الرحيل عن سيناء

 

الرحيل عن سيناء

1 - خبرة سيناء

أحبّائي، ما زلنا في رفقة الشعب الذي خرج من عبوديّة مصر، ووصل إلى الحرّيّة في سيناء. وأقام هذا الشعب في سيناء حيث ظهر اggiلموسى أوّلاً من خلال العلّيقة المشتعلة، الملتهبة. وأقام الشعب بقرب جبل سيناء. ولا ننسَ أنّ الجبل هو موضع اللقاء بين السماء والأرض، وعلى الجبل ينزل الله لكي يلتقي بالبشر. وكان لموسى أكثر من لقاء مع الربّ، ومن هناك حمل الوصايا التي أوّلها: أنا هو الربّ إلهك لا يكن لك إله غيري.

مغامرة جميلة حول جبل سيناء، لم ينل فيها الشعب فقط الوصايا العشر أو الكلمات العشر. ومهمّ جدٌّا، أحبّائي. الوصايا يعني أمورًا محدّدة. أمّا الكلمة فغير محدّدة. هناك كلمات عشر بعدد أصابع اليدين ولكنّ هذه الكلمات مفتوحة، وسوف تظلّ مفتوحة مع يسوع المسيح الذي سيقول لهم: قيل لكم لا تقتل، أمّا أنا فأقول لكم. هناك انفتاح أبعد من وصيّة محدّدة: لا تقتل أخاك أو قريبك، أمّا العدو فافعل به ما تشاء. كلاّ ثمّ كلاّ. هذه الكلمات العشر هي مفتوحة، وقد بيّن يسوع انفتاحها في عظة الجبل يعني إنجيل متّى الفصل 5، بيّن أنّ الغضب والكلام القاسي، والكلام الجارح، يشبه القتل. أو كما قال يوحنّا: من يبغض أخاه فهو قاتل.

نلاحظ أنّ الشعب نال الكمات العشر. وفي امتداد هذه الكلمات نال سائر الفرائض على مستوى المحبّة الأخويّة، على مستوى الاهتمام بالغريب، باليتيم، بالأرملة، على مستوى الأعمى والأعرج والضعيف. إذًا كانت وصايا عديدة، وفي النهاية وصايا حول شعائر العبادة من خيمة مقدّسة هي صورة عن الهيكل، من أوانٍ مقدّسة تدلّ على أنّ ما نكرّسه للربّ لا نستعمله بعد في حياتنا اليوميّة.

2 - خطيئة سيناء

حول جبل سيناء، كانت مناسبة حياة الشعب مع ا؟. ولكن من المؤسف، فالشعب كلّ شعب، والمؤمن كلّ مؤمن هو ضعيف، هو معرّض للخطيئة. وهذا الشعب لم يترك بعد جبل سيناء، هو ما زال في جوار سيناء، ومع ذلك خان الربّ وعبد العجل الذهبيّ. ترك ا؟ وأخذ بالآلهة الكاذبة. ترك ا؟ الذي لا يُرى، وأراد لنفسه إلهًا يُرى يكون تحت أمره ولا يكون هو تحت أمر الربّ. ولكنّ الربّ لم يتوقف عند هذه الخطيئة. سقط الشعب فأقامه الربّ من سقطته، وقال لموسى: تذهب وتقود الشعب.

الربّ لا يتوقّف عند خطيئة الإنسان. الربّ لا يتوقّف عند ضعف الإنسان. هو يتجاوز هذه الخطيئة، يتجاوز هذا الضعف ليقود الإنسان إلى حيث يريد هو. لسنا نحن من يحدّد الطريق، سواء كانت على مستوى الجماعات، الكنيسة، الرعيّة. كلاّ، الربّ هو الذي يحدّد الطريق.

وفي فصل 32 من سفر الخروج قلنا، الربّ يكلّم موسى: تذهب وتقود الشعب إلى حيث قلت لك أنا، لا إلى حيث تريد أنت. فلو سمع الربّ من الشعب، لعاد الشعب إلى مصر ليستفيد من الماء، من السمك، من اللحم، من الخيار والكوسى والبطيخ، من الفواكه والخضر. لكنّ الربّ له طريقه، وهو يقود هذه الطريق إلى الهدف الذي وضعه هو أمامه.

مهمّ جدٌّا، أحبّائي، أن نفهم أنّنا لسنا نحن من يقرّر الطريق، أو من يقرّر أن يمضي مع الربّ. الربّ دومًا هو الذي يدعو، ونحن ما علينا إلاّ أن نتجاوب مع ندائه.

لهذا السبب سقط الشعب في خطئية عظيمة، وعُوقب من عُوقب وهُدِّد الشعب كلّه. ولكنّ الربّ لا ييأس. للربّ مشروع وهو يتواصل.

والآن قال لموسى: تذهب وتقود الشعب إلى حيث قلت لك. ولكنّ الربّ لا يقول فقط ولكنّه يفعل. هذا الشعب الذي نسي حضور ا؟ سيكون معه حضور ا؟. قال له: ملاكي يسير أمامك.

تأكّد موسى أنّ الربّ لم يتركه، أنّ الربّ لم يترك شعبه، أنّ الربّ ما زال حاضرًا. إذًا نتابع الطريق وهذا ما فعله موسى.

3 - النصّ الكتابيّ

نقرأ سفر الخروج الفصل 33، وعنوانه الرحيل عن سيناء.

وقال الربّ لموسى: »قم من هنا واصعد، أنت والشعب الذين أخرجتهم من أرض مصر، إلى الأرض التي أقسمتُ أن أعطيها لنسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

»وأنا أرسل أمامك ملاكًا، وأطرد الكنعانيّين والأموريّين والحثّيّين والفرزّيّين والحويّين واليبوسيّين، من تلك الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً. وأمّا أنا فلا أصعد إليها معكم لئلاّ أفنيكم في الطريق، لأنّكم شعب قساة الرقاب«.

فلمّا سمع الشعب هذا الخبر السيِّئ، حزنوا ولم يلبس أحد منهم زينته. أفما قال الربّ لموسى: »قل لبني إسرائيل: أنتم شعب قساة الرقاب، فإذا صعدت معكم، ولو لحظة واحدة، أفنيكم؟ والآن، فانزعوا عنكم زينتكم وسأرى ما أفعل بكم«. فنزع بنو إسرائيل زينتهم بعد ما تركوا جبل حوريب (33: 1 - 6).

»وقال الربّ لموسى نشدّد دومًا على هذا القول: قال الربّ. فالربّ ليس له فم مثل أفواهنا. كلاّ. الربّ يكلّم موسى في أعماق قلبه، وموسى يكتشف من خلال الظروف إرادة ا؟، وما يجب أن يفعل لكي يتحقّق مشروع ا؟.

هذا مهمّ جدٌّا. نحن أيضاً الربّ يكلّمنا اليوم وفي كلّ يوم، شرط أن نستمع إليه، أن نصمت، أن نُسكت فينا كلّ الأصوات بحيث لا نترك إلاّ صوت الربّ يدخل إلى أعماقنا، وينير حواسّنا. ينير قلبنا، ينير يدينا، ينير كلّ تصرّفاتنا.

4 - غفران ا؟

»وقال الربّ لموسى «.وموسى اكتشف ما يجب أن يفعل. فهم أنّ الربّ غفر. ولو لم يغفر الربّ لكان مات أناس آخرون. تلك كانت علامة ظاهرة على غفران ا؟ الخفيّ.

هنا نتذكّر مثلاً إنجيل مرقس في الفصل الثاني. لمّا جاء المخلّع، قال له يسوع: »مغفورة لك خطاياك«.

ولكن كيف نعرف أنّ هذه الخطايا غُفرت؟

فالخطيئة لا تُرى بالعين، والغفران لا يُرى بالعين. ولكن يسوع سيبيّن أنّه غفر حقٌّا لهذا المخلّع، لهذا الكسيح. قال له: »قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك«. فقام وحمل فراشه. هذه المعجزة الخارجيّة دلّت على معجزة أخرى، معجزة في قلب هذا الكسيح، هذا المُقعد. فقام. قام على مستوى النفس، تخلّص من خطيئته. وقام على مستوى الجسد فتخلّص من مرضه.

وهنا، أحبّائي، أيضاً لمّا رأى موسى أنّ الضربة ابتعدت، أنّه لم يمت أحد من بعد، فهم أنّ الربّ غفر وأنّه يستطيع أن يتابع المسيرة مع الشعب. لأنّ موسى رفض وسيرفض أن يسير إن كان الربّ لا يرافقه، لا يرافق الشعب.

في أيّ حال ما قيمة مسيرة نقوم بها ولا يكون الربّ راضيًا عنها. هي مسيرة لا إلى الحياة بل إلى الموت، لا إلى السعادة بل إلى الشقاء والتعاسة.

5 - قم، اصعد

وقال الربّ لموسى قم من هنا.

لفظة »قم« مهمّة جدٌّا. فالذي يسقط إلى الأرض يُطلَب منه أن يقوم. الذي يسقط مصلّيًا على الأرض لاصقًا جبينه بالتراب أمام الربّ، يقول له الربّ: قم. يعني أنا قبلت صلاتك. كأنّي بالشعب مات وموسى مات معه. وهو الشعب يقوم مع موسى. قم من هنا. إذًا أنت لن تبقى هنا رغم الخطيئة، رغم السقطة. أنت لن تبقى، هنا. فأنت مدعوّ إلى هناك ولا تتوقّف الطريق. فهناك الصعود.

قم من هنا واصعد. لماذا؟

لأنّ الهدف النهائيّ هو أورشليم، مركز حضور ا؟. ودائمًا عندما نذهب إلى أورشليم فالطريق هي صعود. ويسوع نفسه في إنجيل لوقا (9:51) يبدأ صعوده إلى أورشليم.

وهنا موسى: قم من هنا واصعد.

هذا الصعود يجب أن يتواصل. ومن يصعد؟ أنت أوّلاً. أنت القائد ثمّ الشعب. إذًا أنت وحدك لا تذهب، وحدك ولا تصعد. لو كان الشعب خاطئًا فهو يقوم، يصعد. تضامنتَ معه في الخطيئة، تضامنت معه في سقوطه، تضامنت معه في ضعفه، فسيبقى متضامنًا معك في صعودك.

أنت والشعب الذين أخرجتُهم أنا.

مهمّ جدٌّا، أحبّائي، هذا الضمير المتكلّم: أنا أخرجتُهم من أرض مصر.

إذًا الربّ هو السبب في خروج الشعب. هذه القبائل الثلاث كما قلت، الماضية بقيادة موسى. أنا أخرجتهم من أرض مصر. فالربّ كدت أقول، هو المسؤول عن هذا الخروج. المسؤول الأوّل. ولهذا فالربّ يتحمّل الخطر، يتحمّل الخطأ بطريقة غير مباشرة، بالشكل عينه الذي يتحمّل لمّا خلق الإنسان. خاطر ا؟ بهذا الإنسان الذي يمكن أن يقتل، أن يبغض، أن لا يحبّ، أن يسرق، أن يعيش خارج الوصايا، خارج المحبّة، خارج الحنان.

6 - مشروع طويل

هنا الشعب أيضاً. الربّ هو مسؤول عن هذا الشعب الذي أخرجه. ولهذا لن يتراجع، سيواصل الطريق مع شعبه رغم الخطأ ورغم الضعف. وسيقول له موسى بعض المرّات: انتبه إذا أنت لم تتابع الطريق، ماذا سيقول المصريّون؟ هو ما استطاع، أو هو إله قاسٍ. بعد أن أخرج الشعب قتله في البرّيّة. وكأنّي بموسى شدّد على كرامة ا؟، لا على استحقاقات الشعب.

إذًا قال الربّ لموسى: اصعد أنت والشعب الذين أخرجتُهم أنا من أرض مصر.

ثمّ يتابع: إلى الأرض التي أقسمتُ أنا أن أعطيها لنسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

إذًا هذا الخروج ليس وليد الساعة، والكلام بالصعود إلى أورشليم ليس وليد الساعة. فمشروع الربّ بدأ منذ الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب. هو أقسم بنفسه، يعني وعد أن يعطي. وحين يَعِد الربّ فهو يفي لا محالة. الربّ لا يتراجع عن وعده، الربّ لا يندم فيما وعد به. هذا مهمّ جدٌّا أن نفهم. الربّ هو الذي أقسم، وهو الذي وعد، وهو يتمّم وعده مهما كان تصرّف الإنسان.

وهنا على مستوى حياتنا اليوميّة حياة جماعاتنا، الربّ لا يكون خاضعًا لتقلّباتنا. كلاّ. إن أردنا نصعد مع موسى إلى أورشليم، وإلاّ نبقى هنا، والناس يصعدون ويكون لهم فرح اللقاء بالربّ، ونبقى نحن في عزلتنا. كما يقول الإنجيل: نبقى في الظلمة بدل النور، وفي الخارج بدل الداخل. الداخل هو قاعة الوليمة، قاعة الملكوت. عاد إليها الآن الأصغر. واستعدّ الأكبر أن يخرج منها.

أقسمتُ أن أعطيها لنسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب. هم آباء الشعب الأوّل.

7 - أرسل أمامك ملاكًا

ويقول هنا ما قال في الفصل السابق: وأنا أرسل أمامك ملاكًا.

يشدّد مرّة ثانية. أنا أكون حاضرًا معك بواسطة ملاك. فالملاك كما قلت مرارًا، يدلّ على حضور ا؟ وسط شعبه أو أمام شعبه، كالقائد أمام جنوده، أو الوالد أمام عائلته، أو رئيس القبيلة أمام قبيلته.

وأطرد الكنعانيّين والأموريّين والحثيّين والفرزّيّين والحويّين واليبوسيّين.

هذه الشعوب كانت موجودة في أرض كنعان أو في أرض فلسطين القديمة (33: 2). هناك ستّة شعوب الكنعانيّين الأراميّين الأموريّين الحثّيّين الفرزّيّين الحويّين واليبوسيّين. هو رقم ناقص. كيف يكتمل؟ عندما يجتمع معه العبرانيّون، عندئذ يصيرون سبعة شعوب. وهؤلاء الشعوب الذين يعيشون الكمال، يمكنهم أن يقيموا بعضهم مع بعض. فلا يطرد شعبٌ شعبًا آخر.

وكلّ المحاولات لنلغي الآخر تبوء بالفشل. وفي النهاية نلغي نفوسنا. هنا كأنّي بالكاتب واضح جدٌّا، وهو الذي كتب بعد الأحداث بـ 700 سنة أقلّه: ليفهم الشعب العبرانيّ أنّه لا يستطيع أن يطرد هذه الشعوب، بل هو يعيش معها، ويعيش معها بسلام. ويتابع النصّ: من تلك الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً.

نحن نعرف خصوصاً أرض يهوذا جنوب فلسطين. ليست بالغنيّة جدٌّا. ولكن هذه الأرض مع اللبن والعسل تدلّ على بركة ا؟، حضور ا؟، وهذا الحضور لن يتمّ إلاّ إذا كانت الشعوب كلّها شعبًا واحدًا، متحابٌّا، متعاونًا، متضامنًا. ولكن حين يحاول شعب أن يفرض نفسه على الشعوب الأخرى، فهو الخاسر الأكبر والربّ لا يريد ذلك.

حين يقسم موسى الأرض، يعطي كلّ قبيلة بالتساوي، ولا يحرم منها قبيلة.

ونقول الشيء عينه عن أرض فلسطين: جميع الشعوب تعيش فيها، من الكنعانيّين، الأموريّين، الحثّيّين والفرزّيّين والحويّين واليبوسيّين. على كلّ حال إيماننا المسيحيّ اليوم في أماكن عديدة يفرض على الحكّام والدول في العالم كلّه في الغرب والشرق احترام الغريب، احترام اللاجئ، احترام المهدّد، وتأمين المسكن والمأوى له، لا بل العمل.

حين تعيش البلدان على هذا المستوى، هذه الأرض تفيض لها لبنًا وعسلاً. لا يفيض لها فقط الماء، بل اللبن الحليب يفيض على الجبال. والعسل أيضاً الذي هو علامة الخصب، علامة البركة.

8 - مع أنّكم قساة الرقاب

ولها السبب بما إن الشعوب ستّة وما صاروا سبعة، يقول النصّ: أمّا أنا فلا أصعد إليها معكم لئلاّ أفنيكم في الطريق، لأنّكم شعب قساة الرقاب.

صاحب الرقبة القاسية يرفض أن يمشي في وصايا ا؟، يرفض أن يسمع ؟.

قساة أوّلاً بالنسبة إلى ا؟. ثمّ بالنسبة إلى القريب. هذا مهمّ جدٌّا، هنا نعود إلى البدايات حيث ترك آدم ا؟، ترك الإنسان ا؟، أراد أن يصير إلهًا، أن يسيطر، أن يسود، أن يقتل الآخر، أن يُلغي الآخر. وكانت النهاية أن قتل قايين أخاه، وصار شريدًا، طريدًا.

فالربّ لا يقيم إلاّ حيث تقيم المحبّة ويقيم التفاهم.

فهم الشعب خطيئته. فلمّا سمع الشعب هذا الخبر السيّئ، حزنوا ولم يلبس أحد منهم زينته (آ 4)، هذا إذا كان بقي لهم زينة بعد أن صنعوا العجل الذهبيّ. فهموا أنّ عليهم أن يتوبوا عن هذه الخطيئة الكبيرة التي اقترفوها تجاه ا؟، بانتظار أن يقترفوا خطيئة أقسى تجاه إخوتهم الذين يقيمون معهم.

قال الربّ لموسى: أنتم شعب قساة الرقاب، فإذا صعدت معكم ولو لحظة واحدة أفنيكم.

هذا يعني أنّ الربّ لا يرضى بهذا التصرّف. وحين يكون القتال المتبادل، هناك الفناء المتبادل. يعيد الكاتب ذلك إلى ا؟. نتذكّر دائمًا حين نقرأ النصّ في الكتاب المقدّس: نترك السبب الثانويّ، السبب الإنسانيّ، نقول: ا؟ شابهوا آدم وحواء بعد أن طردوا من الفردوس. أخذ لي ابني ا؟، أعطاني المرض. لكن عمليٌّا هناك أسباب بشريّة نعرفها أو لا نعرفها، ولكنّها حاضرة.

ففي الحروب يفني البشر بعضهم بعضاً. يقول الكتاب: الربّ أفناهم. هي طريقة بشريّة لكي نقول إنّ الربّ هو سيّد الأرض كلّها ومع الحروب ومع غيرها يستطيع أن يستخرج من الشرّ الخير.

9 - نداء إلى التوبة

والآن فانزعوا عنكم زينتكم، وسأرى ما أفعل بكم.

الربّ طلب من الشعب، وافق على توبة هذا الشعب: توبوا وأنا أرى ما أفعل بكم. سأرى إذا كانت توبتكم حقيقيّة أم توبة كاذبة.

كما قال إشعيا: لا تمزّقوا ثيابكم، بل مزّقوا قلوبكم. التوبة ليست توبة خارجيّة، هي توبة القلب، توبة العقل، توبة العادات، توبة الفكر، توبة الإنسان كلّه. »وسوف أرى ما أفعل بكم«، سوف أرى ما تستحقّون. فالربّ يطلب منّا أعمالاً ملموسة، وخصوصاً إذا كنّا خطأة لكي يتجاوب معنا ويفهم أنّ توبتنا كانت صادقة.

وعمل الشعب ما طلب منه الربّ: تركوا زينتهم بعدما تركوا جبل حوريب.

جبل حوريب يعني جبل سيناء حيث كان اللقاء مع الربّ. ساعة كانوا قرب جبل حوريب كان العيد بالنسبة إليهم لأنّ الربّ كان حاضرًا معهم.

والآن بعد أن تركوا جبل حوريب أو جبل سيناء، صاروا في زمن الحزن، في زمن التوبة، في زمن الصحراء، حيث يشعرون أنّ الربّ بعيد عنهم، وإن لم يكن بعيدًا حقٌّا، بعد أن أرسل أمامهم ملاكه.

هذا، أحبّائي، هو معنى الرحيل، الرحيل، الانطلاق من جديد. غفر الربّ لشعبه وأطلقه من جديد وكأنّ شيئًا لم يكن. ولكن أفهمه طريق التوبة الحقيقيّة، طريق الرجوع إلى ا؟. وعندئذٍ يفهمون أنّ الربّ يغفر، أنّ الربّ يخلق من جديد، وهو مستعد أن يكون مع شعبه، أن يقيم مع شعبه. حينئذ يمنحه البركات شرط أن يكون الشعب عائشًا مع جيرانه، في المحبّة، كما هو حاضر بين كلّ اثنين أو ثلاثة يلتقون بين بعضهم حول الربّ من أجل مشاريع الربّ. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM