الخاتمة

الخاتمة

مع المطران يوسف الدبس ترافقنا في هذا الكتاب، ولا نقول إنَّنا استنفدنا الغنى الذي تركه لنا. ويا ليت يقوم أحدُنا فيجمع تراثه في متحفٍ مع كلِّ كتبه المبعثرة هنا وهناك، وأوراقه إذا بقيت لنا منه أوراق. الحمد ؟ أنَّ ما كتبه طُبع كلُّه تقريبًا، ولكن أين نستطيع أن ندرسه؟ أما يجب أن نجول على الأصدقاء والباحثين فنقرأ هنا كتابًا وهناك مقالاً آخر؟

تعرَّفنا إلى المطران الدبس في حياته وما ترك وراءه من أثر. وإلى الصعوبات التي لاقاها فما راقت للحسّاد ولا للذين لا يريدون للطوائف الشرقيَّة أن تلمع في أرضها. فاتَّهموه، ولكن جاءت نتيجة الاتِّهام وسامًا على صدر ذاك الذي ما اكتفى بأن يكتب التاريخ، بل صنع بعض تاريخ شبعه بشكل عامّ، وأبرشيَّته بشكل خاصّ. أراد أن يكون في قلب العاصمة، مهما تكن الضيقات التي تحيط بعمله: أنت حاضر، إذًا أنت فاعل. وإن غبتَ حلَّ مكانك آخر وحُسبتَ غير موجود.

كانت الرعاية أولى اهتماماته. لهذا، كتب من أجل الطلاّب الإكليريكيّين الذين رافقهم وهو بعد شابّ، على مثال تيموتاوس الذي تركه بولس في أفسس. وشرح الأناجيل الأربعة مستعينًا بمؤلَّفات جاءت من الغرب، سواء في الفرنسيَّة أو الإيطاليَّة. واهتمَّ بالكتب الطقسيَّة: كتاب القدّاس، الرسائل البولسيَّة التي تُقرأ على مدار السنة. الأناجيل التي طبعها منطلقًا من ترجمة المطران جرمانوس فرحات، عن السريانيَّة، بعد أن صحَّح بعض الأمور في المعنى وفي المبنى. وتراجم القدّيسين، والمواعظ، والمقالات الصغيرة.

وكانت طائفته محطَّ أنظاره. فدرس التاريخ وكتبه. أين جذور الموارنة، ما علاقتهم بالمردة والجراجمة؟ وكيف سار تاريخهم الدينيّ والدنيويّ في هذا الشرق؟ والجذور الدينيَّة تعود إلى مجمع خلقيدونية الذي عُقد سنة 451 وتحدَّث عن الطبيعتين في المسيح، وبالتالي المشيئتين. وما علاقتهم برومة، أمّ الكنائس؟ هي حاضرة وإن غابت بعض المرّات بسبب الحواجز السياسيَّة الموضوعة بين الشرق والغرب. ومع ذلك، لبست الاتِّصالات بالرغم من الصعوبات والتضحيات التي لاقاها بعض الموفدين. ولكنَّ كنيسة منغلقة على ذاتها، لا بدَّ أن تموت، أو هي تذوب في محيطها فلا يبقى لها أثر. أمّا المطران الدبس، فأراد لطائفته أن تتفاعل مع الشرق كما تغتني من الغرب. وكان له حظُّ مرافقة البطريرك مسعد إلى أكثر من عاصمة، فأحسَّ أنَّ كنيسته تجد مداها الواسع في أوروبّا بحضارتها وعلومها ونتاجها الأدبيّ وأبحاثها. ومن هناك كان يغرف حين يزور تلك الديار. وما ساعده على ذلك معرفته بلغة الكنيسة، اللاتينيَّة، وبلغة رومة، الإيطاليَّة، وبلغة شعب رافق الموارنة أجيالاً وأجيالاً، الفرنسيَّة.

ذاك هو المطران يوسف الدبس، رئيس أساقفة بيروت، الذي أردنا التعرَّف إليه. بل رافقناه، وأحببناه، وحاولنا أن نكتشف الغنى الذي تركه. وهنا نحن نخبر، بل أخبرنا، علَّ الأبناء يعرفون ما عندهم من آباء ومعلِّمين، فيَدخلون إلى مدرستهم ويسيرون في خطِّهم، منطلقين من القديم لتقديم الجديد في العصر الذي يعيشون فيه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM