المزمور الرابع والعشرون
دخول الربّ إلى هيكله
1 - في رفقة الراعي وهدايته
أحبّائي، نتابع قراءتنا وتأمّلنا في المزامير، ويا ليتنا ننشدها المرّة بعد المرّة. الربّ راعيّ فلا يعوزني شيء. وننشد أيضًا سائر المزامير. في المزمور 23 رأينا المؤمن يعود إلى البيت، إلى بيته، إلى قريته، إلى أرزاقه بانتظار حجّ آخر. هو يعرف العنف في الطريق، هو يعرف أنّه يمرّ في وادي الظلمات، في وادي ظلّ الموت. هو يعرف أنّ الشرّ يتربّص به. فيحتاج إلى عصا الله إلى عكّاز الله هو يعرف الخصوم الذين يقفون في وجهه، وكأنّهم لا يريدون له أن يمضي إلى الحجّ.
ولكنّه طوال الطريق يحسّ بأنّه ينعم بحماية الربّ، ببركة الربّ، بعطاء الربّ. لا يعوزه شيء، بل هو يجد ملءَ الراحة، راحة على مراع خضر، على العشب الأخضر، راحة في مياه هادئة يشربها فلا تجرفه بأمواجها. راحة بطريق يعرف أنّها توصله إلى حيث يريد الربّ، يعني إلى أورشليم مركز حضور الربّ. راحة لأنّه يستند إلى الله، إلى عصا الله، إلى عكّاز الله، راحة لأنّه يجد التعزية في الحزن، في الألم، في الضيق. راحة لأنّه بعد التعب، تعب الليل، تعب البحث عن الطعام والشراب، سيجد مائدة وافرة.
ذاك كان وضع التلاميذ في إنجيل يوحنّا 21. تعبوا الليل كلّه، ولم يصطادوا شيئًا، ولمّا أمرهم يسوع امتلأت الشبكة بالسمك، امتلأت الشبكة بالسمك، ولكنّهم ما احتاجوا إلى هذا السمك. فالربّ كان قد هيّأ لهم المائدة، هيّأ الجمر، هيّأ الخبز وهيّأ السمك المشويّ.
والمؤمن الذاهب إلى الحجّ يعرف أنّه يسير بهداية الربّ. أمامه عصا الربّ وعكّازه، أمامه الراعي، الراعي الصالح، ووراءه الخير والرحمة. هو محاط من كلّ جهة بحضور الربّ، بنعم الربّ، ببركات الربّ، ولا هدف له إلاّ أن يأتي إلى الهيكل بل أكثر، أن يأتي ويسكن في بيت الربّ، إلى مدى الأيّام. ولا يريد أن يترك الهيكل، لأنّ يومًا واحدًا في ديار الربّ خير من ألف في أيّ موضع كان. كلّ هذا الذي تأمّلنا فيه في المزمور 23 يهيّئنا لقراءة المزمور 24.
للربّ الأرض وما عليها، الدنيا والمقيمون بها... مَن هذا ملك المجد؟ الربّ القدير هو ملك المجد.
2 - ملك المجد يمرّ
إذًا، قرأنا المزمور 24 الذي يمكن أن نعطيه عنوانًا أو عنوانين إذا أردنا: دخول الربّ إلى هيكله، ومجيء الشعب إلى الهيكل، والشروط التي تسمح للمؤمنين بأن يدخلوا إلى الهيكل. دخول الربّ نراه من خلال مجيء تابوت عهد الربّ، هذا الصندوق الذي يحتوي على الوصايا التي هي ملخّص كلام الله على المنّ الذي يرمز إلى عناية الله وعصا هارون الذي يشير إلى الكهنوت في شعب الله
لهذا السبب نقرأ في الآية 7: ارفعي رؤوسك أيّتها الأبواب وارتفعي أيّتها المداخل الأبديّة فيدخل ملك المجد. أجل تابوت العهد، هذا الصندوق المقدّس مرفوع لا على الأكتاف، بل على الراحات، على اليدين المرتفعتين. فيجب أن ترتفع الأبواب لكي يمرّ ملك المجد.
فهذا الملك ليس كسائر الملوك الذي يمكن أن ينحني ليمرّ تحت باب ضيف، تحت باب واطئ لا يرتفع كثيرًا. هذا الملك هو الملك المجيد. هو الربّ القدير. هذا الملك يجب أن تنفتح الأبواب أمامه. يجب أن ترتفع الأبواب، يجب أن ترتفع المداخل، ساعتها يدخل ويدخل وراءه جميعُ المؤمنين.
إذًا، هذا المزمور هو مزمور الحجّاج الواصلين إلى الهيكل. وهم يسألون في الآية 3: من يصعد إلى جبل الربّ؟ من يستحقّ، من يحقّ له أن يصعد إلى جبل الربّ؟ من يستحقّ أن يقف على عتبة الهيكل في مقامه المقدّس في الهيكل. وهنا، كما قلت، تابوت العهد يمشي في تطواف والشعب يسير أمامه. ولا شكّ في كلّ تطواف كان المؤمنون يتذكّرون ذاك التطواف العجيب في برّيّة سيناء.
3 - يدخل إلى هيكله
الربّ أمامهم بالنار في الليل، والربّ أمامهم بالغمامة، بالسحابة في النهار. هؤلاء يأتون وراء تابوت العهد: ارفعن رؤوسكنّ أيّتها الأبواب ليدخل ملك المجد. أحبّائي، هذا المزمور مع أنّه قصير، نستطيع أن نقسمه قسمين، إذا أردنا أن يكون عندنا بعض المنطق. يجب أن نقرأ القسم الثاني الذي يبدأ في آية 7 قبل القسم الأوّل. فتابوت العهد هو الذي يسير في المقدّمة. تابوت العهد هو الذي يفتتح المسيرة، وبعد ذلك يأتي الشعب.
يمكن أن نكون هنا أمام مزمورين جُعل الواحد بقرب الآخر، لكن نحن في أيّ حال، نقرأ هذا المزمور 24 على أنّه مزمور واحد، ونتوقّف عند كلّ كلمة من كلماته مع المقدّمة الرائعة التي تفهمنا إلى من نحن ذاهبون. لسنا ذاهبين إلى هيكل من الهياكل بأصنامها وأوثانها. كلاّ. لسنا ذاهبين إلى ملك من الملوك نؤدّي له الخضوع. نحن ذاهبون إلى سيّد الأرض، إلى سيّد البحار. هذا ما تقوله الآية الأولى: للربّ الأرض وما عليها، الدنيا والمقيمون بها. على البحار أسّسها وعلى المياه ثبّت أركانها.
هنا عندنا صورة، أحبّائي. كانوا يعتبرون أنّ الأرض هي مبنيّة على أربعة عواميد مرتكزة في قلب الماء. أربعة عواميد. ولكن من يستطيع أن يبني في قلب الماء؟ لا أحد. ومع ذلك، فالربّ بنى أرضه في قلب الماء. ونتذكّر أنّ الماء هو علامة الشرّ، علامة الموت، علامة الخطيئة، والربّ زرع هذا العالم في قلب الماء لكي يحوّل الماء، لكيّ يحوّل العالم.
هذا الإله له الأرض، له كلّ المقيمون. هذا الإله يسيطر على الأرض والبحر، يسيطر على اليبس والمياه، يسيطر على الأرض كلّها. فبعد ذلك لماذا يخاف المؤمنون؟ يكفي أن يسير أمامهم تابوتُ العهد حتّى يسيروا وراءه وهم ممتلؤن ثقة بحضور ا؟ وقدرته ومحبّته وعنايته.
يصعدون إلى الهيكل، ينشدون للربّ: الأرض وما عليها والدنيا والميقيمون بها، على البحار أسّسها وعلى المياه ثبّت أركانها. إذًا هي لا تتزعزع ولا يمكن أن تتزعزع.
4 - شروط الدخول إليه
وبعد أن عرفنا من هو هذا الربّ الذي جئنا لزيارته في هيكله المقدّس، سنسمع من الكهنة الذين في الهيكل، ما هي الشروط التي تسمح لنا بأن ندخل إلى هيكل الربّ، إلى مقامه المقدّس.
يُطرح السؤالُ في الآية 3: من يصعد إلى جبل الربّ ويقف في مقامه المقدّس؟ من يحقّ له أن يصعد إلى جبل الربّ ويدخل إلى الهيكل؟ هم المؤمنون يطرحون السؤال من الخارج. هل يحقّ لنا أن ندخل؟ هل يحقّ لنا أن نلتقي بالربّ؟ هل يحقّ لنا أن نسجد في الهيكل ونلمس تابوت الربّ الذي يدلّ على حضور الربّ في وسطنا؟
ويأتي الجواب من الداخل. الكهنة هم الذين يجيبون. أوّلاً: النقيّ الكفّين. يعني الطاهر اليدين. الذي لم يعمل شرٌّا، الذي لم يظلم قريبه، الذي لم يسرق، الذي لم يقتل. الذي عاش بحسب الوصايا. وبعد الطاهر الكفّين أو النقيّ الكفّين أو الطاهر اليدين؟ هناك الطاهر القلب. القلب أحبّائي، هو مركز الإرادة، مركز النوايا الطيّبة. مركز العطاء والسخاء. مركز الحبّ ؟.
لا يكون في حبّنا تعلّق، ولا في تعلّقنا بالربّ تراخٍ. الطاهر القلب هو صاحب النوايا المستقيمة الصالحة، التي لا التواء فيها. والمستقيم الشفتين. تحدّث المزمور عن اليد، عن الكفّ. تحدّث عن القلب. وهو يتحدّث عن الشفاه. والشفاه هنا شكل سلبيّ. لا يميل إلى السوء، ولا يحلف يمينًا كاذبة. لا يميل إلى السوء، صادق في كلامه. ولا يحلف يمينًا كاذبةً. لا يكفي أن نتحلّى بالطهارة الطقسيّة، أن نقدّم الذبائح ونغسل أيدينا وكأنّنا لم نفعل شيئًا. كلاّ. الطهارة الطقسيّة لا بدّ منها ولكن هناك شروط أخرى:
5 - بين طهارة وطهارة
أوّلاً: من كان كلام فيه، كلام فمه بحسب وصيّة الربّ، من كانت أعمال يديه بحسب وصيّة الربّ، من كانت رغبات قلبه بحسب وصيّة الربّ. هؤلاء يحقّ لهم أن يصعدوا إلى الجبل المقدّس. يحقّ لهم أن يدخلوا إلى الهيكل، يحقّ لهم أن يكونوا ضيوف الربّ. وهكذا يحصلون على بركاته وبرّه. مثل هؤلاء يأتون حجّاجًا ليلتمسوا وجهالله ليلتمسوا حماية الربّ، لأنّهم الشعب الذي اختاره.
من يحقّ له أن يصعد إلى جبل الربّ؟ هناك طهارة وطهارة، والمطلوب الأوّل طهارة اليدين، طهارة الفمّ وطهارة القلب. هي الشروط الضروريّة لكي ننفتح على عطاء الله، على بركة الله.
ذاك كان القسم الأوّل من المزمور 24 وهو صعود الحجّاج إلى الهيكل والدخول إلى مقامه المقدّس. في آية 7 هناك حوار آخر. دخل الشعب ولكن يدخل تابوت العهد. تابوت العهد كما قلت هو رمز حضور الله وسط شعبه وفي هيكله. وكما كان حوار: من يحقّ له أن يصعد إلى جبل الربّ؟ جاء الحواب من الكهنة الذين في الداخل هو النقيّ اليدين، الطاهر القلب الذي لا يميل إلى السوء ولا يحلف يمينًا كاذبة كذلك كان حوار آخر (آ 7):
ارفعن رؤوسكنّ أيّتها الأبواب لأنّ الداخل فيك كبير جدٌّا. إذًا، الشعب الذي يدخل إلى الهيكل وهو يحمل تابوت العهد، الصندوق المقدّس، يقول: ارتفعن أيّتها الابواب، ارفعن رؤوسكنّ أيّتها الأبواب لأنّ هذا الذي يمرّ ليس كسائر الذين اعتادوا أن يمرّوا من هذا المكان.
والذين في الداخل يطرحون السؤال: من هو هذا الآتي؟ حتّى ولو كان الملك، يجب أن ينحني، يجب أن يسجد قبل أن يدخل إلى بيت الله ولكنّ هذا الداخل أعظم من الملك، هو ملك الملوك وأيٌّا كان ذلك، ولو جاء الفرعون، ولو جاء سليمان في كلّ عظمته. كلّهم عليهم أن يخضعوا حين يمرّون في هذه الأبواب. أمّا هذا الآتي، فهو ملك المجد. هذا الآتي هو الربّ الجبّار.
يُطرح السؤال مرّة أولى: من هذا الآتي، من هذا ملك الجنود؟ ويأتي الجواب في كلّ مرّة: الربّ يحضر إلى هيكله وإلى جبل قدسه. هذا الجبل الذي خلقه الربّ منذ الأزل، هو يصعد إليه ظافرًا. وهكذا تظهر العلاقة بين خلق الأرض وبناء الهيكل. للربّ الأرض وما عليها، الدنيا والمقيمون بها. هنا الهيكل هو موطن الله هو الموضع الذي يقيم فيه الله. لا شكّ بأنّ الله بنى بيته المقدّس في العلى، ولكن هيكله مثبَّت في الأرض إلى الأبد.
هكذا نفهم أنّ الهيكل هو موضع حضور الربّ. ينغرز في التاريخ مثلما الأرض تنغرز في عمق المياه.الله لا يسكن فقط في الهيكل. بل يسكن في الكون كلّه. الكون هو هيكل صغير، والهيكل هو كون كبير.
هذا هو المزمور 24، الربّ يدخل إلى هيكله،ارفعي رؤوسك أيّتها الأبواب. المؤمنون يدخلون إلى الهيكل. أيديهم نقيّة، وقلبهم طاهر، ولسانهم مستقيم. سألوا ما هي الشروط، قدّموا الشروط فاستقبلهم الكهنة. وهكذا يستطيعون أن يتقابلوا مع الربّ، أن ينالوا بركته ويسكنوا في بيته مدى الأيّام. آمين.