الضربة الثانية: الضفادع

 

الضربة الثانية: الضفادع

أحبّائي، الربّ يكون معنا وينير خطانا، لكي نقرأ ونسمع ونفهم على مثال ما في سفر الرؤيا: »هنيئًا لمن يقرأ ولمن يسمع«.

1 - النصّ الكتابيّ

ونتابع قراءة سفر الخروج مع الضربة الثانية، الضفادع.

وقال الربّ لموسى: »ادخل على فرعون وقل له: يقول لك الربّ أن تُطلق شعبي من مصر ليعبدوني. فإن رفضت أن تُطلقهم، يضرب جميع أرضك بالضفادع فيفيض النهر بها، فتصعد وتنتشر في بيتك وغرفة نومك وعلى سريرك، وفي بيوت رجالك وشعبك، وفي أفرانك ومعاجنك. وتصعد الضفادع عليك وعلى شعبك وعلى جميع رجالك«.

وقال الربّ لموسى: »قل لهارون أن يمدّ يده بعصاه على الأنهار والسواقي والبرك ويُصعد الضفادع على أرض مصر«. فمدّ هارون يده على مياه مصر فصعدت الضفادع وغطّت الأرض. وصنع كذلك السحرة بسحرهم، وأصعدوا الضفادع على أرض مصر.

فدعا فرعون موسى وهارون وقال: »تشفّعا إلى الله فيرفع الضفادع عنّي وعن شعبي حتّى أُطلق شعبكما ليقدّموا الذبائح للربّ«. فقال موسى لفرعون: »أخبرني متى أتشفّع إلى ا؟ بك وبرجالك وشعبك، فيقطع الضفادع عنك وعن بيوتك ولا تبقى إلاّ في النهر«. قال: »غدًا«. فقال له موسى: »ليكن كما قلتُ لتعرف أنّ الربّ إلهنا لا نظير له، فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعن رجالك وعن شعبك ولا تبقى إلاّ في النهر«. ولمّا خرج موسى وهارون من عند فرعون، صرخ موسى إلى الربّ ليرفع الضفادع من البيوت والدور والحقول، فجمعوها كوَمًا كوَمًا وأنتنت الأرض منها، فلمّا رأى فرعون أنّ الفرج جاءه قسّى قلبه ولم يسمع لهما، كما قال الربّ (7: 26 - 8: 11).

2 - أصيب الفرعون مع الشعب

هكذا قرأنا عن الضربة الثانية، عن الضفادع. الربّ ينبّه مرّة أولى. في الضربة الأولى تحوّل الدم إلى ماء. وهو ينبّه الآن في الضربة الثانية أيضًا. هو عملٌ للتنبيه. في المرّة الأولى، ظلّ تأثير الضربة بعيدًا عن فرعون، فلم يبالِ ولم يهتمّ. الشعب يتألّم لا بأس. هو بعيد عنّا فليتألّم كما يشاء. بعيد عن النظر، بعيد عن القلب. لكن في هذه الضربة تبدّلت الأمور: الضفادع تنتشر في بيتك أنتَ، في غرفة نومكَ أنتَ، وعلى سريركَ أنتَ. تخيّلوا الضفادع في سريرنا. ثمّ في بيوت رجالك أنتَ، شعبك أنتَ، أفرانك أنتَ، معاجنك أنتَ...

من جهة، هناك تنبيه إلى أنّ ما يصيب الشعب يصيب المسؤول، يصيب الرئيس. ولكنّ الإنسان لا يُحسّ بالوجع إلاّ إذا كان في جسده. فالجمرة لا تُحرِقُ إلاّ في موضعها. حين تألّم فرعون، حين تضايق فرعون، فهمَ أنّ عليه أن يتدخّل. لهذا سيدعو فرعون موسى وهارون ليتشفّعا عند الله. ملاحظة أولى: لمّا لحقت الضربة بفرعون تحرّك. ثمّ، تنبيه وأمثولة ودرس. ما يصيب الناس، يصيب المسؤول. فإن افتخر حين ينجحون، فعليه أن يتألّم حين يفشلون، حين يتألّمون، حين يتضايقون. هذا ما يقوله بولس في رسائله: »من يمرض ولا أمرض أنا، من يتألّم ولا أتألّم أنا«.

يقول النصّ: انتشرت الضفادع على السواقي والأنهار والبرك (بحسب تقليد الكهنة 8: 1). لم يبقَ موضعٌ لم تخرج منه الضفادع (8: 2) »فمدّ هارون يده على مصر فصعدت الضفادع وغطّت الأرض«. هناك دائمًا المستوى الماديّ البسيط، المستوى الواقعيّ، المستوى العمليّ. أنْتَنَ النهر فلم تبقَ ضفادع في النهر، فخرجت. ولكنّ الكاتب يعتبر أنّ الله هو السبب الأوّل. هناك سبب ثانويّ: أنتنت مياه النهر. ولكنّ السبب الأساسيّ هو الله. وكما اعتدنا مع التقليد، فتقليد الكهنة يوسّع، يعمّم على أرض مصر: فغطّت الأرض، لم يبقَ مكان يضع فيه الإنسان رجليه.

2 - قدرة الله فوق كلّ قدرة

هي طريقة بسيطة تدلّ على قدرة الله، على اتّساع سلطانه. لا يُفْلِتُ شبرٌ واحدٌ من الأرض من نظر الله. مدَّ هارون يده ففعل الله. الله كليّ القدرة وهو يعطينا بعض قدرته. الله كلّي القوّة وهو يقوّينا لنفعل. فالويل لنا إن نحن حسبنا نفوسنا ضعفاء. »نحن أقوياء بالربّ الذي يقوّينا« كما يقول بولس الرسول.

صنع موسى وهارون، وأيضًا صنع السحرة. ولكن ماذا فعلوالله زادوا الضربة على الضربة. كانت الضفادع كثيرة فصارت أكثر. تألّم الناس بعض الألم، فزاد ألمهُم ألمًا. هذا يعني أنّ الإنسان يستطيع فقط أن يزيد على الشرّ شرٌّا وعلى الخطيئة خطيئة. ولكنّ السحرة لا يستطيعون أن يُخرجوا الضفادع، أن يطردوا الضفادع. وحده الربّ يستطيع أن يفعل (8: 4). فدعا فرعون موسى وهارون وقال: »تشفّعا لي عند ا؟«.

كأنّي بفرعون انطلق إلى الإيمان، أو بالأحرى فهمَ بعض الشيء، اقتنع أنّ الله وحده يفعل. هو لم ينادِ السحرة ويقول لهم: اذهبوا، أخرجوا الضفادع من بيتي، من غرفة نومي، من سريري، من بيوت رجالي، كلاّ. لم يدعُ السحرة، ولكنّه دعا موسى وهارون. فهمَ، ولكنّه لم يتصرّف بعد بحسب فهمه. فهم أنّ هذا هو عمل ا؟. لهذا قال لموسى وهارون: تشفّعا لدى الله، صلّيا إلى الله فأنا الخاطئ. أنا صاحب القلب القاسي لا أستطيع أن أصلّي إلى الله لا أستطيع أن أتشفّع، أنتما افعلا مكاني.

هذا ما يحدث مرارًا في حياتنا حين يأتينا بعض الخطأة. فيقولون: »صلّوا عنّا«. أو نقول بعضنا لبعضنا: صلّوا عنّا. أحسّ فرعون أنّه أخطأ، أحسّ فرعون أنّه قسّى قلبه. أحسّ أنّه لم يُرِدْ أن يسمع ؟، لم يُرِد أن يأتمر بأمر الله. لهذا طلب من موسى وهارون أن يتشفّعا به إلى االله ولكن ما يطلبه فرعون ليس توبة إلى الله، بل ابتعاد المصيبة، بل ابتعاد الضربة. ونلاحظ كلامه: »ليرفع الضفادع عنّي«. عنّي أنا، أوّلاً عنّي أنا. أنا أريد أن أرتاح. إذا كانت الضربة بعيدة عنّي لا همّ، فليتألّم شعبي.

3 - الله صادق والانسان كاذب

لكن ليبدأ االله ويدفع الضفادع عنّي وعن شعبي. كأنّي به يضع شرطًا على الله. إن كان الله يرفع الضفادع عنّا، فأنا أطلق الشعب ليقدّموا الذبائح للربّ. هذا هو الشرط. لبّى الله الشرط، ولكنّ فرعون لم يكن أمينًا لما وعد به. »أُطلق شعبَكما ليقدّموا الذبائح للربّ«. لم يطلب فرعون تقدمة الذبائح لآلهته »إيزيس«، »أوزيريس«، »رع«، وسائر آلهة المصريّين. هناك الربّ من نقدّم له الذبائح.

فقال موسى لفرعون: »أخبرْني متى أتشفّع إلى ا؟ بك وبرجالك وشعبك، فيقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولا تبقى إلاّ في النهر؟« أوّلاً لدينا كلمة »متى«. كلمة »الوقت«، الوقت هو بيد الله، هو الذي يوقّت الأمور، هو الذي يسيطر على الأمور، يُشرف على الأمور، يوجّه كلّ شيء. الله يعرف متى تنزل الضفادع، هذا لم يكن من قبيل الصدف. كلاّ. يكفي أن أتشفّع، وفي الوقت الذي أتشفّع فيه تبتعد الضفادع. ونلاحظ النصّ في 8: 5: »بك أوّلاً، برجالك ثانيًا، بشعبك ثالثًا«. ثمّ يعود فيقول: »يرفع الضفادع عنك وعن بيوتك فلا تبقى إلاّ في النهر«.

في الواقع، الضفادع مكانها النهر. هي هناك في النهر أو على جانب النهر، مكانها ليس في البيوت. فكأنّ الأمور انقلبت، ومجيء الضفادع علامة على مجيء الماء، والماء لا يأتي إلاَّ ليقتل، ليُغرق على مثال ما فعل في الطوفان. تعود الضفادع إلى النهر، هذا هو موضعها. ولكن من الذي جعلها هناك؟ الربّ هو الذي أخرجها من هنا، والربّ هو الذي يعيدها إلى هناك.

قال موسى لفرعون: »أخبرْني متى«. فكان جواب فرعون (8: 6): »غدًا«. طلب مهلة، طلب علامة. إذا فِعْلاً زالت الضفادع من بيتي غدًا، ومن بيت رجالي، أصدّق. أو بالأحرى أُطلق الشعبَ كعلامة على أنّني أريد أن أسمع ؟، أن أخضع له، أن أُطيعه. أنت الفرعون الكليّ القدرة لا تستطيع أن تفعل شيئًا في هذا المجال.

5 - الله والآلهة

ولكن وحده الربّ يفعل بأدواتٍ ضعيفة، هي موسى وهارون، لتعرف أنّ الربّ إلهنا لا نظير له. هذه المعرفة ليست فقط على مستوى العقل بل هي أيضًا على مستوى الإرادة، على مستوى العمل. الربّ إلهنا لا نظير له. نلاحظ هنا المقابلة بين آلهة المصريّين والإله الواحد. الإله الواحد لا نظير له. عندما نقرأ سفر الخروج، لا نجد أيّ ذكر لآلهة المصريّين. فالفرعون يعتبر نفسه إلهًا، وهو يُعتبر كإله في شعبه. هو صورة الإله. ولم يكن وحده. كثير من الملوك مثل أوغسطس أوالسلوقيّين أو حتّى الملوك في العصور الحديثة والأشخاص الذين قادوا الحروب، اعتبروا نفوسهم آلهة فاستغنوا عن الإله الواحد.

ليعرف فرعون أنّ الربّ إلهنا لا نظير له، لا إله إلاّه. يقول بولس: »يقولون: هناك أرباب عديدون. هذا ما يقوله الوثنيّون. أمّا نحن فإلهنا واحد وهو الله الآب، وربّنا واحد وهو الله الابن«. الربّ إلهنا لا نظير له لا بين البشر ولا بين الآلهة. وهذا ما سيكتشفه الشعب، مع إيليَّا النبيّ على جبل الكرمل. ذبح كهنةُ بعل الذبيحة، وانتظروا النار أن تأتي، ولكنّ النار لم تأت، أمّا إيليَّا فما إن صرخ: استجبني يا ربّ، حتّى نزلتْ النار ودلّت على أنّ الإله الذي يعبده إيليَّا لا نظير له.

قال موسى: »ليكن كما قلتَ، لتعرف أنّ الربّ إلهنا لا نظير له، فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك، عن رجالك وشعبك، ولا تبقى إلاّ في النهر«. موسى يقول هنا لفرعون ماذا يحدث إذا هو تشفّع لله. فعلُ إيمان كبير بالله الذي يفعل. في الماضي فعل، واليوم يفعل، وفي المستقبل يستطيع أن يفعل. هذا الإله الأمين الذي يلاحق الإنسان بمحبّته فيدعوه إلى التوبة، يدعوه إلى التفكير بماضيه من أجل حاضرٍ من السعادة، يدعوه أن لا يعبد الإنسان، بل يعبد الربّ الواحد: »الله وحده تعبد وله وحده تسجد«.

6 - شفاعة موسى

فهم فرعون أنّ الربّ هو كلّ شيء. وأنّ موسى وهارون هما في خدمته، فطلب منهما الشفاعة، وانتظر نتيجة هذه الشفاعة. »ولمّا خرج موسى وهارون من عند فرعون، صرخ موسى إلى الربّ ليرفع الضفادع التي أنزلها على فرعون«. (آ 8). موسى هو الوسيط. الوسيط بين شعبه وبين الله. وهو أيضًا الوسيط بين فرعون وبين الربّ.

لا يستطيع الفرعون أن يرفع صلاته بشكل مباشر إلى الربّ، فموسى هو الذي يفعل، وموسى هو الذي يطلب إلى الربّ أن يرفع الضفادع التي أنزلها. الربّ أنزل الضفادع، والربّ يرفعها. لدينا عبارة تقول: الربّ يُميت ويُحيي. هو يهبنا الحياة ويستقبلنا في الموت. هو سيّد الحياة وسيّد الموت. يستطيع أن يجعل الضفادع في البيوت، ويستطيع أن يخرجها. أمّا السحرة فجعلوا الضفادع تأتي إلى البيوت وما استطاعوا أن يخرجوها. الربّ هو الذي يوجّه كلّ الأمور.

»فاستجاب الربّ له« (آ 9). صلّى موسى فاستجاب الله، وماتت الضفادع في البيوت والدور والحقول، يعني في كلّ مكان، فجمعوها كومًا كومًا وأنتنت الأرض منها. في الضربة السابقة. أنتن الماء. هنا أنتنت الأرض، صارت نجسة. لا يمكن القيام عليها، العيش فيها، من الموت الذي يسيطر عليها في الأرض وفي المياه. لم يبقَ مكان طاهر نقف عليه، وكلّ هذا بسبب قساوة قلب الفرعون. فلو لم يكن قلبه قاسيًا لما حصل كلّ ما حصل.

»فلمّا رأى فرعون أنّ الفرج جاءه، قسّى قلبه ولم يسمع لهما كما قال الربّ«. (آ 11). ما فعله فرعون هو ما نفعله نحن، وعاطفة فرعون هي عاطفتنا نحن. تأتينا الشدّة فنصرخ إلى الله، تزول الشدّة فننسى اله. وصلت الضفادع إلى سرير فرعون:، تشفّعا فيّ. قال لموسى وهارون. رُفعت الضفادع، نسيَ فرعون ما وعد به. قسّى قلبه، يعني ظلَّ قلبه قاسيًا، لم يُرد أن يسمع، لم يسمح للنعمة أن تأتي إلى هذه الأرض، فتعطي ثمر التوبة. لم يسمع لهما كما قال الربّ. رفض أن يسمع لهما وبالتالي أن يسمع للربّ، أن يطيع الربّ.

وهكذا قرأنا الضربة الثانية عن الضفادع، ولاحظنا أنّ الفرعون تدخّل عندما أصابته الضربة هو في بيته وفي غرفة نومه وسريره. ونلاحظ أيضًا أنّه بدأ يفهم أنّ الله هو الذي يفعل، لا أصحاب السحر. الله هو الذي يفعل، ويفعل ساعة يريد. ساعة يريد يُنزل الضفادع، وساعة يريد يرفع الضفادع. يبقى علينا ألاّ نقسّي قلوبنا بل نسمع صوته، كما يقول المزمور: »اليوم إن أنتم سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم«. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM