هارون نبيُّ موسى

هارون نبيُّ موسى

أحبّائي، الربّ يكون معنا ويرافقنا في قراءة كلامه. الكتاب المقدّس منذ البداية حتّى النهاية، من سفر التكوين حتّى الرؤيا، الكتاب المقدّس هو كلام الله. لا كلام الله بالمعنى المجرّد أو المطلق أو الكلام الكامل. لا كلام الله إلاّ يسوع كلمة الله، الذي هو ملء كلام الله. أمّا كلام البشر، أمّا الكلام المكتوب في الكتاب المقدّس العهد القديم والعهد الجديد، فيبقى ناقصًا. والربّ أراد أن يربّينا، أن يمشي معنا. هو لا يستطيع أن ينتقل من الخطيئة الخطيئة إلى البرّ البرّ. هو يرافقنا، يقبل بخطيئتنا، يسير معنا، كما فعل مع تلميذَي عمّاوس اللذين لا يريدان أن يصدّقا القيامة. ولكن ردّهما إلى جماعة التلاميذ في العلّيّة. وهكذا نقول عن كلّ الكتاب المقدّس وهنا نقرأ إذًا سفر الخروج، وعنوان كلامنا هارون نبي موسى. النبي هو الذي يتكلّم باسم شخص آخر. موسى هو نبيّ ا؟ لأنّه يتكلّم باسم ا؟. وهارون هو نبيّ موسى لأنّه يتكلّم باسم موسى. ونقرأ فصل 4: 10 - 17.

فقال موسى للربّ: »يا ربّ ما كنت رجلاً فصيحًا. لا بالأمس، ولا من يوم كلّمتني أنا عبدك، بل أنا بطيء النطق وثقيل اللسان...«. فقال موسى: »يا ربّ، أرسل أحدًا غيري...«. قال الربّ: »أعرف هارون اللاوي أخاك. هو فصيح اللسان... هو يخاطب الشعب عنك وينطق باسمك. وخذ بيدك هذه العصا، فبها تصنع المعجزات« (4: 10 - 17).

1 - إعتراض موسى

هنا نجد الاعتراض الثاني لموسى. وسيأتي أيضًا اعتراض ثالث. إعترض موسى أوّلاً في 4: 1. قال: »هم لا يصدّقونني ولا يسمعون لكلامي«. أطال الربّ باله، أطال أناته، وأعطاه معجزات ثلاثًا. والآن هو موسى يعترض للمرّة الثانية. ماذا يقول؟ »ما كنت يومًا رجلاً فصيحًا. أنت ترسلني يا ربّ لكي أتكلّم، وأنا لا أعرف أن أتكلّم«. هنا نتذكّر إرميا الذي قال: أنا صبيّ ما تعوّدت بعدُ على الكلام، ما تعوّدت على الفصاحة«. ونتوقّف عند بولس الذي اعتبر الفصاحة وكأنّها تعارض كلام الله.

كلام الله ينتقل إلى الناس لا عبر الفصاحة والبلاغة، بل عبر البساطة. وكلام الله هو عمل قبل أن يكون كلامًا. إذًا، أن يكون موسى فصيحًا أو لا، فهذا لا يقدّم القضيّة ولا يؤخّرها. ونلاحظ اعتراض موسى: »من يوم كلّمتني«. يعني اليوم خسرت هذه الفصاحة. ثمّ قال: لا بالأمس ولا من اليوم كلّمتني. في الماضي كنت أتكلّم بعض الشيء، لكن يومَ كلّمتَني خسرتُ كلّ فصاحة، وما عدت أعرف أن أتكلّم.

كأنّي بموسى صار شبيهًا بزكريّا (إنجيل لوقا الفصل الأوّل) عندما صار أبكم وعندما خرج من الهيكل بعد أن ظهر له الملاك. ما عاد يستطيع أن يتكلّم. ولن يتكلّم إلاّ يوم يُولد الولد، يوحنّا المعمدان. حينئذ يقول: تبارك الربّ الإله. بدأ كلامه بالبركة. إذًا موسى ربّما كان يتكلّم بعض الشيء، لكن يوم كلّمه الربّ ما عاد يعرف أن يتكلّم. يقول: أنا بطيء النطق وثقيل اللسان. الربّ يرسله ليتكلّم ،فيقول له: لا أعرف، لا أستطيع، ومن خلال هذا، يقول: لا أريد أن أتكلّم. هو الخوف سيطر عليه، هو الخجل سيطر عليه. وهو خوف الفشل والمهمّة كبيرة جدٌّا. ولهذا يقول له الربّ في آية 17: خذ بيدك هذه العصا فبها تصنع المعجزات. يعني هذه العصا تدلّ على حضور الله، على قدرة الله. إمض ولا تخف.

2 - ردّ الربّ على الاعتراض

إعترض موسى مرّة أولى، فأجابه الربّ. إعترض مرّة ثانية والربّ أطال روحه. في آية 11، قال الربّ: »من خلق للإنسان فمًا ومن الذي خلق الأخرس والأصمّ أو البصير أو الأعمى؟ أما هو أنا الربّ«؟ أنت تقول: لا فم لي. فأنا الذي يخلق الفم. فالربّ خلق البشر جميعًا، خلق الأخرس وذاك الذي يتكلّم، خلق الأصمّ وذاك الذي يسمع، خلق البصير وذاك الذي يرى، وخلق الأعمى وذاك الذي يرى. الربّ خالقنا جميعًا وإن نقصتنا مزيّةٌ، إن نقصنا عضو من الأعضاء.

إن كان أحد الأعضاء ضعيفًا في جسدنا، فالربّ يعرف كيف يعوّض. وعلى كلّ حال نحن نعرف من خلال الطبّ أنّ هناك عددًا من الأمراض ترتبط بالوراثة أو بغيرها من الأمور. نحن دومًا نجعل الربّ السبب الأخير في العالم كلّه. لا شكّ هو الربّ الإله الذي خلق السماء والأرض، ولكنّه يترك الحريّة للبشر. يتعامل مع البشر على أنّهم مسؤولون. أعرف إحدى العيال، ولدت أوّل ولد بطريقة طبيعيّة، وثمانية بعده كانوا إمّا مانغوليّين، إمّا عميانًا، إمّا مبلوّين بأمراض أخرى. كلّهم كانوا معاقين.

المعاق هو ابن الله لا شكّ، ولكن الوالد والوالدة اللذين يعرفان مسؤوليّتهما يتوقّفان عن الولادة في هذا الوضع لئلاّ يكون عندهما أولاد من هذا النوع. من الذي خلق الأخرس؟ الجواب: الربّ. والأصمّ؟ الربّ. والبصير؟ الربّ. والأعمى؟ الربّ. من الذي خلق للإنسان فمًا؟ الربّ. ويأتي الجواب: أما هو أنا الربّ؟ نعم الربّ هو الخالق. هو الذي يستطيع أن يحوّل الأمور، هو الذي يستطيع أن يخلق كلّ جديد. إذا كان الربّ القدير مع موسى، معنا، فلماذا نخاف بعد ذلك؟

3 - الربّ رفيق

فهذا ما يقوله بولس. إن كان الربّ معنا فمن علينا؟ إن هو أرسلنا في مهمّة فهو يعطينا القوّة، فهو يعطينا الإمكانيّات حتّى نقوم بهذه المهمّة على أكمل وجه. فالربّ هو أب ويريد لأبنائه أن ينجحوا. أتراه يطلب منّا فوق طاقتنا؟ كلاّ. أتراه يجرّبنا فوق طاقتنا؟ كلاّ. وإن هو أرسلنا، لا يرسلنا أبدًا وحدنا، بل يرافقنا. ولكن رفقته خفيّة، ناعمة، غير منظورة، لئلاّ تسيطر علينا. رفقته ناعمة بحيث نحسب أنّنا نحن الذين عملنا. وفي الواقع هو يعمل معنا، يده مع يدنا، يده تمسك يدنا، عينه تمتدّ في عيننا، أذنه تمتدّ في أذننا.

لذلك قال: »خذ بيدك هذه العصا«، العصا التي ترافق موسى تدلّ على أنّ الربّ يرافق موسى ولا يتركه أبدًا. عندئذ يقول الربّ (آ 12): »فاذهب وأنا أعينك على الكلام وأعلّمك ماذا تقول«. أعينك، أعتني بك، أرافقك. أنت لا تعرف أن تتكلّم؟ أنا أساعدك على الكلام. هنا نتذكّر ما قاله يسوع: »لستم أنتم المتكلّمين لكن روح أبيكم هو المتكلّم فيكم«. الربّ يرسل موسى في مهمّة، يرسلنا في مهمّة، فهو الذي يساعدنا على الكلام الذي يصل إلى القلب. على الكلام الذي يفعل. عندما يقول أنا الربّ، يدلّ على حضوره. أنا أعينك على الكلام. أنت تخاف من الكلام، فأنا حاضر وأعلّمك ما تقول. هنا أيضًا نتذكّر في الإنجيل: »تُعطَون في تلك الساعة ما تقولون«. إذا كنتم أمام الحكّام وأمام الولاة، ولا تعرفون ماذا تجيبون، تُعطَون في تلك الساعة ما تقولون. الربّ هو الذي يعلّم موسى. ونلاحظ بشكل مهم. لم يقل الربّ إذهب، فأنا ساعدتك، وأنا علّمتك والآن تستطيع أن تنطلق. في الماضي، كلاّ. أعينك، يعني في الماضي، والآن، وبعد الآن. أعلّمك يعني في الماضي، فأعلّمك الآن، وأعلّمك دومًا. فنداء الربّ لا يقف عند وقت من الأوقات. فهو يرافقنا في كلّ مهمّتنا.

نتذكّر هنا عاموس النبي. دعاه الربّ من الجنوب، من تقوع، إلى الشمال. إلى السامرة وبيت إيل، رافقه في كلّ مسيرته، في كلّ كلامه. إذا كان موسى هو النبيّ فهو يحتاج إلىعون على مستوى الكلام، إلى تعليم على مستوى ما سوف يقول.

4 - أَرسلْ أحدًا غيري

إعترض موسى أوّل مرّة، ردّ عليه الربّ وأعطاه المعجزات. إعترض ثاني مرّة: لا أعرف أن أتكلّم. قال له: أنا أخلق لك فمًا. أنا أعلّمك، أنا أساعدك فتقول أطيب كلام. وهنا الاعتراض الثالث في 4: 13. قال موسى: »يا ربّ أرسل أحدًا غيري«. ما عاد لموسىاعتراض مقبول. قدّم الاعتراض الأوّل والاعتراض الثاني، وردّ له الربّ الاعتراض بعد الاعتراض. أمّا الآن فلم نعد أمام الاعتراضات، بل أمام الرفض: أرسلْ أحدًا غيري.

نلاحظ الخطأ الكبير الذي وقع فيه موسى. الربّ وضع ثقته فيه. الربّ أعطاه كلّ هذه العطايا. الربّ جعله يمرّ في قصر فرعون فيتعلّم أكبر العلوم. الربّ حفظه من الموت، من الخطر. الربّ أمّن له الحياة في برِّية مِدْيان. ولمّا طلب منه الربّ، قال له: »أرسل أحدًا غيري«.

هنا نتذكّر أشعيا في الهيكل. رأى الربّ، أحسّ أنّه خاطئ، أنّه ذاهب إلى الموت. ولكن الربّ أرسل جمرة فطهّرت لسانه. قال الربّ: من أرسل؟ من يذهب لنا؟ فقال أشعيا: »هاءنذا فأرسلني« (أش 6). أمّا موسى هنا فيقول: كلاّ يا ربّ، أنا لا أريد أن أذهب. أرسل أحدًا غيري. وكان جواب الربّ، مع الغضب، حلاٌّ آخر.

فغضب الربّ على موسى »غضبًا شديدًا«. هذا يدلّ في لغتنا البشريّة أنّ الربّ من جهة حزن. قدّم لموسى مهمّة، مهمّة عظيمة وهو يرفضها، أراد أن يجعله رئيس شعبه، أن يحمّله مسؤوليّة خلاص، وهو يرفض. إذًا حزن الربّ، لا بل غضب الربّ واستعدّ لمعاقبة موسى. ولكنّ غضب الربّ يزول بسرعة. لهذا أراد أيضًا أن يردّ على هذا الاعتراض بل على هذا الرفض. كأنّي بالربّ لم يرضَ برفض موسى. حوّل رفضه إلى اعتراض بسيط، وسوف يتجاوزه.

5 - هارون رفيق موسى

قال الربّ له: »أعرف هارون اللاوي أخاك أنّه فصيح اللسان« (آ 14). هذا هو الجواب الأوّل. تقول: لست فصيحًا. هارون هو فصيح اللسان. تخاف أن تكون وحدك ولا تثق بالعصا التي تدلّ على حضور الربّ. فهارون اللاوي خارج للقائك. وأخيرًا هو يراك ويفرح في قلبه. لن يكون هناك حسد أنّك أنت من اختارك الربّ وهو لم يختره، يفرح في قلبه حين يراك، وسيفرح في أن يرافقك في المهمّة. هارون اللاوي هو أخوك. إذًا يعرف ما في قلبك. هناك صداقة بينكما. فصيح اللسان، خارج للقائك، يفرح في قلبه. وهكذا بدأ الربّ فأرسل موسى إلى هارون.

وتابع الربّ: »كلّمْه أنت بما تريد أن ينطق به«. (آ 5). يعني كما كلّم الربّ موسى، على موسى أن يكلّم هارون. وأنا أعينكما على ما تقولانه، وأعلّمكما وأريكما ما تعملان. في آية 12، أنا أعينك على الكلام وأعلّمك. هنا في آية 15 الربّ لا يعني موسى فقط، لكن موسى وهارون فيقولان ما يجب أن يقولا ثمّ يعلّمهما. وأخيرًا نقرأ إضافة ثالثة: يريهما ما يعملان.

لا يعرفان كيف يتصرّفان خصوصًا تجاه الفرعون. فالمهمّة صعبة وأكبر من هذين الشخصين اللذين يرتبطان بشعب يعيش في العبوديّة. الربّ يريهما ماذا يعملان. أمّا المعاطاة بين موسى وهارون، فنقرأها في آية 16: »هارون يخاطب الشعب عنك وينطق باسمك، وأنت تكون له كأنّك ا؟ااهيوحي إليه«. يعني كما أنّ ا؟ أوحى إلى موسى، كذلك موسى يوحي إلى هارون. هذا الوحي الذي انطلق من موسى، سيحمله موسى إلى هارون. كما أنّ الربّ أراد لموسى أن يكون نبيّه، فموسى سيجعل من هارون نبيّه.

نلاحظ هنا بشكل خاصّ أنّنا سنكون مع اثنين، مع موسى وهارون. موسى صاحب السلطة »السياسيّة« وهارون صاحب السلطة العباديّة، الروحيّة، الكهنوتيّة. كأنّ هارون هو الكاهن. إجتمعت السلطتان في يد موسى، من أجل خير الشعب. من أجل خلاص الشعب ولكنّ موسى لا يستطيع أن يفعل، فهو أضعف من ذلك. ولا هارون يستطيع أن يفعل، فهو بشر. وسوف نرى أنّه سينكر الربّ ويعبد العجل الذهبيّ. أرسل الربّ الاثنين وهذا يكفي.

لهذا نقرأ الآية 17: »قال الربّ لموسى خذ بيدك هذه العصا«. هذه العصا هي علامة خارجيّة تدلّ على حضور الربّ مع موسى وهارون. إن أراد موسى وهارون نسيان حضور الربّ معهما، فهذه العصا تذكّرهما. نحن ننسى مرّات عديدة أنّ الربّ معنا، أنّه يفعل بيدنا. ننسى أنّه يصنع المعجزات. كانت هذه العلامة الخارجيّة. العصا لموسى وهارون. والربّ يعطينا مرّات عديدة علامات خارجيّة تدلّ على حضوره فينا ومعنا.

هذا هو معنى الخروج (4: 10-17): عنوانه هارون نبي موسى. إعترض موسى مرّة أولى، ثمّ اعترض مرّتين، فأعطاه الربّ نبيٌّا يتكلّم باسمه. ولكن سواء كان هارون مع موسى أو لم يكن معه، فالربّ حاضر في هذه المهمّة. في هذه الرسالة التي تتعدّى الأشخاص وتصل إلى الشعب. فالربّ هو من يفعل في البداية وفي النهاية. يكفي أن نثق به وأن نتأكّد من حضوره. فهو بيدنا يصنع، بواسطتنا يُجري المعجزات. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM