المزمور العاشر: حضور الربّ في وقت الضيق

 

المزمور العاشر

حضور الربّ في وقت الضيق

1 - أقوال الشرّير

لا بدّ من التذكير هنا بأنّ أكثر المزامير هي توسّل وتضرّع من قبل المؤمن الذي يحسّ بضعفه، بمسكنته، بفقره، بشقائه. لهذا فهو يلجأ إلى الربّ. بحث عن ملجأ عند الناس، فلم يجد، لأنّ الناس كانوا قريبين منه فهو حاضر لدى أحبّائه في وقت الضيق بالضعف. وقد يكون بعضهم لجأ إلى الأصنام التي لها عيون ولا ترى وآذان ولا تسمع وأيادٍ ولا تفعل. ولجأ إلى السحرة فأعتقد أنّ السحرة يساعدون. ولمّا اختبر على مستوى البشر عاد إلى الربّ. الربّ وحده ملجأ المساكين.

ولماذا التجأ هذا المؤمن إلى البشر إلى السحرة، إلى العرافة أو غيرها؟ لأنّه أحسّ أنّ ا؟ بعيدٌ عنه، أنّ الربّ نسيَه. أنّ الربّ يهتمّ بالقويّ، بالكاذب، بصاحب المال. ولكنّ المؤمن سيعرف خطأه سيعرف أنّ غلطته كبيرة. فكّر مثل هذا التفكير، ومع ذلك أراد أن يكلّم ا؟ من أعماق قلبه. قال ما فكّر فيه وتفكيره خاطئ. ومع ذلك قال له: يا ربّ هذا ما فكّرت فيك، هذا ما قلته عنك. أنا آتي الآن لأعترف بك أنت العظيم، وأعترف بخطيئتي أمام الجماعة.

إذًا نقرأ المزمور 10 وقبل شرح النصّ، نتوقّف عند ثلاث آيات. آية 4: »لا إله«. الشرّير يعتبر أنّ ا؟ غير موجود. لهذا يشمخ بأنفه ولا يسأل عن ا؟. بما أنّ ا؟ غير موجود، فلماذا يسأل عنه. إذًا خطوة أولى: ا؟ غير موجود. خطوة ثانية. يقال له: ا؟ موجود. فيجيب في آية 11: »نسيني ا؟ وحجب وجهه، فلن ينظر. أو: إن كان هناك من إله، فهو كالأصنام. فهو لا يرى ولا يسمع ولا يلمس. بما أنّه لا يفعل فأنا لا أخاف منه ولا من عقابه. والآية الثالثة الآية 13: »يقول في قلبه: ا؟ لا يحاسب«. وإن رأى شرّي فهو لا يحسّ، فهو لا يهمّه أمر البشر ولا يهتمّ بالمساكين. وخصوصاً إذا قدّمت له الذبائح من العجول الثمينة والخراف السمان، فهو لا يحاسب، بل يرضى عنّي بعد أن رشوتُه.

2 - هل هو الإله البعيد

قال أوّلاً: لا إله. ا؟ هو مثل الأصنام. لا يهمّه أمر البشر. هم كالحشرات، كالنمل، يدوسهم ويتابع طريقه. مع أنّ في سفر أيّوب الأمر واضح: الربّ يهتمّ حتّى بأصغر أنواع الخلائق. أتُراه لا يهتمّ بالإنسان. رأى المؤمن هذا الشرّير يقول ما يقول ويفكّر ما يفكّر. اعتبر أنّ ا؟ هو البعيد، أنّ ا؟ هو مع قايين، يحاسب ولا يسمع آهات المساكين (آية 17). الربّ لا ينصف اليتيم والمقهور كما نقرأ في آية 18.

ونعود إلى قراءة المزمور: »يا ربّ لماذا تقف بعيدًا؟« الصورة رائعة. صغير يُضرب، أبوه بعيد، ويبقى بعيدًا ولا يتدخّل. فما هو هذا الأب؟ أين محبّته وعطفه؟ وهنا هذا المسكين يحسّ بالظلم والربّ لا يتدخّل، فيقول له: لماذا تبقى بعيدًا؟ لماذا لا تفعل، لماذا لا تتصرّف؟ ويقول له في آية 15: »حطّم ذراع الفاجر الشرّير وامحُ شرّه كأنّه لم يكن«.

يا ربّ لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تتوارى في وقت الضيق. في وقت الهول واليأس؟ وقت الضيق لا أعود أراك. أنت تتوارى يا ربّي. نحسّ هنا بآلام المؤمن الذي اعتبر ا؟ بعيدًا. لا يصغي. لماذا كان هذا الاعتبار؟ لأنّه رأى أمامه الشرّير يقاضي ويظلم المسكين وماذا تفعل أنت يا ربّ. يأتي الجواب حالاً: »يؤخذ في المكايد التي دبّرها« (آ 2). كما نقول: حفر حفرة لأخيه وسقط فيها.

ويعود الشرّير يتهلّل بشهوات نفسه، ويتفاءل بالربح، ويستهين بالربّ. يستهين بك يا أ؟، وأنت ماذا تفعل؟ أتتركه يأخذ مداه، تتركه حرٌّا يفعل ما يشاء. وكيف يتفاءل بالربح؟ عندما يظلم المساكين، عندما لا يكون ميزانه ميزان العدل. وعندما يصبح عظيمًا يستهين بك يا ربّ. لا يعود يهتمّ بك. هو ليس بحاجة إليك. »يشمخ بأنفه ولا يسأل عن ا؟«، يشبه إلى حدٍّ بعيد هذا البرج الذين أرادوا أن يبنوه ليصبح على مستوى السماء.

3 - هل هو الإله الضعيف

وهذا الشرّير يشمخ بأنفه فيصبح على مستوى ا؟ أو أعلى من ا؟، عندئذ لا يسأل عن ا؟، »في كيده يقول لا إله« (آ 4) يعني لا وجود ؟ في العالم. العالم غابٌ من الذئاب. كبيرها يأكل صغيرها. ونقرأ آية 5: »يحتال في مساعيه كلّ حين، وأحكامك فوق متناول فهمه، يستخفّ بجميع مخاصميه، وفي قلبه يقول: لا أتزعزع، ولا أصاب أبدًا بسوء«. مخاصموه هم البشر. وإذا أنت أردت أن تخاصمه يا ربّ، فهو يعتبر أنّه لا يتزعزع، ولا يُصاب أبدًا بسوء. ليس هو بقويّ فقط على البشر، بل هو قويّ على ا؟. ا؟ هو ذاك الضعيف الذي لا يحاسب، ولا يذكر شرّ الأشرار.

تلك أفكار الشرّير التي عرفها المؤمن فهتف: لماذا تقف يا ربّ بعيدًا؟ لماذا تتوارى في وقت الضيق والشدّة؟ »ملء فمه لعنة ومكر وحماقة، وتحت لسانه فسادٌ وإثم«. أوّل ما نلاحظه من خطإ على مستوى هذا الإنسان، كلامه في وجه ا؟. كأنّه يريد أن يشمخ بأنفه ويترفّع على ا؟. أنسيَ الربّ هو الذي يحطّ المتكبّرين والجالسين على الكراسي، ويرفع المتواضعين؟ وفمه يتوجّه الآن إلى البشر: يحمل اللعنة، المكر، الحماقة. الإثم يعني كلّ الشرّ. والكتاب المقدّس يشدّد مرارًا على خطايا اللسان التي يمكن أن تحمل الشرّ والضرر إلى القريب. وبعد اللسان تبدأ أعمال الفكر.

قال المرتّل: »ملءُ فمه لعنة ومكرٌ«. »يجلس في الأماكن الضيّقة« (آ 8) وبالتالي يكمن للبريء للضعيف للفقير للمسكين. هو في المكامن الضيّقة بحيث لا يترك له مجالاً للهرب. يجلس في المكامن الضيّقة فيغلق الطريق أمام الناس ويسلب، من يريد أن يسلب كما قرأنا في الآية 3: هو »يتفاءل بالربح ويستهين بالربّ«. كيف ربح؟ هو حرّ. وأين شرائع ا؟.

4 - يستهين به الشرّير

يستهين با؟ ويستهين بشرائعه. يجلس في المكامن الضيّقة وفي الخفية. هكذا لا يراه أحد ولكنّ ا؟ يراه. ا؟ يراه في الخفية وهو يراه يقتل البريء، تراقب عيناه الضعيف »يكمن كالأسد في عرينه، ويكمن ليخطف المساكين يخطفهم ويمسكهم بشركه«. كم مرّة نقرأ كلمة كَمَن في آ 8 - 9: يكمن كالأسد ثمّ الكلمات التالية: يخطفهم، يمسكهم ليخطف. هو يريد أن يتملّك الناس أن يستملك الناس، وما يملكون من ميراث.

ويشبّهه بالأسد، ويبيّن ما عنده من مكرٍ وكيدٍ وفساد في حياته. وما تكون نتيجة عمله؟ »هكذا يرتمون وهم ضعفاء، وينحنون ويسقطون في قبضته« (آ 10). كم هناك من الأخبار حيث القويّ يظلم الضعيف، يمسك المرأة يزني بها، يمسك صاحب الدين ويجعله يبيع كلّ ما هو له ويبيع نفسه له، يصبح عبدًا له. يسقطون في قبضته لا يقدرون بعد ذلك أن يتحرّكوا. صاروا كالخاتم في يده يفعل بهم ما يشاء ولا يكتفي. ويفعل كلّ هذا. وإن قلت له: انتبه، ا؟ هنا هو حاضر. ا؟ رآك، الجواب: ا؟ نَسيني، ا؟ لا يرى، حجب وجهه فلن ينتصر. الربّ لا يريد أن ينتصر، أن يُتعب رأسه.

فليحطّم القويّ المسكين كما يشاء، والربّ لن يتدخّل ولن يفعل. في الواقع، الربّ لا يتدخّل كما يتدخّل البشر، كما يتدخّل الشرّير أو القويّ، القاضي أو غيره. ا؟ لا يتدخّل بطريقته البشريّة. ولكن هذا مهمّ جدٌّا. يجب أن يعرف الشرّير أنّ الربّ لا يتدخّل بطريقتنا البشريّة. ولكن يجب أن نعرف أنّه يتدخّل بطريقة بشريّة لكي يساعد المسكين. وكيف يتدخّل؟ ليحطّم ذراع الشرّير.

لهذا السبب يرفع المؤمن صلاته في آية 12: »ارفع يدك يا أ؟، لا تنسَ المساكين. لماذا تتأخّر؟ لماذا لا تفعل؟ لماذا يستهين بك الشرّير. ويقول في قلبه: ا؟ لا يحاسب؟ أنت تحاسب في الدينونة الأخيرة. ولكنّ المؤمن الفقير يريد أن يرى حسابك على الأرض، فيقول لك في آية 14: »لماذا ترى الفساد والبؤس، ولا تظهر وتمدّ يدك؟«. أين هي يدك لا تفعل؟ »عليك يعوّل كلّ ضعيف وأنت الذي تعيل اليتيم«. »تعيل الضعيف والذين لا ملجأ لهم سواك أنت. فلماذا لا تظهر يدك، لماذا تبقي يدك في جيبك، لماذا لا ترفع يدك؟ وتأتي الصلاة: »حطّم ذراع الشرّير الفاجر وامحُ شرّه كأن لم يكن« (آ 15). الربّ لا يحطّم الشرّير. فالشريّر وإن كان شرّيرًا يبقى على صورة ا؟. ولكن تحطّم ذراعُه لأنّ ذراعه هي سبب الشرّ. ويُمحى شرّه كأنّه لم يكن. فلا تكون له نتائج في قلوب المؤمنين. »حطّمْ ذراع الفاجر الشرّير وامحُ شرّه كأن لم يكن«. المؤمن يعلن إيمانه بالربّ الذي يملك إلى الأبد وتبيد الأمم عن أرضه. يسمع آهات المساكين ويقوّي قلوبهم.

يا ربّ أصغِ بأذنك. يا أ؟، أنصف اليتيم والمقهور فلا يعود يفسد الأرضَ إنسان. متى سنصل إلى هذا الوقت؟ إلى وقت لن يعود من فساد على الأرض، لن يكون من إنسان يريد أن يصنع الفساد على الأرض، لن يعود من ذراع تضرب، لن يعود من شرّ يضرب لن تعود أمم تسيطر على أمم وتستعبد أممًا. ويا ليت الربّ يسمع ويصغي بأذنيه. ينصف ويعدل، فتكون يد الحقّ في الأرض والسلام في بني البشر. نعم يا ربّ، بعض المرّات نحسبك بعيدًا، ولكنّك الإله القريب القريب. علّمنا أن نرى وجهك، ونرى عمل يديك، فتزداد ثقتنا بعملك وبحضورك. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM