صوت الربّ كالرعد

صوت الربّ كالرعد

المزمور29

- إله الرعد والبرق

أحبّائي، نحن دومًا في سفر المزامير، سفر صلوات شعب الله. واليوم نتعلّم أوّلاً أهمّيّة الرعد، أهمّيّة البرق، كما نتعلّم أنّ الربّ هو مَلِكٌ لا في شعب من الشعوب، بل ملك الشعوب كلّها. هو ملك لا في أرض خاصّة، بل هو ملك الأراضي كلّها.

الرعد في الديانات القديمة هو إله يُعبَد. الرعد يرتبط بفعل ارتعد، خاف، عندما يقصف الرعد، يرتعد الإنسان، يخاف الإنسان، يحسبه غضَب الآلهة على البشر الضعفاء. والبرق هو صورة أخرى، هو إله آخر. يخافون منه ولا سيّما في أيّام الشتاء، لأنّه يحمل وراءه الرعد. أمّا الرعد في الكتاب المقدّس فهو صوت الربّ. صوت الربّ الذي يخيف الخاطئ، صوت الربّ الذي يحرّك الكون كلّه، لأنّ الربّ هو ملك الكون، لأنّ الربّ هو إله الكون. كلّ هذا نقرأه في المزمور 29 صوت الربّ كالرعد أو الربّ ملك الكون.

في الواقع انطلق المؤمن، انطلق المرتّل من نشيد وجده في أرض كنعان، في صور، في صيدا، في دمشق، في غزّة، في أيّ موضع من هذه المواضع، فجعله نشيدًا يمجّد به الله المالك على الكون وفي شعبه. قدِّموا للربّ يا أبناء الله. قدّموا للربّ مجدًا وعزّة. قدّموا للربّ مجدًا لاسمه، اسجدوا للربّ في بهاء قدسه.

2 - صوت الربّ

صوت الربّ على المياه... الربّ يمنح شعبه العزّة، الربّ يبارك شعبه بالسلام. أوّل ما نلاحظ في هذا المزمور هو لفظ صوت، صوت الربّ. الآية 3: صوت الربّ على المياه. آية 4: صوت الربّ عظيم، صوت الربّ بهاء. آية 5: صوت الربّ يكسّر. آية 7: صوت الربّ يقدح لهيب النار. آية 8: صوت الربّ يزلزل. آية 9: صوت الربّ يهزّ الأشجار. 7 مرّات صوت الربّ. صوت الربّ هو الرعد. حتّى اليوم، في مجتمعاتنا التقيّة، عندما يسمعون صوت الرعد، يقولون: قدّوس. يعتبرون أنّ صوت الرعد إنّما هو صوت الله. 7 مرّات يرد صوت الربّ، هذا الصوت هو الذي يفعل، يفعل في الكون، يفعل في شعبه. نتذكّر هنا سفر التكوين في الفصل الأوّل حيث كلمة الربّ تخلق الكون. وهناك 10 مرّات نقرأ: وقال الله. وقال الله: ليكن نور... أمّا هنا، فصوت الربّ.

هو النشيد القديم في أرض كنعان، للإله هدد أو للإله بعل. ارتبط بخبرة الشعب العبرانيّ على جبل سيناء، كما في سفر الخروج فصل 19: ظهر الربّ وسط البروق والرعود، فخاف الشعب جدٌّا وقالوا لموسى: لا يكلّمنا الله بل كلّمنا أنت. إذا كلّمنا الله سوف نموت، فنفضّل أن تكلّمنا أنت. ومَن هم الذي ينشدون الربّ؟ مَن هم الذين يتحدّثون عن صوت الربّ؟

3 - يُنشده أبناء الله

آية 1. قدّموا للربّ يا أبناء الله. أو: يا أيّها الآلهة. أو: يا قوى السماء. أو: يا أيّها الملائكة. إذًا هناك أكثر من تسمية. ونستطيع اليوم أن نقولها: قدّموا للربّ يا أبناء الله، يا جميع البشر، يا من أنتم مخلوقون على صورة الله ومثاله. جميعكم تعالوا وشاركوا في الصلاة. وماذا تقدّمون للربّ؟ المجد. تقولون له: المجد لك يا ربّ. قدّموا للربّ مجدًا وعزّة. أنت الإله العزيز، أنت الإله القدير، أنت الإله الجبّار. وسوف نرى ماذا يفعل هذا الربّ الجبّار بكلّ ما يُحسب قويٌّا في ذلك الشرق البعيد.

قدّموا للربّ مجدًا وعزّة، قدّموا للربّ مجدًا لاسمه. لا ننسَ أنّ اسم الربّ يعني الربّ بالذات. وأخيرًا: اسجدوا ؟ في بهاء قدْسه. يعني: في الموضع الذي تتجلّى فيه قداسته.

فكأنّنا أمام لوحتين. لوحة أولى: العالم في فصل الشتاء مع البروق والرعود وما تفعل العواصف في الطبيعة. والمشهد الثاني، الهيكل المقدّس، في بهاء قُدسه، حيث تتجلّى قداسته. أين تتجلّى هذه القداسة؟ في العالم. أين يُرمز عن حضور الله؟ في الهيكل. إذًا موضعان: العالم كلّه، الكون كلّه. ثمّ الهيكل.

وفئتان: فئة أولى، جميع البشر. يعود بنا الكاتب إلى زمن الطوفان، إلى زمن نوح مع أبنائه حام وسام ويافث. في ذلك الوقت كان الربّ هو الملك، هذا الطوفان الذي دمّر الأرض بعد أن جلس الربّ عليه. بعد أن سيطر الربّ عليه، صار مطرًا يُخصب الارض ويمنح الحياة.

وفي جهة ثانية، شعب واحد في الهيكل يبارك الربّ. ما يتمّ في الهيكل، يتمّ في الكون كلّه. وكلّ هيكل مبنيّ بحسب الصورة التي تصوّرها الأقدمون عن الله. قدّموا للربّ يا أبناء الله، قدّموا للربّ مجدًا وعزّةً، قدّموا للربّ مجدًا لاسمه، اسجدوا للربّ في بهاء قدسه. بعد أن طلب المرتّل من جميع الحاضرين، بل طلب من جميع البشر أن يقدّموا مجدًا للربّ. أن يمجّدوه، أن يقدّسوه، بدأ هنا يخبرنا ماذا يفعل الربّ، بل ماذا يفعل صوت الربّ.

4 - فعلُ صوتِ الربّ

آية 3: صوت الربّ على المياه، إله المجد أرعد، الربّ على المياه الغزيرة، صوت الربّ عظيم القوّة، صوت الربّ بهاء كلّه. تنطلق الغيوم من على البحر، وتنطلق العاصفة من هناك. صوت الربّ على المياه يبدأ في البحر، البرق، الرعد. لم يعد الرعد إلهًا، لم يعد الرعد قوّة في حدّ ذاتها، الرعد هو صوت الله. الربّ على المياه الكثيرة يعني على البحر. صوت الربّ عظيم القوّة، صوت الربّ بهاء كلّه. هذا الصوت الذي يُرعب، بل يجعل الإنسان يرتعد، هو الذي يحمل معه الغيوم ويحمل معه الأمطار. أوّلاً بدأت قوّة الله على البحر، وهي ستنطلق من البحر إلى البرّ.

آية 5: صوت الربّ يكسّر الأرز، يكسّر الربّ أرز لبنان. نلاحظ، أحبّائي، دائمًا التكرار فكأنّنا أمام جوقتين: الكاهن يقول صوت الربّ يكسّر الأرز. والشعب يردّ: يكسّر الربّ أرز لبنان. إذًا تبدّلت كلمة واحدة. الجماعة تشدّد على ما يحدث على الأرض. الأرز أجمل الأشجار، أقوى الأشجار، أعتق الأشجار التي تعيش آلاف السنين. الأرزات الكبار لا تقف في وجه الربّ، لا تقف في وجه رعده. وليس كلُّ أرز، بل أرز لبنان، بل جبل لبنان، هذا الجبل الشامخ الذي هو أعلى منطقة في سوريّا ولبنان والأردنّ وفلسطين وصولاً إلى مصر. هو أعلى جبل، وعلوّ الجبال وامتدادها يدلاّن على العظمة، على القوّة.

ولكنّ هذه الجبال الهامّة (آية 6) بما فيها جبل لبنان (آية 7)، جبل حرمون أو سريون، جبلان مهمّان لا يقفان في وجه قوّة الله. جبل لبنان بثقله وحجمه وضخامته، يقفز كالعجل عندما يقترب من صاحبه، وهكذا جبل لبنان هو كالطفل، كالولد أمام الربّ القدير، وحرمون كولد الثور الوحشيّ، عندما تأتي أمّه أو يأتي أبوه. يقفز هذا الجبل الجبّار، الجبل المحرّم، الذي ما كان أحد يجرؤ على القرب منه. هذا يصبح كولد الثور، يصبح ضعيفًا جدٌّا، يصبح مرتبطًا  خصوصًا بأمّه التي ترضعه.

5 - في الخارج خطر

آية 7: صوت الربّ يقدح لهيب نار. مع الرعد يأتي البرق. البروق الواحد بعد الآخر. عمليٌّا نسمع، نرى البرق ونسمع الرعد. هما يترافقان بدون شكّ، ولكنّ سرعة النور أقوى من سرعة الصوت، لكن نقرأ هنا: صوت الربّ يقدح لهيب نار مثل الصوّان. لا ننسَ أيضًا أنّ النار ترمز إلى حضور الله.

نلاحظ كيف أنّ العاصفة انطلقت من المياه، صعدت إلى الجبل، جبل الأرز الذي هو في الشمال. والشمال دومًا هو مركز تجلّي الله، تجلّي الآلهة. دائمًا الآلهة يكونون في الشمال، ولماذا؟ لأنّ الدبّ الأكبر، نجمات الدبّ الأكبر هي في الشمال. إذًا بدأت العاصفة، خرجت من البحر وضربت الشمال، لبنان هو في الشمال، ثمّ عادت إلى جبل لبنان، فوصلت إلى حرمون وسوف تتابع العاصفة مسيرتها. إلى أين؟ في الصحراء.

آية 8: صوت الربّ يزلزل البرّيّة، يزلزل الربّ برّيّة قادش، يعني البرّيّة المقدّسة، البرّيّة التي كانوا يعبدون فيها الآلهة، إذًا البرّيّة تزلزلت، وخصوصًا البرّيّة المقدّسة. وخلال مرورها، هذه العاصفة هزّت الأشجار، وعرّت أشجار الغاب، في الشتاء لم يبقَ ورق على الشجر، أقلّه الأشجار التي في البرّيّة لا الأرز. وهناك من يقول: صوت الربّ يهزّ الأشجار ويجعل الأيائل تلد، تضع قبل أوانها لأنّها خافت من صوت الربّ القدير.

6 - في الداخل أمان

دارت العاصفة من الشمال، إلى الشرق، إلى الجنوب وأرض فلسطين، وأرض الربّ ظلّت هادئة، ظلّت مطمئنّة. فكأنّ العاصفة لم تصلها. لماذا؟ لأنّ في قلبها هيكل الربّ. لهذا ينتهي كلّ هذا النشيد لصوت الربّ مع: كلّ من في هيكله يهتف: المجد لك يا الله.

المؤمنون هم هنا في الهيكل، إذًا هم في أمان، هم في طمأنينة، في سلام، لأنّ الربّ حصنهم، لأنّ الربّ يسترهم، لأنّ الربّ يظلّلهم. هيكل الربّ يعطي أرض الربّ أمانها، يعطي فلسطين قداستها.

وبعد هذا النشيد الذي أُخذ من العالم الكنعانيّ، وصار نشيدَ المؤمن في الهيكل، يعود الكاتب إلى سفر التكوين فيحدّثنا عن الطوفان الذي أهلك كلّ نسمة حيّة. هذا الطوفان صار كرسيٌّا، صار عرشًا يجلس عليه الله. لم يعد تلك القوّة المهدّدة، قوّة الشرّ، بل صار موضع الأمان. فالربّ هو الذي حوّله. كما حوّل روح الربّ في البداية المياه التي هي رمز إلى الشرّ، وجعلها مصدر حياة لمّا رفرف عليها روح الربّ، كذلك جلس الربّ على الطوفان فحوّله إلى مطر خيِّر يحمل النعم، يحمل الرفاه إلى شعبه، والازدهار إلى أرضه. بقدرة الله الملك.

وينتهي المزمور: الربّ يمنح شعبه العزّة، هذه العزّة هي عزّة الله، وهذه القوّة هي قوّة ا؟، وهي ترتبط بصوت الله. والربّ يبارك شعبه بالسلام، العاصفة حطّمت كلّ شيء، أمّا شعب الربّ فهو في سلام. العاصفة ما تركت ورقًا على الشجر، ولا تركت جبلاً واقفًا، أمّا شعب الربّ فنال البركة، نال الحضور الإلهيّ. فكأنّه لم يسمع بالعاصفة ولم يعرف بها. فالربّ في الهيكل، وهو يحوّل كلّ شيء إلى بركة في الهيكل. قدّموا للربّ يا أبناء الله. نحن أبناءك، نقدّم لك كلّ مجد وعزّة، ونسجد لك في بهاء قدسك، فباركنا وامنحنا سلامك وأمانك. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM