موسى يكسر لوحي الوصايا.

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin-top:0in; mso-para-margin-right:0in; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0in; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}

 

 

موسى يكسر لوحي الوصايا

 

1- بين الجديد القديم

أحبّائي، الربّ يكون معنا ويرافقنا بروحه القدّوس، يرافقنا في هذه الطريق، طريق الوصايا، طريق كلماته. ثلاث حلقات وهذه الرابعة في قراءة سفر الخروج الفصل 32. عندما نتأمّل هذه الفصول، نتساءل بعض المرّات عن الذين لا يرون غنًى في هذا الكتاب، بل يقرأونه بسرعة كأنّه قصّة من القصص الشيّقة. أو هم يحكمون عليه مسبّقًا لأنّه من عصر آخر ومن شعب آخر ومن روحانيّة يعتبرونها مختلفة عن روحانيّة العهد الجديد.

ولكنّ الواقع أنّنا في ثلاث حلقات ما زلنا في الآية 15 من سفر الخروج. هذا يعني أنّنا أمام غنى كبير يجب أن نكتشفه. والإنجيل يحدّثنا عن الحكيم، الكاتب، الذي تتلمذ للملكوت. هو يُخرج كلّ جديد وكلّ قديم. بل يصبح القديم جديدًا بالنسبة إليه. والجديد الذي يعيشه يرتبط بالقديم.

هذه النصوص الكتابيّة عندما نقابلها بعضاً ببعض نفهم الغنى من خلال كلّ كلمة نقرأها. لا شكّ هناك يد البشر، بما فيها من ضعف، لأنّنا نعتبر في إيماننا أنّ الله لا إصبع له يكتب به، ولا فم يتكلّم به مثل أفواهنا. فهو يتكلّم بواسطة أفواهنا ويكتب بواسطة أيدينا، وينظر بعيوننا ويسمع بآذاننا ويحبّ بقلوبنا. ولكن مع هذا الضعف، الضعف البشريّ الذي أوصل إلينا الكلمة، نتعرّف إلى صوت الله.

وهنا أودّ أن أقول إنّ جميع الكتب المقدّسة في كلّ الديانات من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، كتبت، وأعيدت كتابتها، صحّحت ونقّحت على مدى خمس مئة أو مئتي سنة. فالله لم يرسل كتابًا مكتوبًا، بحيث نأخذه وكأنّه تعويذة تحفظنا من الشرّ. كلاّ الربّ هو الذي حرّك قلوبنا، قلوب الأنبياء والآباء القدّيسين، حرّك القلوب فكتبوا إلينا ما كتبوا.

ولكن يبقى من خلال هذه الكتابات الضعيفة والأقوال المحدودة، لأنّها قيلت بأفواه البشر، أنّ الربّ هو الذي يتكلّم، وأنّ الروح القدس هو الذي أشرف على كتابة الكتاب بدءًا بـ سفر التكوين أوّل سفر: في البدء خلق الله السماوات والأرض. حتّى سفر الخروج وكلّ أسفار العهد القديم. وحتّى العهد الجديد، الإنجيل، وانتهى الكتاب بنهاية سفر الرؤيا حين تدعو الكنيسة عريسها يسوع المسيح: تعال أيّها الربّ يسوع. أي تنظر إلى مجيء يسوع الثاني. إذا كان يسوع بمجيئه على الأرض في الجسد، في الاتّضاع، دلّ على مجيئه الأوّل، ونحن ننتظر مجيئه الثاني، يبقى أنّنا ننتظر مجيء الربّ على الأرض ساعة أراد أن يخلق السماوات والأرض بانتظار أن تصبح هذه السماوات سماوات جديدة والأرض أرضاً جديدة.

2 - اهتمامات الكاتب الملهم

وهكذا في قراءتنا لسفر التكوين الذي انتهينا منه، والخروج الذي لم ننته منه بعد بـ 96 حلقة، نفهم غنى الكتاب المقدّس الذي لا يقابله غنى في كلّ النصوص. في النصوص الآشوريّة والبابليّة والمصريّة، نعرف بعض الأمور التاريخيّة والجغرافيّة، وهذا لا بأس به، لأنّ الإنسان ابن التاريخ، وهو يصنع التاريخ، كما يتغذّى من التاريخ.

ولكن حين نقرأ الكتاب المقدّس، هناك معنًى من نوع آخر. هو لا يهتمّ كثيرًا بالأمور التي يهتمّ بها البشر، بل يربط بها الإنسان حالاً با؟، كما قلت في الحلقة السابقة: لا نتوقّف عند الأسباب الثانويّة. لماذا سقطت أورشليم؟ نستطيع أن ندرس الأمور الدبلوماسيّة والحربيّة. أمّا بالنسبة إلى الكاتب الملهم، فقد سقطت أورشليم لأنّ الربّ لم يكن راضيًا عن شعبه. ضُرب الشعب، غضب الربّ على الشعب، هذا ما فهمه موسى أيضاً في خبر العجل الذهبيّ.

الضربة، المرض، الوباء، القحط، الجفاف له أسبابه المعروفة، ويدرسها العلماء اليوم وكلّ يوم. ولكن بالنسبة إلى موسى، إذا كان الشعب أصيب بالوباء، فلأنّ الربّ غضب. ولماذا غضب الربّ؟ لأنّ الشعب حاد عن الطريق، وعبد العجل الذهبيّ. ليس فقط في زمن موسى وهارون، بل أيضاً في زمن يربعام أوّل ملك في مملكة إسرائيل، وفي زمن إيليّا، وفي زمن هوشع. وهكذا يعتبر المؤمن، أو النبيّ »ذاك المتكلّم باسم الله«، أنّ ما حدث للشعب في حرب من الحروب، إنّما هو بسبب بعده عن الربّ، بسبب ظلمه القريب لأنّه لم يعرف حياة المحبّة مع الله، وحياة المحبّة مع القريب.

3 - لوحا الوصايا

في هذا الإطار، أحبّائي، نتابع قراءة سفر الخروج فصل 32: 15. أمّا العنوان فهو موسى يكسر لوحي الوصايا. هنا نتذكّر أنّ الربّ أعطى الوصايا لموسى على لوحين، خمسًا بخمس. عشر وصايا. وهذه الوصايا كانت مكتوبة. نحن نعرف بما اكتشفنا بأوغاريت، راس شمرا أو بماري على الفرات أو في أماكن عديدة، كيف كانت تدوَّن الكتابات في ذلك الوقت. كانوا يضعون بعض الطين بشكل لوحة صغيرة تبقى طريئة، وتُحفر الكلمات، وتوضع في النار، وعندما تيبس تصبح هذه الكلمات محفورة في التراب، فلا تعود تُمحى أبدًا. فقد وُجدت آلاف اللوحات أو اللويحات في التنقيبات، تنقيبات لبنان، سوريا. وفي أماكن أخرى.

إذًا جاء موسى بهذين اللوحين: اللوح الأوّل يحدّثنا عن واجباتنا تجاه الله: أنا الربّ إلهك، لا تصنع لك أيّ تمثال أو أيّ صورة. لا تحلف باسم الله باطلاً، قدّس يوم الربّ. ثمّ جاءت الوصايا المتعلّقة بالإنسان: لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، لا تشهد بالزور، لا تشته امرأة قريبك، لا بيته ولا شيئًا ممّا له.

جاء موسى من عند الربّ وهو يحمل هذه الوصايا. وهنا سبق فقلنا وأعيد بالقول: إنّ الربّ ليس له إصبع يكتب به الكلمات. ولكنّ موسى استوحى أوّلاً إيمانه الذي يسند هذه الوصايا، كما استوحى ما قيل في الشعوب المجاورة على مستوى القتل والسرقة والزنى. وقدّم هذه الوصايا العشر. عشرة يعني بالنسبة إلى محبّة الله خمسة، وبالنسبة إلى محبّة القريب خمسة. مع العلم أنّ الرقم 5 هو رقم مقدّس في الشعب العبرانيّ. إذًا رقم مقدّس على مستوى الوصايا تجاه الله، ورقم مقدّس على مستوى الوصايا تجاه القريب.

4 - كسرهما موسى

موسى يكسر لوحي الوصايا. قبل أن نقرأ نطرح السؤال: لماذا كسر موسى لوحي الوصايا؟ في الواقع الشعب العبرانيّ تجاوز وصيّتين. نسي أنّ الربّ هو الواحد، ونسي أن لا يصنع صنمًا من الأصنام. كان ممكن لموسى أن يمحي الوصيّة الأولى والوصيّة الثانية، ويترك الباقي. فالباقي لم يتجاوزه أحد. فالشعب لم يقتل، لم يسرق، لم يزنِ، لم يشهد شهادة زور. إذًا لماذا كسر موسى كلّ الوصايا، لماذا كسر اللوحين؟ لو كسر لوحًا واحدًا فقط، لكان كافيًا.

السبب واضح، الوصايا تسندها كلّها الوصيّةُ الأولى: أنا الربّ إلهك: إذا زالت هذه الوصيّة، زالت كلّ الوصايا. وهنا نستطيع القول إنّنا في وصايا الله بعيدون كلّ البعد عن كلّ ما صدر من تعليمات من أيّام حمورابي حتّى الآن. الوصايا في الكتاب المقدّس يُسندها الله. أنا الربّ إلهك. أمّا الوصايا في عالم الشرق، فتستند إلى حكمة بشريّة، أو ربّما إلى ما يقوله الملك وما يقوله الكهنة.

وحتّى في الأمور العاديّة، في الأمور البسيطة، أعمالنا، تصرّفاتنا، علاقاتنا، نحن المؤمنين، تستند أوّل ما تستند إلى علاقتنا بالإله الواحد: »أنا هو الربّ إلهك«، ونستطيع أيضاً أن نربطها بحياتنا. عندما يأتي شخص اليوم ويعترف فيقول، أنا لم أسرق، لم أقتل، ولم أزن، انتهى، هذه ليست الوصايا. هي مسخ الوصايا. الحمد لله أنّه لم يقتل، لم يسرق، لم يزن. لكنّه نسي الوصيّة الأولى: أنا هو الربّ إلهك، أي نسي علاقته اليوميّة مع الربّ.

من هنا تنطلق الوصايا، تنطلق حياتنا اليوميّة، حياتنا الأخلاقيّة. حياتنا بالنسبة للخطيئة تنطلق كلّها من عند الربّ. هذا الربّ الذي يملأ حياتي، الذي يسيطر على حياتي، الذي يريد أن تكون حياتي له كما أعطى ابنه حياته لنا. ونقرأ إذًا سفر الخروج 32: 15 - 20:

5 - النصّ الكتابيّ

ثمّ انصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الوصايا في يده، وهما لوحان مكتوبان على كلّ جانب منهما. صنعهما الله ونقش كتابته عليهما.

وسمع يشوع صوت صياح الشعب. فقال لموسى: »صوت حرب في المحلّة«. فأجابه موسى: »ما هذا صياحُ نصرٍ ولا صياح هزيمة. بل صوت غناء أنا سامع«.

فلمّا اقترب موسى من المحلَّة، رأى العجل والرقص. فاشتدَّ غضبه ورمى باللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل. ثمّ أخذ العمل الذي صنعوه، فأحرقه بالنار، وطحنه حتّى صار ناعمًا، وذرّاه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل.

ننتبه هنا أنّ الله صنع هذين اللوحين، وأنّ الله هو الذي نقش الكتابة عليهما. ولكن كما قلنا دائمًا، السبب الثانويّ يُترك جانبًا في نصّ الكتاب المقدّس. أمّا إذا أردنا أن نتكلّم بلغة اليوم فنقول: الله أوحى لموسى فصنع هذين اللوحين، أو أمر بصنع هذين اللوحين ونقش الكتابة عليهما. فهذه الوصايا ليست وصايا موسى، بل وصايا الله كما نقلها موسى من خلال خبرته مع الله، وخبرته في المجتمع والحضارات التي رافقته. نزل موسى وهو يحمل الوصايا، التي تدلّ على علاقة الإنسان بالله. نتذكّر أنّ الوصايا هي الكلمات، التي تربط الإنسان بالله والله بالإنسان.

نقرأ آ 17: »وسمع يشوع صوت صياح الشعب، فقال لموسى: صوت حرب في المحلّة«. إذًا لم يكن يشوع رفيق موسى ليعرف أيّ شيء عمّا حدث. فظنّ أنّ الحرب هي حاضرة، ويشوع قائد حربي يرى الأمور من منظاره. فأجابه موسى: هذا الصياح ليس صياح نصر أو هزيمة، بل صوت غناء. وأنا أسمعه. إذًا هنا لسنا في الحرب. والحرب هي إمّا النصر وإمّا الهزيمة. لا هذه ولا ذاك. ماذا؟ الغناء والغناء هو حول الآلهة.

سبق النصّ وقال (32: 6): »فبكّروا في الصباح، وأصعدوا محرقات، وقدّموا ذبائح سلامة، وجلسوا يأكلون ويشربون. ثمّ قاموا يمرحون«. وكان يشوع وموسى يسمعانهم: صوت غناء أنا سامع. إذًا في الواقع لا نستطيع أن نتكلّم عن غضب الله، بل عن غضب موسى. فلمّا اقترب موسى من المحلّة، رأى العجل والرقص. يكفي هاتين الكلمتين: هم يرقصون حول العجل، يقومون بتطواف، كما نقرأ في فصل 17 من سفر الملوك الأوّل مع إيليّا: كيف كانوا يرقصون حول البعل.

6 - غضبُ الله وغضب موسى

نقرأ هاتين الآيتين: يرقصون حول العجل فاشتدّ غضبه. وفي آ 10: قال الربّ دع غضبي يشتدّ عليهم. وقال له موسى في الصلاة (32: 11): لماذا يشتدّ غضبك. في الواقع هو غضب موسى. واعتبر موسى أنّ غضبه يشير إلى غضب الله، أنّ رفضه لهذا الواقع المخزي من شعب يرقص حول العجل، بدل أن يكون حول إلهه. إنّما هو امتداد لغضب الربّ.

واشتدّ غضب موسى، ورمى باللوحين من يديه، وكسّرهما في أسفل الجبل. ما أخذه موسى من على قمّة الجبل، جبل سيناء، كسّره في أسفل الجبل حيث يقيم الشعب. وهكذا انقطع الرباط بين الله وبين شعبه. ثمّ أخذ العجل الذي صنعوه، فأحرقه بالنار، وطحنه حتّى صار ناعمًا، وذرّاه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل.

موسى اشتدّ غضبه، اللوحين كسرهما، العجل أحرقه وطحنه حتّى صار ناعمًا، وسقى بني إسرائيل. كأنّه يريد أن يملأهم من عبادة الأصنام. أنتم تريدون مثل هذا الإله، فكلوه حتّى يعطيكم الحياة. بل هو سيعطي الموت. وسوف نرى ماذا سيحدث بالشعب الذي كان يرقص. رأى العجل، والعجل انتهينا من أمره. ورأى الشعبَ يرقص. هنا نقول: رأى العجل والرقص، عمليٌّا الشعب الذي يرقص. سوف نرى ماذا سيحدث لهذا الشعب.

وبدأ وسأل. وقال موسى لهارون: »ماذا صنع بك هؤلاء الشعب حتّى جلبت عليهم خطيئة عظيمة؟«. إذًا السبب الأوّل هو هارون: أنت جلبت عليهم خطيئة عظيمة. فأجاب هارون: لا يشتدّ غضبك يا سيّدي. أنت تعرف الشعب أنّهم من الرعاع. نلاحظ هنا هذا التفكّك، بدل التماسك. أجل، هناك التفكّك. أوّلاً موسى أراد أن يبتعد عن هارون: أنت جلبت عليهم خطيئة. أنا جئتهم بالوصايا من عند الربّ، وأنت جئتهم بالخطيئة. بل خطيئة عظيمة.

7 - وتبرّأ هارون من الشعب

بدأ هارون فتبرّأ من هذا الشعب. كيف تبرّأ منهم؟ إنّهم من الرعاع. إنّهم لا يساوون شيئًا. لا شكّ، الهدف الأخير لهارون هو أن لا يشتدّ غضب موسى على هذا الشعب. إنّه لم يصبح بعدُ شعبًا بالمعنى الكامل. هم زمرة من الناس جمعهم موسى.

نتذكّر هنا بداية الشعب العبرانيّ ولا نقرأها على ما كُتب بعد 500، 600 أو 800 سنة. في الواقع، الذين هربوا من مصر مع موسى كانوا قلّة قليلة من العبيد. من قطّاع الطرق، من السارقين. هربوا معه. ولكن العظمة أنّه من هؤلاء الرعاع استطاع أن يكوّن شعبًا، أو بالأحرى ليس هو بل الربّ الذي يستطيع أن يكوّن شعبًا من أشخاص لا يمكن أن نستند إليهم كثيرًا.

في أيّ حال، تلك كانت العودة بعد النفي سنة 587 ق. م. هم عادوا سنة 538. وهذه العودة لم تكن أفضل من تلك. هم شعب ضعفاء لا يقوون على شيء. الأغنياء، العظماء، الكبار، ظلّوا في بلاد الرافدين. من رجع؟ الشعب الضعيف. ومن هذا الشعب الضعيف، استطاع الربّ أن يكوّن شعبًا له وجماعة.

إذًا بدأ موسى فتبرّأ من هارون الذي حمّل الشعب هذه الخطيئة. وها هو هارون يتبرّأ من الشعب. نتذكّر هنا منذ البداية آدم وحوّاء، وضعَ آدم وحواء والحيّة. تبرّأت حوّاء من الحيّة، وتبرّأ آدم من حوّاء. عندما تكون الخطيئة يزول التماسك بين البشر. وعندما يعود الناس إلى الربّ، يتماسكون فيُضحون جماعة واحدة. وهكذا جعل هارون هذه الخطيئة التي هي في الأصل فيه، لأنّه هو المسؤول، لأنّه هو الكاهن في شعبه، جعلها في الشعب.

قالوا له: »اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، فهذا الرجل موسى الذي أخرجنا من مصر لا نعلم ماذا أصابه«. فقلت لهم: »من له ذهب فلينزعه«. فجاؤوني به فطرحته في النار فخرج هذا العجل.

8 - وتهرّب من المسؤوليّة

نلاحظ هنا عدم المسؤوليّة عند شخص هو مسؤول. وهذه خطيئة كبيرة بالنسبة إلى الكتاب المقدّس، الذي يحكم حكمًا قاسيًا على الحكّام. قالوا لي: اصنع، صنعت. هل أنت القائد الذي يسير أمام الشعب، أم ذاك الذي يسير في مؤخّرة الشعب، فيفعل ما يريد الشعب أن يفعل؟ وهذه علامة تهرّب من مسؤوليّة جعلها الربّ على كلّ واحد منّا. قالوا: اصنع. قلت لهم: ليكن كما تشاؤون، آمين. آمين. لا للربّ بل للإنسان.

خصوصاً في النهاية. جاؤوني بالذهب، طرحته في النار، فخرج هذا العجل، وكأنّه خرج بفعل سحر ساحر، كلاّ. صنعوا العجل كما يصنعون كلّ تمثال، وكما اعتادوا أن يصنعوا التماثيل. هم يعرفون أنّ من هذا العمل سيخرج عجل. وهكذا نفهم أنّ الخطيئة عندما تكون حاضرة، نترك الوصايا جانبًا، نترك الربّ جانبًا، ويأخذ الإنسان ما يريد، بحيث لا يُسيء الواحد مباشرة إلى الله، بل يريد أن يأكل أخاه الإنسان.

هذا ما حدث في الواقع. في البداية لمّا خطئ آدم وخطئت حوّاء وخطئت الأسرة الأولى، ابتعدت عن الله، صارت الخطايا الباقية آتية. فقتل قايين أخاه هابيل، وأراد لامك أن ينتقم 70 مرّة. وتجاوز الشرّ كلّ حدود، فوصل بالبشريّة إلى الطوفان.

أحبّائي، هذه الخطيئة، خطيئة العجل الذهبيّ، هي تحمل طريقة ثانية للكلام عن الخطيئة. كانت حاضرة في حياة الشعب من أيّام موسى حتّى زمن المسيح، وهي لا تزال حاضرة عندنا وفي حياتنا. إن كانت حياتنا لا تستند إلى الله، وهو الأوّل والأخير في حياتنا، فكلّ أعمالنا الباقية تبقى بدون معنًى. وعلاقتنا مع إخوتنا لا تكون علاقة المحبّة، بل علاقة التجاذب، علاقة التقاطع، علاقة الابتعاد بعضنا عن بعض. ولكن الربّ لا يسمح بذلك. فيَدُه القديرة سوف تفعل، وتجعل من كلّ واحد منّا في قلب جماعة لا تعبد إلاّ الله الواحد ولا تسجد إلاّ لسواه. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM