الخطيئة

سفر التكوين 3/1-7:

الخطيئة

وكانت الحيّة أحيل... فخاطا من ورق التين وصنعا لهما مآزر.

قبل أن نشرح هذا النصّ، نودّ أن نقول أوّلاً هذا النصّ لم يكتب في بداية البشريّة ومع أوّل إنسان، كلاّ ثمّ كلاّ، هذا النصّ كتب في القرن التاسع أو العاشر أو فكرّ فيه في القرن التاسع أو العاشر ولكن عمليٌّا لم يكتب في صيغته النهائيّة إلاّ في القرن السادس أو الخامس. إذا أصبح عندنا خبرة روحيّة عميقة، خبرة الخطيئة. الفكرة الثانية، الكاتب لا يعرف شيئًا عن بداية البشريّة. العلماء يبحثون وما زالوا يبحثون ويعودون بالبشريّة إلى مئة ألف، مئتي ألف، خمسمائة ألف وآخر نظريّة تقول لا تتعدّى المئة ألف سنة، كلّها نظريّات عمليّة. الكاتب الملهم لا يعرف شيئًا من هذا العلم القديم، لكنّه ينطلق من الزمن الحاضر، من الوقت الحاضر، ينطلق من الناس الذين يكلّمهم الآن، وهؤلاء الناس يعيشون كما قلت في القرن السادس أو القرن الخامس. انطلق من الحاضر والحاضر يعني ما هي الخطيئة التي أعيشها. هنا يريد أن يحدّثنا كما يقول عنوان المقطع عن السقوط. سقوط الإنسان في الخطيئة. ولا ننسى أنّ آدم لا يعني إنسان محدّد بل يعني الإنسان. لا شكّ هناك إنسان اقترف خطيئة، وكلّ إنسان يقترف خطيئة، وأنا أستطيع أن أقترف خطيئة، يعني بشكل من الأشكال كلّ واحد منّا هو آدم وكلّ إمرأة هي حوّاء. كما قلنا من المرّة الماضية إنّ آدم يدلّ على الرجل أو الإنسان المأخوذ في التراب وحوّاء تدلّ على المرأة التي هي أمّ الأحياء التي تعطي الحياة. إذًا الكاتب انطلق من الحاضر وعاد إلى الماضي. لم يحدّثنا عن خطيئة محدّدة لا هي الزنى ولا هي القتل ولا هي السرقة ولا شيء من ذلك أبدًا. هو يعطينا نظرة شاملة، نظرة عامّة عن الخطيئة. ما هي الخطيئة؟ الخطيئة هي أن نرفض الطاعة ؟. الخطيئة هي أن نرفض وصيّة الله. وإذا أراد الكاتب أن يحدّثنا عن الخطيئة، عاد إلى الصور.

أوّل صورة للحيّة. الحيّة سيقول لنا الكتاب المقدّس بسفر الحكمة تدلّ على الشيطان وبسفر الرؤيا فصل 12 سنرى أيضًا أنّ الحيّة هي إبليس، هي الشيطان، هي التنّين. لماذا تكلّم عن الحيّة. لا ننسى أحبّائي بأنّ الحيّة اسمها لاويتان يعني الملتوية، المعوجّة التي لا تسير في خطّ مستقيم بل في خطّ ملتوٍ، التي تعلّما كيف نتحايل على الوصيّة. لذلك يقول لنا وكانت الحيّة أحيل جميع الحيوانات، إذا تعلّمنا كيف نتحايل على الوصيّة، كيف نتهرّب من الوصيّة، كيف نتجاوز وصيّة الله، هنا نجد أوّلاً الصورة الماديّة للحيّة ومن خلال هذه الصورة الماديّة هناك الصورة الرمزيّة، الحيّة التي تحمل الموت. ولا ننسى أنّ الشعب العبراني الذي عاش في البريّة، أصابته المصائب من الحيّات السامّة. نتذكّر بأنّ موسى أجبر أن يصنع حيّة من نحاس، نجدها اليوم على جبل مؤاب بشرقي الأردن. إذًا صنع حيّة من النحاس فمن نظر إليها كان ينجو من الحيّات. بالنسبة إلى الشعب العبراني، الحيّة هي التي تحمل الموت، والخطيئة هي التي تحمل الموت. لا ننسى ماذا قال الربّ لآدم: »يوم تأكل من الشجرة المحرّمة موتًا تموت«. هذه الصورة الأولى، الصورة الثانية هي شجرة معرفة الخير والشرّ. يعني الشجرة هي سندة لفكرة لاهوتيّة: الخير والشرّ. من يقرّر ما هو الخير وما هو الشرّ، يتعدّى على حقوق الله. أمّا الخطيئة فهي تعدّي على الوصايا وقد صوّرها الكاتب بأكل من شجرة معرفة الخير والشرّ، هذا يدل أنّهما أخطأا. هنا عندنا صورة رمزيّة عن الخطيئة. لم يتكلّم الكاتب عن الخطيئة بشكل مجرّد لأنّ الناس لا يستطيعون أن يفهموا. بل أخذ مثلاً، هناك شجرة وسط الجنّة، يا آدم ويا حوّاء لا تأكلا من هذه الشجرة. أوصى الربّ، أعطى وصيّة، أعطى أمرًا. وكان صراع في داخل الإنسان بين السماع لصوت الحيّة، ذاك الخادع، ذاك الشرير الذي يجرّبنا وبين صوت الله. هنا يحدّثنا الكاتب عن الحيّة التي تتكلّم. الحيّة لا تتكلّم، كلّنا يعرف ذلك. ولكن هي صورة عن المجرّب الذي لا نراه بعيوننا، ولا نسمعه بآذاننا، ولا نلمسه بأيدينا. فالمجرّب أو الشيطان يحرّك فينا الشهوات، يحرّك فينا الميول الشرّيرة، ويظن الإنسان أنّه يسمع صوتًا يدعوه إلى أن يفعل هذا الأمر الشرّير. حوّاء وآدم سمعا صوتُا. هل نُطيع الله ونبقى بشر أو نعصي أمر الله ونصبح آلهة. وكيف نصبح آلهة عندما نرفض وصايا الله، عندما نتعدّى على وصايا الله، عندما نعتبر أنّنا نحن نستطيع أن نحوّل الوصايا كما نشاء. إذًا هذا الحوار بين حوّاء والمرأة هو تصوير، هو فنّ أدبيّ، يجعل الإنسان يسمع في أعماق قلبه صوت المجرّب، صوت الخادع، صوت الشيطان. والشيطان يعرف أن يقول لنا أوّلاً: ما يقوله الله هو خطأ. قالت الحيّة للمرأة: »لن تموتا«. قال الله: »تموتان«. كلاّ، الله أخطأ وأنا على حقّ مع أنّ حوّاء قالت، قال لنا الربّ: »لا تأكلا من الشجرة ولا تمسّاها لئلاّ تموتا«. أمّا الحيّة فأقنعت المرأة بأنّها لن تموت وهكذا فضّلت المرأة أو الإنسان أن يسمع صوت الحيّة ولا يسمع صوت الله. الشيء الثاني مهمّ جدٌّا هو أنّ الحيّة، وهنا نصير في جوّ الحضارات القديمة، الحيّة أفهمت حوّاء أنّ الله محسود من الإنسان، هو لا يريد أن يصير الإنسان الله لأنّه حين يصير الإنسان الله سيعرف الخير والشرّ وسيقرّر ما هو الخير وما هو الشرّ. ثالثًا وهذا مهمّ جدٌّا بآية 6، رأت المرأة أنّ الشجرة طيّبة للمأكل، شهيّة للعين، باعثة للفهم، ماذا تعني؟ تعني الشيطان يصوّر لنا الخطيئة في صورة جميلة جدٌّا، في صورة لذيذة تشبع الفم، تشبع العين، تشبع العقل. وهنا بخبرتنا نعرف، إذا أردت أن أنتقم يقول لي الربّ لا تنتقم، المجرّب في أعماق قلبي، شهوتي في أعماق قلبي تقول لي، الإنتقام شيء عظيم فيه إرتياح، فيه سعادة، فيه عظمة ونقول أشياء وأشياء وهكذا تصبح التجربة قريبة منّا ونسقط فيها. أو أنا متزوّج وسأقع في زنى، يقول الجرّب لي هذه المرأة غير امرأتك، والزنى هو شيء عظيم، تدلّ على حرّيتك، هو شيء أنت بحاجة إلى السعادة، إلى فرح، إلى الكيف، إلى اللّذّة. وهكذا يجعل الشيطان من الخطيئة، شيئًا جميلاً، كأنّه شيء طيّب يؤكل، كأنّه شيء يفرح العين ويفرح القلب ويفرح العقل. وهكذا صوّر الكاتب الملهم الخطيئة، الخطيئة التي هي تجتذبنا، التي هي تدعونا إلها حتّى نترك الله. ولمّا صارت المرأة في هذه الحالة، حين سمعت للحيّة وكان عليها أن لا تسمع للحيّة، أن تهرب منها، من هنا نقول في الأبانا: لا تدخلنا في تجربة ولكن نجّنا من الشرّير. الهرب كان أفضل طريقة لحوّاء لئلاّ تقع في الخطيئة ولكنّها لم تهرب فتحت الحوار مع الحيّة. مرّات عديدة، أحبّائي عندما نعتبر نفوسنا أقوياء نودّ أن نجابه التجربة كما أحبّ Boat Titanic أن يجابه الجبل من الجليد فكانت آخرته سيّئة. ونحن نريد أن نجابه التجربة والواقع ماذا يقول نقع في التجربة. وهنا يقول الكاتب، ورأت المرأة، ونظرت المرأة، إذًا تركت التجربة تدخل في أذنها، تدخل في عينها، تدخل في قلبها، تدخل في كلّ حواسها. فأخذت من ثمرها، يعني سقطت في الخطيئة وأعطت زوجها أيضًا وكان معها فأكل يعني أنّ زوجها أيضًا سقط في الخطيئة. العائلة هي التي سقطت في الخطيئة. الرجل والمرأة هما المسؤولان عن الخطيئة. الخطيئة التي دخلت في العالم والتي تدخل كلّ يوم في العالم. وهكذا صار الإنسان باقترابه من الخطيئة يميل إلى الخطيئة. لهذا السبب يقول بولس الرسول: »الشرّ الذي لا أريده أيّاه أفعل والخير الذي أريده لا أفعله«. يعني أصبح عندي ميل إلى الشرّ وابتعاد عن الخير. لهذا السبب كانت التربية مهمّة جدٌّا حتّى نساعد أولادنا شيئًا فشيئًا ليتغلّبوا على هذا الميل للخطيئة فلا يسقطون في الخطيئة بسرعة، بل يعرفون المقاومة، المقاومة للخطيئة. الخطيئة الأصليّة التي يتحدّث عنا القدّيس بولس في رومه 5/..12. هذه الخطيئة يعني أصل كلّ الخطايا هي أوّلاً عصيان لأمر الله، رفض لوصايا الله وهي هذا الميل إلى الخطيئة، الميل إلى الشرّ الذي هو في قلب كلّ إنسان. وهنا عندنا مرّات عديدة نرى الإنسان كيف يقع في الخطيئة. والكتاب المقدّس يخبرنا بخطايا وخطايا عديدة من الحرب والقتل، إلى الزنى وعبادة الأوثان، وغيرها وغيرها من الخطايا. كلّ هذا يدلّ على ما يقول القدّيس بولس في رسالته إلى رومة 5/12: »بالإنسان دخلت الخطيئة إلى العالم فما خلقه الربّ، خلقه حسنًا، لا بل خلقه حسنًا جدٌّا حين خلق الله الإنسان، خلقه جميلاً جدٌّا فلا شيء يخرج من يد الله إلاّ الجمال والصلاح والعظمة. ولكن الإنسان هو الذي أدخل الخطيئة إلى العالم، هو الذي أدخل الشرّ إلى العالم. ونصل إلى آية 7 فصل 3: فانفتحت أعينهما. قالت لهما الحيّة تنفتح عيونكما وتصيران مثل الله. في الواقع انفتحت اعينهما. لكن بدل أن يصيرا مثل الله، صارا عريانين. ما معناهالله العريان أحبّائي، هو الجندي الذي يقهر، يصبح عريانًا من كلّ شيء، من ثيابه، ممّا يملك، من شرفه، من عظمته، من عنفوانه، يصبح كل شيء، يصبح ضعيفًا، يصبح معرّضًا لكلّ شيء للبرد، للحرّ، يصبح معرّضًا حتّى للمعاملة السيّئة قد يجلد، قد يقتل وهكذا صار الأمر بالنسبة إلى آدم وحوّاء، يعني تغلّب عليهما الشيطان كما يتغلّب الجندي على خصمه، مع أنّ مار بولس يقول لنا: إلبسوا خوذة الإيمان، درع الخلاص، خذوا السيف. نحن بحاجة إلى الحرب لا الإستسلام. »عرفا أنّهما عريانان محاطا من ورق التين وصنعا لهما مآزر«. أشدّد أحبّائي ما قرأنا في 2/25. كانا عريانين وهما لا يخجلان. لماذا؟ لأنّ نعمة الربّ كانت تحيط بهما كما بلباس. هذا اللّباس الذي سيعود إلينا بالمعموديّة. لكن في الوقت الحاضر خسرا نعمة ، صارا عريانين، معرّضين لكلّ خطيئة، معرّضين للشرّ. لهذا السبب خاطا من ورق التّين. ماذا يعني هذا أحبّائي؟ أوّلاً: ورق التّين هو لباس سريع العتب، ييبس بسرعة، فإذًا هذا اللباس لن يدوم طويلاً. هما يحتاجان إلى لباس من نوع آخر. والربّ إذا نقرأ 3/23 صنع لهما ثيابًا من جلد وكساهما. يعني حسّن الحالة بعض الشيء. ولكن لن يكون لهما اللّباس الحقيقيّ، اللّباس الكامل إلاّ في المعموديّة. ساعتها، هذا اللّباس هو ما يغطّي عريهما ويعود بهما إلى البرابرة الأولى. المعنى الثاني: أحبّائي ورق التّين أنّ شجرة التّين مهمّة جدٌّا في الكتاب المقدّس. هناك الإنسان الجالس تحت تينته وكرمته يعيش في السلام، في سلام مع الله، في سلام مع الإنسان، في سلام مع الحيوان. لكن هنا، غابت شجرة التّين، لم يبقَ منها إلاالورق، لم يعد لهما هذا السلام الذي تاقا إليه. والفكرة الثالثة: كان هنا، غابت شجرة التّين ويدرس كتاب الشريعة، كتاب التوراة. وهنا آدم وحوّاء، الإنسان كلّ إنسان المؤمن عندما يعود إلى شريعة الله، يعرف إذا كان خاطئًا إنّه حقٌّا عريان. يعني نفسه، يعني خطيئته ويستطيع أن يعود إلى الربّ. وهكذا نكون أحبّائي قد قرأنا من سفر التكوين الفصل 3/1-7 من خلال الصور والتشابيه والرموز أفهمنا الكاتب الملهم واقع الخطيئة كما نعيشه اليوم. نرفض وصايا الله، نرفض أن نسمع ؟ ونفضّل أن نسمع للشيطان. صوّر الخطيئة بشكل ثمرة نأكلها وصوّر المجرّب بشكل حيّة ملتوية تحمل الموت. هذه صور نستطيع أن نتعدّاها لنصل إلى الحقيقة التي تحدّثنا عنها صلاة الأبانا: يا ربّ لا تدخلنا في التجربة لكن نجّنا من الشرّير. فنحن اليوم نميل إلى الخطيئة، نحن اليوم نحسّ بضعفنا، نحسّ بأنّنا سريعي العطبن فنطلب من الربّ النعمة اللاّزمة ونقول له اليوم في وضعنا الحاضر: يا ربّ لا تدخلنا في التجربة لكن نجّنا من الشرّير. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM