تقديم

سلسلة بين عهدوعهد

5

سفر الخروج

المحطّة الثانية

الخوري بولس الفغالي

2006

تقديم

إنتهت محطّة في سفر الخروج وانطلقت محطّة ثانية. في الأولى كان عددٌ من العبيد يعيشون في مصر، وهم راضون بحياتهم. ولكنّ الربّ لا يرضى للإنسان بمثل هذه الحياة، فأقام لهم من يحرّرهم. كدتُ أقول بالرغم عنهم.

وعمل الربّ العجائب. بل وجَّه كلّ شيء لتثبيت مخطّطه، بحيث تكون خبرةُ التحرير هذه نموذجًا لكلّ تحرير في العالم. منذ تحريرات صغيرة عرفتها القبائل التي أقامت في أرض فلسطين، إلى تحرير من عبوديّة بابل وعودة من المنفى سنة 538. ق.م. وتحرير العبيد مع مارتين لوثر كينع، في الولايات المتّحدة، استنار بما في سفر الخروج، من طول بال لدى هذا المحرّر الخاصّ، الذي رفض العنف بحيث قتله أحد المتطرّفين الزنوج. وكلّ حركات التحرير في أميركا اللاتينيّة، ولاسيّما في البرازيل، استوحت هذا التحرير الذي صنعه الربّ بيد كليمه موسى، فما سمح بسلاح سوى عصاه، عصا الراعي التي تقود القطيع إلى حيث يريد الربّ.

البشر لا يريدون الحرّيّة لإخوتهم. والكبار بشكل خاصّ، هكذا تسلس قيادتهم فلا يحتجّون ولا يطالبون بتحسين وضعهم. وبقدر ما يعملون ويتعبون، بذلك القدر عينه، لا يفكّرون. يُلصقون وجوههم بالأرض، ولا يرفعونها إلى السماء. هم أموات منذ الآن، وإن بدوا أحياء. هم أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان، فيسعون إلى تأمين الطعام والشراب وإيلاد الأولاد. وبدأ موسى وطلب لهم وقتًا لكي يعيّدوا كما يعيِّد الأحرار: لا عيد لهم، لا انطلاق لهم من أعمالهم، لا تعطيل من الأشغال، وكثيرون يموتون ولا من يهتمّ بهم. فغيرهم كثيرون يقومون مقامهم بأعمال لا يعملها الأحرار، الأغنياء، أصحاب الفكر، أصحاب السياسة.

تحرّر هؤلاء العبرانيّون من فرعون. ومرّوا في البحر. هم لا يقدرون يومًا أن يقولوا: بقدرتنا وصلنا إلى ما وصلنا. فإن قالوا ذلك، كان نصيبهم نصيب موسى الذي مُنع من الدخول إلى أرض الموعد، لأنّه وثق بنفسه بأنّه يفعل هذه المرّة ما سبق له وفعل في الماضي. فضرب الصخرة مرّتن بدل المرّة الواحدة.

وتحرّروا من البحر، عبروه كما على الأرض اليابسة، فما خافوا من أمواجه وتيّاراته. هي لا تعبر عليهم وتغرقهم، بل تنفتح أمامهم، كما الصحراء ستنفتح ساعة الرجوع من المنفى البابليّ.

خلاص سريع، اندفاع وحماس، عديدون هم الذين يدخلون في هذه المسيرة. ولكن حين تطول الأيّام، بل السنون، وحين تعرف الحياة رتابة المشي والطعام والشراب، يتهرّب الكثيرون. فالثبات أمرٌ ضروريّ في المسيرة مع الله، إذا أردنا نوال الخلاص. هذا ما يدلّ على أهمّيّة الصبر مهما كانت الصعوبات، والتمسّك بالرجاء والانتظار، حيث لا رجاء، على مثال إبراهيم. ترجّى أن يكون له ولد، ولكنّ هذا الولد لا يأتي. ترجّى أن تكون له أرض يقيم فيها، فإذا هو لا يمتلك سوى أرض يدفن فيها امرأته بانتظار أن يُدفَن فيها هو.

مسيرة طويلة قبل الوصول إلى سيناء، وبالأحرى، الوصول إلى أرض الموعد. بدأ الله فأمّن الطعام والشراب، وحماهم من الليل وأخطاره ومن الشمس وحرّها. كما حارب معهم، وبالأحرى عنهم، أولئك العمالقة الذين لا يستطيع أحدٌ أن يغلبهم بسبب طول عنقهم وامتداد قامتهم.

يبقى أن نرافق هؤلاء الخارجين من مصر، العابرين في البحر، السائرين في البرّيّة، ونرجو أن يكون الهدفُ قريبًا منهم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM