موسى وهارون عند الفرعون

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

موسى وهارون عند الفرعون

 

أحبّائي، ليكن سلام الربّ معنا. نتابع قراءة الكتاب المقدّس، العهد القديم، نتابع قراءة سفر الخروج. بعد أن كلّم الربّ موسى، قال له: »اذهب إلى فرعون«. حينئذ قال موسى: »تراني ثقيل اللسان«. في هذا الإطار، نقرأ سفر الخروج في الفصل السابع.

»فقال الربّ لموسى: انظر. جعلتُك بمثابة إله لفرعون، ويكون هارون أخوك بمثابة نبيّك. أنت تكلّم هارون بكلّ ما آمرك به، وهارون يكلّم فرعون... كان موسى ابن ثمانين سنة وهارون ابن ثلاث وثمانين سنة حين كلّم فرعون« (7: 1 - 7).

1 - باسم الربّ

عنوان هذا الحديث هو: موسى وهارون عند الفرعون.

الربّ ظهر لموسى وأمره أن يذهب إلى فرعون، أن يطلب منه أن يطلق شعبه، أن يترك شعبه في الحريّة. خاف موسى، واختبأ وراء عذر لا يقوم. قال: »أنا ثقيل اللسان«. ولكن من خلق اللسان، ومن أعطى الإنسان قوّة النطق، أليس هو الله؟ فإن هو دعا موسى وأرسله ليتكلّم باسمه، فهو سيُعطيه القوّة، سيعطيه القدرة على النطق بما يجب أن يقول، وبالطريقة التي يجب أن يقول. هنا نتذكّر كلام الربّ يسوع عن الروح القدس: »تُعطَون في تلك الساعة ما تتكلّمون به، لأنّكم لستم أنتم المتكلّمين لكن روح أبيكم هو المتكلّم فيكم«. يا ليت موسى وعى هذا الأمر، وفهم أنّه لا يتكلّم باسمه، بل باسم الربّ. لا يتكلّم بحكمته بل بحكمة الربّ، لا يتكلّم بقوّته ولا يفعل بقوّته، بل يتكلّم ويفعل بقوّة الربّ.

ومع ذلك تنازل الربّ. بما أنّ موسى يتهرّب، سوف يرسل إليه هارون. بما أنّ موسى خائف، فسيرسل إليه من يشجّعه. طلب الربّ من موسى أن يقوم بمهمّة كبيرة. وبما أنّه يحتاج إلى من يساعده، فليكن. فلهذا يبدو الكتاب وكأنّه جعل للفرعون شاهدين: موسى وهارون. هما يشهدان على صدق كلام الله، على صدق عمل الله، على قدرة الله التي لا يستطيع إنسان أن يقف تجاهها. ونتذكّر أيضًا يسوع المسيح حين أرسل تلاميذه. أرسلهم اثنين اثنين. وهنا مضى موسى وهارون إلى فرعون.

وكانت التعليمات واضحة من قبَل الربّ: موسى يكون إلهًا لفرعون، يعني ذلك الذي يطلب منه. وهارون يكون بمثابة النبيّ. والنبيّ هو الذي يتكلّم باسم الله. يعني الله؟. سلّم الربّ المهمّة كلَّها إلى موسى.

مهمّ جدٌّا هنا أن نفهم مسؤوليّتنا. أن نفهم أنّنا لسنا أدوات، لسنا آلة بيد الله، يحرّكها كما يشاء. إذا نحن شئنا حرّكنا. أمّا هو فلا يفرض علينا أبدًا أيّ قهر وأيّ شيء نُجبَر عليه. يقول لنا إن شئنا، إذا أردنا. عندما يسلّمنا الربّ مسؤوليّة؛ فهو يسلّمنا إيّاها كاملة ولا يتراجع. دعا موسى، ومع أنّ موسى أراد التراجع، أراد التهرّب، جعله بمثابة إله لفرعون. يعني: يا موسى أنت مكاني في الدفاع عن حقّ شعبك.

2 - ولو عارض البشر

يا ليت كلّ مسؤول يعرف مسؤوليّاته، واجباته، والقدرة التي يتمتّع بها. سوف نرى أنّ الفرعون لا يهتمّ بأمر شعبه. يكفي أنّه هو في خير، هو في راحة، ليَتعب شعبه، وليتضايق. فما همّ ذلك. صار موسى إلهًا لفرعون، وهارون صار النبيّ الذي يتكلّم باسم موسى. وكانت المسيرة: الله سلّم موسى، موسى تكلّم. كلّم هارون بما أمره الربّ، وهارونُ أتمّ المهمّة. هو يذهب إلى فرعون ويكلّم فرعون. ولكن لا ننسى أنّ موسى حاضر مع هارون.

نتذكّر في أعمال الرسل بولس وبرنابا. هما معًا يحملان البشارة، يحملان الإنجيل. وقد شبّههما الناس »بزوش وهرمس« وهما إلهان وثنيّان. فبولس هو الذي يتكلّم، وكأنّي به في خدمة برنابا. هناك نظرة وثنيّة، ونظرة تنطلق من الكتاب المقدّس. إذًا هناك من يعمل وهناك من يتكلّم. وهكذا تتنوّع المواهب في الكنيسة، تتنوّع المواهب في جماعة شعب الله واحد يتكلّم، واحد يفعل. هذا ما يقوله بولس الرسول في الرسالة إلى الكورنثيّين: »منهم من أعطي موهبة الشفاء، أو موهبة النبوءة،أو موهبة الترجمة، لكلّ واحد موهبته«. يا ليتنا نحترم مواهب بعضنا البعض.

سينطلق موسى وينطلق معه هارون. سيكون موسى المرسل الأوّل، ويرافقه هارون ويتكلّم باسمه. ويجب أن نفهم جيّدًا أنّ الربّ لا يأخذنا على غفلة، أنّ الربّ لا يغشّنا، لا يخدعنا: كان بالإمكان أن يقول لموسى أو لهارون: لا بأس. كلمة صغيرة وتنتهي الأمور، كلاّ. نقرأ في 7: 3: »أقسّي قلب فرعون، ومهما أكثرتُ من معجزات وعجائب لن يسمع لكما«. هنا انقلبت الأفكار: كلّ المعجزات، كلّ العجائب التي يستطيع أن يصنعها موسى وهارون باسم الربّ، لن تجعل فرعون يسمع، يخضع، يطيع. وكانت النتيجة قساوة قلب فرعون.

هذه العبارة: »أقسّي قلب فرعون« تقابلها في 4: 14 »قسا قلبُ فرعون«. من جهة، عندما يرفض الإنسان نداء الله، يصبح قلبه قاسيًا، صلبًا كالأرض التي لا تقبل المطر. هذا هو السبب الواقعي. أمّا السبب الأساسيّ، فهو أنّ الله هو الذي يوجّه كلّ شيء، يوجّه القلوب. نسمّيه في اللغة الفلسفيّة: العلّة الأولى: تقسّى قلب فرعون، يعني هو يعمل. نقول بلغّتنا اللاّهوتيّة: أسمح بأن يكون قلب فرعون قاسيًا. إذًا التشديد هو على عمل الله دون أن ننسى ردّة الفعل عند الإنسان. لن يسمع لكما.

3 - مسيرة محفوفة بالخطر

إذًا سيفهم، أو على موسى وهارون أن يفهما أنّ الأمور لن تكون بغاية السهولة. فكلّ عمل تحرير وكلّ طلب من أجل الشعب، لا يجد آذانًا صاغية. فأصحاب الامتيازات وأصحاب القوّة وأصحاب الغنى والمالكون، لا يتخلّون بسهولة عمّا بين أيديهم من مال أو أناس يستعبدونهم. أجل الصعوبات ستواجه قريبًا موسى وهارون.

نتذكّر هنا أيضًا الإنجيل. عندما أرسل يسوع تلاميذه، قال: »أرسلكم كالخراف بين الذئاب«. ومع ذلك يقول لهم: لا تستعملوا السلطة. كلاّ. أرسلكم كالخراف بين الذئاب. لا حاجة لأن تحملوا العصا ولا السيف ولا غيره من السلاح. وسوف يقرأ موسى وهارون ما يحدث في أرض مصر على ضوء نداء الله. إن حصل البرَد، إن حصلت الظلمة، إن تكاثرت الضفادع، إن تحوّلَ الماء إلى دم، كلّ هذا سيقرأه موسى وكأنّه عمل الله ليجعل فرعون يتوب، وسحرته يفهمون أنّ هذه هي إصبع الله.

يقول هنا في 7: 4: »لن يسمع لكما حتّى أرفعَ يدي«، يرفع يده، يعني يضرب. »وأُخرج جموعَ بني إسرائيل من هناك بما أُنزله بالمصريّين من أحكام رهيبة«. حكم الربّ على المصريّين، أو بالأحرى حكم على الملك، والملك يمثّل جميع المصريّين. ضرب. وهكذا سيخضع الفرعون وتخرج جموع الشعب. ولكن السبب الأوّل هو الله. أُخرج أنا جموع شعبي. ولماذا هذا العمل، عمل القدرة يقوم به الربّ؟

4 - تكفي الطاعة للربّ

آية 5 تقول لنا: »فيعرف المصريّون أنّي أنا الربّ«، مهمّة جدٌّا. آلهة مصر لا تستطيع أن تفعل شيئًا. هي حجر، هي خشب مطلي$ بالذهب أو بالفضّة. أنا الربّ. وعندما يقول أنا الربّ، يعني الربّ الذي يفعل والذي يستطيع وحده أن يفعل. وكيف يظهر عمل الربّ، وكيف تظهر قدرته؟ حين يرفع يديه على مصر، ويُخرج بني إسرائيل من بين المصريّين. إذًا هناك عملان: عمل سلبيّ وعمل إيجابيّ. عمل سلبيّ يخلّص شعبه. وعمل إيجابيّ يقوده إلى حيث يريد هو، يُخرجه من العبوديّة ويوصله إلى الحريّة، إلى العبادة، إلى حريّة أبناء الله.

»فأطاع موسى وهارون الربّ وفعلا كما أمرهما الربّ« (7: 6). في السابق، ما أراد موسى أن يطيع. كان وحده، خاف. ما أحبّ أن يستسلم كليٌّا للربّ. ولكن موسى وهارون معًا. بدأا المسيرة بحسب إرادة الله، بحسب أمر الله. أطاع موسى وهارون الآن الربّ، وسوف تمتدّ طاعتهما حتّى النهاية مع بعض التمرّد، مع بعض البحث عن السهولة، مع بعض البحث عن الابتعاد، عن الشدّة، وعن المضايقة التي تصل إليهما بسبب الشعب.

قال الربّ لموسى وهارون: »إذا قال لكما فرعون أريد عجيبة يأخذ هارون عصاه ويرميها أمام فرعون لتصير حيّة«. فدخل موسى وهارون على فرعون وفعلا كما أمر الربّ. ألقى هارون عصاه أمام فرعون ورجاله فصارت حيّة. سوف نلاحظ حتّى النهاية أنّ هارون وموسى يفعلان كما يأمر الربّ. والعمل الذي يقومان به، هو عمل واحد. فالعصا عصا موسى، وإن أمسكها هارون. والعمل الذي عملاه يشبه إلى حدّ بعيد عمل العرّافين والمنجّمين والسحرة. لهذا نقرأ في 7: 11: »فدعا فرعون المنجّمين والعرّافين وهم سحرة مصر فصنعوا كذلك بسحرهم«. ألقى كلّ واحد عصاه فصارت كلّ عصًا حيّة عظيمة.

في الخارج ما عمله موسى وهارون عمله المنجّمون والعرّافون. مرّات عديدة يبدو عمل الله وكأنّه عمل سحريّ. والسحرة أرادوا، استطاعوا أن يقلّدوا موسى وهارون. لكن يتابع النصّ: ولكن عصا هارون ابتلعت عصيّهم. إذًا هناك طريق البشر بما فيها من سحر وعرافة وتنجيم، ولكنّ طريق الربّ هي الأقوى. وسوف تظهر طريق الربّ شيئًا فشيئًا، فيقول السحرة فيما بعد هذه إصبع الله ،ونحن لا نستطيع أن نفعل شيئًا تجاهه.

5 - فهو طويل الأناة

7:13: »فاشتدّ قلب فرعون قساوة حتّى لا يسمع لموسى وهارون، كما قال الربّ«. كانت المعجزة، لا بل كانت هناك معجزتان: العصا صارت حيّة، والعصا ابتلعت سائر العصيّ. كان بإمكان فرعون أن يتساءل عن هذه القدرة بين أيدي شخصَين ضعيفَين أعزلَين لا يملكان أيّ سلاح. كلاّ، هو لم يفكّر، هو لم ينظر، أحسّ أنّ المعركة بدأت بينه وبين موسى وهارون أو بالأحرى بينه وبين من يمثّله موسى وهارون، أعني الله.

إشتدّ قلب فرعون قساوة، لهذا لم يسمع لموسى وهارون، وما أراد أن ينظر إلى العمل العجيب الذي قاما به. وينتهي النصّ: لا يسمع لموسى وهارون، كما قال الربّ. يعني الربّ لم يؤخذ على حين غفلة. يعني توقّع الربّ أن يقسو قلب فرعون، توقّع الربّ أن يرفض فرعون.

في أيّ حال، نحن لا نعود عن الخطأ سريعًا، نحتاج إلى تنبيه وتنبيهين، وتحذير وتحذيرات عديدة حتّى نعود إلى الربّ، حتّى نفهم الربّ. مرّات عديدة لا نريد أن نسمع، لا نريد أن نرى، لا نريد أن نفهم. نرفض حتّى أن نوجّه أذننا، أن نوجّه عيوننا. وهكذا كان الوضع بالنسبة إلى فرعون.

معجزة بسيطة، وستأتي بعدها معجزات كثيرة، وسيبقى قلب فرعون قاسيًا. ولكنّه سيلين شيئًا فشيئًا أمام قدرة الله المتعاظمة. سبق الربّ وقال: »لن يسمع لكما حتّى أرفع يديّ على أرض مصر«. هنا العمل محصور، محصور في شيء بسيط، في شيء يدهش، في شيء يلفت النظر. فيا ليت فرعون أعمل نظره وتساءل! هو يشبه الفرّيسيّين: شفى يسوع صاحب اليد اليابسة، فتآمروا عليه ليقتلوه. وهنا فعل موسى وهارون ما فعلاه، فرفض فرعون أن يسمع لهما كما قال الربّ. من كلّ هذا نفهم أوّلاً دعوة كلّ واحد منّا، والقوّة التي يتمتّع بها إن هو أطاع الربّ وفعل كما يأمره الربّ. ومن جهة ثانية نفهم أنّه لا يمكن أن نكون مثل فرعون، أن نقسّي قلوبنا، أن نرفض أن نرى أعمال الربّ، أن نرفض أعمال الربّ، أن نرى تدخّل الربّ ولا نتحرّك.

يا ربّ ساعدنا لكي نرى أعمالك، نرى في كلّ شيء إشارة منك، لا في الطبيعة فقط، لا في الخلق فقط، لا في القدّيسين فقط، لكن في أبسط الأمور، نكتشف يدك التي تدلّنا إلى الخير، نكتشف عينك التي تنير عيوننا، نكتشف فمك يكلّمنا. ويا ربّ علّمنا أن نطيع، أن نسمع، أن نعمل مشيئتك دومًا. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM