تذكير بالواجبات الدينيّة .

 

 

تذكير بالواجبات الدينيّة

أحبّائي، ما زلنا نقرأ ما يسمّى شرعة العهد، دستور العهد. في الفصل 24 سنصل إلى قطع العهد، إلى تقديم العهد، عهد الله مع شعبه. وكانت أمور قرأناها في فصل 22 و23 من سفر الخروج، وهي تشدّد بشكل خاصّ على الحياة مع القريب ومع الغريب سواء كان ذلك في المحكمة، أو على مستوى السرقة أو غيرها. وهنا نقرأ 23: 10 وما يلي، فنعود بعض الشيء إلى واجباتنا تجاه الله.

»ازرع أرضك واجمع غلّتها ستَّ سنين، وفي السابعة اتركها بورًا فيأكل منها بؤساء شعبك، وما فضل عنهم يأكله وحشُ البرّيّة. وكذلك تفعل بكرمك وزيتونك.

»في ستّة أيّام تعمل عملك، وفي اليوم السابع تستريح. ليستريحَ ثورك وحمارك ويتنفّس الصعداء عبدُك والغريبُ الذي يعمل عندك. وجميع ما قلته لكم، اعملوا به واسمَ إله آخر لا تذكروا، ولا يُسمَع من أفواهكم.

»عيِّدوا لي ثلاث مرّات في السنة. عيِّدوا عيد الفطير، وكلوا فطيرًا سبعة أيّام كما أمرتكم، في وقت معيَّن من شهر أبيب، لأنّكم فيه خرجتُم من مصر، ولا تحضروا أمامي ولا شيء في أيديكم، وعيِّدوا عيد حصاد بواكير غلاّتكُم التي تزرعونها في الحقل عند نهاية السنة. وليحضر جميعُ الذكور هذه الأعياد الثلاثة ليعبدوني أنا الربّ الإله.

»ولا تسفكوا دم ذبيحتكم عشيَّةَ الفصح ما دام الخمير موجودًا، ولا تحتفظوا بشحمها طول الليل إلى الصباح.

احملوا أوائلَ بواكيرَ أرضكم إلى بيت الربِّ إلهكم، لا تطبخوا الجديَ بلبن أمّه« (خر 23: 10 - 19).

أوّلاً على مستوى السنة السابعة واليوم السابع يعني السبت. ثمّ على مستوى الأعياد الكبرى. يعني إذا أردنا تنظيم شعائر العبادة، تنظيم الواجبات الدينيّة تجاه الله في الحياة اليوميّة لدى شعب الربّ، نأخذ بما يقوله الكتاب.

1 - السنة السابعة

»ازرع أرضك واجمع غلّتها ستّ سنين، وفي السابعة أتركها بورًا«. عندنا قاعدة معروفة في هذا الشرق. يجب أن ترتاح الأرض سنة كلّ سبع سنوات بغياب الأسمدة الكثيرة. بغياب ما يسمّى الكيماويّات، كانت الأرض تحتاج لتستعيد قوّتها وتعطي ثمرًا. هي قاعدة بشريّة محض، قاعدة زراعيّة يفرضها مهندس الزراعة في أيّامنا.

ولكن الكاتب الملهم أعطاها بُعدًا آخر. لم يسمح أن نبقى على مستوى حياة الطبيعة المخلوقة. قال: يأكل منها بؤساء شعبك. وما فضل عنهم يأكله وحش البرّيّة. فهذه السنة السابعة هي سنة الكمال، هي سنة البؤساء. لنحسب أنّ هناك القمح أو غيره من النباتات ويتابع النصّ: »وهكذا تفعل لكرمك وزيتونك«. يعني ما يكون في الكرم من عنب في السنة السابعة يكون للبؤساء. ما يكون في الزيتون في السنة السابعة، أيضًا يكون للبؤساء. وحتّى وحوش الأرض يستطيعون أن يأكلوا. نتذكّر المزمور 104 الذي يقول إنّ الربّ يهتمّ حتّى بوحوش الأرض، حتّى تنام، حتّى تركض، حتّى تشرب، حتّى تأكل. فكلّها خليقة ا؟ والربّ يريدها له.

هي أمور على مستوى الزراعة اليوميّة، على مستوى الزراعة السنويّة، سبع سنوات، ستَّ سنوات تحصد أرضك، تأخذ غلّتها. السابعة تكون لفقراء شعبك. هنا تبدّلت الأمور كلّها. لم نعد على مستوى الزراعة المحض بل صرنا على مستوى الاهتمام بالفقراء الذين لا يملكون شيئًا. هم يستطيعون ان يستفيدوا ممّا بقي في الأرض البور من الكرم ومن الزيتون. وهكذا كان كلام عن السنة السابعة، سنة الكمال.

2 - اليوم السابع

فكما أنّ السنة السابعة تكمّل، وهي ذروة الستّ سنوات، كذلك اليوم السابع هو ذروة الستّة أيّام. »في ستّة أيّام تعمل عملك وفي اليوم السابع تستريح ليستريح ثورك وحمارك ويتنفّس الصعداء عبدك والغريب الذي يعمل عندك«. إذًا تستطيع أن تُنهي عملك في ستّة أيّام. فإذا أردت أن يتبارك عملك قبل الستّة أيّام، فلا بدّ من أن تترك اليوم السابع يرتاح. هكذا يتقدّس الأسبوع كلّه.

تستريح أنت أوّلاً، الراحة. والراحة ليست فقط الانقطاع عن العمل، فالراحة هي ارتياح بقرب الله، في صلاة مع الله، في حياة مع العائلة، تخرجنا من الروتين العاديّ، من الرتابة اليوميّة. وعندما تستريح أنت، يستريح ثورك، يستريح حمارك، وخصوصًأ عبدك والغريب. هؤلاء لم يكن يحقّ لهم بالراحة. حتّى اليوم، كم من العمّال لا يحقّ لهم بالراحة. بما أنّهم يعملون يومًا بعد يوم ويُدفع لهم أجرُ يوم بعد يوم، فهم مجبَرون على العمل سبعة أيّام على سبعة أيّام. ويعملون ليلاً ونهارًا إرضاءً لسيّدهم.

ولكن يقول النصّ: دعهم يتنفّسون، يرتاحون. عبدك والغريب الذي يعمل عندك. إذا كنت أنت ترتاح، فالآخر يحقّ له أيضًا أن يرتاح. وهنا أيضًا أمثولة بالنسبة إلينا نحن. فقد صار في بيوتنا عبيد من خادمات، من خدّام، من عمّال. لا نسمح لهم بأن يرتاحوا. نحن نرتاح. نأخذ راحتنا. كم من مرّة رأيت الخادمة »تهوّي« على السيّدة يوم لم يكن بعد يوجد تكييف الهواء والمراوح، السيّدة تنام في راحة، في البرودة. والعبدة، الخادمة يجب أن تعمل. يمكن أن تنام السيّدة. والخادمة كلاّ. إذا كنّا نحن نستريح، يستريح أيضًا العبد والغريب، بل يستريح الثور والحمار ليستطيع الجميع أن يشتغلوا في اليوم التالي. الراحة هي التي تقدّس الستّة أيّام. والراحة هي التي تقدّس ستّ سنين.

3 - الربّ وحده هو الإله

وتأتي العبارة الأخيرة: وجميع ما قلته لكم اعملوا به. الربّ يأمر ونحن نعمل به، نحفظه، ننفّذه. »واسم إله آخر لا تذكروا ولا يسمع من أفواهكم«. لا تنتظروا قواعد من آلهة أخرى، لا تنتظروا عونًا من آلهة أخرى، بل لا تلفظوا اسم الآلهة الأخرى بأفواهكم. نتذكّر هنا هوشع الذي حارب عبادة البعل وسيطلب من امرأته أن لا تسمّيه بعد اليوم بعل. حتّى هذا الاسم المعروف باللغة العاديّة، أراده النبيّ هوشع أن يتبدّل.

أنتم اسم إله آخر لا تذكرون. يعني أنتم لا تنادونه، لا تدعونه ولا يسمع من أفواهكم. ممنوع حتّى أن تتلفّظوا به بأفواهكم. هنا في عالمنا المعاصر، بعض الجماعات، بعض الديانات تمنع الآخرين من أن يتلفّظوا باسم إلههم، كأنّ الاسم هو لهم، وكأنّ الإله هو لفئة دون سائر الفئات. كلّ مرّة أقرأ هذه النصوص، أرى كيف أنّها تنطبق على محيطنا اليوم. فنحن لم نتغيّر بعد كثيرًا بالنسبة إلى السنة السابعة التي ترتاح على مستوى الزراعة وتسمح للبؤساء أن يأكلوا من الكرم والزيتون وسائر الغلال.

كان كلام عن اليوم السابع الذي هو يوم الراحة والذي يقدّس الأيّام الستّة الباقية ويسمح للرجل أن يرتاح مع ثوره وحماره، مع عبده والغريب الذي يعمل معه. ونصل في آية 14 إلى الأعياد الكبرى. عيّدوا لي ثلاث مرّات في السنة. وسوف تُذكر الثلاث مرّات: عيد الفطير أو عيد الفصح، عيد الحصاد أو عيد العنصرة، وعيد المظالّ الذي سيصبح في تقليدنا المسيحيّ عيد الشعانين.

4 - عيد الفطير

»عيّدوا عيد الفطير وكلوا فطيرًا سبعة أيّام كما أمرتكم في وقت معيّن من شهر أبيب لأنّكم فيه خرجتم من مصر«. هنا الفطير، الفطير ضدّ الخمير. الخمير فيه الفساد، أمّا الفطير فلا فساد فيه. وإذ يكون الفطير حاضرًأ فكأنّنا نترك جانبًا السنة السابقة لنبدأ سنة جديدة، يسمّيها مار بولس فطير الخلوص والمحبّة. ويأتي هنا أيضًا سبعة أيّام. نأكل سبعة أيّام من هذا الخبز الفطير. في وقت معيّن من شهر أبيب. شهر أبيب يقابل آذار ونيسان. أبيب معناها السنابل. لأنّكم فيه خرجتم من مصر. »ولا تحضروا أمامي ولا شيء لي في أيديكم. مثل هذا الإيمان العميق الذي يرى ا؟ حاضرًا وكأنّه ملك من الملوك. نأخذ معنا هديّة تليق بصاحب المقام. لا نمضي إليه وأيدينا فارغة«.

تحوّل العيد، من عيد زراعيّ بحت إلى عيد إنسانيّ، إلى عيد يرتبط بالتاريخ. في الأصل، الأمر واضح: مع السنة الجديدة التي كانت تبدأ في آذار، نيسان، ما يسمّى اليوم بدر نيسان، في هذا الوقت تنتقل الطبيعة. ويقول النصّ: الفطير يجب أن يزول من بيوتكم. ونقرأ 23: 18 في الإطار ذاته: »لا تسفكوا دم ذبيحتي عشيّة الفصح ما دام الخمير موجودًا«. الخمير هو علامة الفساد ويجب أن يزول من البيوت حتّى تبدأ سنة جديدة. هذا ما كان يعيشه الكنعانيّون ومنهم العبرانيّون. ولكن العبرانيّين أضافوا شيئًا تاريخيٌّا، لماذا هذا عيد الفطير؟ لأنّكم خرجتم من مصر. إذًا ارتبط عيد الفطير الذي هو في الأصل عيد الأرض المزروعة لا عيد الرعاة الذين كان العبرانيّون يعيّدونه حين تركوا مصر، ارتبط بخبرة الخلاص من العبوديّة.

هذا العيد، عيد الفطير، ارتبط بالخروج من أرض مصر. وستعود النصوص التي كتبت على ضوء الخروج لتقول أو لتجمع عيد الفصح الذي هو ذبح الماشية، مع عيد الفطير. عيد من الصحراء وعيد من الأرض المزروعة. صار العيدان عيدًا واحدًا. من جهة عندنا عيد الزراعة. ولكنّ العيد اتّخذ معنى تاريخيٌّا بارتباطه بالخروج من مصر.

ولا تحضروا أمامي ولا شيء لي في أيديكم. كما لا نأتي إلى ملك من دون هديّة، أو إلى صديق من دون هديّة فلا نأتي إلى ا؟ من دون هديّة. لا تحضروا أمامي ولا شيء في أيديكم. يجب أن يكون شيء في أيديكم تقدّمونه لي هديّة. وتقولون: ماذا يفعل ا؟ بهذه الهديّة، هل هو يحتاج إلىطعام؟ كلاّ. إلى شراب؟ كلاّ. ولكنّه مسؤول عن اللاويّين الذين لا حصّة لهم في أرض إسرائيل. وحين نحمل الطعام والشراب فهذا من أجل اللاويّين الذين هم حصّة الله والله يهتمّ بهم.

5 - عيد الحصاد وعيد المظالّ

إذًا أوّل عيد هو عيد الفطير الذي صار عيد الخروج من أرض مصر. لم يعد العيد على مستوى الزراعة والحياة الطبيعيّة، صار العيد على مستوى التاريخ والخروج من أرض مصر. والعيد الثاني نقرأ عنه في آية 16: »وعيّدوا عيد حصاد بواكير غلاّتكم التي تزرعونها في الحقل«. كان عيد الفطير في شهر آذار، نيسان. والعيد الثاني، عيد الحصاد، هو في شهر حزيران. العيد الأوّل يجمعون فيه الشعير ويبدأون بخزن الحبوب من أجل سنة كاملة بحيث لا يدخلها أيّ فساد. وهنا مع عيد الحصاد نحصد القمح، نحصد الحنطة.

حصاد بواكير غلاّتكم التي تزرعونها في الحقل، هو العيد الثاني. لا شكّ أيضًا أنّ هذا العيد تبدّل معناه فارتبط بعطيّة الشريعة على جبل سيناء. كما أنّ الشعب اعتاد أن يأتي إلى جبل سيناء في هذه المناسبة، ارتبط عيد الحصاد بجبل سيناء. هذا ما فعله إيليّا النبيّ عندما ذهب إلى جبل حوريب. لا شكّ أنّ قبل هيكل أورشليم كان هناك حجّاج إلى جبل سيناء أو جبل حوريب. وكانوا يأخذون هذه العيديّة، يأخذون بعض الأشياء، ويقدّمونها للإله لتكون طعام اللاويّين وشرابهم.

هذا العيد كان عيدًا زراعيٌّا، عيد الحصاد، صار عيدًا تاريخيٌّا، عيدًا روحيٌّا، عيد عطيّة الشريعة على جبل سيناء. والعيد الثالث عيد جمع غلاّتكم من الحقل عند نهاية السنة. هذا ما نسمّيه عيد المظالّ، عيد الخيام. عمليٌّا هو في الأصل كما قلت عيد زراعيّ. كانوا يجعلون خيمة في قلب الكرم حتّى لا يأتي السارقون. ولكن مع الوقت، اتّخذت هذه الخيمة معنى روحيٌّا. لم نعد أمام عيد جمع الغلاّت من الحقل عند نهاية السنة فقط. بل صارت مناسبة الاحتفال بسنة كاملة. لا ننسَ، أقول هنا في نهاية السنة. السنة كانت تنتهي في منتصف الخريف. إذًا هنا يعيّدون في البداية، البداية مع عيد الفطير آذار، نيسان. وفي نهاية السنة مع عيد الغلاّت، عيد حفظ الغلاّت، عيد المظالّ.

ثلاثة أعياد تنسّق حياة الشعب طوال السنة. في آذار، نيسان عندنا عيد الفطير. في حزيران، بداية تمّوز عيد الحصاد. وأخيرًا في أيلول عيد المظالّ أو في فصل الخريف.

ويتابع النصّ: »وعيدَ جمع غلاّتكم من الحقل عند نهاية السنة«. يحضر جميع الذكور هذه الأعياد الثلاثة ليعبدوني. أنا الربّ الإله. هناك شيء إجباريّ. كلّ واحد عليه أن يذهب ليشارك بهذا العيد. وهكذا يحسّ الشعب والمؤمنون بأنّ لا أحد وحده. يتابع النصّ في آ 18: »لا تسفكوا دم ذبيحة عشيّة الفصح ما دام الخمير موجودًا، ولا تحتفظوا بشحمها طوال الليل إلى الصباح«. هي هنا فريضة كهنوتيّة. أوّلاً لا يذبح الخروف، خروف الفصح، إلاّ بعد أن يزول الخمير. والشحم يجب أن يُحرق حالاً فلا يبقى إلى الصباح. هذه الأمور هي على مستوى شعائر العبادة. ويعود النصّ أيضًا فيقول: »احملوا أوائل بواكير بيوتكم إلى بيت الربّ إلهكم«. البواكير هي التي تبارك الغلّة كلّها. وأخيرًا »لا تطبخوا الجدي بلبن أمّه«. كانت تلك عادة كنعانيّة، أراد موسى أن يهرب الشعب منها، لأنّ لها تاريخًا قديمًا يرتبط بعبادة الأوثان.

وهكذا، أحبّائي، بعد أن تحدّثنا عن علاقات مع الغريب، توقّفنا عند شعائر العبادة، عند الأمور التي تربطنا بالله مباشرة ومن خلال الله بالغريب. السنة السابعة لم تعد السنة التي نتركها بورًا فقط، بل هي السنة التي فيها يأكل بؤساء الشعب. واليوم السابع لم يعد فقط اليوم الذي بعد ستّة أيّام، بل يوم الراحة للسيّد والعبد ولحيوانه.

وأخيرًا، هناك الأعياد الثلاثة، الأعياد الكبرى التي تنظّم حصاد الشعير، حصاد القمح وقطاف الغلّة من زيتون وعنب. ولكن كلّ هذا اتّخذ المعنى الروحيّ. صار عيد الفطير عيد الخروج من مصر. عيد الحصاد عيد الشريعة على جبل سيناء. وعيد المظالّ عيد الحياة في الخيمة، في البرّيّة مع الربّ، وهكذا صار العيد، من عيد إلى عيد هي مسيرة الربّ مع شعبه، إلى العيد الذي لا ينتهي إلى الأبد. آمين.

هو يرافق المؤمن طوال السنة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM