الأبرار والأشرار أمام الله

 

الأبرار والأشرار أمام الله

مزمور 37

1 - نقرأ الكلمة، نتذوّقها

أحبّائي، كلام الربّ نور في دربنا، مصباح في حياتنا. ونحن نحتاج دائمًا إلى هذا النور لكي نتصرّف، لكي نعمل، لكي نتكلّم، لكي نفكّر، لكي نحيا. وهذا الكلام هو كالغذاء. لا نأكله بسرعة بل نمضغه على مهل.

أقول هذا الكلام بعد أن تأمّلنا في قسم بسيط من المزمور 37 وكان بالإمكان أن نقرأ آيتين أو ثلاثًا فقط. ولكن قرأنا 11 آية. لماذا؟ هذا الكلام مهمّ جدٌّا، لأنّ البعض يفتكر أنّ عليهم أن يقرأوا المزامير كلّها في يوم واحد أو في يومين أو يقرأوا مقاطع من الكتاب المقدّس ويسرعون في القراءة. مثل هذا لا ينفع. هذه القراءة تبدو بشكل مخدّر، وكأنّ كلمة الله تفعل دون أن نتفاعل معها، دون أن نتركها تدخل إلى أعماقنا، إلى حياتنا. نصبح نحن كلمة الله الحيّة. المهمّ المهمّ هو أن نتأمّل في هذه الكلمة، أن نتذوّق هذه الكلمة. ونحن لا نتذوّقها إن بلعناها بلعًا، إن أسرعنا في قراءتها، إن أردنا أن نصل بسرعة إلى نهاية الفصل، هذا لا ينفع إلاّ القليل.

لا شكّ، عندما نقرأ الكتاب المقدّس، ومهما كانت قراءتنا، يبقى بعضُ التأثير لأنّ كلام الربّ يفعل. ولكن أهمّ من هذا هو أن نأخذ كلّ كلمة من كلمات الله، نتأمّل فيها، نجعلها جزءًا من حياتنا.

كانوا يقولون عن صموئيل ما كان يترك كلمة تسقط على الأرض أبدًا. كما كنّا نفعل في الماضي إذا سقطت منّا قطعة خبز على الأرض: ننحني نأخذها، نقبّلها ونأكلها.

لا يمكن أن نترك كلام الله يمضي بهذه السرعة. بل نقرأه على مهل، نتأمّل فيه، نتذوّقه.

ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ. ذوقوا وانظروا ما أطيب كلمة الربّ. وهنيئًا لنا عندما نلتذّ بهذه الكلمة، فنفضّلها على الكلمات مهما كانت جديدة، مهما كانت منمّقة، مزخرفة. كلمة الله وحدها نور وحياة.

ونعود، أحبّائي، إلى ما قرأناه في المرّة الماضية مزمور 37 من 1 إلى 11 ثمّ نتابع تأمّلنا في مزمور 37: مصير أهل السوء.

من آية 1: لا تغر من أهل السوء حتّى آية 11: في سلام عميم.

وهكذا انتهى القسم الأوّل من المزمور 37 مع كلام سيستعيده يسوع: طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض. وذلك في التطويبات، في شرعة المسيحيّ. استعدنا هذه الآية الرائعة، استعادها يسوع فأفهمنا أنّ الأرض التي نرثها ليست مياهًا وترابًا، عشبًا وشجرًا، إنّما هي موطن مع الله، حياة مع الله.

ونتابع، أحبّائي، قراءة المزمور من آ 12 وما يلي:

2 - ما يُرى وما لا يُرى

في هذا القسم الذي سوف نقرأه، نجد محاولات الشرّير لكي يضرّ بالأبرار ولكنّ الربّ هو هنا لكي يدافع عن أتقيائه. لا شكّ، يمكن أن يسقطوا، أن يقعوا، أن يموتوا. فهناك من يموت في الاضطهاد من أجل اسم الربّ، ومع ذلك يجب أن نؤمن أنّ النهاية هي في يد الربّ، أنّ حياتنا هي في يده.

حياتنا كالموج، كالبحر من خارج الموج. لا شكّ أنّ الأشرار ينتصرون على الأبرار، ولكن في العمق هو السلام الكبير، السلام العميم الذي يُحسّ به المؤمن. كعب البحر غير سطح البحر، ما يُرى غير ما لا يُرى، ما يُرى هو لزمان أمّا ما لا يُرى فهو إلى الأبد.

على هذا يتّكل المؤمن.

ونقرأ، أحبّائي، 37 آية 12: الشرّير يذمّ حتّى آية 15: لا بدّ أن تنكسر. هذا المزمور صوّر لنا في الآيات 12 إلى 15، ما يفعله الشرّير.

ولماذا يفعل الشرّير بالبارّ ما يفعل؟ لأنّ حياته تبكّت ضميره، لا تجعله في سلام. يقول:

لماذا يعيش البارّ مثل هذا العيش؟ لماذا لا يكون مثلنا نحن الأشرار؟ يبدأ أوّلاً يذمّ الصدّيق، يكيد له بالكلام ثمَّ بالعمل، ويصرّ أسنانه عليه علامة الغضب، علامة الحقد، علامة الغيظ، والصدّيق لا يستطيع أن يفعل شيئًا. هو أضعف من أن يقدر أن يفعل. هو لا يفعل. ولكن الربّ يفعل. نترك كلّ شيء لعدالة الله. لا نستبق عدالة الله ولا ندين أحدًا باسم عدالتنا الشخصيّة.

3 - لكن الربّ يضحك

آ 13: لكنّ الربّ يضحك على الشرّير.

هذا ما نقرأه أيضًا في مزمور 2: السيّد في السماوات يضحك. يضحك يعني يبتسم. يعني لا يهتمّ لما يعمله الشرّير. عمل الشرّير لا يدوم إلى الأبد.

ويرى أنّ يومه آتٍ.

يوم الشرّير. وهذا اليوم قد يكون يوم الموت، ربّما. ولكن في هذا اليوم يرى نتائج شروره. نتائج شروره أوّلاً على نفسه حين يعود الشرّ عليه: من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها، ومن نصب فخٌّا لقريبه علق به.

هذا الشرّير سيرى أنّ الشرّ يقع عليه، يعود إليه، وأنّ البارّ هو في خير، لأنّ في الربّ حمايته.

ويصوّر المزمور هنا ما يفعله الأشرار لكي يصيب المسكين والبائس والوديع والمتواضع. ولكنّ الربّ هو الذي يفعل في النهاية. والصور هنا صور حربيّة: يستلّون السيوف، يسدّدون السهام. كأنّنا في معركة مع لحم ودم: بالسيف يذبحون، بالسهام يصرعون. ومن يريدون أن يذبحوا، ومن يريدون أن يصرعوا؟ لا الأعداء الأشرار الذين يهدّدون السلام في شعب الله، بل السالكين في سواء السبيل، المستقيمي القلوب. يهدّدون المسكين والبائس. هدفهم القتل ليذبحوا، ليصرعوا. لكن نقرأ في 15 الكلمة الأساسيّة: استلّوا سيوفهم، لكنّ سيوفهم ترتدّ إلى قلوبهم. سدّدوا سهام قسيّهم. لكنّ قسيّهم لا بدّ أن تنكسر، وبالتالي لا تستطيع أن ترسل السهام إلى السالك في سواء السبيل، إلى المسكين والبائس.

في الجزء الأوّل من آية 15: سيوفهم ترتدّ إلى قلوبهم. أرادوا أن يقتلوا الآخرين، فإذا هم يُقتَلون. أرادوا أن يذبحوا الآخرين فإذا هم يُذبحون. القسم الثاني: قسيّهم لا بدَّ أن تنكسر. ومن يدري، ربّما يفهمون أنّ الربّ هو سيّد التاريخ، أنّ الربّ هو الذي يوجّه حياة الإنسان. لا شكّ، نحن أحرار ونتصرّف. ولكنّ الربّ هو الذي يحوّل الشرّ إلى خير، الربّ هو الذي يقدّم الحماية لأحبّائه، لأصدقائه، للمساكين، للبؤساء.

4 - بين مصير ومصير

ويعود المرتّل في آية 16، فيقابل من جديد بين مصير البارّ ومصير الشرّير. يعتبر الشرّير أنّه قويّ، وأنّه يستطيع أن يضرب. لكنّ الربّ سيكسر يده، كما جعل القسيّ تنكسر والسيوف ترتدّ.

أمّا الأبرار فالربّ يعضدهم. يظنّ الشرّير أنّ له الكثير، فهو يستطيع أن يحارب، أن يقاتل.

أمّا الصدّيق الذي له القليل، ففي الواقع هو الغنيّ، الغنيّ. هكذا مثلاً قيل عن الأنبياء عن إيليّا عن أليشع. لم يكن لهما شيء وكانا أغنى الأغنياء.

إذًا نقرأ، أحبّائي، مزمور 37 آية 16 إلى 21: القليل... ويعطي. ويتابع المزمور على هذا المنوال. ولكنّنا نتوقّف هنا، ونتابع تأمّلنا في آية 16.

آية 16: القليل الذي يملكه الصدّيقون، خيرٌ من ثروة جميع الأشرار، أو من كلّ ثروة الأشرار. القليل المال، القليل الثروة والغنى. الصدّيقون يقابلون الأشرار، وسوف نرى المقابلة في كلّ هذا المقطع في آية 16: الصدّيقون والأشرار.

في آية 17: سواعد الأشرار والصدّيقين.

آية 18 الأبرار - آية 20 الأشرار - آية 21 الشرير والصدّيق. إذًا هناك مقابلة بين الاثنين.

أوّل مقابلة على مستوى المال، على مستوى الثروة. هنا على مستوى القوّة. تتكسّر الأيدي، بحيث تنشلّ ولا تستطيع أن تفعل شيئًا.

أمّا الصدّيقون فلا سواعد لهم قويّة. سواعدهم هي الربّ. الربّ هو الذي يسندهم، الربّ هو السند الحقيقيّ، القوّة الحقيقيّة. قوّة العظماء تبقى بسيطة، كما تقول العذراء في نشيد التعظيم: حطّ المقتدرين عن الكراسيّ ورفع المتواضعين. ويتابع المزمور:

سواعد الأشرار تنكسر، والصدّيقون يُسندهم الربّ.

إلى ماذا نريد أن نستند نحن في حياتنا؟ إلى المال؟ إلى العظمة؟ إلى القوّة؟ إلى العنف؟ إلى البشر؟ إلى العظماء من البشر؟ لا. نستند فقط إلى الربّ: معونتنا باسم الربّ. هو أقوى من الجميع، هو الذي صنع السماوات والأرض.

ويتابع المزمور: الربّ يصون حياة الأبرار.

مثل تصوينة يحيط بحياة الأبرار. لا يجعلها في خطر من اللصوص، من السرّاق، كلاّ.

وميراثهم يبقى إلى الأبد.

هذا الميراث الذي هو عطيّة من عند الربّ، لا يتوقّف عند الأمور المادّيّة. بل يتوقّف عند عطيّة الربّ وحضوره.

الربّ يصون حياة الأبرار، وميراثهم يبقى إلى الأبد.

كلّ ما يمنحنا الربّ، يكون إلى الأبد.

لا يخزون في زمن السوء وفي أيّام الجوع يشبعون.

في أيّام السوء، في زمن السوء، الجميع يخافون. أمّا المساكين الذين وضعوا ثقتهم في الربّ فهم يصلّون: أبانا الذي في السماوات، أعطنا خبزنا كفاف يومنا. فهم متأكّدون أنّ صلاتهم ستكون مسموعة.

في أيّام الجوع يشبعون.

توسّع الكاتب هنا في مصير الأبرار، أمّا الأشرار وأعداء الربّ، فيبيدون كنضرةِ المراعي: أجمل الأعشاب تُباد، مثل الدخان يضمحلّون.

هذا هو مصير الأشرار مثل الدخان يضمحلّون. فكأنّهم ما كانوا.

نعم يا ربّ نجعل اتّكالنا عليك، نأخذ قوّتنا من قوّتك، وغنانا من غناك، وحياتنا من حياتك، فلا تخيّب أملنا. آمين.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM