المزمور الثاني عشر: كلام الربّ في عالم فاسد .

 

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

المزمور الثاني عشر .

كلام الربّ في عالم فاسد

1 - كلمة الربّ وكلمات البشر

هذا المزمور، مزمور 12، الذي نقرأه هو مزمور توسّل، هو مزمور تضرّع. ينشده المرنّم صاحبُ المزامير طالبًا معونة ا؟ ليستطيع العيش في عالم زالت منه القيَم. لا يوجد شيء ثابت. فعلى ماذا يرتكز، إلى ماذا يستند؟ أتراه يُنهي حياته، أم يجب أن يعيش عيش الإيمان مهما كان هذا العالم فاسدًا، مهما زالت القيَم من هذا العالم.

لا شكّ في أنّ الربّ يتكلّم، وعنوان المزمور كلمة الربّ. ولكنّ كلمات البشر عديدة. واليوم أكثر من أيّ يوم، يسمع المؤمن الكلمات من راديو من تلفزيون وغيرها من أمور. كلمات البشر عديدة. أتراها تتغلّب على كلمة الربّ؟ هل يسود الكذب حيث يكون الصدق؟ هل يسود المكر حيث الأمانة؟ هل يسود الظلم حيث الرحمة؟

هنا نفهم الآية الرائعة في آ6: »أقوم الآن يقول الربّ«. كأنّي به كان نائماً وما أراد أن يفعل، »الآن أقوم، الآن يقول الربّ«. وكلمته ستفعل ما لم يستطِع أن يفعله البشر. نتذكّر أنّ الكون كلّه خُلق بكلمة من عند ا؟. قال ا؟: ليكن نور فكان نور. لتكن حيوانات فكانت حيوانات. كما يقول مزمور 33: قال فكان كلّ شيء، أمر فصار كلّ موجود. يكفي أن يتكلّم الربّ لتكون كلمته فاعلة في هذا المكان.

يقول أشعيا 55: كما أنّ المطر لا ينزل من عندي ويعود إلاّ ويجعل الأشجار تثمر، فكذلك كلمتي لا تعود إلاّ وتحمل ثمرة. وهذه الثمرة في النهاية هي التي تسيطر على سائر الثمار فلا تعود لهذه الثمار أيّة قيمة.

إذًا نقرأ المزمور 12: لكبير المغنّين، على ثمانية أوتار، مزمور لداود. كبير المغنين هو رئيس الجوقة وهو الذي نظّم هذه المزامير ورتّبها لكي تُنشد في الجماعة. نحن لا ننسى أنّه كانت أجواق المغنّين في الهيكل، كانت أجواق من أصحاب آلات الموسيقى: الدفّ، العود، الكنّارة، القيثارة وغيرها من الآلات الموسيقيّة. وهنا نجد أنّنا أمام آلة من ثمانية أوتار.

2 - عالم الباطل والرياء

مزمور لداود، والمزامير ترتبط كلّها بداود. هذا المزمور في الأصل هو صلاة الشخص الفرد. »خلاصك يا ربّ« ولكن سوف نرى في ما بعد، أنّ الكاهن أو النبيّ الذي سيتكلّم باسم ذلك الذي أنشد هذا المزمور أوّلاً، صوّر خطيئة البشر بكلمتين: الباطل والرياء« (آ 2).

خلاصك يا ربّ. الأتقياء انقطعوا، وزال الأمناء من بني البشر. كلّ واحد يكذب على الآخر، وبلسانين وقلبين يكلّمه (آ 2). الباطل الذي لا فائدة منه. الباطل هو كالدخان، يمضي ولا يعود. هو الرياء والحياء. يقول شيئًا ويفعل شيئًا آخر. يفكّر في شيء ويتصرّف بشكل آخر. هذه حالة العالم، حالة عالم من الخطيئة. عالم فاسد.

وكيف يعرف أنّ هذا العالم صار فاسدًا؟ يقول: »الأتقياء انقطعوا والأمناء زالوا«. لا شك أنّ البشر هم هنا. فالبشر يبقون بشرًا لكن لا وجود للأتقياء في ما بين البشر. انقطعوا، إن هم انقطعوا، فلأنّ الجميع عادو إلى الشرّ وتركوا العهد مع ا؟ وتركوا الوصايا. أو هم انقطعوا بعد أن قطع الأشرارُ ذكرهم. هكذا نقول عن الأمناء، الأمناء بين البشر. الأمين هو الثابت على وصايا ا؟، هو الثابت على كلمة ا؟ والمتقبّل ما يقوله الربّ في أعماق قلبه.

الأتقياء انقطعوا وزال الأمناء. إذًا لم يعد للإنسان شيء ممكن يرتكز عليه في هذا العالم. لهذا يهتف المرنّم: »خلاصك يا ربّ«. أرسل خلاصك يا ربّ. ونتذكّر مثلاً ميخا النبيّ: أنصلّي في الأرض وليس بشرٌ مستقيم. جميعهم يكمنون للدماء وكل$ منهم يصطاد أخاه. إذًا ماذا ينتظر ا؟ لكي يتدخّل: أرسلْ خلاصك يا ربّ وتدخّل، فتعود الأرض أرضك لا أرض الشرّ والخطيئة.

3 - عالم الكذب والكبرياء

كلّ واحد يكذب على الآخر (آ 3). ضاعت كلمة الحقّ. ما عاد الناس يستطيعون أن يتفاهموا. صار الأبيض أسود والأسود أبيض. والحقّ كذبًا والكذب حقٌّا، صار النور ظلمة والظلمة نورًا. »كلّ واحد يكذب على الآخر وبلسانين وقلبين يكلّمه«. هذا يعني أنّ الكلام ليس كلامًا واحدًا، بل يعيد ما قاله له من تملّق. يتكلّمون بلسان هنا وبلسان هناك. بقلب هنا يفكّرون، ويتصرّفون بقلب هناك. ضاعت الأسس في الأرض، فما عاد الإنسان يقدر أن يثق بأخيه الإنسان. لا يثق بكلامه، لا يثق بنواياه ولا يثق بأعماله.

إذا كانت هذه أوّلاً صورة عن الشرّ في العالم، عندئذ يتدخّل المؤمن ويطلب من الربّ: لماذا يا ربّ لا تفعل؟ »الربّ يقطع شفاه المتملّقين ألسنة المتكلّمين بكبرياء القائلين: ألسنتنا تغنينا، شفاهنا معنا فمن علينا؟« (آ 4 - 5). هنا معنا صيغة المضارع: الربّ يقطع. يكفي أن يقال: فليقطع الربّ شفاه المتملّقين. ويطلب من الربّ أن يقطع شفاه المتملّقين، ألسنة المتكلّمين بكبرياء. ولكن نستطيع أن نقرأ أيضاً: الربّ يقطع أي أنّه سيفعل. عندما نقول: ليقطع الربّ، فنحن نصلّي كأنّنا نطلب حتّى يصغي إلينا الربّ ويفعل وحين نقول: الربّ يقطع، أي انتهى الأمر. إنّ الربّ سيفعل ونحن متأكّدون كلّ التأكيد بأنّه سيفعل.

»يقطع شفاه المتملّقين وألسنة المتكلّمين بكبرياء«. هؤلاء من يمثّلون العالم، عالم الفساد الذي نعيش فيه. »الربّ يقطع شفاه المتملّقين وألسنة المتكلّمين بكبرياء قائلين: ألسنتنا تغنينا شفاهنا معنا فمن علينا؟«. هم يحاربون باللسان والشفتين وينتصرون على الجميع. هذه الشفاه يمكن أن تتكلّم في المحكمة أمام الملك وخاصّة شفاه المتملّقين. المتملّقون هم الذين يقيمون بجانب الملك (والعظماء) حتّى يخبروه عن فلان وفلان، ويرضوه بأقوالهم. وحين يقومون بقرب الملك، بقرب العظماء، فهم يحسّون بالجاه والعظمة. وإن تكلّموا بكبرياء ورفعة أحسّوا أنّهم ليسوا مثل سائر الناس. لخدمة الملك صاروا كأنّهم الملك. لهذا السبب وبما أنّهم في حماية الملك ربحوه بتملّقهم. ربحوا العظماء بكلامهم المعسول. استطاعوا أن يقولوا: »من علينا؟ شفاهنا معنا«. من علينا، من يقدر علينا؟ والجواب: لا أحد.

4 - قول نبويّ

هذا على مستوى البشر، هذا على مستوى كلام البشر، ولكن هل تبقى الأمور هكذا؟ كلاّ. ألا يفعل ا؟ شيئًا؟ بل هو سيفعل. في آية 6 يأتي قول نبويّ يعيد الثقة إلى الناس، يعيد الشجاعة إلى الناس كأنّي به يقول لهم لا تخافوا، كما في آية 6: »أقوم الآن يقول الربّ، لأنّ المساكين في شقاء والبائسين يئنّون ظلمًا، فأمنح الخلاص للذين يشتهون«.

نلاحظ أوّلاً أنّ ما طلبه المؤمن في آية 2 (خلاصك يا ربّ)، وجد الجواب هنا في آية 6. طلب المؤمن الخلاص، فنال الخلاص. ثمّ هؤلاء المساكين، هؤلاء البائسون، ما هو وضعهم؟ هل يتركهم الربّ وشأنهم؟ هم يشتهون الخلاص والنجاة، فماذا يفعل الربّ؟ نسمّي الآية 6 »قول نبويّ«. ما معنى »قول نبويّ«؟ يأتي شخص اختاره ا؟ اختيارًا خاصٌّا. وحين يتكلّم يُعتبر كأنّه يحمل إلى الناس كلمة ا؟. وماذا يقول؟ »أقول الآن«. ا؟ هو الذي يفعل، يتحرّك ساعة يجب التحرّك، ويفعل ساعة يشاء هو.

ونلاحظ أنّ ا؟ لا يفعل، كأنّ هؤلاء الناس لا يستحقّون أن يفعل لهم: هم علماء، هم فهماء عظماء أغنياء، لا يستحقّون أن يهتمّ الربّ بهم! كلاّ هم لا يقدرون أن يحملوا أيّ استحقاق. هم بائسون، هم مساكين، هم يعيشون في الشقاء، يعيشون في الظلّ، يئنّون، يبكون. ليس لهم ما يحملون إلى الربّ، لا بل يحملون ذبيحة واحدة، محرقة للربّ بالقرب من الهيكل. يأتون عكس ما تتطلّبه الشريعة: يأتون بيد فارغة لا هديّة فيها للربّ ولا للكهنة. هم لا يستحقّون شيئًا.

لذلك فالربّ يقول: »أقوم الآن«. هؤلاء يستحقّون نظرة منّي. والخلاص الذي يحمله ا؟ هو خلاص مجّانيّ كلّه. فالملك مسؤول عن عبيده. ذاك كان الوضع في العالم الوثنيّ، فكيف نقول في عالم الكتاب المقدّس؟ الربّ هو المسؤول، ولا يسمح بأن يئنّ البائسون من الظلم بأن يبكي المساكين شقاء. كلاّ ثمّ كلاّ. خلاصه مجّانيّ. هو الملك يقضي في الناس. هو الراعي والراعي للجميع. هو الأب يهتمّ بالجميع كما الأب بأبنائه.

5 - ثقة بالربّ واتّكال

وبعد هذا القول النبويّ، يأتي كلامٌ يبعث على الثقة، على الاتّكال. جاء النبيّ وتكلّم: »أقوم الآن يقول الربّ« أترى هذا المؤمن المظلوم المتألِّم المعذّب سيكتفي بقول الربّ؟ هل هذا القول يفعل؟ فنقرأ في آية 7: »كلام الربّ كلام نقيّ، فضّة صرف في باطن الأرض، تصفّت وتكرّرت سبع مرّات«. أجل كلام الربّ يختلف كلّ الاختلاف عن كلام البشر. هو كلام نقيّ، كلام طاهر، بعيد عن الخطيئة، عن الشرّ عن الكذب عن المكر عن الكيد عن التملّق، عن كلّ ما يمسخ ويشوّه الكلمة.

كلام الربّ كلام نقيّ لا غبار عليه. يقول لكي يفعل. هو كلام ناشط، فاعل. كلامه يُنجز ما يريده. ويشبه هذا الكلامُ فضّة صرفًا في باطن الأرض. إذًا هي جديدة لم تستعمل. كما أنّ الحيوان الذي يقدّم ذبيحة يجب أن لا يكون استعمل. العجل الذي يجب أن يقدّم ذبيحة لا يمكن أن يكون قد استعمل. بل يكون أوّل ما يكون للربّ كالباكورة بين الحيوانات، كذلك هذه الفضّة جاءت مباشرة من باطن الأرض فلم تنجّسها أيدي البشر.

ويتابع النصّ: »هذه الفضّة تصفّت وتكرّرت سبع مرّات«. الرقم 7 يدلّ على الكمال. وهذه الفضّة هي صافية لأنّ كلمة الربّ صافية لا تُخفي شيئًا وراءها. وتكرّرت سبع مرّات. ونحن نعرف على المستوى البشريّ أنّ من أراد أن لا يخطئ هو من يفكّر عشر مرّات. في قلبه قبل أن يقول كلمة واحدة. هكذا هي كلمة ا؟ تصفّت وتكرّرت سبع مرّات. صارت الصدق كلَّ الصدق الذي ما بعده صدق.

وإذا كانت كلمة الربّ بهذه القوّة، بهذه المتانة، بهذه النقاوة، يستطيع المؤمن أن يصلّي الصلاة الأخيرة في هذا المزمور 12: »احرسنا يا ربّ وانصرنا« (آ 8). الحراسة هي عمل الراعي. والراعي يكون بجانب شعبه. »احرسنا يا ربّ وانصرنا«. إنّه فعل النصر وكأنّنا في حرب. والحربُ لا تكون دومًا سياسيّة ودمويّة، بل هي حرب روحيّة كما يتحدّث عنها القدّيس بولس في الرسالة إلى أفسس. احرسنا يا ربّ من هجمة الأعداء. نحن نتراجع، احمنا وانصرنا يا ربّ في الهجوم على الأعداء. أعطنا الانتصار على هذا الجيل إلى الأبد«. هذا الجيل هو جيل فاسد، هذا الجيل هو جيل خاطئ. انصرنا عليه.

ويصوّر الكاتب كلّ هذا في الآية 9: »فهم أشرار يجولون في كلّ ناحية فيما الرذيلة ترتفع بين الناس«. هذا الجيل هو جيل أشرار، يحمل شرّه من مكان إلى آخر وفي كلّ ناحية. والرذيلة تصبح هي الملكة في هذا المجتمع، والمسيطرة في هذا المجتمع. من لا يعيش في حبّ الرذيلة يُعتبر شخصاً بسيطاً، شخصاً عاديٌّا، شخصًا لا يُحسب له حساب. هو ما زال مثل الدجاجة أو الحمامة التي لا تعرف شيئًا والتي تبقى من دون أيّ تدرّب ولا أيّ مرونة.

هذا هو معنى المزمور 12. المعنى الأساسيّ العالم فاسد، فيه الكثير من الخطيئة والكذب، فيه من التملّق والكلام بلسانين. هل تقدر كلمة ا؟ أن تتغلّب على كلام البشر؟ الجواب هو بلا شكّ: نعم. هذه الكلمة التي خلقت الكون من العدم، تستطيع أن تخلق اليوم الإنسان الجديد كما يقول القدّيس بولس. تجعلنا نترك الإنسان القديم وتخلق الإنسان الجديد الذي يكون بحسب الربّ في البرارة والتقوى والمحبّة. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM