الاستعداد الأخير
أحبّائي، نتابع قراءة سفر الخروج. حتّى الآن توقّفنا عند التسع ضربات من الماء إذ تحوّل دمًا، إلى ضربة الضفادع إلى الضربة الثالثة والرابعة البعوض والذباب، الخامسة موت المواشي السادسة القروح، السابعة البرَد الثامنة الجراد والضربة التاسعة الظلام. ولكن لن نقرأ الضربة العاشرة إلاّ بعد حلقات عديدة. فقبل ذلك سيعطي الربّ لموسى، داخل هذه الضربات، بعض الوصايا. في خر 11: ا ي نسمع كلام الربّ لموسى وكأنّنا أمام ملخّص، أمام موجز، لِما فعله الربّ ولِما سوف يفعله.
1 - النصّ الكتابيّ
وقال الربّ لموسى: »بقيت ضربةٌ واحدة أُنزلها على فرعون والمصريّين، وبعد ذلك يطلقكم من هنا. لا بل يطردكم كلّكم«. فتكلّمْ على مسامع الشعب أن يطلب كلّ رجل من صاحبه وكلّ امرأة من صاحبتها مصاغ فضّة وذهب«. وأعطى الربّ الشعب حظوة عند المصريّين. وكذلك موسى كان عظيمًا جدٌّا في أرض مصر، عند رجال فرعون، وعند عامّة الشعب.
وقال موسى لفرعون: »قال الربّ: سأمرّ عند نصف الليل على أرض مصر فيموت كلّ بكر فيها، من بكر فرعون الجالس على عرشه إلى بكر الجارية التي وراء حجر الطحن. ويموت أيضًا جميع أبكار البهائم. ويرتفع في جميع أرض مصر، صراخ عظيم لم يكن مثله من قبل ولا يكون مثله من بعد. أمّا في بني إسرائيل فحتّى الكلب لا يحرّك لسانه على أحد من الناس أو البهائم لتعلَموا أنّ الربّ يميّز بين المصريّين وبين بني إسرائيل«.
وختم موسى كلامه بقوله: »فيجيء إليّ جميعُ رجالك ويسجدون لي ويقولون: أُخرج أنت وجميع الشعب الذين يتبعونك! وبعد ذلك أَخرجُ«. قال هذا وخرج من عند فرعون بغضب شديد.
وقال الربّ لموسى: »لا يسمع لكما فرعون حتّى تكثر عجائبي في أرض مصر«. وصنع موسى وهارون جميع هذه العجائب أمام فرعون، وكان الربّ يقسّي قلب فرعون فلا يطلق بني إسرائيل من أرضه.
2 - نهاية المسيرة
قرأنا من سفر الخروج الفصل 11. الربّ هو الذي يخطّط. يقول لموسى: بقيت ضربة واحدة، فيعرف موسى أنّ المسيرة صارت إلى النهاية. ثمّ قال: أُنزلها على فرعون والمصريّين. إذًا سبب هذه الضربة هو الله دائمًا. عندما نقرأ الكتاب المقدّس، نتذكّر أنّ الإنسان هو الذي يفعل، أنّ الإنسان هو الذي يُصاب أو يصيب، يقتل، وفي النهاية الربّ هو الذي يفعل. سوف نعرف أنّ ابن فرعون مات. لا يقول النصّ سبب موته، لا يقول لماذا مات، ولكن نعرف أنّه مات. وربط موسى موت ابن الفرعون بالله. الله هو الذي أماته، الله أنزل الضربة بفرعون وبالتالي بالمصريّين، لأنّه عندما يموت الملك إنّما يموت الشعب معه.
بقيت ضربة واحدة يُنزلها الربّ على فرعون والمصريّين، وبعد ذلك يطلقكم. الربّ طلب من فرعون أن يطلق شعبه، أن يسمح له بأن يترك مصر ويذهب إلى أرض البرّيّة، إلى سيناء. ولكن يريد الربّ أن يقول: إنّ فرعون لن يطلقكم بملء إرادته، بل يُجبَر على ذلك جبرًا، يُفرض عليه فرضًا. وإذا لم يطردكم لن يبقى منهم أحد حيٌّا.
وماذا كانت النتيجة؟ ما الذي يجب على الشعب أن يعمل. قال الربّ: تكلّم على مسامع الشعب أن يطلب كلّ رجل من صاحبه، وكلّ امرأة من صاحبتها، مصاغ فضّة وذهب. ما زال الربّ يكلّم موسى. سوف يعلّمه ماذا يفعل، أن يعوّض الشعب العبرانيّ عن سنوات الضيق التي عاشها. عمل كالعبد وما استطاع أن يستفيد من عمله في الحقول وفي الأبنية، وهو يعوّض. يطلب كلّ رجل مصاغ فضّة أو ذهب. وأعطى الربّ الشعب حظوة عند المصريّين. وكذلك موسى كان عظيمًا في أرض مصر عند رجال فرعون وعند عامّة الشعب.
نلاحظ أوّلاً حظوة الشعب عند المصريّين. ما يريد النصّ أن يقوله هو أنّه صار هناك صداقة ومحبّة بين الشعب العبرانيّ والشعب المصريّ. وسيأتي وقت يقول إشعيا: إنّ الشعب المصريّ سيصرخ إلى الربّ لكي يخلّصه، كما صرخ العبرانيّون في يوم من الأيّام. لكلّ شعب صرخة تتوجّه إلى الربّ، والربّ هو الذي يفعل.
3 - خلاص الله بيد موسى
في بداية سفر الخروج، صرخ الشعب فسمع الربّ ورأى. يعني أراد أن يعمل. وهنا التقى الشعب العبرانيّ بالشعب المصريّ. ويقول النصّ: كان موسى عظيمًا جدٌّا. نذكّركم هنا أنّ موسى هو تلخيص اسم رعمسيس أو رعموسيس. رع يعني الإله رع (الإله الشمس) وموسيس الخادم. موسى هو خادم رع الإله المصريّ. واسمه قريب جدٌّا من الملوك الذين حكموا مصر. وتقول تقاليد إنّه كان من نسل ملكيّ من نسل فرعون. يكفي أنّ ابنة فرعون ربّته. هنا نريد أن نبتعد عن كلّ عنصريّة.
حين نقرأ الكتاب المقدّس بعينين مجرّدتين ومبنيّتين على التاريخ، نفهم أنّ الذين حملوا الخلاص إلى الشعب العبرانيّ لم يكونوا في الواقع من بني إسرائيل ولم يكونوا من العبرانيّين. فموسى هو في الواقع مصريّ. واسمه يدلّ عليه. ولكن عندما دخل اسمه في الكتاب المقدّس، حذفت كلمة رع التي ترتبط بالإله المصريّ وبقي اسم موسى. ولكنّ الكاتب ما أراد أن يكون خلاص الشعب العبرانيّ بيد شخص مصريّ بل بيد الله الذي بدأ فخلّص موسى من الموت. وفسَّر الكتاب اسمه: ذاك الناجي من الموت. في النهاية، سيكون موسى قائدًا في الشعب العبرانيّ، ولا سيّما عند جبل سيناء. نحن نعرف أنّ الذين هربوا من مصر لم يكونوا عبرانيّين كلّهم ولكن تسمَّوا: الرعاع. هم عبيد خرجوا من مصر وارتبطوا بلفظة عبرانيّ.
إذًا موسى كان مصريٌّا. ولكنّ الكاتب ما أراد أن يكون كذلك، فجعله يولد في عائلة عبرانيّة، وتربّيه الملكة في القصر. ولكن لماذا لا يكون موسى مصريٌّا مولدًا وتربية؟ وهكذا يكون خلاص الشعب العبرانيّ من مصر لا على يد شخص من أصل عبرانيّ لكن من أصل مصريّ. فالربّ لا يهتمّ للأداة التي يعمل بها. الربّ هو الذي يفعل وكما يمسك موسى العصا بيده ويقود قطيعه، هكذا الربّ يمسك بأيدينا ليجعل منّا مخلِّصين لشعبنا وللذين حولنا.
4 - موسى المصريّ وداود الموآبيّ
وما قلناه عن موسى ذلك المصريّ الذي خلّص الشعب، وقاده إلى برّيّة سيناء، يمكن أن نقوله أيضًا عن داود، داود كانت له صداقات في موآب. ولمّا هرب من وجه شاول جعل امرأته وعياله في موآب. وهناك نظرة تقول: لم يكن داود من أصل عبريّ، ولا من إحدى القبائل التي ستسمّى عبريّة، ولم يكن ممّا يُسمّى فيما بعد بني إسرائيل. لكن كان موآبيٌّا. وهنا نفهم سفر راعوت الموآبيّة. إذًا من خلّص الشعب من عبوديّة فرعون كان مصريٌّا. ومن كان أكبر ملك في جماعة بني إسرائيل كان موآبيٌّا.
وحين احتلّ أيضًا داود مدينة أورشليم أو يبّوس، حافظ على كاهنها، وهذا الكاهن هو الذي سيحلّ محلّ الكاهن الذي من أصل عبريّ، هذا الكاهن كان كنعانيٌّا على مدينة يبّوس وباسمه سوف يسمّى الكهنوت في أرض إسرائيل. كهنوت الصادوقييّن يعود إلى صادوق، الذين كان كاهنًا كنعانيٌّا قبل أن يحتلّ داود مدينة يبّوس ويجعلها عاصمة له ولممتلكاته. ويبني فيها ابنه هيكل سليمان.
إذًا موسى كان عظيمًا عند رجال فرعون لأنّه من النسل الملكيّ، وعند عامّة الشعب. الجميع كانوا يعرفونه على أنّه من نسل فرعون، وكانوا كلّهم يكنّون له الاحترام. وقد رأينا في وقته، كيف أنّه ضرب المصريّ الذي كان يسيء معاملة العبرانيّ. فمن رفض موسى؟ رفضه في الواقع شعبه. حين أراد أن يوقف الشجار بين اثنين عبرانيّين، قال له واحد منهما: أتريد أن تقتلني كما قتلتَ المصريّ؟ عندئذ أجبر موسى على الهرب.
5 - عبور الربّ
وقال موسى لفرعون: قال الربّ. سأمرّ عند نصف الليل على أرض مصر. قال الربّ، الربّ هو الذي يتكلّم وموسى يحمل كلامه. هناك تماثل بين الربّ ونبيّه. وبقدر ما يكون النبيّ أمينًا لربّه، تكون كلمته كلمة الربّ. ماذا سوف يفعل الربّ؟ سأمرّ، أو بالأحرى سأعبر. من هنا سفر الخروج يسمّى سفر العبور.
الربّ سيعبر، الربّ سيمرّ عند نصف الليل. هناك معنًى أوّل: يعني في الظلام الكثيف، ساعة لا يرى الواحد صاحبه. نصف الليل أيضًا هو نهاية المساء وبداية الصباح. مع نصف الليل يبدأ شيئًا فشيئًا طلوعُ الصباح مع صياح الديك والسحر. نصف الليل هو أيضًا في المعنى الروحيّ، ساعة تدخّل ا؟. وسيعود الترجوم فيحدّثنا عمّا فعله الربّ في نصف الليل: إن كان حين خلق الكون، وإن كان حين قدّم إبراهيم، وإن كان حين خلّص الربّ شعبه. وفي نهاية الأزمنة، يعود الربّ في نصف الليل.
ومع التقليد المسيحيّ ما زال لنصف الليل معناه. هناك مثلاً احتفال في طقوسنا الشرقيّة في الميلاد. في الغطاس أو الدنح والظهور. وفي العيد الكبير، ليلة القيامة، نحتفل بالمسيح في نصف الليل. نصف الليل صار مرادفًا لحضور الربّ وخلاصه.
6 - خلاص يحمل العقاب للظالم
وهنا قال الربّ: سأمرّ عند نصف الليل هذا يعني أنّ الخلاص صار قريبًا جدٌّا. ومن المؤسف أن يكون لفعل »خلّص« معنيان: خلّصت صاحبي، خلّصت ابني. هذا هو المعنى الإيجابيّ. ثمّ خلّصته من خطر أو من إنسان. فإذًا هناك المعنى الإيجابيّ والمعنى السلبيّ. فعندما أخلّص ضعيفًا من القويّ، لا بدّ أن يلحق القويّ العقاب، ربّما الموت. وهنا الربّ يخلّص شعبه، ومن خلال هذا الخلاص سيكون هناك موت لبكر فرعون.
سنعود إلى هذه الضربة العاشرة وموت بكر فرعون، لكن نفهم منذ الآن أنّه عندما يموت الملك فكأنّ الشعب كلّه مات. مات بكر فرعون يعني مات كلّ بكر في أرض مصر كلّها. فخسارة الملك بابنه هي خسارة الشعب كلّه. والكاتب كما قلت يوسّع من خلال موت بكر فرعون، يعمّم ليصل إلى كلّ بكر في مصر حتّى آخر بكر، بكر الجارية التي وراء حجر الطحن. وراح الكاتب إلى أبعد من ذلك، فقال: ويموت أيضًا جميع البهائم. صرنا نعرف عمليّة التضخيم، عمليّة التعميم، التي نعيشها، وهكذا نفهم أنّ الربّ هو الذي تدخّل.
موت ابن فرعون البكر لم يكن وليد الصدف، كلاّ، ولا وليدًا للقدر، كلاّ. لكن كان بفعل من ا؟. ويرتفع في جميع أرض مصر صراخ عظيم لم يكن مثله من قبل ولا يكون مثله من بعد. لا شكّ الصراخ العظيم بسبب الضربة العظيمة، ووراءها الربّ العظيم الذي جعل الموت في أرض مصر والحياة في أرض بني إسرائيل. فالربّ يميّز. ميّز وقت الضربات: ماتت مواشي المصريّين ولم تمت مواشي العبرانيّين. كان ظلام في أرض مصر، وكان نور في مساكن بني إسرائيل. وهنا أيضًا الموت في أرض مصر والحياة في أرض بني إسرائيل. أمّا في أرض بني إسرائيل فحتّى الكلب لا يحرّك لسانه على أحد من الناس أو البهائم، يعني لن يكون خطر، لن يكون موت أبدًا على الناس أو على البهائم. والنتيجة لتعلموا أنّ الربّ يميّز بين المصريّين وبين بني إسرائيل. إذًا هذا التمييز هنا هو من فعل الربّ لا من فعل الصدفة.
7 - وختم موسى كلامه
وختم موسى كلامه بقوله: »فيجيء إليّ جميع رجالك ويسجدون لي ويقولون«. يعني يأتون، يتوسّلون إليّ. قبل ذلك منعوني من الخروج، أمّا الآن فهم يريدون منّا أن نخرج، أصبحنا شؤمًا عليهم، أصبحنا نحمل الموت إليهم. يقولون لي: »أُخرجْ أنت وجميع الشعب الذين يتبعونك«. وبعد ذلك أخرُج. قال موسى هذا وخرج من عند فرعون بغضب شديد. قبْل ذلك غضب فرعون على موسى، أمّا الآن فموسى هو الذي يغضب على فرعون. قوّة موسى هي من قوّة الله. هو أقوى من فرعون، لا بجيشه ورجاله وأمواله، هو أقوى من فرعون بسبب قوّة الله التي فيه.
وقال الربّ لموسى: »لا يسمع لكما فرعون حتّى تكثر عجائبي في أرض مصر«. هنا في 11: 9 سيستعيد موسى كلّ ما فعله الربّ. ينظر إلى الوراء وكأنّه ينظر إلى الأمام. كثرت عجائب الربّ في أرض مصر ومع ذلك لم يسمع فرعون. في النهاية سوف يسمع. وصنع موسى وهارون جميع هذه العجائب أمام فرعون. وكان الربّ يقسّي قلب فرعون. وينتهي كلّ هذا المشروع من القساوة: الربّ يفعل خيرًا، وينتظر من فرعون أن يعود إلى هذا الخير، إلى الربّ. فإذًا ردّة الفعل معاكسة عند فرعون، هو يرفض أن يرى عجائب الله، بل لا يريد هذه العجائب التي تُبكّت ضميره، توبّخه، تجعله يُحسّ أنّ خيرًا كبيرًا سيخسره، أنّه سيخسر هؤلاء العبيد الذين يعملون عنده في الحقول، وفي أماكن أخرى. ولكن ها هي المرّة الأخيرة التي يستطيع فيها فرعون أن يقسّي قلبه. بل لا تكون الأخيرة. فهناك العبور في البحر والموت في البحر.
وهكذا أحبّائي تهيّأنا لسماع الضربة العاشرة التي سيخضع فيها فرعون للربّ ويطلق الشعب. هو لم يندم، ولكنّه خضع. من المؤسف أنّه سيُخرج الشعب من أرض مصر، ولكنّه سيعود إلى الماء، إلى الشرّ، إلى عبادة الأوثان، حيث يموت مع جيشه. آمين