يوحنّا الذهبيّ الفم وتربية الأطفال.

 

يوحنّا الذهبيّ الفم وتربية الأطفال

الخوري بولس الفغالي

"أنا أحفر لأجد كنوزًا مخفيَّة فأستخرجها إلى النور: حينئذ يتقدَّم لي حقل غنيّ، الذهب النقيّ، الكتاب الذهبيّ، الذي خرج من فم ذهبيّ ويراع ذهبيّ. سُحرتُ أوَّلاً بعنوان الكتاب "حول المجد الباطل وكيف يربّي الوالدون أولادهم". وما زاد في مسرَّتي هو أنّني حين قرأته فهمتُ العمل العظيم الذي قام به صاحب الكتاب".

ذاك كان كلام الراهب الدومنيكيّ إلى الكردينال مازارين حين نشر الكتاب سنة 1656، وهو كتاب أفلت من الغرق حين كان ينتقل من اليونان إلى فرنسا. أمّا صاحبه فهو يوحنّا الذهبيّ الفم. ولماذا الكلام عنه في هذا الوقت من الزمان؟ لأنَّنا نذكره بعد ستَّة عشر عامًا على وفاته، التي حصلت في الرابع عشر من أيلول سنة 407، وكان في طريقه إلى المنفى بعد منفى أقسى من سابقه في جبال أرمينيا الباردة. والسبب لأنَّه قال الحقيقة في وجه الغنى والترف والفجور، وأراد إصلاح كنيسته التي لعب فيها الإهمال فغاب عنها روح الإنجيل.

يوحنّا هو ابن أنطاكية مولدًا وتربية على أيدي فلاسفتها وبلغائها، وأوَّلهم ليبانيوس ذاك المعلِّم الكبير الذي انتظر أن يكون الذهبيُّ الفم تلميذه، لو لم يأخذ طريقًا أخرى، طريق النسك في الجبال المجاورة لأنطاكية، واجتذب إلى "البرّيَّة" صديقه تيودور الذي سيكون أسقف المصيصة.

لن نطيل الكلام عن الكاهن (سنة 386) الذي ملأ كنائس أنطاكية بكلام الله فدُعيَ بحقّ "الذهبيّ الفم" (كريسوستومُس)، ونسي المؤرِّخون اسم عائلته فبقي اسم أمِّه أنتوسة التي أعطته أفضل تربية على مستوى العلم والأدب. ولا عن الأسقف، عن بطريرك القسطنطينيَّة الذي رُسم في 26 شباط 397. فهو في عاصمة الإمبراطوريَّة يعيش بساطة المسيح، فيخصِّص مداخيله لبناء المستشفيات والاهتمام بالفقراء، بل يبيع أثات القصر البطريركيّ لأنَّ لا حاجة لمن أراد أن يكون مع يسوع، الذي لم يكن له موضع يُسند إليه رأسه. كأنَّ يوحنّا ليس هنا. هو يوبِّخ المجتمع بحياته وسلوكه كما قال سفر الحكمة، فيجب أن نزيله. وهكذا كان. أبعدوه إلى شاطئ البحر الأسود، فصار منفاه محجًّا للمؤمنين الآتين إليه من العاصمة. لقد انتقل الكرسيّ البطريركيّ من جوار الإمبراطور أركاديوس، فصار في البرّيَّة. فالكرسيّ ليس بالخشب والذهب، بل بالجالس عليه. خاف الخصوم من هذا الجسم الضعيف المنهك من التعب، فأبعدوه وأبعدوه إلى أن مات ميتة السجناء الذين اعتبروهم يحملون القلاقل على مثال ما قيل عن المعلِّم الإلهيّ: يموت واحد عن الشعب ولا تموت الأمَّة كلُّها. مات يسوع في عين البشر، ولكنَّه قام وظهر لتلاميذه. أمَّا يوحنّا فكرِّم بعد ثلاثين سنة على وفاته. ففي 27 كانون الثاني سنة 438، أُعيد رفاته باحتفال كبير ودُفن في كنيسة الرسل، ومضى الإمبراطور تيودوز نفسه إلى لقائه. "فانحنى على النعش وطلب الغفران الإلهيّ لوالديه اللذين زاغا زيغانًا فاضطهدا الأسقف القدّيس". ذاك كان كلام تيودوريه، أسقف القورشيَّة في التاريخ الكنسيّ.

*  *  *

ترك يوحنّا الذهبيّ الفم المؤلَّفات العديدة، كما حُفظت لنا عظاته الكثيرة عن طريق الاختزال، فشكَّلت مكتبة في حدِّ ذاتها، بحيث لم يترك هذا الكاهن والأسقف موضوعًا راعويًّا إلاّ وطرقه. أمّا نحن فنتوقَّف فقط عند كتابه في المجد الباطل وتربية الأطفال.

وما الرباط بين الموضوعين؟ لأنَّه إن اهتمَّ الوالدان بأمجاد العالم في الإسراف والترف، إن تركا البيت ليشاركا في الألعاب التي تُقام في المدينة... كانت النتيجة غيابهما وبالتالي التخلّي عن تربية أولادهما. مثل هذا البحث عن المجد الباطل يكون مثل نار آكلة والثمرة تشبه ما أعطته سدوم التي نالها في النهاية النار والكبريت. ونقرأ بداية الكتاب:

"هل عملتم ما طلبتُ منكم (في عظة حول الرسالة إلى أفسس)؟ هل صلّيتم إلى الله من أجلنا (الأسقف والكهنة) ومن أجل جسم الكنيسة كلِّه، بحيث ينطفئ الحريق الذي يولِّده المجد الباطل، فيمتدُّ الخراب في الجسد كلِّه (= الكنيسة)، وينفصل إلى أعضاء عديدة جسمًا واحدًا ويمزِّق المحبَّة؟ فهو يشبه وجش البرّ الذي ينقضّ على جسم مكوَّن تكوينًا رائعًا، ولكنَّه جسم دقيق ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه. هذا الوحش يغرز أسنانه النجسة ويضخُّ سمَّه فينشر رائحته الكريهة: ينتزع البعض ويرميهم خارجًا، ويمزِّق البعض الآخر ويفترسه. لو استطعنا أن نرى بنظرنا، في الوقت عينه، المجد الباطل والكنيسة، يكون لنا مشهد تعيس وأقسى من الصراع في الحلبة: يُرمى الجسدُ أرضًا، أمّا المجد الباطل فينتصب واقفًا ويلقي نظره في كلِّ اتِّجاه. يسيطر على الذين يريدون مهاجمته، ولكنَّه لا يبتعد أبدًا ولا يترك فريسته".

نلاحظ البلاغة منذ البداية، وقوَّة الصور المستعملة عن الكنيسة التي هي جسم واحد، لا يمكن أن يثبت إلاّ إذا عاش الجميع المحبَّة. فالمجد الباطل آفة لا يُفلت منها أبناء الكنيسة، بحيث ينسون إيمانهم ويصيرون مثل الوثنيّين: "أنظروا عند المسيحيّين: كلُّ شيء أصابه المجد الباطل". فلا يبقى سوى أن نطلب المجد الحقيقيّ. وهكذا واصل يوحنّا كلامه: "لا تقوم الكرامة في جمال بيت نملكه، في فخامة سجّادة نمشي عليها، في سرير تتكدَّس عليه الأغطية، في فراش مزيَّن، وفي عدد كبير من العبيد. أمّا ما يهمُّنا، فالاعتدال بالحياة، واحتقار الغنى واحتقار المجد (الباطل). والاستخفاف بكرامات تقدِّمها الجموع واعتبار أمور الأرض كلا شيء. ومحبَّة الفقراء وتجاوز حدود الطبيعة بحياة من الفضيلة: في هذه تكمن كرامتُنا ومجدنا وشرفنا. ولكن بسبب كلِّ هذه الشرور، يتحدَّد موقع هذا "المجد" في البداية. كيف ذلك؟ ذاك ما أقوله الآن لكم".

وهكذا ينتقل يوحنّا من الكلام عن المجد الباطل الذي بدا بشكل مقدِّمة طويلة، إلى الكلام عن التربية التي تبدأ باكرًا، منذ الصغر. والمسؤول الأوَّل عن هذه التربية هو الوالدان. يقول يوحنّا:

"حين يُولَد الطفل، يكون عملُ الوالد كلُّه، لا بتنظيم حياته، بل بتزيينه وبإحاطته بالثياب الذهبيَّة. ماذا تفعل أيُّها الإنسان؟ لا بأس إن ارتديتَ أنت هذا اللباس. ولكن لماذا تربّي ابنك الذي لا خبرة له بعد، في هذا الجنون، في مثل هذه العادات؟ لماذا تجعل الحلى حول عنقه. أنت تحتاج إلى مربٍّ صالح، لا إلى الذهب، لكي تربّي الطفل. ثمَّ تطلق شعره إلى الوراء مثل فتاة؟... قال بولس الرسول: "عار على الإنسان أن يطيل شعره" (1كو 11: 14). فهذا ما يعارض الطبيعة. فالله لم يأمر بذلك، بل حرَّمه. إنَّها عادة وثنيَّة".

غريب أمر هذا القدّيس العائش في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس! ما يقوله ينطبق على محيطنا اليوم الذي لا يريد أن يكون "متأخِّرًا". خصوصًا ذلك الآتي من الغرب: الشعر الطويل، الحلق في الأذنين، الحركات التي تُنسي الشابّ أنَّه رجل فتكون تصرُّفاته تصرُّفات امرأة. ويميِّز يوحنّا بين الفتيات والصبيان:

"قد يكون هناك من يهزأ بكلامي، معتبرًا أنَّ كلَّ هذه تفاصيل: لا، ليست بتفاصيل بل أمور هامَّة جدًّا. فالفتاة التي تربَّت في غرفة أمِّها في الشغف من أجل التبرُّج، يكون من الصعب عليها حين تترك البيت الوالديّ أن تعيش مع زوجها، وتكون متطلِّبة أكثر من جامع الضرائب. سبق لي وقلت لكم: إن صعب اقتلاعُ الشرّ، فهذا يعود إلى أنَّ أحدًا لا يهتمّ، بمستقبل أطفاله، بأنَّ أحدًا لا يحدِّثهم عن البتوليَّة، بأنَّ أحدًا لا يحدِّثهم عن الاعتدال في الرغبات، عن احتقار الغنى والمجد الباطل، بأنَّ أحدًا لا يحدِّثهم عن هذا التعاليم التي نجدها في الكتب المقدَّسة...

هنا نتذكَّر ما قاله يوحنّا في مناسبات أخرى: "ما يبلبل الأرض كلَّها، هو أنَّه نهمل أطفالنا الأخصّاء، فنهتمّ بأن نؤمِّن لهم ثروة ونهمل نفوسهم". وقال أيضًا: الشرُّ كلُّ الشرّ يأتي من أهمالنا، وبأنّنا لا نهتمّ منذ البداية والسنوات الأولى، بأن نقودهم نحو التقوى".

"فحين لا يكون للأطفال منذ نعومة أظفارهم معلِّم يربّيهم، فماذا يصبحون؟ فإن كان رجال تغذُّوا منذ كانوا على صدر أمَّهاتهم وتكوَّنوا حتّى شيخوختهم، لا يستطيعون أن يتبعوا الصراط المستقيم، هؤلاء الذين اعتادوا منذ بداية حياتهم أن يسمعوا مثل هذه الدروس، فماذا لا نخاف من قبلهم؟ كلُّ واحد يجعل كلَّ اهتمامه في تعليم أولاده الفنّ والأدب والبلاغة. ولكن أن نجتذب نفوسهم فأمر لا يعني اليوم، أحدًا".

وبعد أن يذكر يوحنّا هدف التربية، يفهمنا عبر الصور ما تكون عليه نفس الطفل.

"لن أفتأ أحثُّكم، أضرع إليكم وأتوسَّل بأن تقوموا في ساعة مبكِّرة بتربية أطفالكم. إن كنت تعتني بطفلك، فبيِّن عنايتك بهذا المشتل فيكون لك الأجر العظيم. واسمع بولس الرسول يقول... إن ثبتّم في الإيمان والمحبَّة والقداسة، مع الاعتدال في الرغبات" (1تم 2: 15). وحتّى إن وعيتَ الشرَّ الذي فيك، ففكِّر مع ذلك أنَّه يبقى لك تعزية تجاه هذا الشرّ. ربِّ مقاتلاً من أجل المسيح لا أقول بأن تميل به عن الزواج، وأن ترسله إلى البرّيَّة، وأن تهيِّئه للحياة الرهبانيَّة. كلاّ. لا أقول ذلك. أنا أرغب وأتمنّى للجميع أن يعتنقوا هذه الدعوة. ولكن بما أنَّها تبدو ثقلاً، فلا أمارس الضغط والإكراه. ربِّ مقاتلاً من أجل المسيح، وعلِّمه وهو العائش في العالم، مخافة الله منذ نعومة أظفاره".

الأمر سهل في البداية. نفس الولد شمع تطبع فيه ما تشاء. لؤلؤة، لوحة... قال:

"نفس الطفل طريئة وهي تتقبَّل ختم المبادئ الصالحة، فلا يستطيع أحد أن يمحوه... أمامك كائن مرتعب، خائف. يخاف من نظرة، من كلمة، من أيِّ شيء كان. فاستعمل بداية حياته من أجل الخير. فإن كان لك ابن فاضل، تكون أوَّل من يستفيد من استعداداته الطيِّبة، وبعدك الله يستفيد. فأنت تعمل من أجلك.

"ويقولون: اللآلئ ماء حين تُقطف. فإن كان الصيّاد ماهرًا جعل نقطة الماء هذه في يده المفتوحة، فيجعلها تدور ويصقلها بعناية ويعطيها شكل دائرة تامَّة. وحين تتَّخذ هذا الشكل، فلا يعود يقدر أن يبدِّلها. فالجسم الرخو يتقبَّل أيَّ تحوُّل، لأنَّ شكله الخاصّ لم يثبت بعد نهائيًّا. لهذا نستطيع أن نحوِّله في كلِّ الاتِّجاهات. أمّا الجسم القاسي الذي تجمَّد في شكل من الأشكال، فلا يمكن تبديله بسهولة بحيث يأخذ شكلاً آخر".

ويأتي التطبيق مع النصح للوالدين:

"وهكذا كلُّ واحد منكم، أيُّها الآباء والأمَّهات: نعطي كلَّ عنايتنا لهذه التماثيل العجيبة، على مثال الرسّامين الذين نراهم يعملون في لوحتهم، في تمثالهم. فالرسّام يضع كلَّ يوم لوحته أمامه، ويجعل عليها الألوان كما ينبغي. والناحت في الحجر يعمل هو أيضًا كذلك، فيزيل النافل ويضيف الناقص. وأنتم أيضًا مثل صانعي التماثيل، ضعوا في هذا الفنّ كلَّ الوقت في يدكم لكي "تفبركوا" للإله هذه التماثيل العجيبة. إنزعوا النافل، أضيفوا الناقص. وانظروا كلَّ يوم بانتباه. تنمون فيه الموهبة الطبيعيَّة، وتنزعون الرذيلة من طبعه. ابدأوا فاقتلعوا بعناية متنبِّهة من نفوسهم، الاندفاع نحو الإفراط، لأنَّ الهوى البشريّ مضرٌّ بنفس الشبّان. فقبل أن يختبر ذلك، علِّموه أن يكون معتدلاً، ساهرًا، أن يحرص على الصلاة، أن يطبع أقواله وأعماله بإشارة الصليب".

وهكذا أوصى يوحنّا سامعيه مرارًا بأن يرسموا إشارة الصليب ودعاهم لكي يعطوا هذه العادة لأطفالهم. قال لهم: "أحيطوهم منذ نعومة أظفارهم، بهذه الأسلحة الروحيَّة، وعلِّموهم أن يرسموا على جباههم إشارة الصليب. وقبل أن يستطيعوا أن يعملوا بيدهم، احفروا أنتم الصليب عليهم". والتشبيه الأخير: الطفل مدينة يكون الوالد ملكًا عليها.

"تفكَّر أنَّك ملك يسود على مدينة: هي نفس طفلك. فنفسُه مدينةٌ حقًّا. وكما أنَّ البعض في المدينة هم سارقون، فالآخرون أناس طيِّبون. البعض يعملون والأخرون يتسكَّعون. كذلك في النفس الفكر والخُلق. بعضهم يحارب ممارسي الجور مثل جنود في المدينة. والآخرون يسهرون على الكلّ"...

"أجل، نفس الطفل مدينة، مدينة تأسَّست حديثًا وتنظَّمت، مدينة جاءها مواطنون حديثو العهد ولا خبرة لهم إطلاقًا. مثل هؤلاء يسهل تعليمهم...".

هذه المدينة تحتاج إلى شرائع وقوانين، مع العقوبات اللازمة، الجسد كلُّه هو السور، والأبواب هي الحواسّ. فكما يدخل إلى المدينة عددٌ من الأشخاص، كذلك تتأثَّر الحواسّ بأفكار الشرِّ أو الخير الآتية عليها.

اللسان باب، والأذن باب، والعين باب، واليد كذلك. نبدأ أوَّلاً فنتوجَّه إلى ذلك الباب الذي هو اللسان: فهو يؤمِّن العلاقات الكثيرة. ولكن قبل كلِّ شيء نعدُّ له الأقفال والأمخال لكي نغلقه. ليست من خشب ولا من حديد، بل من ذهب. وهكذا نبني مدينة كاملة بالذهب. فالذي يُقيم في هذه المدينة التي تُبنى ليس إنسانًا، بل ملك الكون. وقال يوحنّا:

"لا يعبرنَّ أحد هذا الباب إلاّ الملك وحده. ليكن هذا الباب مفتوحًا له ولحاشيته، فنستطيع القول: "هذا هو باب الربّ، به يدخل الصدّيقون" (مز 118: 20). حسب بولس الطوباويّ: "تكون الكلمة من أجل البناء لكي تصنع الخير لسامعيها" (أف 4: 29). تكون كلماتنا أفعال شكر، ومدائح مقدَّسة، وحديثُنا الله والحكمة العلويَّة". وقال يوحنّا في إحدى عظاته: "أعطاك الله فمًا ولسانًا، فلكي تشكره وتبني القريب". وقال للوالد: "حين تعلِّمه منذ الصغر أن يُنشد المزامير، تقوده شيئًا فشيئًا إلى الأمور العلويَّة". وفي شرح المزامير، قال الذهبيّ الفم: "لا شيء، لا شيء يرفع النفس ويعطيها جناحين ويبعدها عن هذا العالم، مثل توافق الأصوات المنشدة واللحن الإلهيّ الذي يرتفع في اتِّزان".

منذ الصغر نعلِّم الطفل أن لا يشتم أحدًا، أن لا يفتري على أحد، أن لا يشهد بالزور، أن يكون بمنأى عن العنف وروح العدوانيَّة. إذا رأيتَه يتجاوز الشريعة، وبِّخه: تارة بنظرة قاسية، وطورًا بأقوال لاذعة، أو بالتوبيخ. ومرّات أخرى، مالقه، قدِّم له الوعود. لا عقاب جسديّ بدون توقَّف. لا تعوِّده على هذه الوسيلة في التربية فيعتاد على هذه الوسيلة، وفي النهاية يحتقر التأديب.

الخاتمة

نتوقَّف هنا في رفقتنا مع هذا المعلِّم الكبير الذي اسمه يوحنّا الذهبيّ الفم، والذي نتذكَّره حيًّا بعد ألف وستّ مئة عام. كان نورًا في سماء أنطاكية أمِّ كنائس سورية وما زال يشعُّ على المسيحيّين في هذا الشرق بعد أن ارتبط رؤساؤهم بهذه الحاضرة المسيحيَّة. ليتنا نعود إليه، نعود إلى حذورنا العميقة، فنرتفع صعدًا، ونبني حضارة يكون أساسها أسرة متماسكة وتربية متكاملة. فتتواصل المسيرة في خطى الآباء والأجداد ونمجِّد الآب الذي في السماء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM