المزمورالعشرون :من الضيق إلى الخلاص

 

المزمورالعشرون

من الضيق إلى الخلاص

1 - المزامير صلاة البشر جميعًا

أحبّائي، نتابع صلاة المزامير، ونكتشف في كلّ مزمور فكرة جديدة عاطفة جديدة. فالمزامير ما قالها إنسان واحد كلّها، يومًا واحدًا. المزامير تحمل صلاة شعب مدى ألف سنة، بل أكثر من ألف سنة. وهذه المزامير لم تنحصر في الشعب العبرانيّ وإن وصلت إلينا في اللغة العبريّة.

هذه المزامير تجمع صلوات كلّ الشعوب القديمة من المصريّين إلى البابليّين والأشورييّن، إلى أهل صور وصيدا وأوغاريت وسائر المدن القديمة. هي صلاة شعوب عديدة اجتمعت في كتاب واحد نسمّيه الكتاب المقدّس، نسمّيه الكتاب الملهم، لأنّه يعبّر لا عن صلاة شخص فرد وحسب، بل يعبّر عن صلاة الشعوب كلّها وبالتالي عن صلاتنا نحن.

فما من شعب واحد يقدر أن يقول هذه المزامير هي لي، هذه المزامير تخصّني. هي في الواقع صوت الله. ومن يستطيع أن يحصر صوت الله؟ من يستطيع أن يحصر وجه الله؟ من يستطيع أن يحصر كلمة الله؟

وجه الله ينير عليّ، صوت الله ينعش كلّ قلب من قلوبنا. وحضور الله هو الذي يحيط بنا ولسنا نحن من يحيط بحضورالله.

لهذا السبب عندما نقرأ المزامير ننتبه أن نجعل نفوسنا في هذه المزامير. لا شكّ، نعود إلى الماضي لنفهم ماذا تعني هذه الصلوات، ماذا أراد أن يقول فيها ذاك الذي صلاّها. ولكن يبقى أنَّ عليّ أن أجعل هذا المزمور صلاتي أنا اليوم، بما فيّ من حاجة إلى المزمور الحادي والعشرون ، بعيني التي ترتفع إلى الربّ، بأذني التي تودّ أن تسمع صوت الربّ، بقلبي الذي يريد أن يفهم.

في هذا الإطار نقرأ المزمور 20 صلاة من أجل الملك. في الماضي لم يكن هناك إلاّ ملوك. اليوم هناك بعض الملوك. ولكن البلدان اعتادت أن يكون لها حاكم لا يدعى الملك، هو الرئيس مهما كانت مستويات رئاسته.

2 - من أجل المسؤولين

صلاة من أجل الملك هي صلاة من أجل كلّ مسؤول. ومهما اتّسعت مسؤوليّته احتاج إلى صلاة أكثر، ليكون على قدر المسؤوليّة. الملك هو أب لجميع الشعب. لم يعد أبا عيلة صغيرة، لم يعد أبا مصلحته الخاصّة، هو أب للجميع، وبقدر ما يعطي نفسه للجميع، يكون الملك الحقيقيّ بحسب قلب ا؟، كما قيل عن الملك داود في الكتاب المقدّس.

إذًا نقرأ المزمور 20. صلاة من أجل الملك. لكبير المغنّين لداود. آية 2: يعينك الربّ يوم الضيق... حتّى آية 10، واستجبْ يوم ندعوك. إذًا، قرأنا، أحبّائي، المزمور 20 الذي هو مزمور ملكيّ يعني يُنشد فيه الشعبُ من أجل الملك.

نتذكّر هنا مثلاً المزمور الثاني: لماذا ارتجّت الأمم وهذَّت الشعوب بالباطل، قام ملوك الأرض والعظماء على الربّ وعلى الملك الذي مسحه.

إذًا هنا نحن أيضًا أمام مزمور ملكيّ ينشده الشعب من أجل الملك عندما ينطلق إلى الحرب .والحرب هنا لكي يدافع عن الحدود ضدّ عدوّ يريد أن يستبيح الأرض.

ينطلق إلى الحرب على الظالمين، على الأقوياء الذين يحطّمون الضعفاء، يحطّمون مساكين الشعب. أو يمكن أن ينشد هذاالمزمور عندما يتوّج الملك، وساعةُ التتويج هي ساعة المسؤوليّة لأنّ الخطر يحدق بشعب ا؟. أجل ساعة التتويج ليست الساعة التي فيها يفتخر صاحب السلطة، ساعةُ التتويج هي وقت يجب أن يفهم فيه صاحب السلطة، المسؤوليّةَ الموضوعة على عاتقه والتي سيحاسبه الربّ بسببها.

لهذا يصلّي من أجله الشعبُ إلى الربّ لكي يعينه، لكي ينصره، لكي يشدّد ساعده، لكي يكون بقربه.

آية 2: يُعينك الربّ يوم الضيق، يرفعك اسمُ إله يعقوب.

3 - كي يفهم إرادة الربّ

تلك هي الصلاة في الهيكل، في ليتورجيّة الهيكل. هي صلاة توسّل. نتوسّل. في صيغة المضارع أو في صيغة الحاضر، لا نقول فقط يا ليت الربّ يعينك، بل نقول يعينك الربّ، لأنّنا متأكّدون أنّ العون سيأتي وسيأتي سريعًا.

يعينك الربّ يوم الضيق. لا الضيق الذي يحسّ به الملك، فهو آخر من يحسّ بالضيق، وإن كان من حرب أو من جوع أو من مقاومة، يموت الكثيرون قبل أن يموت الملك.

ولكن الصلاة »يعينك الربّ يوم الضيق« تعني الشعب. هو في ضيق، الشعب يحتاج إلى ملك يقوده إلىالنصر، يقوده إلى الحقّ.

ذاك كان وضع الشعب العبرانيّ عندما طلب من صموئيل أن يعطيه ملكًا، فأعطاه شاول الذي نجّاه من هجمة المهاجمين، ثمّ أعطاه داود.

يعينك الربّ يوم الضيق يرفعك اسم إله يعقوب.

الاسم يدلّ على الشخص، كان بالإمكان أن نقول يعينك الربّ يوم الضيق يرفعك إله يعقوب. ومن هو يعقوب؟

يعقوب هو أبو الأسباط الاثني عشر. عندما نقول يعقوب فكأنّنا نقول الشعب كلّه.

إله يعقوب يعني هو إله الشعب. هذا الإله ليس إله الملك. ليس هو في خدمة الملك وفي خدمة مصالحه. هذا الإله هو إله الشعب، ويهمّه أمر الشعب، وإن هو سمح للشعب بملك، فلكي يكون هذا الملك من يقوم مقام ا؟، على مستوى الحقّ والعدل والإنصاف والسلام.

يعينك الربّ يوم الضيق، يرفعك اسم إله يعقوب.

4 - وينصره من أجل الشعب

آية 3: يرسل لك من مقدسه نصرًا.

من مقدسه يعني من هيكله المقدّس. يرسل لك النصر على كلّ قويّ يريد أن يتحكّم بالضعيف في شعبك، يرسل لك النصر على كلّ عدوّ يريد أن يغدر بشعبك.

الهيكل هو مركز حضور الله ومن هناك يأتي العون إلى الملك. القوّة لا تأتي بكثرة الخيول، بكثرة الجياد، بكثرة الجيوش، بكثرة الجنود، إنّما القوّة تأتي من الربّ. هذا ما فهمه جدعون عندما أخذ معه العدد الكبير. فقال له الربّ: هم سيظنّون أنّهم هم الذين انتصروا، أنّهم بسبب كثرتهم انتصروا. لهذا لم يبقَ مع جدعون سوى ثلاث مئة مقاتل فقط.

يرسل لك من مقدسه نصرًا. ونتذكّر هنا حرب الشعب العبرانيّ في البريّة ضدّ بني عماليق. موسى يصلّي على الجبل، ويشوع يحارب في السهل. ما ارتفعت يدُ موسى انتصر الشعب. وعندما تنزل يدا موسى كان الشعب يُهزم. وهكذا فهم المؤمنون أنّ لا نصر إلاّ من عند الربّ. يمكن أن ينتصر الإنسان. وفي الحروب هناك طغاة انتصروا ولكن نصرهم كان لوقت محدّد.

يرسل لك من مقدسه نصرًا ويشدّد ساعدك من صهيون.

صهيون هي الموضع المقدّس في أورشليم. هو أقدس مكان في أورشليم. أورشليم فيها أكثر من تلّة، وتلّة صهيون هي الموضع التي عليها بُنيَ الهيكل، وهنا مقدسه. يرسل لك من »مقدسه«، تقابل صهيون. كما يرسل الربّ النصر من مقدسه من الهيكل، كذلك يشدّد ساعد الملك من صهيون حيث أقيم الهيكل.

إذًا لا تنتظر أيّها الملك أيّ عون بشريّ، انتظرْ كلّ عون من ا؟. هذا ما لم يُرد أن يفهمه الملك أحاز، عندما نبّهه الملك أشعيا وقال له: يكفي أن تؤمن لكي يكون لك الأمان، ليكون لك السلام، ليكون النصر. أمّا هو فارتمى في يدي أعدائه، في يدي الأشوريّين الذين فرضوا عليه جزية كبيرة. أراد أن يهرب من عدوّ، فوقع في يدي عدوّ آخر.

أمّا أشعيا فقال لهم إن لم تؤمنوا لن تأمنوا، إن لم يكن عندكم إيمان لن يكون لكم أمان وسلام.

5 - والملك يصلّي

آية 2 يعينك الربّ حتّى آية 3 ويشدّد ساعدك من صهيون. جاء الملك يحمل تقدماته.

آية 4: يذكر جميع تقدماتك ويقبل محرقاتك كلّها.

هذا ما فعله سليمان يوم دشّن الهيكل...

يعطيك رغبات قلبك ويتمّم كلّ مقاصدك.

وفي الواقع سليمان أيضًا صلّى على الجبل، وطلب من الربّ قلبًا حكيمًا لكي يميّز الخير والشرّ، لكي يقود شعب الله بحسب مشيئة الله.

وتنتهي هذه الصلاة، الصلاة من أجل الملك بالنتيجة المرتقبة المنتظرة. يعلن الشعب:

آية 6: لنرنّم فرحًا بخلاصك ونرفع الراية باسم إلهنا، فالربّ سيتمّم كلّ طلباتك.

إذًا نستطيع منذ الآن أن نرنّم، أن ننشد، أن نعبّر عن فرحنا بخلاصك، يعني بالخلاص الذي يمنحك إيّاه من أجل شعبه.

ونرفع الراية باسم إلهنا. هناك رايات بشريّة نستند إليها. أمّا هنا فالراية هي باسم إلهنا. رايتنا هي راية الربّ. ونحن لا نسير وراء البشر بل نسير وراء الربّ.

ولماذا هذا الفرح ولماذا هذا الترنيم؟ لأنّ الشعب متأكّد أنّ الربّ سيتمّم كلّ ما طلبه الملك.

نتذكّر هنا ما قاله الربّ بواسطة نبيّه للملك سليمان. أنت لم تسأل الغنى، لم تسأل العظمة، لم تسأل الانتقام من أعدائك، بل طلبتَ فقط الحكمة التي تساعدك لكي تميّز الخير من الشرّ، وتقود شعبك في طريق الخلاص. بما أنّك طلبت هذا، أعطيك أوّلاً هذه الحكمة، وأعطيك الباقي.

ونتذكّر الربّ في إنجيل متّى: اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه، والباقي تُزادونه، اطلبوا أوّلاً مشيئة الربّ، اطلبوا أوّلاً ملكوت الربّ، والباقي يعطيكم الله إيّاه بدون أي انتظار، فهو أب يعرف ما يحتاج إليه أبناؤه.

6 - فيجيبه الله

ذاك كان القسم الأوّل من المزمور، صلاة من أجل الملك ليعينه الربّ، ليشدّده، ليقوّيه، بحيث يستطيع أن يقود شعبه إلى النصر ويقيم العدالة والحقّ ولا سيّما بالنسبة إلى الضعفاء، إلى المساكين، إلى المظلومين، إلى المقهورين.

وفي آية 7 نسمع صوتًا نبويٌّا. النبيّ يكلّم الملك.

الآن عرفت أنّ الربّ يخلّص الملك الذي مسحه.

أنا متأكّد. الشعب صلّى والربّ يستجيب، أنا متأكّد أنّ الربّ يحمل الخلاص. هو الذي اختار الملك. هو الذي أرسل من يمسحه بالزيت المقدّس. إذا كان الربّ هو الذي اختار، إذا كان الربّ هو الذي مسح، فحضوره هو هنا. وخلاصه أكيد. وكما طلب الشعب من الربّ أن يرسل العون من مقدسه، من هيكله، من صهيون، هو يطلب من الربّ. ويقول هذا النبيّ: إنّ الربّ يعين الملك من قدس سمائه، أي من سمائه المقدّسة، من عرشه المقدّس، من أعلى سمائه.

يخلّص الملك، يُعينه من قدس سمائه، وبجبروت يمينه يخلّصه.

ثلاث كلمات، أحبّائي. أوّلاً اليمين هي يد البركة، هي يد القوّة. باليمين الإنسان يضرب، باليمين يفعل، باليمين يبارك. وهذه اليمين ليست مثل أيّة يمين. هي يمين الربّ، هي يمين الجبروت، يمين الربّ الجبّار، يمين ذلك الذي هو كلّيّ القدرة، وهذه اليمين هي تحمل الخلاص. وحدها تحمل الخلاص الحقيقيّ.

ويقابل ذاك النبيّ بينهم وبيننا، هم يستندون إلى المركبات، إلى الخيول، أمّا نحن فلا نستند إلاّ إلى اسم الربّ إلهنا، إلى اسم الربّ خالقنا ومخلّصنا.

نذكره ويكفي أن نذكره لكي يكون لنا النصر، عندئذ نسبّح له. هم يأتون مرنّمين، يحسبون أنّهم ينتصرون وفي الواقع يسقطون. أمّا نحن فنبقى واقفين، نبقى قائمين، نبقى متأهّبين، نبقى منتظرين الخلاص الذي يقدّمه لنا الربّ.

7 - ويفعل من أجل الشعب

ذاك كان وضع الشعب لمّا ترك مصر ووقف أمام البحر، وجيوش فرعون في إثره. خطر البحر أمامه. خطر الجيوش وراءه. صرخوا إلىالربّ. ماذا قال لهم موسى؟ أنتم لا تفعلون شيئًا، أنتم تبقون ساكتين، وتنتظرون الخلاص الذي يحمله الربّ، هذا الربّ الذي يعرف أن يسمع صراخ المتألّمين، صراخ المساكين. صلّى الشعب إلى الربّ من أجل ملكه، فجاء جواب الربّ بواسطة النبيّ: الخلاص الآن.

آية 7. الآن. اليوم. الربّ لا ينتظر. الآن الربّ هو الذي يفعل، الربّ الآن هو الذي يخلّص، الربّ الآن هو الذي يعيد، الربّ هو إله الحاضر. لا إله الماضي فقط ولا إله المستقبل البعيد، بعد أن يكون مات صفّيه وصار تحت التراب. الآن الربّ يفعل. يكفي أن نتجاوب مع هذا الربّ الذي يريد أن يفعل اليوم، أن يفعل الآن.

يكفي أن نفتح قلبنا، أن تمسك يمينُنا يمينَه، وأن تسير خطانا في خطاه. حينئذ يفعل حقٌّا، حينئذ نستطيع ونحن نطلب أن نشكر، لأنّنا متأكّدون أنّه سيفعل، بل هو بدأ يفعل، ولا ينقصنا سوى عين الإيمان حتّى تنظر الخلاص الذي يفعله الربّ.

وهذا ما اختبره الشعب العبرانيّ عند مروره: كيف انفتح البحر.

لا شكّ، نحن هنا أمام رمزيّة. نستطيع أن نمرّ في قلب الشرّ ولا يمسّنا الشرّ، نمرّ في قلب البحر ولن نخاف أمواجه، لأنّ الربّ هو الذي يسير في المقدّمة، يمينُه الجبّارة هي التي تحمل الخلاص.

وكما بدأ المزمور بالصلاة ينتهي بالصلاة.

آية 10: يا ربّ خلّص الملك واستجب يوم ندعوك.

نعم، أيّها الربّ، صلاتنا اليوم من أجل كلّ مسؤول فينا على أيّ مستوًى كان. أنت تكون حاضرًا في حياته، أنت تعلّمه أن يتّكل عليك وحدك، وهو يحمل الخلاص لشعبك، هذا الخلاص الذي هو في النهاية بركة من يدك، بركة من يمينك. يا ربّ خلّص الملك واستجب لنا يوم ندعوك. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM