المزمور السابع
الله قاضٍ عادل
1 - مزمور توسّل
أحبّائي، نتابع صلاة المزامير ونلاحظ مزمورًا بعد مزمور أنّها مزامير توسّل. فالإنسان يحتاج إلى الله؟، يحتاج إلى عون الله؟. وبما أنّ المزامير هي صلاة الفقراء، صلاة المساكين، صلاة المضايَقين، صلاة المرضى، صلاة المظلومين، فلا يمكن إلاّ أن تكون في أكثرها مزامير توسّل. وها المزمور 7. هو أيضاً مزمور توسّل ينشده المؤمن، ينشده المرتّل، بعد أن نجّاه ا؟ من أعدائه.
نقرأ إذًا مزمور 7: عنوانه الله؟ قاضٍ عادل. »مناجاة لداود أنشدها للربّ عند سماعه كلام كوش البنيمينيّ. يا ربّ، يا إلهي بكَ احتميت خلّصني... وأرتّل لاسمه العليّ«.
مزمور قاسٍ في كلماته، قاسٍ جدٌّا، فيه العنف، فيه التوعّد، فيه السيف، فيه القوس، السهام، السلاح، فيه الفساد، فيه الكذب. كلّ هذا نجده في هذا المزمور. ومع ذلك فالمؤمن يعلن ثقته با؟ الذي يجاذف. هو واثق أنّ الربَّ يقضي ويقضي بالعدل. أنّ الربّ يهتمّ ويهتمّ بالأبرار. ولكن إن هو أراد أن يهتمّ بالأبرار فلا يستطيع إلاّ إذا منع الأشرار من أن يُسيئوا إليه.
مناجاة لداود أنشدها للربّ عند سماعه كلام كوش البنيمينيّ. نذكر أنّ المقدّمة التي وُضعت للمزمور ليست من أصل المزمور. ولكن وُضعت فيما بعد لتعطي الإطار الحياتيّ لهذا المزمور. كوش هذا بنيمّينيّ. كان عدوّ داود وكأنّه يريد أن يطلب من الربّ أن ينتقم من داود. ولكنّ داود يعلن أنّ الربّ هو القاضي العادل.
نحن إذًا أمام مزمور توسّل ينشده المؤمن لأنّ الربّ نجّاه، في آخر آية نقرأ: »أحمد الربّ لعدله وأرتّل لاسمه العليّ«. إذا كان المؤمن يحمد الربّ، فلأنّه نال النجاة. ويصوّر المؤمن الأعداد الذين يتّهمونه زورًا، الذين يريدون قتله مع أنّه بريء.
2 - بِكَ احتَمَيْت
قلنا في البداية«مناجاة لداود». في الواقع هذا المزمور هو مزمور قاله أحد المؤمنين. هو ينطلق من حادث واقعيّ أصاب هذا المؤمن. قد يكون هناك جريمة قتل، واتّهم بها ذاك المؤمن، فيقول: أنا بريء يا ربّ. ويخاف هذا المؤمن ممّن يثأر للقتيل. لهذا السبب يرفع المؤمن صلاته إلى الربّ. فهو الذي يُظهر الحقيقة. هو الذي يكشف الشرّ ويكشف الظلم. والكلمة الأولى هي كلمة الثقة با؟. آية 2: »يا ربّ، يا إلهي، بك احتميت. خلّصني، ومن مضطهديّ نجّني لئلاَّ يمزّقني كالأسد ويفترسني ولا من ينجّيني«. ربّما يكون المؤمن جاء إلى الهيكل، احتمى بالربّ، كانوا يمسكون بقرون المذبح أو زوايا المذبح، ولا أحد يقترب منهم أبدًا مهما كانت نوعيّة خطيئتهم.
يا إلهي بك احتميت، يا إلهي إليك لجأت. ولا ننسَ العادات القديمة. من يلجأ إلى إنسان عظيم، يحميه هذا الإنسان العظيم، بل يعرّض حياته للخطر ولا يسمح أن يُمسّ ذاك الذي لجأ إليه. فماذا نقول حين يكون من نحتمي به هو الربّ الإله. لا يمكن إلاّ أن يخلَّص. ونلاحظ الكلمات القاسية: يضطهدني، يمزّقني، يفترسني. ومقابلها ثلاث كلمات: خلّصني، نجّني، ينجّي تجاه عنف البشر. هناك خلاص ا؟، هناك النجاة التي يحملها ا؟.
ويعلن المؤمن أنّه بريء آية 4 إلى آية 6: »إن كنتُ يا ربّ يا إلهي أسأت إلى أحد في شيء، فلطّختُ يديّ بالحور، أو كافأتُ من سالمني بشرّ، أو سلّمتُ خصومي باطلاً، فليضطهِدْني العدوّ ويلحق بي وليرمني إلى الأرض حيٌّا، ويمرّغ في التراب كرامتي«. نلاحظ هنا تقريبًا الوصايا. أسأت إلى أحد، لطّخت يديّ بالجور أي قتلت، كافأت من سالمني شرٌّا ربّما شهادة زور. سلبت خصومي باطلاً: لا تسرق. إذًا هي الوصايا قالها هنا المؤمن واعتبر أنّه لم يتجاوزها أبدًا. بل هو يقول: إن أنا تجاوزت هذه الوصايا فأنا مستعدّ أن أتقبّل الاضطهاد، أتقبّل الموت، من يدك لأنّك سمحت بذلك، ومن يد خصومي.
3 - مؤمن بريء
إن كنت يا ربّ، يا إلهي. إلهي أنا. يعني أنت مسؤول عنّي كما يقول الإنسان يا أبي. الأب هو رجلٌ ما، أب فلان، لكن أبي هو أمر مهمّ بالنسبة إليّ. أصبح هناك علاقات خاصّة. صار يوجد واجبات بين الأب وبين ابنه، وهنا واجبات بين الإله وبين المؤمن. يا إلهي أنا أحاول أن أكون أمينًا لشريعتك وأنت تحميني. أوّل كلمة: بكَ احتميتُ. كأنّي به يقول: أنا احتميت وأنت تحميني.
»إن كنتُ، يا ربّ يا إلهي، أسأت إلى أحد فلطّخت يديّ بالجور فليضطهدني العدوّ ويلحق بي، ليرمني إلى الأرض حيٌّا وليمرِّغ بالتراب كرامتي«. ولكن في الواقع هذا المؤمن هو بريء لأنّه بدأ الآية 4 »إن«، شرطيّة. وعندما نقرأ هذا القسم آية 4 وآية 6 نفهم أنّه بريء، أنّه ما أساء إلى أحد، ما لطّخ يديه بالجور، ما كافأ الذي سالمه شرٌّا وما سلب أحدًا. إذًا هو ظلّ أمينًا للربّ وظلّ أمينًا لوصايا الربّ. ومع ذلك هذا الخصم، هذا العدوّ يلاحق المؤمن مع أنّه بريء. فالمؤمن ضعيف وهو أضعف من أن يخلّص نفسه، من أن ينجّي نفسه. لهذا السبب يرفع صلاته إلى الربّ.
آية 7 إلى آية 10: »قمْ يا ربّ في غضبك وتغلَّب على كيد خصومي. تعال إلى نجدَتي سريعًا، فأنت أوصيتَ بالإنصاف. واجمع الأمم من حولك، واجلس فوقها في الأعالي، فأنت يا ربّ تدين الجميع وأنا صادق ونزيه فأنصفني، اقطع يا ربّ شرّ الأشرار، وعزّز مكانة الصدّيقين«. كان قد قال: إن كنت أنا مذنبًا. وهنا في آية 9: أنا صادق ونزيه. أنا لا أكذب، أنا ما خطئت بلساني، أنا ما خطئت بيديّ، أنا ما فعلت شرٌّا. وعلى من يتّكل هذا المؤمن؟ يتّكل على الربّ، الربّ الذي هو الإله العادل. الربّ الذي هو صاحب الإنصاف، يقول مرّتين. في آية 7: أنت أوصيت بالإنصاف. وفي آية 9: أنا صادق ونزيه فأنصفني.
الربّ هو إله الإنصاف. والربّ هو القدير. يقول له هنا. اجمع الأمم من حولك واجلس فوقها في الأعالي. كلّهم عند قدميك، كلّهم يخضعون لك. أنت فوقهم جميعًا. أنت تدينهم جميعًا. الملك وحده يستطيع أن يدين جميع عبيده. وا؟ وحده يستطيع أن يدين جميع البشر. ودينونته تدلّ على عزّته، تدلّ على قدرته، تدلّ على عظمته.
4 - ماذا ينتظر الربّ ليفعل
يدعوه: »قمْ يا ربّ في غضبك«. عندما يقف الربّ فهو يفعل. وتأتي الكلمات التي تدلّ على أنّ المؤمن لن يصاب بأذًى. قم يا ربّ. بالأوّل تغلّب على كيد خصومك. ثمّ تعال إلى نجدتي. آية 9: أنصفني. إذًا هنا الربّ سوف يفعل والغضب يُرافقه: قم يا ربّ في غضبك. هذا الغضب لن يكون على الأبرار، لن يكون على الصدّيقين، بل على الأشرار، بل على الخطأة. فعندما يغضب الربّ يخاف الخطأة من غضبه. أمّا الأبرار فلا يخافون كما يقول الإنجيل: المؤمن لا يخاف الدينونة. الدينونة يخافها الخاطئ.
»ليرمني« (العدوّ). تعالَ يا إلهي، أنت تعالَ إلى نجدتي. نلاحظ هنا الضمير المتكّلم أنا. أنا أنصفني، أنا صادق، والجميل في هذا الكلام، أنت وأنا. أنت أوصيت بالإنصاف، أنت تدين الجميع، وأنا صادق ونزيه. يطلب المؤمن الخلاص لنفسه ويجعل نفسه مع الأبرار. الربّ يخلّص الأبرار، إذًا يخلّص صفيّه. الربّ يقطع شرّ الأشرار. إذًا هذا الذي يلاحق المؤمن سوف تصيبه الدينونة.
»اقطع يا ربّ شرّ الأشرار«. مهمّة جدٌّا هذه العبارة. عادةً يقول: اقطع يا ربّ الأشرار، أو اقتل الأشرار. هنا ميّز المرتّل بين الأشرار وشرّهم. الأشرار يمكن أن يتوبوا وأن يعودوا إلى الربّ، لهذا لا نقطعهم، بل نقطع الشرّ الذي فيهم. كما يقول الإنجيل، الزؤان اتركه حتّى نهاية العالم ربّما يتحوّل إلى قمح فيما بعد. وبعد أن يصرخ إلى الربّ »قم يا ربّ في غضبك«، يعود ليأكّد الثقة التامّة با؟ العادل الذي ينجّيه من أعدائه. قلنا: الربّ هو القدير هنا الربّ هو العارف. الربّ هو العادل، الربّ هو القاضي الحقيقيّ، الربّ هو الذي يفعل، يفعل بسلاح يشبه سلاح البشر. في الواقع يستفيد الربّ من كلّ الظروف لكي يخلّص أحبّاءه، أبراره.
»أنت تمتحن القلوب والأكباد أيّها الإله العادل« (آ 10 ب). آية 11: »ا؟ ترس لي وخلاص للمستقيم القلب، ا؟ قاضٍ عادل وإله يتوعّد كلّ يوم. على من لا يتوب، يصقل سيفه ويحني قوسه ويسدّد سهامه، يرميه بسلام مميت ويجعل سهامه ملتهبة«.
5 - هو القدير الجبّار
يصوّر المرتّل ا؟ هنا كبطل من الأبطال، كمحارب قويّ يدافع عن الحقّ، يقضي بالعدل. أوّلاً ا؟ ترس لي. هو ترس، هو الذي يحميني. ولا يكتفي الربّ بأن يحمي صفيّه. لا يكتفي الربّ بأن يخلّصه. »ا؟ ترس لي وخلاص«. ولكن هو يقضي على العدوّ. قلنا سابقًا: اقطع، يا ربّ، شرّ الأشرار. إن ظلّ الشرّ حاضرًا، فالربّ يخلّصني اليوم، ولكن الخطر يمكن أن ينتابني غدًا، أو أن ينتاب شخصاً آخر فهو يحتاج إلى الخلاص. ا؟ ترس لي وخلاص لمستقيمي القلب. هو يدافع عنّي، هو يحميني من السوء الذي أنا فيه.
ولكن هو يحارب أصحاب الشرّ، أصحاب الذلّ، أصحاب الكيد، أصحاب الكذب، ويحاربهم حتّى يفنيهم. في آ 14 يقول: »يرميه بسلاح مميت«. لأنّ السهام يمكن أن تجرح ولا تقتل. والسيف يمكن أن يجرح ولا يقتل. أمّا هنا فالسلاح مميت والسهام ملتهبة تحرق الأشرار حرقًا. هذه هي ثقة المؤمن بالربّ الذي يدافع عن مؤمنيه ساعة الدفاع ضروريّ، ويحارب ويبعد أعداءهم عنهم ساعة يحتاجون إلى مثل هذه القدرة.
وينتهي المزمور: لأنّ الربّ الديّان العادل هو الذي يعاقب الشرّير على شرّه. وأمّا البارّ فهو ينال الخلاص فيشكر الربّ عن الخلاص الذي ناله. آية 15: »الشرّير يتمخّض بالإثم«. كأنّه يريد أن يلد مثل الأمّ. يحبل بالفساد ويلد الكذب. إذًا عندنا أوّل صورة، صورة الأمّ التي تحبل وتلد. وهذا الشرّير صار مثل والدة، مثل أمّ، مثل حيوان. كنت أقول يتمخّض بالإثم. »يحبل بالفساد ويلد الكذب«. نشعر بهذا الجوّ الموبوء الذي يجعله حوله. وصورة ثانية: »يحفر حفرة ويوسّعها«. نتذكّر هنا الحفر التي توضع مثل فخّ يقع فيها الحيوان. وهذا الشرّير يحفر حفرة للبارّ. »يحفر حفرة ويوسّعها، وفي الهوّة التي صنعها يسقط«.
نلاحظ كيف أنّ هذا الذي أراد الشرّ عاد عليه الشرّ. حفر الهوّة فسقط فيها. وصورة ثالثة: »يرتدّ فساده على رأسه، وعلى نافوخه يقع عنفه«. أراد أن يضرب الآخر فعادت الضربة عليه. كأنّي بالربّ يعامل الأشرار بشريعة السنّ بالسنّ والعين بالعين. أراد أن يقتل فقُتل، أراد أن يُسقط في الهوّة فسقط هو. أراد أن يضرب الآخر على نافوخه، على رأسه، فجاءته الضربة. يا ليته يتعلّم، يا ليته يفهم، يا ليته يتوب إلى الربّ.
وعندما يرى المؤمن كلّ هذا. عندما يرى شرّ الأشرار وقد قُطع، عندما يرى مكانة الصدّيقين معزّزة، عندما يرى أنّ الربّ دافع عنه،دافع عن الأبرار، لا بل قضى على الأشرار، ينشد (آ 18): »أحمد الربّ لعدله وأرتّل لاسمه العليّ«. ذاك هو صوت المؤمن أمام قوى الشرّ التي تحيط به. فلا يبقى له إلاّ أن يهتف في صلاته للربّ، فينتظر منه الحماية وينتظر منه الخلاص. آمين.