. ما نلاحظ في نسل إسماعيل هو هؤلاء القبائل المعروفة في الأدب العربي، هي قبائل عاشت في صحراء، الصحراء السوريّة والأردنيّة حتّى ما يسمّى اليوم السعوديّة، هذه القبائل كانت معروفة. والعظمة في الكتاب المقدّس أنّه لم يترك إسمًا من الأسماء يضيع أبدًا. جمع كلّ الأسماء، لأنّ جميع الأسماء هي في قلب الله. يقول الربّ نقشتك على كفّ يدي، على كفّ يد الله نقشت جميع الأسماء، جميع القبائل، جميع العشائر، جميع الأشخاص. ولهذا حاول الكاتب الملهم أن يجمع أكبر عدد من الأسماء حتّى تكون الصورة كاملة، حتّى تكون جميع الشعوب التي تفرّقت بعد برج بابل، تكون كلّها في يد الربّ، بخطّ إبراهيم، في خطّ إيمان إبراهيم. ويذكّرنا الكاتب أخيرًا كيف أنّ إبراهيم دفن مع سارة وعندما يقول مع آبائه، هذا لا يعني شيء، لأنّ آباء إبراهيم هم في حاران، أمّا هو، فهو في فلسطين. وكذا نقول عن إسماعيل، يعني عمليٌّا دفن مع إبراهيم وهذا ما لم يقله الكتاب. المهم أن يقول النصّ في شخص إبراهيم وفي شخص إسماعيل أنّه لم ينفصل عن آبائه، كما أنّ أبناءه لم ينفصلوا عنه فستبقى العائلة مجموعة. نتذكّر هنا أنّ الموت في العالم العبراني كان ينتهي بخيال. لا يستطيع الموتى أن يسبّحوا الربّ ولهذا يطول عمرهم حتّى يستطيعوا أن يسبّحوا الربّ مدى الدهر وإلى الأبد.

هذا أحبّائي هو معنى الفصل 25 من سفر التكوين الفصل 25/1-18 نسل إبراهيم. أجل ارتبطت جميع الشعوب والقبائل بهذا الشرق بشخص إبراهيم، بإيمان إبراهيم. ولمّا مات إبراهيم وهو إبن 175 سنة، مات دون أن يخاف لأنّ هذا الإيمان انتقل إلى الأبناء ولأنّ السلسلة تتواصل وسوف تتواصل حتّى تصل إلى قمّتها في شخص يسوع المسيح. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM