المزمور الثالث والعشرون: الربّ راعيّ

المزمور الثالث والعشرون

الربّ راعيّ

1 - المقدّمة

الربّ راعيّ. قال يسوع: أنا الراعي الصالح. الراعي الصالح يعرف خرافه وخرافه تعرفه. الربّ راعيّ، ذاك كان نشيد الأنبياء بشكل خاصّ، ذاك كان نشيد النبيّ حزقيال، نسمعه يتكلّم باسم الربّ، فالربّ يقول الكلام القاسي عن رعاة شعب إسرائيل. ويقول في النهاية: أنا سأقيم عليهم راعيًا يكون بحسب قلبي.

هذا ما يقوله المزمور 23. ونقرأ المزمور 23. هذا المزمور قصير ولكنّه غنيّ جدٌّا بما يحمل من معانٍ على مستوى حياة الكنيسة وممارسة الأسرار ولا سيّما مائدة الكلمة ومائدة الخبز والخمر. إذًا نقرأ المزمور 23:

الربّ راعيّ فلا يعوزني شيء... وأسكن في بيت الربّ إلى مدى الأيّام.

إذًا، أحبّائي، قرأنا المزمور 23. هذا المزمور بشكل عامّ هو مزمور الشكر. ينشده المرتّل بعد أن عاش حفلات العيد في الهيكل. قضى أسبوعًا تامٌّا، كاملاً مع الناس، يعيّدون في وقت العيد. مثلاً في عيد الفصح كانوا يأكلون الفطير خلال ثمانية أيّام منذ بداية العيد حتّى البداية اللاحقة للعيد يعني اليوم الثامن. هذا المرتّل مستعدّ ليرجع إلى بيته ولكنّه منذ الآن ينتظر أن يعود ثانية إلى الهيكل، فيقضي فيه أيّامًا وأيّامًا: أعود إلى بيت الربّ وأسكن فيه.

ما إن ينتهي العيد، ما إن تنتهي مسيرة حجّ حتّى يفكّر بمسيرة ثانية ويستعدّ للعيد. أعود إلى بيت الربّ وأسكن فيه. وهذا المؤمن إذ يشكر، إذ ينشد، يعلن إيمانَه وثقتَه بالربّ الذي يرافقه في طريق يعود فيه. في هذا الطريق لا ينقصه الطعام، لا ينقصه الشراب. في هذا الطريق لن يباغته الشرّ فالربّ يحفظه من كلّ شرّ. في هذا الطريق يستطيع المؤمن أن يرتّل: الربّ معي فلا يعوزني شيء، لا أندم لأنّي فعلت ما فعلت. فعلت بسخاء، بطيبة قلب، باندفاع، بمحبّة. الربّ راعيّ فلا يعوزني شيء.

2 - عودة بقيادة الله

عاد المؤمن من أورشليم إلى بيته، مثلاً في الجليل، بمدنه الناصرة، كفرناحوم وغيرها من المدن. فأنشد الربّ وهو يعود في الطريق. ولكن هذا النشيد سيتّخذ نغمة الألم، نغمة الحزن، لأنّ جماعة الشعب لم تعد في فلسطين، جماعة الشعب لم تكن مقيمة قرب الهيكل فتقوم بحجّ لا تطول أيّامه. جماعة الشعب تعيش في المنفى، تعيش بعيدة عن الربّ وهي ستعود بقيادة الربّ.

نتذكّر هنا موسى ذاك الراعي الذي قاد شعبه من العبوديّة والحياة في مصر، إلى الحرّيّة والحياة عند جبل سيناء حيث يتقبّل الجميع وصايا الربّ. هذه الجماعة سوف تعود كما عاد الأقدمون في مصر. ولكن شتّان بين عودة وعودة.

لا شكّ أنّ الربّ حاضر في كلّ عودة. لكنّ العودة من مصر كانت بقيادة موسى الذي يفعل بلا شكّ باسم الربّ، ولكن هي قيادة موسى. أمّا في هذا المزمور فلن تكون القيادة لإنسان من البشر مهما كان عظيمًا. لا تكون القيادة للملك ولا لرئيس الكهنة ولا لنبيّ من الأنبياء. القيادة ستكون بيد الربّ الراعي الحقيقيّ الذي يردّ شعبه عبر البرّيّة، وينتظره في هيكله ليستقبله كالضيف، ويقدّم له الطعام والشراب.

كم نحن بعيدون هنا عن التقادم الوثنيّة. كانوا يحملون مثل هذه التقادم وكأنّ الربّ يأكل ويشرب. في الواقع كان الكهنة هم الذين يأخذون ما يقدّمه المؤمنون. أمّا هنا فالمضيف ليس الإنسان. المضيف هو الله ، والضيف ليس الله، الضيف هو الإنسان الذي يستضيفه الله ويقدّم له الطعام والشراب. هناك طعام من نوع آخر لا نعرفه كما قال يوحنّا، وهناك شراب من نوع آخر لا يعرفه إلاّ من ذاقه. يعود المؤمن،يعود المنفيّون بقيادة الربّ الراعي الذي يردّ شعبه. شعبه مشتّت، ضائع، يعمل عمل العبيد، لا يعرف حرّيّة أبناء الله لا يعرف عظمة إنشاد مدائح الله الربّ هو الذي يقوده، وفي النهاية يستقبله كالضيف، فيقدّم له الطعام والشراب.

مثل هذه المسيرة لا يمكن إلاّ أن تذكّرنا بالطريق التي قطعها يسوع مع تلميذين من أورشليم إلىعمّاوس. وهكذا يكون المعنى الأساسيّ لهذا المزمور، مزمور 23، مسيرة الشعب وكلّ فرد من الأفراد بقيادة الربّ الراعي. الربّ وحده هو الراعي، ونحن نبحث عن حضوره، نبحث عن رعايته لكي نكون معه. مسيرة شعب الله وكلّ فرد من المملكة حتّى تصل إلى ا؟، وذلك بقيادة الربّ الراعي. مسيرة شعب الله وكلّ فرد من الأفراد بقيادة الربّ الراعي.

3 - يدنا بيد الربّ

ونعود، أحبّائي، إلى قراءة في المزمور آية آية. مزمور لداود. صرنا نعرف هذه العبارة، هذا المزمور هو في مجموعة ارتبطت بداود. تقريبًا هي 70 مزمورًا وبعض المزامير. الربّ راعيّ فلا يعوزني شيء. هي المقدّمة. المقدّمة تقول لنا كيف يهتمّ الله بشعبه. كيف يغمرالله شعبه بالبركات فلن يحتاج بعد ذلك إلى شيء. الناس يطلبون ويطلبون أيضًا. أمّا الذين يسيرون بقيادة الراعي الحقيقيّ، بقيادة راعي الرعاة، فهم لن يحتاجوا إلى شيء بعد أن أعطاهم ذاك الراعي الطمأنينة والطعام.

مع مثل هذا الراعي، هناك الحماية وهناك الرعاية. شدّد المزمور على الوجهة السلبيّة: لا يعوزني شيء، لا أتحسّر على شيء، لا ينقصني شيء، ولكن هناك الوجهة الإيجابيّة: عندي كلّ شيء، أمتلك كلّ شيء، بركة الربّ تغمرني. وفي الواقع الربّ هو الراعي، والراعي يعرف كيف يحمي قطيعه وكيف يرعاه.

عندما نعرف أنّ قائدنا مثل هذا الراعي، هذا المهتمّ بقطيعه، يمضي فيبحث عنه ويردّه إلى الحظيرة، هل بعد ذلك نحتاج إلى طمأنينة؟ هل بعد ذلك يملأ قلوبنا القلق؟ كلاّ ثمّ كلاّ. يدنا بيد الربّ مثل يد الطفل بيد والديه. هو لا يخاف أبدًا ويعرف أنّ والديه يحيطان به. ذاك هو وضع المؤمن الذي ينشد: الربّ راعيّ فلا يعوزني شيء.

آية 2 تقول: في مراعٍ خضر يريحني، ومياها هادئة يوردني: طريق الربّ، طريق الرجوع بقيادة الربّ. هناك عالم العنف، عالم الظلم الذي يمكن أن يمرّ فيه الإنسان، ولكنّ السائر بقيادة الربّ، بخطى الربّ، يعرف أنّه ذاهب إلى عالم الراحة، إلى عالم البرّ. في مراعٍ خضر يريحني ومياهًا هادئة يوردني.

لا شكّ أنّ إسرائيل شعب خاطئ وقد سعى وراء الآلهة الكاذبة، ولكنّ الله عزم على أن يبرّره من أجل اسمه. يقول هنا: ينعش نفسي، يهديني سبل الحقّ من أجل اسمه، هذا يعني أنّ المؤمن لا يستحقّ شيئًا. أنّ كلّ عطاء من عند الله هو عطاء مجّانيّ. لهذا السبب يمكن أن يقول: من أجل اسمه، لا من أجل اسمي، لا من أجل حاجتي، لا من أجل ضعفي. كلاّ ثمّ كلاّ.

عندما يفعل الله ينبع فعلُه من أعماق قلبه، من أعماق حياته. هؤلاء سعوا وراء الآلهة الكاذبة، لكنّ الله عزم على أن يبرّر صفيَّه من أجل اسمه. هنا نتذكّر كلام أشعيا النبيّ. لا تخف لأنّي أنا معك. عزّوا شعبي. وإذا قابلنا عمل الربّ بما يعمل. وإذا رأينا في هذا العمل بعض القساوة. يشبّه بالعصا التي استعملها الله ضدّ شعبه. هذه العصا سيستعملها ضدّ أعداء شعبه. يعني ما من أحد يفلت من دينونة الله.

في المزمور السابق، المزمور 22، شدّدنا على أن ليس فقط ذريّة يعقوب، ذريّة إسرائيل، لكن جميع الأمم تتذكّر الربّ وترجع إليه من أقاصي الأرض. أمام وجهه تسجد الشعوب لأنّ المُلك للربّ سيّد العالم.

ينعش نفسي (آية 3). نتخيّل نفسنا في الصحراء، في البرّيّة مع الشمس، مع الكدّ، مع العرق، أحتاج إلى بعض الماء ينعش نفسي. ثمّ يهديني سبل الحقّ من أجل اسمه. طريق الحقّ يعني غير طريق الكذب. ويتخيّل الصعوبات. ولكن ما همّ، كلّ هذه الصعوبات لا يمكن أن تؤثّر على عزيمته ولا على إيمانه.

5 - في قلب الظلمات

يقول هنا في 23: 4: لو صرت في وادي ظلال الموت لا أخاف شرٌّا لأنّك أنت معي. قلنا: ينعش نفسي، هو يهديني، يهديني سبل الحقّ، طرق الحقّ. وحتّى لو أنا تركت الربّ ورحت في وادي الظلمات، في وادي ظلّ الموت، تركت الحياة وطلبت الموت، لو سرت في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرٌّا. لماذا؟ ألأنّني قويّ؟ كلاّ، بل لأنّك أنت معي، وقوّتي هي من قوّتك.

عصاك وعكّازك هما يعزِّيانني. لماذا قال هنا العصا والعكّاز. فما الحاجة إلى كلّ هذا؟ لا حاجة أبدًا أبدًا. فالعصا يدافع بها الإنسان عن نفسه. وهذا المؤمن يعرف أنّه في حماية الربّ. والعكّاز هو الذي يقود في الطريق يدلّ على الطريق، وهنا لا حاجة فالربّ هو الذي يسير في مقدّمة شعبه. وما يكتفي بذلك، بل ينعشه، يقوده. يهيّئ أمامه مائدة، ويستقبله بالعطور على رأسه وبالكأس الملآنة بالخمر. وفي الواقع، يستقبله الاستقبال الكبير بالخير والرحمة، ويقول له: تعال واسكن في بيتي إلى الأبد مدى الأيّام.

هذا، أحبّائي، هو المزمور 23. فيه نسير وراء الراعي الصالح الذي لا يعطينا فقط الطعام والشراب كما في حفلة دنيويّة، ولكنّه يعطينا خبز الكلمة وخبز القربان. يعطينا الرائحة رائحة المسيح الطيّبة، يروي نفسنا من الفرح، وفي النهاية يمنحنا الخير والرحمة. والخير والرحمة يتبعاننا. فكما كان الصخر يتبع الشعب في البرّيّة فيؤمّن له الشراب، الخمر والرحمة يُمنحان للمؤمن كلّ أيّام حياته، يرافقانه، لا يتركانه. وهو عندما سيعود إلى أورشليم من أجل حجّ مقبل، من أجل عيد آت، يعرف أنّه سيقيم في بيت الربّ، أنّه سيسكن في بيت الربّ إلى مدى الأيّام.

تلك هي نظرتنا، ذاك هو شوقنا. ما ألذّ القيام معك في بيتك يا ربّ طول الأيّام. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM