المزمور السابع والعشرون
ثقة المؤمن بالربّ
1 - قراءة المزمور
الربّ نور وخلاص لشعبه. هذا المزمور مؤلّف من مزمورين: الأوّل من 1 إلى 7، والمزمور الثاني من 7 إلى 13. ونبدأ بالقسم الأوّل.
المزمور 27 نستطيع أن نعطيه عنوانًا: المؤمن بالربّ. الربّ نوري وخلاصي فممَّن أخاف. الربّ حصنُ حياتي فممَّن أرتعد. إذا هاجمني أهل السوء، أعدائي والذين يضايقوني، ليأكلوا لحمي كالوحوش، يعثرون ويسقطون جميعًا. وإذا اصطفّ عليّ جيش فلا يخاف قلبي. وإن قامت عليّ حرب فأنا مطمئنّ.
لي طلبة من عند الربّ ولا ألتمس سواها. أن أقيم في بيت الربّ جميع أيّام حياتي حتّى أعاين نعيم الربّ وأتأمّل في هيكله، هناك يظلّلني يوم السوء، ويسترني بستر مسكنه وعلى صخرة يرفعني. والآن يرتفع رأسي فوق أعدائي حولي وأذبح في هيكل الربّ ذبائح هتاف له، وأنشد وأرتّل لاسمه.
قرأنا، أحبّائي، القسم الأوّل من المزمور 27 الذي يتحدّث عن ثقة المرتّل بالربّ. نتذكّر حين نقرأ المزامير، كم مرّة هناك التوسّل، كم مرّة هناك الثقة، كم مرّة الاتّكال على ا؟. فصاحب المزامير إنسان ضعيف، فقير. إنسان مسكين. ونتذكّر أنّ هذه المزامير قد جمعها فقراء الربّ. هم فقراء بالمعنى المادّيّ، لا يملكون الغنى الكثير، ولو ملكوا الغنى لاستغنوا عن ا؟. أكثرهم فقراء يعرفون أن يمدّوا أيديهم إلى الربّ، يعرفون أنّ كلّ ما لهم إنّما هو عطيّة من عند الربّ. كلّ شيء هو عطاء مجّانيّ من عند الربّ. لهذا ينشد المؤمن ثقته واتّكاله على الربّ.
2 - مزمور الصباح
ذاك هو القسم الأوّل من المزمور. يعني 27: 1 - 6. دُعي مزمور الصباح. ينطلق المؤمن في يومه، في نهاره، إلى عمله، إلى شعبه، إلى درسه، إلى أيّ أمر يقوم به. في الصباح ينطلق ويقول: الربّ نوري وخلاصي فممّن أخاف. خلال الليل، كان يُعتَبر الإنسان كأنّه ميت. وعندما يطلع الصباح تبدأ الحياة.
نقرأ الفصل الأوّل من سفر التكوين: كان هناك ظلام على وجه الأرض، فقال ا؟: ليكن نور. بداية الكون النور. في بداية الحياة، يخرج الولد من حشى أمّه فيرى النور. وكلّ يوم من أيّام حياتنا نبدأه بهذا النور. ولا ننسَ أنّ يسوع قال لنا: أنا نور العالم. المؤمن يسير بنور الربّ. وهنيئًا له إن بحث عن هذا النور، وما طلب الظلام حتّى يُخفي أعماله السيّئة.
يقول الإنجيل: من كانت أعماله صالحة ذهب إلى النور. وإذا كانت أعماله سيّئة؛ فضّل الظلمة على النور. والمرتّل ينشد: الربّ نوري. هو لا يريد فقط نور البشر، نور الشمس، نور القمر والضوء الذي يحيط بنا. يريد نور الربّ الذي يحيط به على مستوى عينيه. ولكن يحيط به أيضًا على مستوى قلبه وعلى مستوى إيمانه فيرفعه ليرى ما لا يُرى. هو ابن الأرض يستطيع أن يرى السموات.
الربّ نوري. يجب أن تكون تلك صلاتنا كلّ يوم، نردّد هذه العبارة: الربّ نوري. أنا أنطلق، والحياة هي شبيهة بطريق. أنا أنطلق والربّ هو الذي ينير دربي، ينير طريقي. وإذا كان الربّ هو نوري وإذا كان الربّ هو الذي ينير دربي، فلا يمكن أن يأتيني الهلاك. فلا يمكن إلاّ أن أنال الخلاص.
3 - لا خوف فالربّ هو الحصن
أعلن المؤمن إيمانه: الربّ نوري وخلاصي. وحين يعلن مثل هذا الإيمان، يستطيع المرتّل أن يقول بكلّ ثقة: ممنَّ أخاف؟ ليس فقط ممّا أخاف، فهناك صعوبات الطريق، هناك العوائق. لكن: ممّن أخاف؟ لا يمكن أن أخاف أحدًا لأنّ الربّ نوري وهو يحمل إليّ الخلاص. ويتابع المرتّل فيقول: الربّ حصن حياتي، فممَّن أرتعد؟
الحصن موضع رفيع، موضع عالٍ، لا يقدر أن يصل إليه الأعداء بسهولة. وإذا كان الربّ هو ذلك الحصن فالأعداء لن يستطيعوا أبدًا أن يصلوا إليه. ما الذي يحصّن حياتي ويحميها؟ ما الذي يحفظ حياتي؟ الربّ هو حصن حياتي، هو القلعة والحصن المنيع الذي لا يمكن أن يصل إليه العدوّ. الربّ حصن حياتي، ممّن أرتعد؟ ممّن أفزع؟ لن أخاف أحدًا، لن أرتعد من أحد. ونلاحظ هنا بشكل خاصّ حين يقول المؤمن: الربّ هو خلاصي. هو لا ينتظر خلاصًا من البشر، فالبشر أضعف من أن يخلّصوا أنفسهم. هو لا يطلب حصنًا من هذا العالم. فكلّ حصن في النهاية سوف يقع.
الربّ نوري، الربّ خلاصي، الربّ حصني. إذًا حياتي بعيدة عن الخطر، حياتي في أمان. وبعد هذا الإعلان: لا أخاف، لا أرتعد، يستطيع المرتّل أن يخبر أو أن يوضح بعض الظروف التي وقع فيها، التي حصلت له. إذا هاجمني أهل السوء، أعدائي والذين يضايقونني، ليأكلوا لحمي كالوحوش، يعثرون ويسقطون جميعًا. إذًا هي أوّل إمكانيّة. ويمكن أن نكون هنا أمام أكثر من إمكانيّة. إذا هاجمني الأعداء والذين يضايقونني، لن أجد من يدافع عنّي. ولا أستطيع أنا أن أدافع عن نفسي.
4 - مهما كان الأعداء
ولماذا يهاجمني هؤلاء ليأكلوا لحمي كالوحوش أو ليمزّقوني؟ أوَّلاً المعنى الحرفيّ، العدوّ. لا شكّ، خلال الحرب، خلال الصراع يمزّق الآخر ولا سيّما إذا كان ضعيفًا. وثانيًا بشكل خاصّ، ليأكلوا لحمي، يعني ليفتروا عليّ، ليتكلّموا عليّ بالسوء حتّى أحاكم، ومن المحاكمة أصل إلى الموت. إذا هاجمني أهل السوء، أعدائي والذين يضايقونني، ليأكلوا لحمي كالوحوش، ماذا يستطيعون أن يفعلوا؟ لا شيء.
أنا ضعيف ولا سلاح بين يديّ، ومع ذلك هم لا يقدرون على شيء. يعطينا المرتّل النتيجة: هم يعثرون ويسقطون جميعًا مهما تكاثرت أعدادُهم. الأعداء الذين يضايقونني، أهل السوء، هم أكثر من واحد. ومع ذلك يعثرون ويقعون جميعًا. أبقوّتي؟ كلاّ. أبضعفي؟ نعم. لأنّ الربّ يُظهر قوّته في ضعفنا. الكاتب هنا يعطينا النتيجة، هؤلاء كلّهم عثروا، سقطوا.
الجواب هو في البداية. عثروا، سقطوا، لأنّ الربّ هو الحصن، لأنّ الربّ هو الخلاص. أعطانا الجواب قبل أن يقدّم لنا الصعوبة التي يمكن أن تجابه هذا المؤمن. إذا هاجمني أهل السوء، أعدائي والذين يضايقونني، ليأكلوا لحمي كالوحوش. يعثرون ويسقطون جميعًا.
ويقدّم لنا المرتّل مناسبة أخرى. أو تكون هي ذاتها في آية 3: إذا اصطفّ عليّ جيش فلا يخاف قلبي، وإن قامت عليّ حرب فأنا أبقى مطمئنٌّا. إذا اصطفّ عليّ جيش. نتخيّل رجلاً واحدًا تجاه جيش كامل. أو أنّ هذا الرجل مجنون، أو أنّه متّكل على قوّة لا يراها الآخرون قوّة غير منظورة. ذاك كان وضع أليشع، لمّا أرسل عليه ملك آرام من يقبض عليه. رأى جيحزي خادم أليشع الجيوش فخاف. »ماذا نفعل؟« ولكنّ أليشع قال له: »الذين معنا أكثر من الذين معهم«. وفتح الربّ عيني جيحزي فرأى.
نتذكّر هنا في الإنجيل، في نزاع يسوع. قال للذين جاؤوا يمسكونه: أستطيع أن أطلب جيشًا من الملائكة. والملائكة أرواح لا نستطيع أن نراهم. هذا الشخص أمامه جيش، عدد كبير من الجنود، هو لا يخاف لأنّ معونته باسم الربّ، لأنّ قوّته من قوّة الربّ. فلا يخاف قلبي. وإذا قامت عليّ حرب، فأنا أبقى مطمئنٌّا.
5 - اطمئنان في الحرب
أيّام الحرب معروفة. تضع القلق، الاضطراب. الجوع يهدّد، الجراح، الموت، الصعوبات. يفترق الرجل عن امرأته، والأب عن أولاده، والأمّ عن بناتها. ومع ذلك، هذا المرتّل يقول: وإن قامت عليّ حرب فأنا أبقى مطمئنٌّا، هادئًا، كأن لا شيء يهدّدني. هنا نتصوّر البحر بموجه على السطح. الموج تلاطم، الموج والزبد والخطر. أمّا في الأعماق فهناك هدوء وهدوء عميق. ذاك هو وضع المؤمن. هناك الجيش، هناك الحرب، هناك الأعداء. أهل السوء الذين يضايقونه كالوحوش.
كلّ هؤلاء لا يبدّلون شيئًا في قلب المؤمن. فهو يبقى مطمئنٌّا هادئًا كالطفل في حضن أمّه أو حضن أبيه. فأنا أبقى مطمئنٌّا لأنّ الربّ هو الحصن، هو النور، لأنّ الربّ هو الخلاص. فلماذا الاضطراب ولماذا القلق ولماذا الهلع؟ كلّ هذا يفترض إيمانًا عميقًا لأنّ ما نراه يجعلنا نخاف، يجعلنا نفزع، نضطرب، نقلق. هذا هو الذي نلمسه، نراه، نسمعه. ولكنّ المؤمن يرى شيئًا آخر، يسمع صوتًا آخر، هو صوت الربّ. يُحسّ بلمسة من نوع آخر، هي لمسة الربّ. لمسة تقول له: أنا هنا، أنا حاضر لا تخف. هذا ما قاله يسوع لمّا جاء إلى التلاميذ وهم في القارب، في السفينة. والأمواج تلاطم هذا القارب. خافوا. أنا هو لا تخافوا.
وماذا يطلب هذا المرتّل في آية 4: لي طلبة من الربّ ولا ألتمس سواها لا يطلب الجيوش ولا الأموال ولا الانتقام من الأعداء، ولا يطلب العظمة ولا السلطان. ماذا يطلب؟ لي طلبة من الربّ ولا ألتمس سواها، وهي أن أقيم في بيت الربّ جميع أيّام حياتي. هذا كلّ ما يطلبه المؤمن أن يقيم في بيت الربّ جميع أيّام حياته.
6 - لأنّه في بيت الربّ
بيت الربّ يعني الهيكل، هناك مركز حضور ا؟. وحين يقيم المؤمن في بيت الربّ فهو حقٌّا في حماية الربّ، فهو حقٌّا تحت نظر الربّ، ونور الربّ يضيء عليه. أن أقيم في بيت الربّ جميع أيّام حياتي. قد نقول: هو يملّ، هو يضجر. كلّ أيّامه في بيت الربّ! مع الربّ! كلّ يوم من أيّام الربّ هو يوم جديد. كلّ يوم هو يوم جديد. أقيم في بيت الربّ جميع أيّام حياتي. فلا يوم يشبه يومًا آخر.
وإن أقام في بيت الربّ، يتابع: حتّى أعاين نعيم الربّ، وأتأمّل في هيكله. نعيم الربّ، جمال الربّ. أن أؤخذ بجمال الربّ، ببهاء الربّ، بعظمة الربّ. نتذكّر هنا هؤلاء الذين يكرّسون حياتهم كلّها في الصلاة، حياتهم كلّها في الصمت. حياتهم كلّها في معاشرة ا؟. أعاين نعيم الربّ وأتأمّل في هيكله. هرب المؤمن من وسط العالم، وجاء يحتمي عند الربّ، في هيكل الربّ.
وآية 5: هناك يظلّلني في يوم السوء، ويسترني بستر مسكنه وعلى صخرة يرفعني.
في آ 2 حدّثنا المرتّل عن أهل السوء، وهنا هو يوم السوء. في آ 5، في يوم السوء يكون الربّ لي كمظلّة، مظلّة تقيني كلّ خطر. على المستوى المادّيّ، تقيني من حرّ الشمس، تقيني من المطر في الشتاء. وهناك على المستوى الروحيّ. ظلّ الربّ هو الذي يحميني.
هذا الظلّ الذي رافق الشعب العبرانيّ لمّا كان في برّيّة سيناء. كان يظلّله في النهار لئلاّ تحرقه الشمس. هذا الظلّ يرافق المؤمن. هناك يظلّلني في يوم السوء، ويسترني بستر مسكنه. يعني يجعلني أقيم معه في خيمته بحيث لا يراني أحد أو بحيث لا يجسر أحد أن يقترب منّي أو ينظر إليّ. وحين أكون في بيت الربّ، وحين يكون الربّ هو الظلّ الذي يحميني، والستر الذي يسترني، والمسكن الذي أقيم فيه، لا يمكن إلاّ أن يكون لي النصر، الظفر، الخلاص، النعيم، السعادة.
ويتابع: وعلى الصخرة يرفعني. والآن يرتفع رأسي فوق أعدائي من حولي. الربّ هو الذي يرفعني فيجعلني في مأمن من الأعداء، فلا يبقى لي إلاّ أن آتي إلى الهيكل وأذبح الذبائح، وأنشد وأرتّل، وأدلّ على شكراني العظيم لهذا الربّ الذي حماني، الذي كان نوري، الذي كان خلاصي، الذي كان حصن حياتي.
شكرًا لك يا ربّ على هذه الثقة التي تضعها في قلوبنا. شكرًا على هذا الحضور في حياتنا. شكرًا لأنّك تسمح لنا أن نعيش في هيكلك، أن ننعم بحضورك. أعطنا إيمانًا يجعلنا نُحسّ بحضورك بيننا ومعنا، أعطنا إيمانًا فنتقوّى بك، ولا ننتظر نورًا إلاّ منك، ولا خلاصًا إلاّ من نعمتك. آمين.