مصير أهل السوء

مصير أهل السوء

مزمور 37

1 - نصلّي ونتعلّم

أحبّائي، الربّ يكون معنا وروحه يحلّ علينا فنتعلّم. فالمزمور 37 الذي سوف نقرأه ونتأمّل فيه، هو مزمور تعليم مثل المزمور 36. مزمور تعليم، لأنّ الصلاة هي في الوقت عينه تعليم. المؤمن، وهو يصلّي، يتعلّم من الربّ. وإذ هو ينال نتيجة الصلاة يعلّم إخوته. هذا المعلّم عاد إلى اختباره، عاد إلى ما سمعه هنا وهناك، وقدّم محموعة من الحكم ينبغي أن نتوقّف عند كلّ واحدة منها فنعرف ما يكون مصير الأشرار، وما يكون مصير الأخيار.

دائمًا الطريقان أمامنا. طريق السعادة والحياة. طريق الشقاء والموت. هما أمامنا ونحن نختار. صوت الربّ في أعماق ضميرنا يحرّكنا، يدعونا، يُلهمنا، يقوّينا، يدفعنا. هنيئًا لنا إن نحن قبلنا أن نسير بهدْيِه، إن قبلنا أن نسمع له ونطيعه.

وخصوصًا نحن ننظر إلى أمانة الله، ننظر إلى رحمة الله، لا ننظر إلى البشر، لا ننظر إلى الأشرار. فنظرتنا إلى الأشرار تجعلنا بعض المرّات نيأس، أو نحاول أن نقتدي بهم. فالأشرار ينجحون مرارًا في هذا العالم، أقلّه على المستوى الخارجيّ، على مستوى العظمة، على مستوى القوّة، على مستوى المال، على مستوى السلطة والشهرة.

2 - نتعلّم من الربّ، لا من البشر

لا شكّ أنّ المتواضع لا أحد يراه، الوديع لا أحد يسمعه. ونحن المؤمنين قد نحاول بعض المرّات أن نتصرّف تصرّف الأشرار. نحسب أنّ الربّ لا يعرف أن يتصرّف، هو يريد أن يغفر، هو يريد أن يتحنّن، يريد أن يرحم، يريد أن ينسى، ونحن لا نريد أن ننسى، لا نريد أن نتحمّل، نريد أن نعلّم الآخرين. نعلّم الآخرين، نعطيهم أمثولة.

وهذه الأمثولة هي مرارًا أمثولة العنف، أمثولة الانتقام، وهذا ما لا يريده الربّ. وهو الذي قال لنا: لا تقاوموا الشرّير، من ضربك على خدّك الأيمن حوّل له الأيسر. نحن عندما ننظر إلى الأشرار، نتشاءم أو نودّ أن نقتدي بهم. الأفضل أن ننظر إلى الله، الله الحاضر في حياتنا. الله الذي هو ملء سعادتنا. الله الذي ينمّينا وفي النهاية نعرف الطريق التي قادنا فيها.

يا ليتنا نعود إلى ذواتنا، إلى النور الذي جعله الله في قلوبنا، فننظر إلى الشرّ ونتطلّع في البعيد إلى الخير. فالربّ يستخلص الخير من الشرّ. ونتطلّع إلى الأشرار، ولا نريد أن نُفنيهم، بل ننظر إلى الله الذي لا يريد موت الخاطئ بل عودته عن ضلاله ليحيا. بهذه الروح نقرأ المزمور 37 عن مصير الأشرار ومصير الأخيار مع تشديد على مصير أهل السوء، لعلّ المؤمن ينتبه، والخاطئ يعود إلى ذاته.

3 - أين هي السعادة الحقّة

مزمور 37 نقرأ: لا تغر من أهل السوء... وينعمون في سلام عميم. قرأنا، أحبّائي، مزمور 37 من 1 إلى 11. المعنى الأساسيّ في هذا القسم الذي قرأناه، هو أنّ على البار أن لا يشغل باله بسعادة الأشرار. هذه السعادة قصيرة المدى. وبدلاً من أن يأخذ بطريق الأشرار، فليتّكل على الربّ، لينتظر الربّ، ليفوّض أمره، طريقه، إلى الربّ.

وفي النهاية يرى ماذا يمنحه الربّ، أيّة سعادة يُغدقها الربّ عليه.

لا تغر من أهل السوء، ولا تحسد الذين يجورون. الغيرة، الحسد. الغيرة يعني نريد أن نكون مثلهم. أن يكون لنا مالهم. أن نرى الخير الذي فيهم ونريده لنا. هكذا نتبع أهل السوء، نتبع أهل الجور الذين يظلمون الناس. لا شكّ، هم الأقوياء تجاه الضعفاء. يبدون كشجرة كبيرة، كشجرة عالية، كأرز لبنان كما تقول الآية 35 أو كشجرة شارقة، ناضرة، كلّها. هي حياة في الخارج.

لا تغر من أهل السوء، لا تحسد الذين يجورون. لماذا؟ السبب بسيط. هم ينقطعون سريعًا كالحشيش، ويذبلون كالعشب الأخضر. نعم الحشيش يُقطع ويصبح طعام البهائم، والعشب الأخضر لا يعتّم أن يذبل بسبب حرّ الصيف. مهما طال عملهم، مهما طالت حياتهم، فهي لا تمتدّ أكثر من بضعة أوقات. إذا طلع العشب في الربيع، فقبل أن يأتي الصيف صار ذابلاً، صار يابسًا. لا حياة فيه.

لا تغر. هو أمر، هي وصيّة الأب لأبنائه، والمعلّم لتلميذه. لماذا؟ أعطاه السبب. السبب هم كالحشيش، هم كالعشب الأخضر، ما يعتّمون أن يزولوا.

4 - توكّل على الربّ

وتجاه السلبيّ، لا. هناك الإيجابيّ في آية 3: توكّل على الربّ واعمل الخير، تسكن الأرض ويحفظك الأمان. وصيّة سلبيّة: لا تغر، لا تفعل. وصيّة إيجابيّة: توكّل على الربّ. إذًا لا تتوكّل على هذا العالم، لا تتوكّل على العظماء، على الأقوياء. لا تتوكّل على المال، على القوّة، على البطش، كلاّ. توكّل على الربّ.

مهمّ جدٌّا هذا الكلام. استند إلى الربّ. وإذ تتوكّل على الربّ تعمل الخير حتّى يكون توكّلك صادقًا. الأشرار انقطعوا كالحشيش، ذبلوا كالعشب. أمّا الأبرار الذين يتوكّلون على الربّ ويعملون الخير، فهم يسكنون الأرض ويحفظهم الأمان. يسكنون الأرض هادئين، مطمئنّين، آمنين.

أمان الربّ. نتذكّر هذه الصلاة القديمة: من أجل أمان وسلام العالم كلّه. الربّ هو ربّ الأمان، الربّ هو ربّ السلام. تسكن الأرض ويحفظك الأمان. كأنّي به هنا يرى الشعب خارج أرضه، في المنفى. لأنّه عمل الشرّ، اجتاجه الشرّ وعاقبه الشرّ الذي فيه. يا ليته اتّكل على الربّ، لا على المعاهدات مع البلدان القريبة، لكان سكن الأرض، لكان الآن في أرض الموعد، لكان الآن يعيش الأمان والسلام.

ويعود ويقول مرّة ثانية. توكّل على الربّ، توكّل على الربّ تسكن الأرض. وهنا آية 4: توكّل على الربّ فيعطيك ما يطلبه قلبك. لا ما تطلبه شهواتك ورغباتك الخارجيّة التي تشتعل وتنطفئ سريعًا، بل ما يطلبه قلبك. والقلب هو مركز الإرادة، القلب هو مركز التعلّق بمشيئة الله، هو مركز العاطفة، مركز الحبّ.

ويعود إلى الفكرة ذاتها: سلّم إلى الربّ أمرك واتّكل عليه وهو يدبّر. توكّل، سلّم إلى الربّ أمرك، اجعله بين يدي الربّ. ونعود أيضًا إلى الاتّكال ثالث مرّة: اتّكلْ عليه وهو يدبّر. يرى الأمور مسبّقًا ويهيّئ لنا الطريق، مثل أمّ تهيّئ كلّ شيء لابنها قبل أن يُولد. الربّ هو الذي يدبّر حياتنا، يدبّر أعمالنا، يدبّر مصيرنا وسعادتنا.

5 - وانتظر عمله

بعد ذلك كيف نخاف بعد أن نعرف من هو الربّ. الربّ الكلّيّ القدرة، الربّ الكلّيّ القداسة، الربّ الكلّيّ الرحمة الذي فعل ويفعل، الربّ الذي هو كلّيّ الأمانة.

في آية 6 عندما نعمل الخير، عندما نتّكل على الربّ ماذا يفعل الربّ؟ يُعلن كالنور صِدقك، ومثل الظهيرة براءتك. البشر يحكمون ببراءة إنسان من الناس. وإذا كان قويٌّا فهو في أيّ حال بريء. وإذا كان غنيٌّا فهو في أيّ حال صادق. أمّا الفقير فينكرون صدقه ولا يرون براءته. وحده الربّ يعلن صدقنا نحن الضعفاء، يعلنه كما النور بحيث لا يمكن أن يخبّئه شيء. يعلنه فيصبح واضحًا كالظهيرة حين تكون الشمس في كلّ قوّتها. الربّ وحده يعلن براءتنا. الربّ وحده يعلن برارتنا.

لا ننتظر هذا من البشر، كما يقول مار بولس: لا يدينني أحد، بل أنا لا أدين نفسي، ديّاني هو الربّ. إذًا لا أنتظر رضى الناس بل رضى ا؟. لا أنتظر نظرة الناس إلى حياتي بل نظرة الله. والله هو الذي يعرف متى وكيف يعلن صدقي، متى وكيف يُظهر برارتي، يُظهر براءتي. هو ليس تحت أمري بل أنا تحت أمره. هو لا يعمل مشيئتي لأنّ مشيئتي محدودة وفيها الكثير من المنفعة. هو يَطلب منّي أن أفعل مشيئته، ولا يُسرع بل ينتظر.

ولهذا يقول لنا المزمور في آية 7 مزمور 37: انتظر الربّ. يطلب منّا الانتظار كما يقول المزمور: كما أن عين الأمة على يد سيّدتها، كما أنّ عين العبد على يد سيّده ،هكذا عيوننا إليك يا ربّ. انتظر الربّ. لا تعجّل مع الربّ. كن صبورًا مع الربّ وهذا مهمّ جدٌّا. الربّ يتأخّر ويتأخّر، لا لأنّه لا يريد أن يفعل، لا لأنّه ضعيف وينتظر الوقت المناسب. كلاّ ثمّ كلاّ.

الربّ يتأخّر لكي يجعلنا نستعدّ فنتقبّل عطاياه، فنتقبّل حضوره. هو يدقّ على الباب وينتظر طويلاً. ويكلّمنا وينتظر منّا أن نسمع. انتظر الربّ. وانتظارنا هو فعل إيمان، انتظارنا هو فعل رجاء، لأنّنا متأكّدون بأنّه سيفعل. سيُفهمنا أوّلاً طريق الشرّير، ويعلّمنا الاتّكال الكامل على نعمته، على محبّته، على رحمته.

6 - تجنّب الغضب وابتعد عن الغيظ

في آية 1 - 2 كان كلامه عن الشرّير، عن الأشرار. في آية 3 إلى آية 7 قدّم لنا نظرة إلى المتوكّل على الربّ وما ينال من نعم عندما يتّكل على الربّ. ولكن يبدو أنّ المؤمن لم يقتنع، لأنّ هذا الاتّكال يطلب إيمانًا عميقًا، إيمانًا قويٌّا، إيمانًا لا تؤثّر فيه الظروف والصعوبات التي تجتاح حياتنا. لهذا السبب نعود ونتطلّع إلى أهل السوء.

فيقول لنا المرتّل في آية 7: لا تغر من الناجح في طريقه، من الذي يدبّر المكايد. تجنّب الغضب وابتعد عن الغيظ، ولا تحسد من يفعل الشرّ، فالأشرار يقطعهم الربّ والذين يرجونه يرثون الأرض. ما أسرع ما يزول الشرّير. تتبيّن مكانه فلا يكون.

عاد المرتّل: لا تغر من الناجح في طريقه. كان قد قال في آية 1: لا تغر من أهل السوء. يعملون السوء، ينجحون. ولكن في طريقهم لا في طريق الربّ. الطريق الذي اختاره، هو طريق الشرّ. ينجح فيه ولكنّ هذا النجاح ليس بنجاح. النجاح الحقيقيّ يكون عندما نسير في طريق الربّ. طريق المنافق، طريق الناجح تدبّر المكائد.

في آية 5: الله يدبّر، يدبّر خائفيه، أمّا الشرّير فيدبّر المكائد. وهذا ما يجعل المؤمن يغضب يغتاظ. آية 8: تجنّب الغضب وابتعد عن الغيظ، ولا تحسد من يفعل الشرّ. لماذا؟ آية 9: فالأشرار يقطعهم الربّ. في آية 2: هم ينقطعون سريعًا كالحشيش. ويقابل المرتّل الأشرار (آية 9) الذين يقطعهم الربّ، يقتلعهم من الأرض. والذين يرجونه يرثون الأرض. الاتّكال، الانتظار، الرجاء. هي عواطف مهمّة جدٌّا للمؤمن الذي يعيش الصعوبات.

ويكمّل: ما أسرع ما يزول الشرّير. تتبيّن مكانه فلا يكون. ما ترك أثرًا أبدًا. مقابل هذا، الودعاء يرثون الأرض وينعمون في سلام عميق. تلك هي المقابلة بين عالم الشرّ وعالم الخير. بين مصير الأشرار ومصير الأخيار. ماذا تختار أيّها المؤمن؟ أن تتّكل على الربّ، أم تتّكل على المال وعلى الشرّ؟ أتريد أن تنتظر ما يفعله الربّ لك، هنيئًا لك. أن تعيش في الرجاء هنيئًا لك. أن تكون من الودعاء الذين يرفضون الشرّ. هنيئًا لك. فأنت ترث الأرض، أرض الموعد، أرض الربّ، وتنعم في النهاية بسلام عميم. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM