العبادة الحقّة والعبادة التي ترضي الله
المزمور الخمسون
أحبّائي، قراءتنا للمزامير تنتهي اليوم، في قسم أوّل مع المزمور 50. نستطيع أن نقسم المزامير إلى ثلاثة أقسام 1-50، 51-100، 101-150. هي قسمة سريعة لكن هناك قسمة من نوع آخر، بخمسة أقسام على مثال أسفار موسى الخمسة.
الكتاب الأوّل، مثلاً ينتهي بالمزمور 41. الكتاب الثاني ينتهي بالمزمور 72، ثمّ 90، 107، 150.
لكن، نحن قسمنا هذه المزامير إلى ثلاثة أقسام مع قسمة في المزمور 50، الذي يتحدّث عن العبادة، التي ترضي الله، أو العبادة الحقّة البعيدة عن الكذب، البعيدة عن الرياء.
كما قال النبيّ إشعيا: هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وقلبه بعيد عنّي.
ونبدأ فنقرأ هذا المزمور الذي ارتبط بآساف. وآساف هو جدّ إحدى عائلات اللاويّين، التي أُوكل إليها النشيد في الهيكل.
نقرأ، إذًا، المزمور 50: الربّ... طريقه أريه خلاصي. إذًا، أحبّائي، قرأنا المزمور 50. جاء هذا المزمور متأخّرًا، ربّما في وقت الجلاء، أو في وقت المنفى سنة 587 إلى 538 قبل المسيح. لم يعد هناك من هيكل، أحرقه البابليّون 587 - 586، ولم يبقَ سوى المذبح، ولكن توقّفت الذبائح، لأنّها عادة كانت تُذبح في أورشليم.
إذًا، كُتب هذا المزمور، ليُفهم المؤمنين، ويُفهمنا نحن أيضًا، أنّ الذبيحة الخارجيّة ليست الأهمّ، هي تعبير تدلّ على الذبيحة الداخليّة.
قال هوشع: أريد رحمة لا ذبيحة. يعني يمكنك أن تقدّم الذبيحة وتعتبر نفسك قد أرضيت الله. ولكن ما يريد الله، لا إرضاءه، بمثل هذه الأمور الخارجيّة؛ يريد الربّ إرضاءه بهذه الرحمة التي تغمر قلبنا، والتي بها نتعامل مع الآخرين.
إذًا الربّ، لا يريد مثل هذه الذبائح، وفي أيّ حال، بدأ الأنبياء من هوشع إلى عاموس إلى إشعيا، وغيرهم، بالتشديد على ما تكون عليه الذبائح في الحقيقة وفي قلوبنا لأنّ من يطلب الذبائح هو من (= الكاهن) يحتاج بسبب خطايانا، ولكن الربّ هو الذي يغفر.
إذًا، يقول الربّ: أنا لا أحتاج إلى ذبائح. أنتم تريدون أن تحملوا ذبائح، أو تحسبون نفوسكم لم ترضوا الله، لأن لا ذبيحة في يدكم؟ هذا لا يرضى عنه الله، فالذبيحة ؟ روح منكسر، روح منسحق. يقول المزمور 51: ذبيحتي لك يا الله روح منكسرة، والقلب المنكسر، المنسحق، لا تحتقره. يعني صار الشخص، هو قلبه منسحق، يعني الربّ يقبل توبته.
هنا، اتّهام من قبل الربّ لشعبه الذين يقدّمون الذبائح. ولكنّ هذه الذبائح، لا تفي بالحاجة إذا لم يرافق الذبائح والصلوات سلوكٌ يرضى عنه الربّ. وتصرّفات بحسب الوصايا، وإلاّ تكون ذبيحتنا غير مرضيّة لدى الله
هذا المزمور، كان يتلوه الكاهن، أو اللاويّ، يتلوه على المؤمنين الذين جاءوا من البعيد، لكي يقدّموا ذبائحهم في عيد المظالّ أو في غير الأعياد. ويذكّر هذا المزمور، المؤمنين بالعهد. لكن بروح جديدة لا بروح قديمة، بروح حرفيّة.
يجتمع الشعب، يقدّم الكهنة الذبائح، ويستمع المؤمنون إلى الكلام النبويّ. ففي النهاية، الذين تعاهدوا مع الربّ يعبّرون عن عواطفهم، لكن في هذا العهد يتطلّب جوابًا من الإنسان، الإنسان يكون أمينًا على العهد حين يسير بحسب طرق الربّ.
ونتوقّف عند كلّ آية من آياته، نشرح أوّلاً آية 1 إلى آية 6، هو نصّ نستطيع أن نقول الذي فيه يَعد الله بأن يرافقنا، بأن يكون معنا، بأن يعمل معنا. هذا العهد، هو نداء إلى الشعب. خلال حفلة الليتورجيّا، الله يقيم دعوى على شعبه. إذًا، نعيد قراءة آ 1 إلى آ 6. الربّ... هو الديّان.
الربّ إله الآلهة. هي طريقة حتّى نقول: الربّ هو الإله، وحده الإله العظيم، لا شكّ. في أصل العبارة كان هناك آلهة عديدة. وعندما نقول إله الآلهة يعني الإله الذي نعبده، لا يمكن أن يُقابَل مع الآلهة الذين تعبدونهم. هذه الآلهة لها أذن ولا تسمع، لها عين ولا ترى، لها يد ولا تفعل. لمّا نقول إله الآلهة نقول الإله العظيم. لهذا السبب، ترجمت اليونانيّة الكلمة: الله القدير، بينما نقول نحن الله العظيم.
الربّ إله الآلهة تكلّم. إذًا، ربّنا هو من يتكلّم، ليس ذاك الإله الصامد، الذي لا يتحرّك وإلاّ يصبح صنمًا. كلاّ. هذا الإله يتكلّم، لا شكّ، في أعماق القلب يتكلّم، من خلال الصعوبات يتكلّم، من خلال الأفراح والأحزان يتكلّم. إلهنا لا يصمت، كما يقول المزمور، في موضع آخر، هو من يتكلّم، وهنيئًا لنا إن نحن تعوّدنا أن نسمع كلامه. تكلّم ودعا الأرض، من مشرق الشمس إلى مغربها.
إذًا، هناك محاكمة. ويجب أن تكون الأرض كلّها حاضرة، بما أنّهم كانوا يعتبرون الأرض مسطّحة. إذًا من مشرق الشمس، إلى مغربها، يعني من كلّ مكان، على هذه الأرض، من كلّ مكان في هذه الدنيا.
ويتابع في آية 3: إلهنا يجيء ولا يصمت.
قلنا سابقًا، تكلّم، هنا دعا الأرض وكأنّها شخص حيّ، حين رأى ما يحدث على الأرض. رفض أن يصمت. ونلاحظ أنّ الأرض كلّها ستكون شاهدة لما يقوله الربّ لشعبه. هو في الواقع، يقوله لشعبه، ويقوله لجميع الشعوب. حين تكون الشعوب حاضرة، من مشرق الشمس إلى مغربها، فهي تسمع نداء الربّ، كلّما سمعه شعبه.
من أين يخرج هذا النداء، من أين نسمع هذا النداء؟
آية 2، من صهيون المكلّلة بالجمال في الماضي. كان الربّ يتكلّم، من سيناء. نتذكّر، في الفصل 19 من سفر الخروج: في البروق والرعود والرياح، تكلّم الربّ. أمّا هنا فصهيون، حلّت محلّ سيناء. صهيون المكلّلة بالجمال. لا شكّ، إنّه أكيد، هي جمال، ونحن نضيف جمالاً إلى جمال.
أشرق الله علينا. إذا انتبهنا بآية 1، من مشرق الشمس إلى مغربها. وآية 2، أشرق الله علينا. هنا نلاحظ، كانوا يرون صهيون جميلة. يطوفون حول أسوارها ويرون الهيكل جميلاً جدٌّا، بالذهب وكلّ أنواع الخشب، من الأرز وغيره من الأخشاب. كلّهم كانوا يعتبرون هذا مهمٌّا جدٌّا، وعندما يأتي إلهنا ولا يصمت: كأنّي بهذه العبارة يهدّد، هذا الذي يستولي على البلاد. لكنّ الربّ هو الشمس، هو الإشراق، هو الذي يعلّمنا كيف نعمل.
تشرق الشمس. لكن ما هو إشراقها بالنسبة إلى إشراق الليل. إلهنا يجيء ولا يصمت، أمامه نار آكلة، سعيرها يشتدّ حوله.
إذًا، هنا صور النور، صور الشمس، صور الإشراق. وسيقول النصّ فيما بعد أو في غير أماكن: أشرق الله علينا، إنّه يجيء ولا يصمت.
إذا انتبهنا، صورة النور قديمة جدٌّا. فسفر التكوين الفصل 15، عندما يقطع موسى وإبراهيم الذبائح، نرى الربّ مثل نار تمرّ بين هذه الذبائح.
عندما رأى موسى العليقة الملتهبة، فهم أنّ الله هو هنا.
هذه النار الآكلة، تساعد الإنسان كي يكتشف الشخص الذي يتكلّم. إذًا، سعيرها يشتدّ حوله: الربّ تكلّم، الربّ دعا الأرض، الربّ أشرق علينا.
الأفعال هنا، في صيغة الماضي. سعيرها يشتدّ حوله، ينادي السماء، من فوق. دعا الأرض، لا يكفي دعوة الأرض، ينادي السماء، من فوق والأرض حين يدين شعبه.
يقول اجمعوا لي أتقيائي، القاطعين على الذبيحة عهدي. فتخبر السماوات بعدله وبأنّه هو الديّان.
كما قلنا، ما اكتفى بدعوة الأرض، بل دعا السماء. لماذا يريد أن يدين شعبه، أن يمرّ شعبه في الدينونة، ويقرّ بخطاياه. وعندما يفعل هذا الشيء، تخبر السماوات بعدله، وبأنّه هو الديّان.
ماذا يقول الربّ لهؤلاء الذين قطعوا على الذبيحة عهده؟
نتذكّر، أنّه عندما يكون عهد، تُقطَع الذبائح قطعتين، ويمرّ المتعاقدان بين القطعتين، بحيث يقول: إن كنتُ خائنًا للعهد، يجب أن أُقطَع على مثال هذه الذبيحة. اجتمع أتقياء الربّ، الذين قطعوا على الذبيحة عهده. اجتمعوا، حتّى يعيشوا الغنى الكبير مع الله. وبأنّه هو الديّان.
بعد كلّ هذه العبارات، نفهم أنّ مجيء الربّ هو ليتّهم شعبه، لأنّه الديّان. بعد ذلك، هناك مقطع ثانٍ، نسمع الكاهن فيه يتكلّم باسم الله، بشكل عظة. وهذه العظة، يريد فيها أن يحثّ المؤمن على الرجوع إلى الله نستطيع أن نسمّيها الشكوى الأولى.
ما هي هذه الشكوى الأولى؟ لأنّ الشعب لم يفهم معنى العتاب. لم يفهم الشعب معنى الذبائح. ظلّ على المستوى الخارجيّ، كما سنرى في آية 7: أوّلاً يوبّخ الشعب على أنّه لم يفهم معنى الذبائح. وفي آية 16 هناك نقض آخر للعهد بالنسبة للذبائح، نقض العهد مع الربّ، وبالنسبة إلى القريب، نقض هذا العهد مع الربّ.
يقول في آية 7: اسمع يا شعبي فأكلّمكم، يا بني إسرائيل فأتّهمكم.
في آية 1: تكلّم الربّ، دعا الأرض، أوّل مرّة تكلّم وجاء بالأرض وبالسماوات، حتّى تكون شاهدةً لما سيقوله الربّ. لما سيفعله الربّ، بعدها تكون هي الشهود. وهنا يبدأ العتاب.
اسمع يا شعبي، فأكلّمكم، لكن ليس هذا يا بني إسرائيل. فأتّهمكم. يعني نحن في المحكمة ما هو كلام أوّلاً تنبيه صغير. نحنا في المحكمة، نحن أمام الديّان وسيكون العقاب كبيرًا جدٌّا، لن يكون عقابًا عاديٌّا.
اسمع يا شعبي فأكلّمكم، يا بني إسرائيل فأتّهمكم.
كم هو مهمّ أنّ الربّ حاضر هنا، يتكلّم، يتّهم وسوف يعاقب. لكن ماذا يفعل؟
يقول: أناالله إلهكم، لا أعاتبكم على ذبائحكم، فمحرقاتكم أمامي كلّ حين. أنا الله إلهكم، لي عليكم كلّ الحقوق، ولكم لي كلّ الواجبات. أستطيع مثل أي إقطاعيّ، أن أجمع الغلاّت وآخذها لنفسي، ولا أترك لكم شيئًا. لكن كلاّ. لا أعاتبكم على ذبائحكم فمحرقاتكم أمامي كلّ حين. في الواقع، إذا كنّا هنا بعد الجلاء، نرى الذبائح كثرت لأنّ الخطايا كثرت في الشعب الإسرائيليّ. إذًا، لا أعاتبكم على ذبائحكم، فمحرقاتكم أمامي كلّ حين.
آية 9-3: «... لا آخذ من بيوتكم عجولاً، ولا من حظائركم تيوسًا لي، جميع وحوش الوعر وألوف البهائم التي في الجبال. في يدي كلّ طيور الجبال، ولي كلّ حيوان في البرّيّة. إن جعت فلا أخبركم. لي العالم وكلّ ما فيه. لا آكل لحم الثيران، ولا أشرب دم التيوس *.
ها هو الربّ، كما قلت: هو يعاتب، لا يحتاج إلى ذبائح أبدًا، كان الناس يعتبرون، خاصّة في العالم الوثنيّ، أنّ الله يأكل ويشرب، لهذا السبب يقدّمون له الطعام والشراب. ويخبرنا دانيال كيف أنّ الملك اعتبر أنّ اللهi يأكل. ولكن بانت الطريق التي يأخذها الناس. الكهنة وعيال الكهنة: هم الذين كانوا يأكلون الطعام.
وهكذا أحبّائي، انطلقنا في المزمور 50 مع هذا الإله الآتي من المشرق، الذي يريد أن يتّهم شعبه: ينادي السماء، ينادي الأرض، ينادي جميع الأتقياء في شعبه. وإذ نادى السماء والأرض، أراد أن يوسّع طلبته، أن يوسّع الوصايا التي أعطاها للناس الذين يسمعونه.
نعم أحبّائي، الربّ يتكلّم، وإن نحن أخطأنا، فهو يتّهمنا. الربّ يجيء، هذا لا شكّ فيه، وهو لا يصمت، بل يتكلّم. والنار التي يرسلها أمامه، هي التي تحكم على حياتنا وأعمالنا. فإن كانت من ذهب وفضّة صارت أعمالنا أجمل، وإذا لا سمح الله، كانت من الخشب والتبن والقشّ، فنحن الخاسرون الكبار بعد أن مرّت النار في بيوتنا.
ساعدنا يا ربّ، أن نسمع صوتك، ونكتشف حضورك، ونفهم ما تريده منّا، الآن وكلّ أوان وإلى أبد الآبدين. آمين.