آدم وحوّاء

سفر التكوين 3/8:

آدم وحوّاء

سمع آدم وامرأته صوت الربّ وهو يتمشّى في الجنّة عند المساء. فاختباءا من وجه الربّ الإله بين شجر الجنّة. فنادى الربّ الإله وقال له: أين أنت؟ فاجاب سمعت صوتك في الجنّة، فخفت ولأنّي عريان اختبأت. فقال الربّ الإله: من عرّفك أنّك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألاّ تأكل منها. فقال آدم: »المرأة التي أعطيتني أن تكون معي، هي أعطتني من الشجرة فأكلت«.

وهكذا أحبّائي في الفصل 3 من سفر التكوين، بعد أن عرفنا أنّ آدم وحوّاء يعني العائلة الأولى، لا ننسى آدم المأخوذ من التراب وحوّاء هي أم الأحياء، إذًا أخطأا وتصوّرت الخطيئة بشكل ثمرة على شجرة نأكل منها. ولمّا اكل آدم وحوّاء، يعني لمّا أخطأا، لمّا تجاوزوا وصيّة الله، انفتحت عيونهما. عرفوا معًا أنّهما عريانان يعني أصبحا بدون لباس يغطّي جمالهما. صاروا كالأسير العريان، نقصهم اللباس الذي يدلّ على نبوّة الله. وهنا نتذكّر الابن الضالّ لمّا ابتعد عن البيت الوالدي وعاد، قال الأب هاتوا أجمل حلّة وألبسوه إيّاها. هنا آدم وحوّاء هما بعكس هذا الابن الضال، هما عريانان. يقول الكاتب ويصوّر لنا بفصل 3/8 وما يلي، يصوّر لنا الضمير، صوت الله الذي يكلّم الإنسان في أعماقه. ضمير لا نراه، صوت الضمير لا نسمعه بآذاننا ولكنّنا نسمعه في أعماق قلوبنا. كلّ إنسان مهما كانت ديانته، مهما كانت طائفته، عنده الضمير، عنده صوت الله. وهذا الصوت يتكلّم في قلبه، يدعوه إلىعمل الخير، ينبّهه في عمل الشرّ. وهنا الكاتب أحبّائي، يصوّر صوت الربّ وكأنّ الإنسان يستطيع أن يسمعه، كما يصوّر الربّ في الجنّة بشكل صاحب البستان، يتمشّى في الجنّة عند المساء، عند برودة المساء. وقلناها في الماضي هذا الإله يتمشّى في الجنّة مع آدم كالصديق مع صديقه. وقد يكون قد اعتاد أن يتمشّى كلّ ليلة عند المساء مع آدم، أصبح هناك صداقة بين الله والإنسان. هنا نتذكّر يسوع المسيح في أيّامه الأخيرة كان يذهب كلّ ليلة مع تلاميذه إلى بستان الزيتون. ويمضي الليل معهم في كلام حميم سوف يقدّم عنه القدّيس يوحنا في خطبة الوداع الشيء الكثير. وهنا أيضًا الله يتمشّى كلّ ليلة، عند المساء مع آدم، يفرح آدم بمجيء الربّ ويفرح الربّ بهذا الصديق الذي له. فكرة مهمّة كثيرًا أحبّائي أنّ الربّ يريد أن يكون رفيقنا، يريد أن يكون معنا، يتمنّى أن يأتي إلينا. يقول بسفر رؤيا: »ها أنا واقف على الباب أقرعه، إن فتح، إن سمعَ أحد صوتي وفتح الباب دخلت إليه وتعشّيت معه وهو معي«. في البداية الربّ يتمشّى في الجنّة مع آدم وفي النهاية في سفر الرؤيا الربّ يقرع بابنا، يريد أن يقضي السهرة معنا، يريد أن يتعشّى معنا وليس من عشاء للربّ إلاّ العشاء السرّي ذاك الوقت الذي يعطينا فيه جسده ودمه. ولكن أحبّائي هذا المساء يختلف عن كلّ مساء. انتظر الربّ أن يتمشّى مع آدم في الجنّة عند المساء، ولكن آدم ليس هنا. يقول الكتاب اختبأ من وجه الربّ الإله بين شجر الجنّة، اختبأ ما أراد أن يستقبل الله، ما أراد أن يسمع صوت الله، ما أراد أن يرى الله. في سفر الرؤيا دقّ الباب ولم يفتح له، ظلّ الربّ خارجًا وهنا ما أراد آدم أن يستقبل الله. خاف من أن يستقبل الله في الجنّة، لماذا؟ لأنّه في حالة الخطيئة. وهكذا نفهم أحبّائي هي أنّ الخطيئة ما يبعدنا عن الله، وما يجعل الله بعيدًا. هو القدّوس ونحن الخطأة. تذكّروا اشعيا النبي عندما كان في الهيكل، ماذا قال: ويل لي أنّي هلكت، لماذا؟ لأنّي رجل دنس الشفتين وأقيم في شعب دنس وقد رأت عيناي الملك ربّ الجنود. صور بشريّة عديدة، تدلّ على أنّ الإنسان الخاطئ يكون بعيدًا عن الربّ. ذكرنا الإبن الضال، يقول إنجيل لوقا الفصل 15، ذهب إلى بلد بعيد، ذهب إلى البعيد. في الواقع لا نبتعد، نبقى مكاننا ولكن الخطيئة تجعلنا بعيدين عن الله، بعيدين عن نعمة الله، عريانين من نعمة الله، عرانين من بركة الله. جاء الربّ فلم يجد آدم. فنادى الربّ الإله آدم وقال له، ناداه بصوت ضميره، بأعماق قلبه، كما ينادي كلّ واحد منّا جعل البغض، أو الحقد أو الزنى أو غيره من الخطايا في حياته. أين أنت؟ أين أنت لا تتمشّى معي كالعادة؟ فأجابَ: سمعت صوتك في الجنّة فخفت ولأنّي عريان اختبأت. هنا عندنا أوّلاً سماع الصوت، صوت الله لا يمكن ألاّ نسمعه سواء أكنّا أبرارًا أو خطأة نحن نسمع صوت الله. إذا كنّا أبرارًا نسمع صوت التهنئة صوت المكافأة، صوت الفرح. وإلاّ سمعنا الصوت الذي يقول: »إبعدوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبديّة المعدّة لإبليس وأعوانه«. ويقول هنا: »خفت« هناك خوفان. خوف أوّل: عندما يحسّ الإنسان أنّه بحضرة الله وهذا الخوف هو خوف خلاصي، خوف عظيم لأنّ الربّ يقول لنا بعد قليل لا تخف. هذا ما قاله لزكريّا، خاف زكريّا، لا تخف يا زكريّا. خافت مريم، لا تخافي يا مريم. خاف يوسف خطيب مريم، لا تخف يا يوسف أن تأخذ مريم امرأتك. هذا خوف خلاصي، خوف يجعلنا بعد قليل قريبين من الله ولكن هناك خوف آخر، خوف العبد الذي أخطأ ويخاف من العصا التي تضرب جلده. هذا الخوف الذي أحسّ به آدم. هذا هو الخوف الذي أحسّ به، نحن عندما نكون خطأة، يتابع ويقول: خفت ولأنّي عريان اختبأت، يعني ما أردت أن أرى وجه الله، خفت أن أنظر إلى الله. هل نحن نستطيع أن نختبئ من وجه الله، كلاّ ثم كلاّ. المزمور 139 يقول لنا: أين أذهب يا ربّ؟ إذا ذهبت إلى السماء، أنت هناك إلى الجحيم أنت هناك. إلى البحر، إلى البر، أينما ذهبت فأنت هناك. الربّ يحيط بنا كما تحيط الأم بطفلها تراقبه لتحميه، لتكون بجانبه، لتكون بقربه. هذا هو الربّ. ولكن عندما لا يريد الإنسان هذا القرب، لا يريد هذه العناية من الله، يعتبر نفسه أنّه اختبأ. في الواقع، هو الله ما أراد ان يرى هذا الخاطئ حتى يفهم عقابه، حتّى يفهم خطيئته، لهذا يسمّى الله الإله الخفيّ الإله الذي يعاقب الخطأة. وإذا انتبهتم أحبّائي، أنّنا هنا في حوار كأنّ الله هو إنسان يتكلّم مع آدم الإنسان.

قال الله، أجاب آدم. قال الربّ الإله، أجاب آدم. نحن في حوار، في الواقع نحن دومًا في حوار، في أعماق قلوبنا صوتًا من الأصوات. هنا نفهم مرّات عديدة، يأتي من يوبّخنا على خطيئتنا باسم الله. قد نأتي إلى الإعتراف، إلى سرّ التوبة، قد يوبّخنا الكاهن على خطيئة قد اقترفناها، أو يوبّخنا صديقنا على خطيئة اقترفناها. إذا المناسبات عديدة التي فيها نسمع صوت الله من خلال أصوات البشر حين نفعل شرٌّا. قال الربّ الإله: من عرّفك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك إلاّ تاكل منها. هنا صرنا نعرف أكلت من الشجرة: يعني هل خالفت الوصيّة الذي أوصيتك بها. فالخطيئة بالأساس هي رفض للوصيّة، هي تحجاوز للوصيّة. وهكذا جعل الربّ آدم أمام مسؤوليّته خطأ، وهو مسؤول عن خطيئته. ولكن آدم تهرّب من المسؤوليّة والمرأة أيضًا سوف تتهرّب من المسؤوليّة. ونقرأ تكوين 3 آية 12 وقال آدم: المرأة التي أعطيتني لتكون معي، هي أعطتني من الشجرة فأكلت. أوّلاً نلاحظ أنّ الرجل يجعل الخطيئة على المرأة. وسنرى في الآية 13: قال الربّ للمراة لماذا فعلت؟ قالت المرأة: الحيّة. عادة نتهرّب من مسؤوليّة خطايانا. كم نحن بعيدون عن المزمور 50/51 إرحمني يا الله كعظيم رحمتك قلبًا، نقيٌّا أخلق فيّ يا الله، بالخطايا حبلت بي أمّي، نحن نتهرّب من خطايانا، كلاّ ثمّ كلاّ. نحن نقرّ بخطايانا والإقرار بالخطايا هو بداية الغفران. نتذكّر هنا مثل الفرّيسيّ والعشّار في إنجيل لوقا. الفرّيسيّ ما أراد أن يقرّ بخطاياه بل اعتبر أنّه بار أصوم في الأسبوع مرّتين، أعشر كلّ أموالي إلخ...

يقول الربّ الفرّيسيّ ذهب إلى بيته غير مبرّر. ظلّ حاملاً خطيئته معه. أمّا العشّار، فوقف عند الباب لم يجرء أن يدخل إلى الكنيسة. هنا نتذكّر ما كان يفعل في بداية الكنيسة، كان الخاطئ المعروف يبقى على الباب مدّة شهر أو شهرين خلال القدّاس، لا يحقّ لها أن يدخل حتّى يغفر الأسقف له باسم الكنيسة. وبالنهاية عندما يقرّ بخطيئته يعطيه الكاهن الحلّة. وهنا هذا الخاطئ آدم، أنا، أنتِ، كلّ واحد منّا، عندما يرفض أن يقرّ بخطيئته لن يجد الغفران. تعرفون الترتيلة: »أنا قلت يا ربّ إرحمني، إشفي نفسي خطئت إليك«. تلك يجب أن تكون صلاتنا. ولكن أحبّائي هناك شيء أبشع. ماذا قال آدم: المرأة التي أعطيتني. أوّلاً المرأة هي الكائن الضعيف وفي العالم اليهودي هي التي تقود الرجل إلى الخطيئة أمّا في العالم المسيحيّ تخلّينا عن هذه الفكرة من زمان. نجعل الخطيئة على المرأة لأنّها الكائن الأضعف، لأنّها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، هذه علامة نفس خسيسة، نفس دنيئة، نفس واطية. عندما نجعل ثمن خطايانا، ثمن أغلاطنا على من هم أضعف منّا، على من هم في خدمتنا، على الذين يرتبطون بنا. هذه علامة بعد لم نصر لا رجال ولا نساء. الرجل والمرأة يعرفون خطيئتهم ويندمون عليها ولا يجعلون خطيئتهم علىالآخرين. ولكن أبشع من ذلك، ويقول آدم المرأة التي أعطيتني إيّاها، ويعني أنّ الربّ هو الذي أعطاه إيّاها وبما أنّ المرأة أوقعته في الخطيئة فإذا الحقّ على الربّ، أنت المخطئ، لولا لم تعطيني المرأة لما وقعت في الخطيئة. تلاحظون هنا أنّه يجعل الخطأ على الله لأنّه أعطاه المرأة. هنا نرى في حياتنا مرّات عديدة، ولد يقود السيّارة بسرعة جنونيّة فقتل، ماذا تقول أمّه: »يا ربّ أنت أخذت لي إبني«، أنت قتلت إبني« كلاّ، تربية الأم هي التي أوصلت إبنها إلى الموت، ومرّات عديدة نحاول أن نضع الخطأ علىالله، نريد أن نقاتل الله، نسميّها في الكتاب المقدّس، نجرّب الله. نتذكّر العبرانيّين هنا في البريّة: »لماذا جئت بنا إلى هنا حتّى نموت جوعًا«؟ حتّى نموت عطشًالله قتال ربّنا. الربّ الذي خلّص شعبه من العبوديّة إلى الحريّة أصبح الحقّ عليه. الآن، والربّ الذي أعطى الرجل المرأة لتكون معه، لتكون رفيقته، مساعدته والعائشة معه، هذه المرأة أصبحت له سبب الخطيئة. تخلّى عنها، باعها، كما سيبيع إبراهيم إمرأته. المرأة التي أعطيتني أنت يا ربّ لتكون معي أصبحت عدوّتي، هي أعطتني من الشجرة فأكلت، يعني صارت عدوّتي، جعلتني أخطأ. في حالة البرارة، في حالة المحبّة، كلّ إنسان هو أخ للإنسان، صديق للإنسان، حبيب للإنسان. أمّا في الخطيئة، أمّا في الحقد وفي البغض، كلّ إنسان هو عدوّ لأخيه الإنسان. وهكذا صار آدم عدوّ إمرأته في الخطيئة بعدما كانا مع بعضهما يعيشان حياة المحبّة. قال آدم: المرأة التي أعطيتني لتكون معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. وهكذا فهم آدم أنّه أخطأ ورفض أن يقرّ بخطيئته وجعلها على ظهر المرأة. وبالنهاية جعلها من مسؤوليّة الله. الحقّ على الله لأنّ الإنسان وصل إلى مثل هذه الحالة. نفهم هنا أحبّائي أنّ هذا الرفض للمسؤوليّة هو خطيئة كبيرة. يبقى علينا مع آدم أن نقول: »إرحمني يا الله، إليك وحدك خطأت والشرّ قدّامك صنعت. عند ذاك يقول النصّ فقال الربّ الإله للمرأة: لماذا فعلت هذالله السؤال للرجل من عرّفك أنّك عريان هل أكلت من الشجرة؟ هنا لماذا فعلت هذالله نلاحظ أنّ الربّ يكلّم الرجل ويكلّم المرأة. هو مسؤول وهي مسؤولة. لم نعد أمام إمرأة غير مسؤولة، إمرأة تبقى قاصرة في مجتمعات عديدة في هذا الشرق، المرأة قاصرة لا يُطلب منها، لا تُسأل، لا تُطلب شهادتها. هنا كلاّ، كما سأل الربّ الرجل هو يسأل المرأة. الرجل فعل وهو مسؤول والمرأة فعلت وهي مسؤولة، والربّ ماذا قال لها: لماذا فعلت هذا؟ ما هو السبب الذي دفعك إلى مثل هذا العمل، فأجابت المرأة: »الحيّة أغوتني فأكلت«.الحيّة يعني الشيطان، الشيطان جرّبني فوقعت في الخطيئة. لا شكّ أحبّائي أنّ الشيطان يجرّبنا، يدعونا إلى الخطيئة فقد جرّب يسوع نفسه عندما قال له: إن كنت أنت ابن الله إجعل من هذا الحجر خبز وارفعه إلى الهيكل: إنزل من فوق إلى تحت حتّى يصفّقون لك الناس وتعيش الكبرياء أو اسجد لي ولا تسجد ؟ الواحد.

إذا الشيطان جرّب يسوع نفسه ولكن يسوع لم يسقط. يقول له: إذهب يا شيطان، طرده يسوع المسيح، والشيطان أو الحيّة جرّب حوّاء وجرّب آدم ويجرّب كلّ واحد منّا. هنا نتذكّر مار بولس: إذا كان هنا كتجربة، ربّنا يساعدنا حتّى نخرج منها ظافرين، إن كان في محنة، في صعوبة، ربّنا يعطينا النعمة حتّى نتغلّب عليها، حتّى نتحمّلها. إذًا المرأة مسؤولة مثل الرجل، أرادت أن تتهرّب من خطيئتها، أرادت أن تجعلها على ظهر الحيّة، على ظهر الشيطان ولكن الربّ سوف نرى، الربّ لا يرضى. فالمطلوب منها كما مطلوب من الرجل أن تقول إرحمني يا الله كعظيم رحمتك، أمامك أخطأت والشرّ صنعت أمامك. هذا هو وضع آدم وحوّاء، أوّل عيلة، هذا وهو وضع كلّ واحد منّا، أمام وصيّة الله يخطأ. كم يجب عليه أن يُعلن مسؤوليّته، أخطأت يا ربّ ويطلب المغفرة ويطلب الصفح وسيجد عند الربّ آذانًا صاغية، قلبًا رحيمًا، الربّ الذي يرحم إلى آلاف الآف، فلماذا لا نذهب إليه ونقدّم خطيئتنا وهو الذي يغفر لنا ونقول له: »قلبًا نقيٌّا أخلق منّي يا الله، وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي«. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM