الصابئة أو المندائية، الأب أنستاس الكرملي

 

الصابئة أو المندائية

لحضرة اللغوي البارع الأب أنستاس الكرملي

قدّم الأب أنستاس الكرملي(1) دراسة عن الصابئة أو المندائية، فأخذناها ونسّقناها في ستة فصول، مسبوقة بمقدّمة:

1- عبادة النجوم برموزها وأصنامها

2- الصابئة وعلاقتها بالفلسفة وبالمسيحية

3- الصابئة مع بعض مترادفاتها

4- اعتقاد الصابئة بالعواقب والكواكب

5- لغة الصابئة وكتبهم وممارساتهم

6- الصابئة ودفن الموتى.

إذا(*) أخذ أحد الأدباء يبحث عن هذه الديانة وأصحابها، وتصفَّح لهذه الغاية كتب المتأخِّرين والمتقدِّمين على اختلاف مشاربها وأحزابها. وقابل ذلك بما هو مشهور عن الصائبة في هذه الأيّام. يكذِّب من سبقه، لا بل وكلّ من ناصبه. ويدَّعي لنفسه الهداية. وينسب لغيره الغواية. فيرجع القارئ أخيب من القابض على الماء، محتقرًا المؤرّخين ومدوِّني الأخبار والأنباء، لأنَّهم لا يتثبَّتون الحقائق، قبل إيداعها المهارق، ويقيِّدون كلَّ ما مرَّ بخيالهم، أو خطر على بالهم.

أمّا الحقيقة فهي على خلاف ما يتصوَّرها هذا الباحث المستبين، عن أقوال الأوَّلين والآخرين، بل في الاطِّلاع عليها وجمعها فوائد عديدة، وعوائد فريدة، تدلُّ على انتقال هذه الديانة انتقالةً بعد انتقالة، من حالة إلى حالة، على توالي الدهور، وتراخي ستور العصور، إذ إنَّ هؤلاء الكتبة دوَّنوا ما علموه عن الصابئة في عهدهم. واعتمدوا على ما رأوا أو سمعوا منذ وجودهم في مهدهم. فخُيِّل إلى المتأخِّر الكذب والاختلاق، في من سبقه من كتبة الآفاق. وقد بحثنا عن هذه الأمَّة وديانتها، وعشنا بين أصحابها وكهنتها، وسألنا شيوخها وخاصَّتها، وفروخها وعامَّتها. وما زلنا نتتبَّع تلك الحقائق، ونستقصي الدقائق بعد الدقائق، فتنجلي من عندها كلَّ الجلاء. وتُؤيِّد قولُنا هذا تأييدًا لا يبقى وراءه شكّ ولا خفاء. ولهذا فنحن لا نخطِئ واحدًا ممَّن تقدَّمنا ولا نعزو الوَهم إلى واحد من أولئك القوم. بل نتَّخذ كلامه شاهدًا على معتقد تلك الأمَّة في ذلك اليوم. ونسنده بالأسانيد البائنة، وندعمه بالأدلَّة الراهنة، وتمهيدًا لذلك نقول، طالبين من الله سواء السبيل والحصول على المأمول.

* * *

الصابئة ديانة »تغيَّرت« على كرِّ الأعصار. و»تبدَّلت« متنقِّلة من أطوار إلى أطوار. بموجب ما حلَّ بها من الأغيار. أو بموجب ما طرأ في عصرها من الطوارئ الكبار، أو الأديان السائدة في تلك الأقطار. »فتفرَّع« منها فروع عديدة. واتَّسع معنى لفظة الصائبة فشملت شِيَعًا غير زهيدة. كما شملت لفظة اليهوديَّة والنصرانيَّة والمحمَّديَّة فرقًا مختلفة. يرجع إليها أصحابها في أمورٍ مهمَّة آراؤهم فيها مؤتلفة. وعليه فأوَّل نشأة الصابئة كانت عبادة النجوم والكواكب وذلك منذ عهدٍ عهيد. ثمَّ انتقلت إلى إكرامها بهيئة الأصنام والرموز والاحتفاء بها عيدًا بعد عيد. وبعد ذلك انتشرت آراء فلسفة اليونان، ثمَّ لمّا ظهر الدين القويم وانبثَّ نور الإيمان، وأضاء على السهول والحزون والوديان، اقتبس الصابئة آراء من النصرانيَّة قبسة العجلان. وفي القرون الأولى للمسيح كُتبت بعض كتبهم بدون ذكر أسماء المدوِّنين. فنُزِّلت منزلة التنزيل دونها الإنجيل المبين. »فوقف عند ذلك« تغيير الدين. إذا نضب عنه ماء المعين. وبقي مذهبهم منذ ذلك الحين، على ما نسمعه عنهم أو نشاهده فيهم من أُخريات هذه السنين.

هذه هي الأطوار الكبرى، ما عدا ما تجاذبها من الأغيار الصغرى، التي اختلفت باختلاف الأماكن والبلدان، أو باختلاف الشعوب والألسنة والأزمان، غير إنَّنا لا نلتفت إليها في هذه المقالة لكي لا يهجم على القارئ الإشكال أو الإبهام، فيساوره مساورةً دونها مساورة الضِرغام.

وعليه فانتقال ديانة الصابئة على أربعة أطوارٍ كبرى وهي:

1 طور عبادة النجوم

2 طور عبادتها برموزِ وأصنام

3 طور إدخال آراء فلسفيَّة فيها

4 طور إدخال آراء نصرانيَّة فيها أو الطور الأخير

ويجب علينا الآن، أن نتكلَّم عن كلِّ طور بما يحتمله المكان، إيقافًا للقارئ على رأينا هذا الجديد، المستند على سديد الأسانيد، وهو على ما خُيِّل لنا ليس عن الحقيقة ببعيد، ونبيِّن له أنَّ كلَّ من هذه الأطوار، قد أبقى وراءه شيئًا من بعض تلك الآثار، التي جعلته من هذا القبيل شبيهًا بطبقات الأرض، التي يُرى فيها بالطول والعرض، مستودعات العصور الغابرة، ودلائل السيول الجارفة العابرة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM