االضربتين الثالثة والرابعة :البعوض والذباب

البعوض والذباب

أحبّائي، نتابع قراءة سفر الخروج ونقرأ الآن ما يتعلّق بالضربات العشر. نشبّه الضربة بعصا الراعي التي توجّه القطيع، ولكنّها تؤلم فقط الخروف المتمرّد. وفي النهاية سوف يخضع، وهذا ما سيكون بالنسبة لفرعون. أمّا العدد عشرة فهو على عدد أصابع اليد: خمسة وخمسة. لهذا كانت الضربات عشرًا. نقرأ 8: 12، الضربتين الثالثة والرابعة. البعوض والذباب.

1 - النصّ الكتابيّ

فقال الربّ لموسى: »قلْ لهارون أن يمدّ عصاه ويضرب تراب الأرض فيصير بعوضًا في جميع أرجاء مصر«. ففعل كذلك. مدّ هارون عصاه وضرب تراب الأرض، فخرج البعوض على الناس والبهائم وصار كلّ تراب الأرض بعوضًا في جميع أرض مصر. وحاول السحرة بسحرهم أن يُخرجوا البعوض، فلم يقدروا. وكان البعوض على الناس والبهائم. فقال السحرة لفرعون: »هذه إصبع ا؟«. واشتدّ قلب فرعون قساوة فلم يسمع لموسى وهارون كما قال الربّ.

وقال الربّ لموسى: »بكّر في الغد، وقِفْ أمام فرعون وهو خارج إلى النهر، وقل له: يقول لك الربّ: أطلق شعبي من مصر ليعبدوني. فإن رفضتَ أن تطلقهم، أُرسل عليك وعلى رجالك وعلى شعبك وعلى بيوتك الذباب، حتّى تمتلىء منها بيوت المصريّين والأرض التي هم عليها. ولكنّي أستثني في ذاك اليوم أرض جاسان التي يقيم بها شعبي، فلا يكون هناك ذباب، فتعرف أنّي أنا الربّ في هذه الأرض حين أميّز بين شعبي وشعبك. وغدًا تتمّ هذه العجيبة«. ففعل الربّ كذلك، ودخل الذباب بيت فرعون وبيوتَ رجاله وجميع أرض مصر وأفسد الأرض.

فدعا فرعون موسى وهارون وقال لهما: »اذهبا وقدّما الذبائح لإلهكم، ولكن في هذه الأرض«. فأجابه موسى: »لا يحسن أن نفعل هذا، لأنّنا نذبح للربّ إلهنا ما هو رِجس عند المصريّين. فهل نذبح أمام عيونهم ما هو رِجْسٌ عندهم ولا يذبحوننا؟ أطلقْنا فنسير في البريّة مسيرة ثلاثة أيّام، ونقدّم الذبائح للربّ إلهنا كما أمرنا«. فقال فرعون: »أنا أطلقكم لتقدّموا للربّ إلهكم الذبائح في البريّة، ولكن لا تبتعدوا عنّي وتشفّعوا فيّ«. فقال موسى: »سأخرج الآن من عندك وأتشفّع فيك عند ا؟، فيرفع الذباب عنك وعن رجالك وعن شعبك غدًا. ولكن لا تخدعنا مرّة أخرى فترفض أن تُطلق الشعب ليقدّموا الذبائح للربّ«.

وخرج موسى من عند فرعون وتشفّع فيه أمام الربّ. فاستجاب الربُّ لموسى، ورفع الذباب عن فرعون وعن رجاله وعن شعبه حتّى لم تبقَ ذبابةٌ واحدة. وقسّى فرعون قلبه هذه المرّة أيضًا، فلم يُطلق الشعب من أرض مصر«.

2 - وضعف السحرة

وهكذا قرأنا خروج 8: 12-22. مع الضربة الثالثة البعوض ومع الضربة الرابعة الذباب. في الضربة الثالثة هناك تحوّل، تحوّل مهمّ جدٌّا. فنقرأ في 8: 14: »وحاول السحرة بسحرهم أن يُخرجوا البعوض فلم يقدروا«. في الماضي، في الضربة الأولى حوّل السحرة الماء إلى دم، كما فعل موسى وهارون. في الضربة الثانية، زادوا على الضفادع ضفادع. كما سبق لهم أن حوّلوا عصيّهم إلى حيّات. أمّا الآن فحاول السحرة أن يُخرجوا بسحرهم البعوض، فلم يقدروا. هنا توقّفت قدرتهم، توقّفت إمكانيّاتهم. اعتبروا أنفسهم في وقت من الأوقات أنّهم يقدرون كما ا؟ يقدر.

نرى اليوم مثل هؤلاء السحرة في محيطنا وفي بلادنا. »يكتبون« كما يقولون، يعني يتمنّون الشرّ لشخص يستعديه شخصٌ آخر. والكتابة كلّها كذب، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئًا. ومن الأمور العديدة لدى السحرة اليوم في بلداننا أنّهم يعتبرون نفوسهم قادرين مثل ا؟، أنّهم يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون بالناس، بل بالأحداث. لا شكّ أنّهم يستطيعون أن يؤثّروا على الناس، ولا سيّما ضعفاء الشخصيّة منهم الذين لا يعرفون أن يصلّوا، الذين لا يؤمنون، الذين لا يتعلّقون بكلمة ا؟ وقدرته. هؤلاء يؤثّر فيهم السحرة بضلالهم، بقوّة شخصيّتهم، بما يقولونه من كلام يسحرونهم به. أمّا إذا كنّا نحن أبناء الإيمان، فلا تؤثّر كلُّ هذه فينا، كما يقول الربّ في نهاية إنجيل مرقس (16: 18): إن شربنا سمٌّا مميتًا فلا نُحسّ بالأذى. إذا كنّا فعلاً أبناء الإيمان، إذا كنّا متعلّقين بالربّ، بكلمة الربّ، فلا شيء يستطيع أن يؤثّر فينا وفي شخصيّتنا. ولكن إذا كنّا ضعفاء الإيمان، فنحن تعساء. نحن مثل ورقة الشجر في مهبّ الريح التي تأخذها إلى كلّ مكان.

هنا أراد السحرة أن يُخرجوا البعوض، يعني أن يزيدوا ألم الناس ألمًا، فلم يستطيعوا، قالوا: هذه إصبع ا؟. توقّفوا هنا. فهموا أنّ هذا العمل هو عمل ا؟. إصبع ا؟ يعني بإشارة من يده. ا؟ يصنع بإشارة. إشارة واحدة تكفي لكي يفعل. كنّا نقول بكلمة: قال للسماء كوني فكانت. قال للأرض كوني فكانت. قال للنور كن فكان. وهنا لا يحتاج الربّ حتّى إلى كلمة ولا أن يحرّك شفتيه.

إصبع ا؟ إشارة كافية. كما الملك يؤشّر إلى أحد خدمه فيلبّي حالاً طلبه. هكذا يفعل ا؟. وبعد ذلك لن يتدخّل السحرة. بل هم سوف يقاسون القروح كما يقاسيها الناس.

3 - تميّز بين أرض وأرض

في الفصل 9 نقرأ: »ولم يستطع السحرة الوقوف أمام موسى بسبب القروح التي كانت في السحرة وفي المصريّين«. تساوى السحرة مع المصريّين. إعتبروا نفوسهم أنّهم آلهة، وأنّهم بسحرهم يفعلون ما يشاؤون، فإذا هم مثل سائر الناس: يُحسّون بضربة ا؟، يُحسّون بالقروح. كما يُحسّ بها سائر المصريّين. كان السحرة أقوياء فتقوّى بهم فرعون. والآن هم ضعفاء، لهذا يئس فرعون. وبلغ منه اليأس، فبدا كشخص يستعدّ أن يضحّي بكلّ شيء لئلاّ يتراجع عن موقفٍ أخذه، فيخسر ماء الوجه.

في الضربة الثالثة، ما الذي توصّلنا إليه؟ فَهِمَ السحرة أنّهم ليسوا قادرين كما ا؟، فهموا أنّ هذه إصبع ا؟، وأنّهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا تجاه هذه الإصبع، هذه الإشارة التي يرسلها الربّ.

وقال الربّ لموسى: بكّرْ في الغد، وقفْ أمام الفرعون وهو خارج إلى النهر وقل له (8: 16). مع الضربة الرابعة، ضربة الذباب، نلاحظ ردّة تتكرّر. قال ا؟ أَطلقْ شعبي من مصر ليعبدوني. أو أَطلق شعبي ليعبدوني في البريّة. أو أطلقهم من مصر لكي يعبدوني (آ 17). التهديد حاضر: إن رفضتَ أن تفعل، أُرسل عليك الذباب حتّى تمتلىء منها بيوت المصريّين والأرض التي هم عليها. بدت الضربات بشكل منطقيّ. فاض النهر بالطمى فهربت الضفادع، امتلأت الأرض بالماء فخرج البعوض، ومع الوسخ خرج الذباب.

كلّ هذا منطقيّ. ولكن بالنسبة إلى الكاتب الملهم، وبالنسبة إلى موسى، لا اهتمام بالأمور المنطقيّة. فالربّ هو الذي يفعل، الربّ هو الذي يوجّه الأحداث، يوجّه الأمور، يوجّه »الضربات«. وإن كنّا لا نراه، وإن كنّا لا نسمعه، وإن كنّا لا نلمس يده، فهو الذي يفعل من خلال موسى من خلال هارون لا بل من خلال الأحداث. أحداثٌ عديدة تأتي في حياتنا، فيا ليتها تساعدنا على اكتشاف يد ا؟، علىاكتشاف عمل ا؟، إصبع ا؟، كما اكتشفها السحرة.

في الآية 18، نلاحظ تمييزًا بين أرضٍ وأرض، بين أرضٍ يقيم عليها شعب ا؟ وبين أرضٍ تقيم عليها الشعوبُ الوثنيّة. أرض شعب ا؟ هي أرض ا؟. هي أرض طاهرة، أرض نقيّة، أرض خيّرة، هي جنّة وفردوس. والأرض الوثنيّة نجسة، تُنبت الشوك والقطرب. قال الربّ: هناك أميّز بين شعبي وشعبك. إذًا هناك تمييز. تمييز بين الشعبين.

نستطيع أن نفهم هذا بالمعنى الرمزي. كانت الجنّة جنّة عدن في قلب الصحراء، ولكن الإنسان بخطيئته حوّل هذه الجنّة إلى صحراء، أو هو خرج، أو أُخرج من الجنّة ليعرف الشوك والقطرب مع رعاية الجمال وسائر الحيوانات. قال ا؟: »أستثني في ذلك اليوم أرض جاسان التي يقيم فيها شعبي«.

4 - بدأ الفرعون يتراجع

ولماذا الضربة؟ سبق وقلنا: لتعرف أنّي أنا الربّ في الأرض. قال ا؟ كلامًا مهمٌّا جدٌّا: لستُ أنا فقط ربّ الشعب الذي في أرض إسرائيل، في أرض فلسطين، في أرض من الأراضي. أنا الربّ في الأرض كلّها. حتّى في أرض مصر، أنا هو الربّ. وفي أشور أنا هو الربّ. وفي بابل أنا هو الربّ. فالربّ هو إله الكون كلّه.

وتعود هنا كلمة غدًا، مع ضربة الضفادع. سأل موسى فرعون: متى تريد أن تخرج الضفادع؟ قال: غدًا. وهنا موسى وهارون يستبقان الأمور: غدًا تتمّ هذه العجيبة. حَدّدا مسبقًا متى تتمّ هذه العجيبة، متى يملأ الذباب جميع البيوت. ففعل الربّ كذلك. فدخل الذبابُ بيت فرعون وبيوت رجاله وجميع أرض مصر بكثرةٍ، وأفسد الأرض. نلاحظ أنّ الأرض تنتقل من فسادٍ إلى فساد، ومن نتانة إلى نتانة. نتانة الماء مع السمك، نتانة الأرض مع الضفادع، وهنا مع الذباب. كانت هذه الحالة السيّئة للأرض: فسدت الأرض، صارت فاسدة.

يقول موسى. غدًا تتمّ هذه العجيبة، لا بعد غدٍ، ولا بعد سنة، ولا مع حلول فصل الشتاء، غدًا. الربّ هو الذي يحدّد ما يريد أن يفعل. وعندما حلّت الضربة خاف الفرعون، وطلب النجدة، طلب الشفاعة، وبدأ يتراجع. وسوف نراه من ضربةٍ إلى ضربةٍ يتراجع أمام ا؟. بدا ا؟ وفرعون كاثنين يتبارزان: الضعيف يتراجع شيئًا فشيئًا، إلى أن يركع أمام الذي غلبه. والفرعون هنا يتراجع شيئًا فشيئًا.

تراجعٌ أوّل على مستوى الكلام في الضربة الثانية (8: 2): »تشفّعا فيّ إلى ا؟ فيرفع الضفادع عنّي«. هنا قال: »اذهبا، قدّما الذبائح لإلهكم، لكن في هذه الأرض«. في 8: 2: »تشفّعا فيّ إلى ا؟ فيرفع الضفادع عنّي وعن شعبي فأُطلق شعبكما ليقدّموا الذبائح للربّ. هنا اذهبا قدّما الذبائح لإلهكم. إذًا أسمح لكم أن تقدّموا الذبائح. كأنّي به يعفيهم من تقدمة الذبائح للآلهة المصريّين.

نتذكّر هنا في زمن الحكم الروماني وبداية المسيحيّة: من لا يسجد أمام تمثال الإمبراطور، وأمام تمثال رومة من لا يقدّم البخور، يُحسب خائنًا للوطن، ويُرسل إلى الموت. هنا بدا الفرعون وكأنّه يقول لموسى وهارون وشعبه: اذهبوا، قدّموا الذبائح لإلهكم. لستم بعد مجبَرين على تقديم الذبائح لآلهتنا. وهكذا انفصل شعب عن شعب، انفصل شعب يعبد الإله الواحد، عن شعب يعبد الآلهة الوثنيّة. بدأ ا؟ فميّز. »أميّز بين شعبي وشعبك«. وهنا سوف يتميّز أولئك الذين يذبحون لآلهة مصر، وأولئك الذين يذبحون للإله الواحد.

ولكن تراجع فرعون إلى وقت قصير، مسافة قصيرة، قال: »اذهبا وقدّما الذبائح، ولكن في هذه الأرض«. يعني لا تخرجوا من مصر، فأنا بحاجة إليكم وإلى أعمالكم. أمّا موسى فلم يرضَ بنصف تحرير، لم يرضَ إلاّ بالتحرير الكامل. كيف نقدّم ذبائح في مصر؟ نحن نذبح الخراف، والخراف معبودة لدى المصريّين.

5 - من نُطيع

هناك آلهة برأس خروف. فإن ذبح العبرانيّون أمام المصريّين الخراف، يقول موسى هنا :ألا يرجموننا؟ »هل نذبح أمام عيونهم ما هو رجس عندهم ولا يرجموننا؟« (8: 22). ويعود موسى فيطلب: »أطلقنا فنسير في البريّة مسيرة ثلاثة أيّام ونقدّم الذبائح للربّ إلهنا كما أمرنا«. أوّلاً، أَطلقْنا، يعني أَرسلْنا أحرارًا. لا نريد أن نتعبّد بعدُ لك، فنتعبّد ؟ فنسير في البريّة. البريّة ستكون في ما بعد بريّة سيناء حيث حضر الربّ على موسى.

مسيرة ثلاثة أيّام. ثلاثة أيّام، هي أيّام كأيّامنا معدودة، ولكنْ هناك رمز مهمّ: ثلاثة أيّام هي أيّام المحنة، أيّام الصعوبة التي تنتهي باللقاء بالربّ. هكذا مثلاً إبراهيم سار ثلاثة أيّام قبل أن يقدّم ذبيحته على جبل موريّا ويلتقي بالربّ. ونقدّم الذبائح للربّ إلهنا. والكلمة المهمّة: كما أمرنا هو. الربّ أمرنا، ونحن نطيع الربّ، نحن نسمع. ويقول بطرس لرؤساء اليهود: »من أحرى بالطاعة؟ من يجب أن نطيع، ا؟ أم البشر؟«.

وهنا، من يجب أن يطيع موسى وهارون والشعب؟ الفرعون الذي يرونه مع غناه، مع قوّته، مع جيوشه، مع مدنه، أم ا؟ الذي يبدو ضعيفًا، يبدو بعيدًا،بحيث لا نراه بعيوننا؟ ولأنّهم لا يرونه، سيصنعون له عجلاً ذهبيٌّا يدلّ عليه. إذًا مَنْ نطيع؟ الربّ أمرنا ونحن نطيعه، مهما كلّفتنا هذه الطاعة.

فقال فرعون: أنا أُطلقكم لتقدّموا الذبائح للربّ إلهكم في البريّة، ولكن لا تبتعدوا، وتشفّعا بي. تراجعٌ أوّل: قدّموا الذبائح. تراجعٌ ثانٍ: لا تبتعدوا. إذهبوا إلى البريّة لكن لا تبتعدوا، لكي تعودوا. فكأنّ هذه العبوديّة لا تريد أن تُفلت الإنسان، تريد أن تبقيه بيدها، تحت نظرها، حتّى تعود به إليها. هذا ما حدث لأوغوسطينس القدّيس، حين أحسّ بالرذائل والخطايا التي اعتاد عليها في الماضي تجرّه بطرف ثوبه وتقول له: أتتركنا؟ وهنا الفرعون لا يريد أن يترك الشعب.

وسنفهم في المسيرة اللاحقة أنّ الشعب أيضًا يودّ أن يعود إلى هذه العبوديّة، ليكون له أن يأكل ويشرب ويرتاح. كأنّ الإنسان يكتفي بالطعام والشراب والنوم. تلك حالة العنزة والبقرة والخروف، لا حالة الإنسان الذي لا يتغذّى بالخبز فقط، بل بكلّ كلمة تخرج من فم ا؟. إذًا لا تبتعدوا، لكن تشفّعا بي. للمرّة الثانية طلب فرعون شفاعة موسى وهارون.

أجاب موسى: سأخرج من عندك وأتشفّع بك إلى ا؟ فيرفع الذباب عنك وعن رجالك وعن شعبك غدًا. ثلاث مرّات ورَدَت الكلمة »غدًا« في 8: 6، 8، 19، وهنا في 8: 25. الربّ هو الذي يوقّت متى يضرب ومتى يرفع الضربة. ولكن لا تخدعنا مرّة أخرى، فترفض أن تُخرج الشعب ليقدّموا الذبائح للربّ. كأنّ موسى يعلم أنّ فرعون يراوغ. في أيّ حال، نحن مع الربّ نراوغ مرّات عديدة، لا نريد أن نتخلّى عن الشرّ الذي تعبّدنا له، الذي تعلّقنا به. ومع ذلك هو يفعل. يعرف الربّ أنّنا نريد أن نخونه ومع ذلك يفعل أيضًا، ولا يتراجع، فلا ندامة في عطاياه.

»وخرج موسى من عند فرعون وتشفّع فيه إلى الربّ، فاستجاب الربّ لموسى« (آ 26). موسى هو المتشفّع، هو الذي يصلّي، والربّ يسمع صلاته. ونحن أيضًا عندما نصلّي فهو يسمع صلاتنا. أنطلب منه سمكة فيعطينا حيّة؟ أنطلب منه خبزًا فيعطينا حجرًا؟ كلاّ ثمّ كلاّ. هو يعطينا الأمور الصالحة، يعطينا الروح القدس. وما طلبه الفرعون هنا هو الراحة له ولشعبه. والربّ يريد لنا هذه الراحة. وإن مررنا في صعوبة، في ضيق، في ألم، في عذاب، في وجع، فهو يجعلنا نمرّ، يسمح أن نمرّ، لكي نتنقّى ونفهم أنّ وراء العطايا سيّد العطايا.

فيا ربّ، علّمنا أن نتعلّق بك أنت سيّد العطايا، أنت كلّ شيء لنا. إفتح قلوبنا على ندائك في أعماق قلوبنا، على ندائك عبر الأشخاص، على ندائك في ظروف حياتنا. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM