المقابلة الثانية - اللإيمان والختان

المقابلة الثانية - اللإيمان والختان

المقابلة الثانية من المقابلات مع اليهود، تُواصل الأولى فتعلن أن خطأ بني اسرائيل هو أنهم رفضوا أن يعترفوا بالمسيح على أنه ابن الله. ويعالج السروجيّ موضوعَ الختان فيبيّن عدم جدواه منطلقاً من أمثلة أخذها عن أبرار العهد القديم. وتجاه هذا التعلّق بالشريعة، هناك الموقف الوحيد الذي له قيمته: الثقة بكلام الله على مثال ابراهيم. وهكذا نستشفّ الموضوع العميق لهذا المقال: الإيمان. أما الختان فما كان سوى علامة تفصل الشعب المختار عن سائر الأمم الوثنيّة. ولما أتى المسيح ودعا إليه جميع الشعوب، الغى هذا الانفصال فصارت البشريّةُ كلها مدعوّة إلى الإيمان.

 

مقالة في دانيال وآل حننيا

لمار يعقوب السروجي

يا كنزاً عظيماً يحوي كلّ الذخائر،

هبني دوماً غنى كلمتك فأتاجر بها.

يا ذخيرة الكنوز، تغني من يلقاها،

لقيك المحتاج، فليغتنِ بك، وهوغير أهل.

5 يا مخزن الخيور، يملأ المساكين خيرات،

إفتح لي، فأدخل وأجمع منك كنزاً عظيماً.

يا غنيّاً يوزِّع كنوزه على المحتاجين،

محتاج أنا، إملأني من غنى تعليمك.

شمسك يا ربّ،أشرقت جوداً على الكافرين،

10 و مطرك، يهطل على الآثمين وهم غير مستحقّين.

بذلك الجود الذي يحنو على الأشرار والخاطئين،

ابسط لي غنى كلمتك فأتجر بها.

عن الكفّار، يا ربّ، لا تمنع الشمس والمطر،

أنا الذي ما كفرت بك، أنا المظلوم، هبني من لدنك نعمة.

15 لا يستحقّ الكافر الرّحمة، في ذاته،

أنت يا ربّ تستحقّ، أن تعطي المحتاجين، مجّانا.

ولأجلك، هبني ما لك أن أتكلّم،

ليعظم مجدك بترانيمك، في كلّ الأفواه.

فيحدِّث عنك بلا كلل، الصلاّح والأشرار،

20 فأنت، لا تدرك، ولو حدّثتْ عنك كلّ الأفواه.

لو حدّثت عنك الحجارة والأخشاب، والعالم كلّه،

لعجزت عن تمجيدك، مثلما هو.

ولو سبّحت السماء والأرض عوض الشفاه،

لفاقهما التحدّث عن أمرك العجيب.

25 لو سبّح البحر والهواء بحمدك،

كالصمت يكونان أمام عظمة تسبيحك.

لو حدّثتْ الطبائع كلّها مليّاً،

لعلا مقالك المتكلّمين والصامتين.

لو ضجّت الخليقة كلّها بالتسبيح،

30 إفتراءً افترت، على ما لا قدرة لها عليه ولا جدارة.

لو صفّقت العناصر مسبِّحة،

جوراً تجورعليك، عندما تهلّل لك، وهي،غير جديرة.

ألوف مؤلّفة من السماويّين بترانيمهم،

وربوات في ربوات من بني النور بتهاليلهم.

35 جموع آل جبرائيل الملتهبين بمدائحهم،

وطغمات آل مخائيل المتّقدين بكلماتهم.

أجواق النار ومراتب الروح في أشكالهم،

قوّات اللّهيب بطغماتهم.

كاروبون مشدودون باضطّراب شديد في تبدّلاتهم،

40 سارافون مخيفون بأصوات تقاديسهم العذبة.

هؤلاء جميعاً، وهم لا ينفكّون عن تسبيحك،

لا يكفيك تسبيحهم جميعاً، مثلما تستحقّ.

ماذا يفعل من ينوي أن يسبّحك،

فهو، لصغارته، غير كفؤ لتسبيحك العظيم.

45 أيّهما أفضل؟ أن يسبّح إنسان وهو عاجز،

أو أن يصمت، لأنّه عرف أنّه غير كفؤ لك؟

يليق بالحبّ أن يتحدّث عنك بتبصّر،

وعاجز هو، لا يملّ من تسبيحك.

عندما يسبّح الحبّ، لا يطلب التحديد،

50 يودّ لو تأمّل بما يحبّ كثيرا.

فمن هو كفؤ، للقدرة العظمى ضابطة العوالم،

ومن يدرك، ذلك الجبّار حامل الخلائق؟

الأرض قبضة يده، والبحر حفنته، والسماء إشارته،

به تتعلّق العوالم، وإن أوْمأ هوت الخلائق.

55 يا صنديداً يحمل الأرض التي تحملك،

لا تحمله هي، بل هو يحملها بقوّته العظيمة.

لو أراد، لما كان للشمس نور،

هو ينيرها، وإن تركها، تلاشت أشعّتها.

لو ما أمر، ما استطاعت النار أن تحرق،

60 ولا المياه أن تخنق من يغرق فيها.

خالق كلّ شيئ، يعطي النار حرارة،

والشمس نوراً، والمياه رطوبة.

لو شاءَ، لما خنقت المياه قط،

ولو أمر، لما كانت للّهيب حرارة.

65 هو الذي يعطي العناصر اختلاف الأشياء،

البحر ليخنق، والنار لتحرق، والأرض لتحمل.

وحيث شاء، تخلّت العناصر عن عاداتها،

ليعلم كلّ إنسان أنّ قدرته مسلّطة على الخلائق.

في وهدة الغمار غرق يونان، وما اختنق،

70 وفي جوف النار، آل حننيا، وما احترقوا.

من دون الأمر، لا تستطيع المياه أن تخنق،

ومن دون الأشارة، لا تقدر النار أن تحرق.

أظهر قدرته ومدى تسلّطه في داخل الأتّون،

فلا يتجاوز اللّهيب أمره قطعا.

75 عن هذه الآية المذهلة في بابل،

أقول الآن لمن يسمع بتبصّر.

عن ذلك الصّنم، الذي صنعه الملك، لمّا فقد صوابه،

عن ذلك العيد الذي أحسّت به الخليقة كلّها.

عن الأبطال، كيف تقوّوا تجاه الضلال،

80 وعن الأتّون كيف أضرمه الظالمون.

عن تلك النار التي سجدت بمحبّة للصائمين،

وعن نزول الرابع في اللّهيب,

عن الغلبة، التي استردّها الحقّ من الدجّالين،

وعن العدل، وحكمته في صنائعه.

85 هذه هي الغاية من مقالي، الذي بدأت بتدبيجه،

من يحبّ لا يسأم الأمور البسيطة.

أطفال أحبّاء يستحثّونني لأشيد بمدائحهم،

تقصر كلمتي عن بلوغ علياء أعمالهم.

عن حننيا وعزريا وميشائيل،

90 يحثّني الحبّ للتكلّم وأنا عاجز.

كيف يستطيع لساني الضعيف،

أن يصف الآن جهادهم وأكاليلهم.

وسط النار يقومون، فكيف أتقرّب من مفاتنهم،

رفيقهم ملك، وكيف أتقرّب من قصصهم.

95 شموس ثلاث، أشرقت آنذاك من داخل الأتّون،

استنارت منها أرض بابل المظلمة.

بخورات ثلاثة، فاحت رائحتها في الخليقة،

وطيّبت الهواء بعطر طيوبها اللّذيذ.

أرزات ثلاث، نشأت في غاب اللّهيب،

100 جلس معها في ظلّها وهو فارغ.

حصوناً ثلاثة، بنى الحقّ عند السّابين،

بها تحصّن جميع المسبيّين من آل ابراهيم.

أسوار ثلاثة، حمت المسبيّن جميعا،

من الضلال الذي جلبه السّابون.

105 ينابيع ثلاثة نبعت عند محلّة العطاش،

شرب العالم، وشبع منها سقياً عذبا.

أنهر ثلاثة، تدفّقت عند الكلدانيّين،

وبدل الماء، فاض تعليمهم، عند الضاليّن.

لآلئ ثلاث مختارة، غطس الرابع

110 في النار، وأصعدها بجمالها.

حجارة كريمة ثلاثة، صنعها اللّهيب،

رصّعت مظفّرة في تاج الملك.

قوّاد جنود ثلاثة، خرجوا منفردين،

على فيالق الأشوريّين ودمّروها.

115 أطفال ثلاثة أعلوا شأن الإيمان،

وهزموا كلّ الضلال المتوعّد.

تلك المفاتن التي لا تدرك في أشكالها،

كيف أصوّرها، وألواني بشعة.

أولئك الذين جاوروا النار وما احترقوا،

120 من يستطيع أن يقيم لهم تمثالاً ولا يُشتَم.

أولئل الذين سكنوا مع اللّهيب وما احترقوا.

وداسوا جمرات اللّهيب وما اكتوَوا.

من الكتاب أقتبس نظام القصّة التي طرحت،

فلا يفسد صدر كلامي بالسرد المستطيل.

125 أقام نبوكدنصّر تمثالاً، لمّا فقد صوابه،

يجمع فيه عنوة، عبادات الشعوب.

فكّر أن يصنع إلهاً واحداً عظيما،

أسمى وأرفع من آلهة الأرض كلّها.

بالملك المخوف الذي لا مثيل له، في العالم كلّه،

130 يليق أن يقام له أيضاً، إله عظيم.

عارٌ على الملك العظيم، أن يسجد لتمثال صغير،

سيكون عندئذِ، تمثالاً عظيماً، يكرَّم به.

أمَر الضلالُ أن يستولي على مكان لا يخصّه،

وأخذ يغتصب عبادة العالم، بالتمثال الهائل.

135 صاغ الأوثان الصغيرة، وملأ العالم كلّه،

وبما أنّه ما اكتفى، صنع له تمثالاً مملؤاً عربدة.

أزالها، ثمّ صاغ إلهاً واحداً مشهورا،

وأصبحت كلّ الآلهة أقزاماً، قياساً لارتفاعه.

قسم الأصنام الصغيرة شياطين للعبادة،

140 ودعا جوقاً، ليحلّ في ذلك التمثال.

أعطى الضلالُ الأصنامَ الصغيرة أرواحاً بسيطة،

وفي ذلك التمثال العظيم، ارتفع بعلُ زبول عظيم.

رآه الملكُ يدوس ملوكَ الأرض كلّها،

وتوهّم الشقيّ أنّ إلهه يشبهه.

145 سيكون أعظم آلهة العالم أجمع،

ينقصه قليل، ويعظم إلهي على الآخرين.

لا أشفق على النفقات التي يتطلّبها،

كثير الأذرع، يخطف العلى ويتّخذ اسما.

يتجاوز أمثاله طولاً وعرضا،

150 فكلّما ذاع صيته، كلّما اشتهر في البلدان.

صنع له الملك تمثالاً من ذهب مثلما فكّر،

وأقامه في قلب الصحراء لتعبده الشعوب.

نسي الحلم الذي ظهر له من الله،

والتفسير الذي أعطاه إيّاه دانيال.

155 غاب عن ذهنه، أنّ هناك إلهًا،

وصنع له صنماً باطلاً، يلقى به الجنون.

كم تبخترت تلك الحرّية- المهزلة الكبرى،

فأعطت التمثال اسم إله، لتزني به.

ملك، كالذي خضع له العالم كلّه،

160 صنع له صنماً مسبوكاً، وسجد أمامه من دون رويّة.

نسي الله الذي وهبه التاج والجبروت،

وأحنى تاجه أمام صُنْع يديه، وازدرى الله.

صنع له الكلدانيّ تمثالاً، علوّه ستيّن ذراعا،

وعرضه ستة، وأقام عيداً لصنمه الجديد.

165 شيّد برج السخرية من صانعيه،

وتعظّمت الأرض بالمشهد العظيم الذي صنعته بابل.

أصدر الملك أمره بأن تُجمَع الشعوب كلّها،

للعيد الكبير،الذي أقامه لذلك الإله العظيم.

صدر الأمر وبلبل العالم وساكنيه،

170 وجمع الشعوب كلّها، وجاء بهم إلىعيده باندهاش عظيم.

دعيت البلدان والأسياد،

رؤساء الأرض والمسلّطون وحاشياتهم.

تجمّعت القرى والدساكر والمدن،

جموع الشعوب، والجنود والعالم كلّه.

175 من كلّ البلدان، تجمّعوا في أرض بابل،

ليفرحوا في عيد الملك، حسبما دُعُوا.

بلبل سيّد البرايا الطرقات، وتوافدت الأمم،

وامتلأت بابل من قوّات الشعوب الذين تواعدوا فيها.

خرج الشيطان، مع أمر الملك العظيم،

180 وجمع العالم وجاء به ووضعه في العيد الدنس.

الملك يأمر، والشرّير يحرّض والعالم يصغر،

وبشتّى الأنواع ذاع صيت عيد التمثال.

كانت وليمة، عريسها الشرّير، وعروسها الضلالة،

خدّامها، جميع الأرواح الشرّيرة، بنو اليسار.

185 خبطت الأبالسة هناك بأرجلها للرقص،

كي يفرح جميعهم مع الشيطان الذي أصبح العريس.

ودعيت الأرواح الماكرة جميعها،

لتكريم الضلالة، العروس في عرسها.

تداعت أفواج الأبالسة للعيد العظيم،

190 لتفرح هناك مع الوثنيّة المتفاقمة.

بعل زبول يخجل، الجوق يرقص، والأبالسة تبتهج،

والملك مرتبك بإقامة الوليمة الدنسة.

الضلالة مزيّنة، تومئ إلى كلّ واحد ليزني معها،

والبرّ يستر وجهه حتى النهاية.

195 حشد الملك العظيم، جمعاً غفيراً للخطيئة،

وجمع لها كلّ المسكونة ليتنجّسوا.

عندما اجتمعت الشعوب كلّها من كلّ الأقطار،

ودخلت السلاطين كلّ الجهات وملأووها.

خرج المنادي يصرخ بقوّة ويقول كالمجنون:

200 ''لكم تقول الشعوب والعوالم والسلاطين.

عندما تسمعون صوت البوق والصفّارة،

اسقطوا أرضاً، واسجدوا لتمثال الذهب الذي أقامه الملك.

من لا يسجد يرمى في أتّون النار،''

وسمعت الجموع وسقطوا وسجدوا مثلما أُمِروا.

205 هبّت عندذاك، روح المكر بشدّة،

وأخضعت، أمام التمثال، الناس الذين تجمّعوا.

كالغمر شاعت جريمة الكفر،

وغرق الجميع مختنقاً في غمره الهائل.

كالعاصفة خرجت الخطيئة على شعوب الأرض،

210 وأخلفوا جميعاً لله، وهُم منه.

كالزوبعة خرج الضلال بين الجموع،

فتستّروا به أمام ذلك التمثال المملؤ فسادا.

مصيدة هائلة نصب الشيطان في العالم أجمع،

وحشره في الشبكة ليكون في التمثال اختناقه.

215 سهل واسع، مكان وسخ، وملك رهيب،

وصوت الأمر يحرّض الجموع على الكفر.

الشيطان يتجبّر والوثنيّة تنشرح،

الحقّ تعطّل وصمت، كأنّه غير موجود.

إيمان أبناء الله، محتجب ساكت،

220 والضلال، فرح وسيطر على العالم بالتمثال الجديد.

سُلب الحقّ واغتصب الأثمة جانبه،

وجانبُ الضلال يتجبّر بالغلبة.

اغتصب التمثال عبادة الشعوب وجمعها إليه،

وتعطّل في الأرض، الإعتراف بالإيمان.

225 نبوكدنصّر، باع الإله الذي منحه العزّة،

استأجره ليتسلّط على الأرض، وظنّ أنّه غلبه.

ما اكتفى بأنّه سبى شعبه من البلدان،

ولكنّه، طلب أيضاً أن يؤدّي له العبادات.

ولمّا كانت روح الضلال في البشر، دخيلة،

230 تجعلهم يجثون أمام التماثيل للتضرّع.

وجانب الوثنيّة يقوم معتزّاً،

والخليقة سُبيت بعبادة الصنم الجديد.

وعقول البشر كانت مظلمة،

لا ضياء للإيمان في أفكارهم.

235 ضجّت بابل بحفل الأبالسة، تجمّعوا فيها،

واضطرب المكان بجمع الأشرار، دعوا إليه.

لا وجود للإيمان في أيّ من الأمكنة،

وليس هناك، فم واحد يرنّم المجد لله.

لا لسان يحمد الربّ في شعوب الأرض،

240 ولا عقل يفطن بين الضالّين.

أظلمت بابل بأجمعها بعبادة التمثال،

وسطعت فجأةُ، أشعّة ثلاثة، وأنارت المكان.

بينما كان ليل الوثنيّة يغطّي الأرض،

دهمته ثلاث دائرات من نور، وتبدّد.

245 كواكب ثلاثة، في مساء الوثنيّة المقتّم،

طلعت فجأة، وشعّ النور، وعمّ الخلائق.

مال الليل، وغطّى العالم أجمع،

وقامت نهارات ثلاثة أمامه، وتلاشى ظلامه.

ثلاث حبّات من ملح كانت وحيدة بين الفاسدين،

250 مختارة هي، فأُصلِح بها العالم أجمع.

الخليقة بأجمعها، انحنت ساجدة للأصنام،

وانتصبت أعمدة ثلاثة، حملتها لئلاّ تهوي.

بين الساجدين الراكعين للتمثال،

قام الصادقون وأقاموا جانب الإيمان.

255 فانجلى وجه الحقّ وكان مُغشّىً هناك،

وأعطوه حجّة ليُظهر ذاته بعدما كان متواريا.

اضطرم حبّ الله في أذهانهم،

واستهانوا بالنار التي حَكم بها المنافق.

استخفّت محبة الربّ باللّهيب،

260 وكانت أشدّ منه حرارة في الصادقين.

ثُلم حصن الإيمان الشامخ وسحق،

فَعَلة ثلاثة قاموا يشيّدونه بنشاط.

بين حشود الشعب كلّها، في بابل،

ثلاثة فقط، ما خرّوا ساجدين، مثلما أمِروا.

265 وأتيح للحسد أن يتفقّد خاصّته،

وللحقّ أن يظهرجماله أمام كثيرين.

تقدّم الكلدانيّون أمام البابليّين للتكلّم،

أعداء يهدّدون العبرانيّين.

''شدرك وميشك وعبدناجو، عصوا أمرك،

270 أبناء السبي الذين عظّمتَ بين الرؤساء.

العالم كلّه، حفظ أمر عزّتك،

هؤلاء وحدهم، احتقروك أيّها الملك، واحتقروا إلهك.

الشعوب كلّها خرّوا وسجدوا للصنم الجديد،

هؤلاء وحدهم سخروا من أمرك.

275 كما أغدقت في تكريمهم، من بين رفاقهم،

هكذا غالوا هم، في احتقارك بين الجماهير.

عظيم هو العيد الذي لا مثيل له قطّ في العالم،

لو ما احتقرك هؤلاء أمام كثيرين.

أبناء العبرانيّين، أتوا عيباً في الجمع الهائل،

280 لأنّ الكلّ عرفوا أنّهم ما سمعوا لك.

هؤلاء الذين أكثرت في تعظيمهم من بين كثيرين،

أثابوك هوانا، عوض التكريم الذي كان يجدر بهم.

المسبيّون الذين أصبحوا أسياد البلاد،

بادلوك المكافأة الصالحة في عيدك العظيم.

285 الأذلاّء الذين عظموا، يهزأون برئاستك،

وجعلوك أضحوكة أمام الحشود التي تملأ بابل.

عندذاك سمع الملك واحتدم غيظا،

وتفاقم غضبه على الفاتنين، كالدخان.

سمع أنّ إلهه العظيم أحتُقر بين الجماهير،

290 وثار المتجبِّر ليهلك الذين احتقروه.

حبّه موثق بذلك المنظر المدهش الذي صنعه،

ولمّا أهين، أخذ يعيث فساداً بضراوة.

أمر الملك وجاء بالأعداء،

الأطفال الشجعان، الذين ما خافوا السلطان.

295 وضعوا اتّكالهم على الله،

وازدروا غضب الملك الذي استدعاهم.

كانوا ينظرون إلى العُلى إلى الله الذي لا يتبدّل،

لذلك، ما خافوا من الملك الذي لن يكون غدا.

إلى ذلك الخالق الذي يقلّد السلاطين التيجان،

300 نظروا خفية، ولذلك ما خافوا المتجبّر.

اضطّرمت أفكارهم غيرة، حبّاً بالربّ،

وازدروا اللّهيب المستعِر.

يعرفون أنّ الزمن زمن، يعبر،

ويوقنون انّ سيّد الأزمنة لا يتغيّر.

305 دخل الصادقون يحاجّون الدجّال،

وأخذ الملك يستجوبهم بقوّة.

''قولوا لي، أنتم، يا شدرك وميشك وعبد ناجو،

هل صحيح حقاً ما سمعته الآن، أم غير صحيح.

هل سجدتم لألهي، مثل رفاقكم؟

310 هلاّ سمعتم أمري، أوَ ما سمعتم هذا كلّه؟ أجيبوا.''

قال الأطفال: ''ما سمعتَه كان صحيحاً حقّا،

والذي أخبرك عنّا، ما كذب عليك.

نحن لله ( فلا ندعو المصنوع والفارغ،

هو صنم فاسد، وما هو إله، فلا يغرّنّـك.

315 هو صنع الأيدي، والشواهد لنا، هم صانعوه،

هم صاغوه، باعتنائك وأمرك.

الصائغون، هم الذين صنعوه، فتعلّم منهم،

فهو، لا قلب له، ولا تحرّكات شعوريّة.

إسألهم، كم ضربة مطرقة، ضُرِب على رأسه،

320 ولا يحسّ، ليقول شيئاً لمن يضربه.

لا قلب له، لا معرفة ولا فهم،

لا يحسّ، لا ينظر ولا يسمع.

فالميت كان فيه مرّة، أوفر من الحيّ،

ما كان هذا حيّاً أبداً، وما مات مثلما ظننت.

325 فاسد خالٍ، أخرس، وفارغ من كلّ شيئ،

فماذا يجدي الساجدين له، مثلما تقول؟''

أجاب الملك: ''كيف تجاسرتم أيّها الأشقياء،

أن تهينوا إلهي وجهاً لوجه، وعلى مسمعيّ.

فما اكتفيتم أنّكم تجاوزتم أمري،

330 بل، تجاسرتم أيضاً على الشتم أمامي.

عظيم هو إلهي، وعلى عظمته يشهد ارتفاعه،

وذهبه المصفّى، يعلن جماله أمام كثيرين.

تمثال جديد، لا وسخ يدنو منه،

فأيّة حجّة يقدّمها من لا يسجد له.

335 أيّ ملك صنع إلهاً عظيماً مثله،

أو، أين يوجد تمثال آخر يماثله.

ماذا ينقصه حتى احتقرتموه وأهنتموه،

أيطلب مزيداً من الارتفاع، أم صيغته غير جميلة.

قوامه رشيق، وذهبه صافٍ، ومنظره ساحر،

340 ولماذا أهنتموه بجسارة؟''

أجاب الأطفال : ''تستحقّ السخرية، أيّها الملك العظيم،

فالتمثال الأخرس، هو أعظم منك، أنت الناطق.

دعه ينتقم لنفسه من العار، إن كان إلهاً،

ويسحق بحُكمه، من لا يسجد له.

345 دعه يصرّح ماذا يريد أن يُعمل له،

ويتساءل، هل يسجد له بشر، أو لا يسجد؟

هل يستفيد شيئاً من يعبده ويكرّمه،

أو يخسر شيئاً من يحتقره ويهينه.

تعلّم منه ما يقول لك من أجلنا،

350 هل يحبّنا أم يبغضنا لأنّنا أبغضناه.

فالزم الصمت، أنت أيّها الملك، وليتهدّدنا هو،

إن كان يشعر أو لا يشعر، فباطلاً تحبّه.

المحبّون والمبغضون، سواء بالنسبة إليه، فلا عقل له.

355 لأنّه فارغ وأخرس مثلما قلنا،

فلماذا نعمل له أو نعبده، مثلما تقول؟''

أجاب الملك : ''كفاكم أيّها الأطفال فإنّكم امتهنتم ملكي،

وتحدّثتم إليّ عن أمور كثيرة دون انتظام.

إذا رغبتم، من الآن فصاعداً، فارضخوا لأمري،

360 واعملوا بإرادتي واسجدوا لإلهي، حتى أكرّمكم.

وإذا، ما أردتم أن تتمّوا كلماتي كلّها،

تُحرقون في النار، ولا تنجون من بين يديّ.

فالأتّون مهيّأ لمن لا يصغي إليّ،

والنار المتّقدة تهدّد من يحتقرني.

365 هل أنتم مستعدّون لتسجدوا لإلهي، مثلما قلت؟

وإلاّ، عرفت كيف أطرحكم في اللّهيب.

وإذا كان إلهي يهان، فمن هو إلهكم،

هل لديه القدرة أن يخلّصكم من الاحتراق.

إذهبوا وادعوه وأعطوه موعداً في داخل الأتّون،

370 وإن استطاع فليأت ليخلّصكم.

وإذا أهين إلهي، فأنا مرسلكم إلى الأتّون،

فليأت إلهكم وليُصلِ حرباً على اللّهيب.

فمن ذا الذي يستطيع أن يجيئ ويعينكم،

أدعوه فيأتي إليكم في النار إن كان صادقا؟''

375 عندذاك أجاب عبيد الرّب بصوت جهور:

'' الكلام الآن، للتحدّث إليك، ما هو كلامنا.

حتى هذه اللحظة، كنّا نعلم ماذا نقول لك،

والآن، أصبح الكلام يفوق مستوانا، للإجابة عليك.

من الآن وصاعداً، المعركة هي معركة الرّب؛ هو يقاتل،

380 ويظهر لك بأسه في النار، مثلما طلبت.

ما هذا الخطاب بخطابنا، لنردّ عليك،

النار والرّب، يكلّمانك عوضنا.

لنا إلهنا، وله القدرة على نجاتنا،

وعليك أن تتعلّم من النار، إذا ما رميتنا فيها.

385 يخلّصنا منك الملك الذي ما عرفته،

ومن النار سوف تعرفه، وما قدرته.

فتعرف حقّاً، أيّها الملك،

أنّنا لا نسجد لتمثال الذهب الذي أقمت.

ولا يمكننا أن نعبد إلهك الفاسد،

390 فتمثالك باطل، وباطل من يلوذ به.

عندئذ، ثار ثائر الملك،

واحتدم غيظاً عظيماً وقساوة.

واستشاط غضباً واضطراباً كالحيّة،

وارتدّ كالتنّين غاضبا.

395 وفار غضبه، وتبدّل لون وجهه،

وزال حسنه، وفسدت أفكاره.

لفحه الحقّ، كالظهيرة للزهرة، وذبل،

وأزال بهاءه، وأطاح بالحقّ.

متسامٍ ومنتفخ، زال، إثر احتقار كلمته،

400 وصبّ جام غضبه على الصادقين، يبيدهم.

تجبّر الملك، جاعلاً نفسه فوق الله،

وازدرى المسبيّون كلامه، فمات للحال.

كان يَظنّ أنّه هو في السماء، والناس على الأرض،

يشرق عليهم من العلاء بسلطانه.

405 دخل ثلاثة أطفال من أبناء السبي مستهزئين به،

أهانوه أمام الجماهير كلّها، واصبح مدعاة للسخرية.

رأى الملك، وازداد الشّر تفاقماً في سريرته،

وتبدّلت سحنته غضباً، وذبل حسنه.

وبينما هو يتعذّب، أكثر من الأسد الذي يخلي فريسته،

410 أمر بأن يضاعف وقد الأتّون، سبع مرّات.

زاد النار وقوداً، دون قياس،

ليشتدّ لهيبها، فتقتل من يسقط فيها.

أسعر الأتّون، مثلما كان مستعراً سخطاً،

وكما امتلأ سخطاً، ملأه لهيبا.

415 بين الأتّون والملك، قام الأطفال في الوسط،

هذا مستعر مملؤ غضباً، وذاك، نارا.

السخط في الملك، واللّهيب في داخل الأتّون،

غضب البابليّ، واستعر الأتّون، فكيف يكون هذا؟

أنّه، وسط قطيع الذئاب،قام الأطفال كالحملان،

420 من هنا ومن هناك، كان الهلاك يهدّ د النفس.

الربّ متوارٍ، والملك متجلٍّ يتوعّد،

الله محتجب، والملك في عزّ، يكثر من وعيده.

بعُد الأمل، وبدا الحكم وشيكاً،

وقام الحبّ وسيطاً يعرض ما عنده.

425 الملك مسلّط، والموت رهيب، والربّ حبيب،

النار تئزّ، والحبّ يتجلّد لئلاّ يضعف.

الحبّ الصادق لا يتشرّف، إلاّ بالموت،

فالحبيب، يُعرَف عند الامتحان، لا في الأمان.

بالنار، حمل الأطفال الأعزّاء حبّ الربّ،

430 ظفر اضطرام الحبّ باللّهيب المستعر.

أمر الملك بأن يوثقوا الأطفال الحملان،

ووثبت الذئاب على الودعاء يبيدونهم.

في الوقت الذي أصدر فيه الكلدانيّ الحكم،

أذهلت المعركةُ البشرَ والملائكة.

435 إذ يقوم ثلاثة في الحلبة، تجاه كثيرين،

وتحتشد ضارية، جموع الشعوب في وجههم.

وبينما كان أمر الملك يضغط بسرعة،

ليوثق الأطفال الذين تجاوزوا الأمر.

وبينما كان البابليّ يقبض عليهم ليبيدهم،

440 يمسك واحداً، ويوثق آخر، ويأسر غيره.

وبينما كانوا يُهانون، من البعيدين والقريبين،

وينتهر كلُّ واحد، شتّامي الملك العظيم.

وبينما كان الغرباء والدخلاء يسحقونهم،

ليصبحوا محرقة للنار، داخل الأتّون.

445 وبينما كان محبّوهم يحتقرونهم، إكراماً للملك،

ويؤنّبهم أحبّاؤهم، لنبذهم إيّاه.

أقام أطفال آل حننيا الأحبّاء وليمة،

وطلبوا إليّ الآن، أن أتنعّم معهم روحيّاً

450 وددتُ لو تحدّثت باضطرام الحبّ، عن مكرماتهم ،

فاجأتني بدهش، وأحجمت عن القصّة.

في قلب المقال، قام فكر أسكتني،

فلا أفوه بكلمة تعلو اللّسان.

455 كانت القصّة واضحة، حتّى بابِ اللّهيب،

ومنه إلى الداخل، كيف أخطو، للتحدّث.

في أمواج النار، دخلتْ محتجبة مدائحُهم،

وظلّ قائماً ذليلاً، في الخارج، المقالُ.

للكلمة، أن تتكلّم عن المعلوم،

460 وعن الخفيّ، فالصمت أفضل من الإخبار.

لو كان لي فم ناريّ، لربّما أخبرتُ،

أو كان لي لسان اللّهيب، ما تخوّفتُ.

لو استطعت أن أدوس على الجمرات في الأتّون،

لأدخل فأبصر، وأخرج فأخبر بمكارمهم.

465 خفتُ ويئست، صغُرتُ وضعفت من القصّة،

والحبّ الجريء، لا يحجم عن أخبارهم.

تركني الحبّ ودخل النار، وهو لا يحترق،

لينذهل من الناريّين هناك، ويشبع ويتلذّذ.

امّا الآن، فلنسمع بحبّ، أيّها المتبصّرون،

470 وليخبرلسان الحبّ، عن الحسان.

عصت الكلمة على المحدّث والسامعين،

فليتحدّث الحبّ، ولو ضعف، فلا يُحتقر.

أدهشه الأطفال، وهم يصارعون اللّهب،

ويهزمون اللّهيب داخل الأتّون.

475 عندما يكبّل الأطفال النارَ بحبّ عظيم،

وتسجد لهم وتحلّ رباطاتهم.

عندما يَسبحون في بحر نار ولا يشتعل،

ويلتهمهم اللّهيب ولا يؤذيهم.

عندما قام الأطفال في الأتّون يسبّحون،

480 وجعلوه بترانيمهم، منزلاً للمتوحّدين.

عندما هَمَّ الملاك ونزل لصوت هتافاتهم،

واختلطت معهم للتهليل بحبّ عظيم.

عندما اجتمع الجوق داخل النار للتسبيح،

وأقيم الرابعُ منظِّمَ الجمع البهيّ.

485 عندما كانت أصوات التسبيح، تنطلق من جوف النار،

صافية منتظمة، تملأ سامعيها دهشاً.

عندما كان صوت التسبيح يعلو في الأتّون،

ويختلط صوت النار بتسبيح الثلاثة.

صنعاً عظيماً، صنعت الألوهة هناك،

490 في بابل العظيمة، كالعظائم في مصر.

وكأنّ هذه ،هي حجّة للجمع الذي كان هناك،

لتأتي الشعوب، ويروا صنعه العجيب.

في مصر، شقّ البحر أمام العبرانيّين،

وفي بابل، اخترق باب النار أمام العبرانيّين.

495 ولربّما كانت الغاية من سبيهم، من صهيون،

لتعرف بابل العظيمة، بواسطتهم، أنّ اللّه موجود.

صنع الأعجوبة في الأتّون، كما [صنعها] في البحر،

ليعرفوا أنّ الربّ مسلَّط على الخلائق.

أعطى الجهة الأولى، التعليم بالبحر،

500 وهذه الأخرى، بالنار الملتهبة المستعرة.

شقّ البحر، وما سمعت بابل،

وجاء يشقّ النار فيها، ودهشت من صنائعه.

في قعر البحار أرسى مسكنه، كما على اليابسة،

وأدخل الأطفال اللّهيب، كأنّه النعيم.

505 هنا وهناك، كان القصود هو التعليم،

ولن يدخلوا، من دون آيات ومذهلات.

صنع الآيات في الجهتيْن المتأصّلتيْن في الوثنيّة،

وأدهشهما لتستمعا إليه.

بتلك الاثنتيْن الزاخرتيْن بالراقين والعرّافين،

510 أوقع رهبة بما صنعه من العجائب.

لفرعون البحر، وللبابليّ اللّهيب،

ليُعاقب هذا، ويندهش ذاك بالمنظر الهائل.

هناك، رمى القيود بعيداً في البحر، وتركه قائما،

وهنا، كمّ فم النار وتركها تشعّ.

515 هناك ابتلع البحرُ المصريّين وخلّص الشعب،

و ]هنا[ حفظت النار الأطفال والتهمت الأعداء.

خلّص خاصّته، وأسلم للموت غير خاصّته،

كي يتثبّت التعليم بالتأديب.

قتل اللّهيب الأعداء،

520 كما أغرق البحر فرعون، وكان جسورا.

هو نفسه، أقام له جيشاً هنا وهناك،

بتلك المعرفة، سيّدة الأزمان لكلّ خاصّتها.

هبط أبناء السبي في الأتّون ليَهلكوا،

واحتضنتهم قوّة خفيّة ليُحفَظوا.

525 رافقتهم جماهير الشعوب والمسلّطين،

برعب هائل، حتى باب اللّهيب.

وارى الملكُ، ودَفن ورجع، مثلما ظنّ،

وخاب ظنّه، بأنّ الأموات دخلوا الهلاك.

وضعهم في قبر النار وأغلق الأبواب،

530 ليأكلهم اللّهيب عوض السوس.

أوثق البابليّون الحياة ودفنوها، كما يدفن الأموات،

في الجحيم الهائلة المملؤة ناراً مستعرة.

دعُوا الفساد يعيث فيهم، وهم يدخلون،

فينقرضون بالنار لا بالسوس والدود.

535 ولمّا دخل الأموات حفرة اللّهيب المرعبة،

وأوصدت أبواب الهوّة العظيمة الملتهبة.

أشرق الخلاص في المكان الذي لا يعرف الخلاص،

وانسكب البعث الجديد هناك وأبهجهم.

قبلهم الربّ لأنّه قريب لمن يدعوه،

540 يستجيب الكلّ ولا يتخلّى عمّن يحبّه.

بينما قام الأحباء في البعيد البعيد، خارج الباب،

دخل الحبيب الصادق معهم، إلى الجهاد.

اجتاز التجّار وادي اللّهيب الهائل،

وما تركهم الرفيق الصالح في طريق الخطر.

545 إبتعد عنهم أحبّاؤهم، كالدجّالين،

ودخل الربّ النار معهم، كالصادق.

في الوقت الذي يصبح فيه الأحبّاء والأخوة غريبين،

قبلهم حبيب واحد لا يتغيّر.

كلّ إنسان ابتعد، وبقي الله مع أحبّائه،

550 وما كان زمان، يتخلّى الله عمّن يحبّه.

يا للدهشة، إذ يقوم داخل الأتّون،

عرسان ناريّون، دخلوا خدر اللّهيب.

كالعرّاب دخل الروحانيّ ردهة العرس،

وفي اللهب، ضفر إكليلاً وزيّنهم.

555 النار موقدة، وهم ينطلقون أحرارا،

لا يضايقهم اللّهب من أيّة جهة.

منظر غريب، عندما يسكب اللّهيب عليهم،

وعلى أشخاصهم، ندى رطباً من حشاه.

قام ملاك ناريّ في الوسط، بينه [اللّهيب] وبينهم،

560 هابه الخادم رفيقه وكرّمهم.

حلّ القيود، وحفظ الأجساد، وهي مقدّسة،

خرّ ساجداً، خاف وهرب من الصادقين.

صفعته رائحة صوم النسّاك وانتصرت،

لتوقّر الأجساد الطاهرة التي ما تدنّست.

565 فاحت خارجة على الكلدانيّين والأعداء،

تبيدهم بقوّة السعير العظيمة.

يا للعجب، في الخارج، تلتهم [النار] كاللبوة،

وفي الداخل، كالنعجة الوديعة بين الودعاء.

عند البابليّين صقر يختطف بوقاحة،

570 وعند العبرانيّين، حمامة تقوم بعذوبة.

في الأتّون، تبدو كأنّها باردة،

وفي الخارج، تُظهر قدرتها بشدّة سعيرها.

منها، يتساقط الندى مضاعفاً,على الأطفال في الأتّون،

وعلى البابليّين تنزل الجمرات، تبيدهم.

575 مع الصائمين تمسك الصوم بتمييز،

وعند الشرهين، تفغر فاهها تبتلعهم.

تسجد بحبّ ولذّة لعبيد الربّ،

يحترق منها عبدة الأصنام بمرارة.

تسجد للطاهرين، وتعلن الحرب على العاهرين،

580 تقتل وتحفظ، ليعود الحكم لله.

داخل الأتّون، تنقاد لنير التواضع،

وخارجاً عنه، تبدأ بالسخرية بقوّة.

في الداخل تسجد كالخادمة، وتوقّر الأرجل وتقبّلها،

في الخارج تصفع كالسيّدة وتصرع، وتضرب للهلاك.

585 كان ينبغي، أن تأكل النار الأعداء،

ليسقطوا في الحفرة التي حفروها، مثلما كُتب.

يجدر بها أن تبيد المنجّمين،

وتسخرمن عبدة الأوثان، وهم غير صادقين.

يجب على النار أن تحرق من أشعلوا،

590 ويجدر بها بالأكثر، أن تحفظ من هم محفوظون.

حيث حفظت، أظهرت قدرة الألوهة،

وحيث أكلت اتّضح طبعها.

في الداخل، عُرِفت أنّ لها سيّداً يسوسها،

في الخارج، ظهر أنّ قوّتها، ما زالت قائمة لا تتبدّل.

595 منظر عجيب، ظهر داخل الأتّون،

أناس ناريّون، لا يقربهم اللّهيب.

ذهب نقيّ دخل النار وأظهر حسنه،

وكان منه تاج عظيم للإيمان.

منظر جديد ظهر داخل بابل،

600 مظلّة من نار، يقوم في ظلّها الأطفال.

في الأتّون، نهر من اللّهيب عظيم،

استحمّ فيه الأطفال الثلاثة، من دون ضرر.

بذلك الأتّون، ظهر لنا سرّ عظيم،

كيف يجتاز الكاملون النار إلىالملكوت.

605 ظهرت لنا في بابل نار الامتحان،

كيف تَحفظ وكيف تأكل الداخلين إليها.

ما يُنتظَر أن يكون في الآخرة، حدث هناك،

لتعرف الخليقة كلّها سرّ ذلك المجيئ.

انظر، في هؤلاء الأطفال، كلّ آل الصدّيقين،

610 والخطأة، في أولئك الذين التهمهم اللّهيب.

عيد الملك، مثل ظهور ابن الله،

والشيطان، مثل ذلك التمثال الذي أضلّ الشعوب.

انكشف التمثال بالنار، وما هو إله،

والشيطال، سيسقط في النار، في الحكم الآخِر.

615 تحتضن النارُ الأجسام الطاهرة التي ما تدنّست بالشهوات،

عندما تعبر فيها إلى الله.

في ذلك الجسر المخيف الممتلئ كلّه نارا،

تفعل هكذا، مثلما فعلت بالثلاثة.

في ذلك الأتّون، ظهرت الخفايا واضحة ساطعة،

620 في هؤلاء الذين أصبحوا سبباً لمجد ذلك المجيئ.

الأطفال، قائمون في النار في دهش عظيم،

تحميهم من الضرر، قوّة خفيّة.

كان إيمانهم سفينة لهم،

وداسوا خضمّ النار الهائل وما احترقوا.

625 ما كان أجمل صوت المجد وهو يدوّي

للربّ في النار، من الحسان المأسورين.

دخل محبّو الحقّ، ووجدوا مسكناً هادئا،

وكان وقوراً، فشرعوا يرنّمون بالروح.

سرّوا بالمسكن الهادئ الذي بلغوه،

630 ومقتوا بابل العظيمة التي عذّبتهم.

متوحّدون، وجدوا قِلّية تناسبهم،

وحرصوا قائمين على الخدمة دون انقطاع.

طاب لهم التأمّل داخل الأتّون،

أفضل من كلّ ضجيج بابل المضطربة.

635 وجدوا ديراً، ووجدوا فيه، روحانيّاً،

وأظنّهم لا يطلبون قطّ الخروج منه.

بيت نظيف منزّه عن الإثم، مليئ بالنار،

يحرس اللّهيبُ أبوابه من الأضرار.

دوّى صوت المسبّحين من جوف النار،

640 وتقاطرت الجموع في الجوار، يرون منظراً غريبا.

أهين التمثال واحتُقِر نبوكدنصّر،

وضجّت كلّ الشعوب بالآية العجيبة التي شوهدت.

أقام الضلال جمعاً عظيماً لشعوب الأرض.

وظفر بالإكليل، إيمان أبناء الله.

645 قام الربّ الذي ما كان نائما،

وغار مطيحاً بإكليل الضلال المتسلّط.

ذعرت الشياطين وجمعُ الأرواح الخبيثة الذي تشتّت،

من القوّة التي طلعت من الأتّون على صفوفهم.

غطّت الجوقة رأسها وهربت كالّلصّ،

650 عندما رأت التمثال قد فُضح بالآية التي جرت.

رأى الشيطان أنّ كلّ ما بناه، استأصله الحقّ،

فارتعب مولولاً، لمعسكره الذي تبلبل.

وبينما كان الماكر يقول هذه،

وقد تملّكه الرعب، وهو يرتجف مع خدّامه.

655 ''ارتدّيتُ الآن إلى الوراء، لِما حصل،

لأنّ كلّ حوذتي حملها آخر ليتمجّد بها.

جمعتُ الشعوب لعيد التمثال، وما كنت أدري،

أنّ هذه الآخرة جاءتني من عندهم.

هو حفل للربّ، وليس حفلنا، هنا وهناك،

660 فها التمثال قد أهمل، وعند الأتّون هو يسبّح.

وكالعروس، خطبتُ الخليقةَ كلّها للتمثال،

ولمّا حان وقت العرس، دخل آخر منتصبا.

الآن، هيّأتُ الخدر للضلال ليدخل،

وها البرّ، جالس عوضه محطّماً.

665 العروس التي جئتُ بها من بين الشعوب لتزني معي،

خطفها الحقّ، وها هو يقدّسها فلا تنظر إليّ.

نفقات العرس كلّه، عليّ، والعروس للآخر،

أنا زرعت، والغلّة كلّها أصبحت لله.

لمّا وصلت اليد إلى الفم أخطأت لقمتي،

670 وأنفقت مبذّراً، من صنائعي المحبوبة.

ها قد بلغ العمل نهايته، وأصبح الكلّ وثنيّاً،

من فجّر لي من الجمع الحسالات الثلاث.

ها كلّ الشياطين مجتمعون ليتسلّطوا على الأرض،

فمن دعا الرابع ليبدّدهم.

675 ها إنّ الأرواح، قد ابتهجت بالجمع العظيم الذي حصل،

فمن أين دخل الحقّ عليهم وأحزنهم.

يبدو لي هنا، أنّي أصبحت عاملاً للحقّ،

أجمعُ له شعوب الأرض، يتلمذهم.

متى أتيت عملاً صالحاً، أو أصنعه،

680 فأصبحت الآن علّة للحقّ، وهو ينتصر.

جمعت العالم لأقيم محفلاً للوثنيّة،

واختطف الحقّ العيدَ كلّه، وجعله خاصّته.

يا ليتهم كافأوني، فأرحل،

فإنّي عملت معهم، وخرجت من مساعيّ فارغ اليدين.

685 أتّشحُ بالخزي والعار وأولّي هارباً خجلا،

فما جاء العمل مطابقاً لإرادتي السيّئة مثلما تمنّيت.

خزي الشيطان بالآية التي اجترحتها الألوهة،

وانتصر الحقّ وارتفع شأن الإيمان.

تقوم القوّات متحلّقة عند الأتّون،

690 وارتفعت جلبة المجد إلى الربّ من قبل كثيرين.

خَجِلٌ ومصروع، جانب أهل اليسار كلّه،

يُضفَر التاج لليمين وتنشرح سريرتهم.

بدأ الضلال يبكي التمثال الجديد،

مثل الأرملة التي خطف الموت منها الأوحد.

695 ''ماذا أعمل لك، يا ابني الحبيب الذي جاء بنذر،

فكنت مستعدّةً أن أفرح بعيدك، فأثبطت عزيمتي.

تمثالاً جبّاراً، لا مثيل له، صاغك الملك،

وأنا عاجزة أن أعصي السيّد الذي فضح مكرك.

فإنّي تفاخرت بك أكثر من سائر تماثيل الأرض،

700 ومنحتك علوّاً وعرضاً، أكثر منها.

من الذهب الخالص، باعتناء، سبكتك،

وجئت إلى عيدك بشعوب الأرض وجموعها كافّة.

ولك أيضاً إخوة آخرون ولدتهم أنا،

فأحببتك أكثر منهم جميعاً، لأنّي فرحت بك.

705 وحلّت عليّ قوّة تهتِكُ سرّ الكذب،

وها أنا محبطة ساقطة، لا أفرح بك.

قام عليّ آل حننيا، فعرف الكلّ،

أنّك باطل، وزال فرحي، وهتك الستار عنك.

ها هو إكليل عيدك بيد الرباعيّ ،

710 أخذه منك وضفره للثلاثة في النار.''

خزي الضلال كثيراً ومعه الشيطان،

في العيد العظيم الذي جمع له العالم كلّه.

بالملح الجيّد، سباه الملك من صهيون،

تطيّبت بأجمعها بابل، وكانت فاسدة.

715 اختطف الخميرة من أورشليم، التي كان صعد إليها،

وتلذّذت منه،ا كلّ الجبلة التي كانت فاسدة.

نصبة مختارة، قطعها من يابوس وهو يجتازها،

نصبها في النار وظلّل الحقول بأغصانها.

ثلاثة قضبان، من غابة آل ابراهيم،

720 نصب في الأتّون، ومن ثمارها، شبعت أرضه.

في حقل النار، وضع ثلاثة أغصان مختارة،

اقتطعها من تلك الجفنة التي ربّاها موسى.

وامتلأت بابل من خمر التعليم الجديدة،

طارحة عنها الثمالة الفاسدة التي كانت فيها.

725 رأى الملك منظراً مدهشاً، في الأتّون،

وارتعد القدير، ماد وارتعب، وأخذه الهول.

نظر إلى الأطفال يلفّهم اللّهيب،

قائمين فيه من دون خوف، مسرورين.

سمع أصواتهم العذبة داخل النار،

730 خاف ودهش من المذهلات التي تحصل.

رأى الرابع في الأتّون مع الصادقين،

انذهل وارتعد، ذُعِر وارتعب.

استحوذ عليه فجأة، خوف عظيم،

لمّا رأى الملاك ظهر لهم في الأتّون.

735 أخذ الملك ، باندهاش كبير، يسأل

الرؤساء والأحرار، والسادات المجتمعين.

''أما طرحتم في الأتّون ثلاثة رجال ؟''

''نعم، جلالة الملك، هذا ما حصل،'' أجاب هؤلاء.

''فها أنا أرى أربعة في النار، قال الملك،

740 فمن أين أضيف واحد إذن، وما فطنت أنا.

ما أكلت النار، فقط، مع أنّ هذه سنّتها،

بل، أعطت أيضاً أكثر ممّا طلبنا إليها.

النار التي تلتهم، بلا حدّ، من يسقط فيها،

أرى بالأحرى أنّها تلد، فكيف ذلك؟

745 طرحنا ثلاثة موثقين، مثلما رأيتم،

وأرى أربعة يتمشّون مطلقين.

إذا كانت النار حفظت الثلاثة وما احترقوا،

فمن أين لها أن تعطي الآخر، لو ما ولدت؟

من سمع قط أنّ اللّهيب يلد؟

750 هذا أمر غريب، حدث هنا في نارنا.

رأيت الرابع، مدهشاً، بهيّاً، عظيما،

إن لم تكن النار ولدته، فهو من الله.

منظره، يشبه ابن الآلهة حقّا،

بهاؤه، أعظم من بهاء النار، يقوم فيها.

755 يشبه الشمس، تظلّله النار، من حواليه،

نور وجهه أشدّ احتداماً من اللّهب.

ها إنّ النار أيضاً، من أشعّته، تستنير،

فضياؤه، يفوق لمعان اللّهيب العظيم.

ها أنا أنظر إليه يسير بين الجمرات،

760 تنحسر النار، وتخاف منه وتبتعد.

أهو سيّد النار تهابه،

أم هو سيّدها يأمرها فتخضع له؟''

تقدّم الملك من الأتّون، باندهاش عظيم،

وقف على الباب رافعاً صوته قال:

765 ''يا شدرك وميشك وعبد ناجو، اخرجوا من النار،

صادقٌ ربّكم، وبهيّ رجاء أذهانكم.

يا عبيد الربّ اخرجوا، وتعالوا بعيداً من اللّهيب،

النصر لكم، والشجب لنا.

انجلى الأمر : الهكم أنتم، هو الحقّ،

770 وليخزَ التمثال وخدّامه، وعبّاده.

الأوثان فاسدة كلّها، ولا نفع منها،

سيّدكم وحده، له القدرة على النجاة.

بات الآن واضحاً، لا إله إلاّ هو،

للعالم أجمع وناره، وهو سيّدها.

775 خزي التمثال وانفضح محفل الضلال،

ولينتشر اسمكم ومجدكم، من الآن وصاعدا.

يا أبناء السبي تعالوا اخرجوا من اللّهيب،

اندحر جانب الأصنام، فهم غيرصادقين.

هلمّوا! يا أبطالا قهروا اللّهيب،

780 خذوا النصر، واخرجوا من هناك مسرعين.

يا عبيد الربّ، الذين كفروا بحياتهم لأجل حبّه،

اخرجوا الآن مظفّرين، فقد تشرّفت مدائحكم.''

كان مجد الربّ هناك في دهش عظيم،

يصفه الملك باندهاش كبير.

785 والكلّ صامت، منذهل من الأعجوبة،

يصغي سامعاً إلى ما يمكن أن يقولوه في الأتّون.

هم ساكنون، والملك الذي أخرجهم، مستعجل،

وما استعجلوا، لطيب مؤانسة الملاك.

قمعوا النار، واختلط حبّهم بالملاك،

790 وأن يخرجوا من جوف النار، كان لهم ذلك فضولا.

يستعجل الملك ليخرجهم من النار،

وهم يزحمون، داخل الأتّون بدهش عظيم.

يمكثون في النار ليدرك العالم كلّه،

وينتشر إيمان أبناء الله.

795 وكان الظافرون يخبرون عن تلك الأمور،

وهم قيام بين جمرات اللّهيب.

فلتطرح المسألة، وليبحثها الآلهة كلّهم،

فمن هو الصادق، فليأتِ ويظهر قدرته في النار.

إن قال أحد عن إلهه إنّ له قوّة،

800 ليدخل إلى هنا، فينتصر أو ينخذل.

جميلاً، كان التعليم داخل النار،

وكانت تعلنه قوّة خفيّة، بوجه طلق.

خافت الجموع، ورفعت الأصوات عالية،

واحد أحد، هو الربّ الذي يخبر عنه الفتية.

805 خرج الأطفال من الأتّون فاتنين،

إكليلاً من ذهب، محّصهم اللّهيب.

تزاحم الأسياد والسلاطين،

دَنَوا ورأوا الآية المجيدة بقوّة عظيمة.

رأوا الفتية، واللّهيب ما اقترب منهم،

810 وما ألحق بأجسادهم وألبِستِهم ضرراً.

ما احترقت سراويلهم بين الجمرات،

وما عبقت بهم رائحة النار التي هبطوا إليها.

ما احترق شعر رؤوسهم من اللّهب،

وكأنّهم خارجون من وليمة تزخر بالخيرات.

815 فاتن، رضيّ وشهيّ، محيّا وجوههم،

مليئ بهاءً، منظر أشخاصهم الزاهي.

الملك يعانق، الأحرار يقبّلون، والجماهير تسجد،

والأسياد يكرِّمون بالحبّ منذهلين.

كعنقود ذي ثلاث حبّات عنب حديثة،

820 كان الواحد يناول الآخر، ويقبّل.

رأى البابليّون البواكير وقبّلوها،

وكان الملك قطفها من جفنة اللّهيب.

ثماراً شهيّة من الأتّون المملؤ نارا،

حمل الملك وأراها الجموع، وكان يقول.

825 وأخذ الملك يقول للجموع بانذهال عظيم،

مبارك إله شدرك وميشك وعبد ناجو.

لأنّه أرسل ملاكاً وخلّص عبيده من اللّهب،

وحفظوا حبّه وازدروا الملك وأمره.

عاملهم بحسب اتّكالهم عليه فخلّصهم،

830 وكما صدقوا له، نجّاهم من الاحتراق.

هو الربّ الذي لا آخر موجود سواه،

الذي له القدرة أن يخلّص من يدعوه.

هو الله الذي لا إله آخر معه،

له التاج والاسم والجلال.

835 منه سلطة كلّ السلطات،

والرأس الذي يمنح الرئاسة كلّ الرؤساء.

من الآن وصاعدا،هذا هو ربّ الأرباب،

كائن أعظم، لا شريك له في الألوهة.

هذه هي القوّة التي تحمل العوالم ببأسها،

840 تتعلّق الخليقة بأمرها الخفيّ، وتديرها.

يأمر النار، وأيّ طبع لا يطيعه،

يخافه اللّهيب، ومن يحتقره.

على اسمه ترتكز الأرض، وهو سيّدها،

من الآن وصاعداً، تدعو باسمه الشعوب كلّها.

845 والآن، أنا نبوكدنصّر، ها إنّي آمُر،

أنّ كلّ من يجدّف على إله شدرك وميشك.

أقطع أوصالهم وأنبذهم من دون شفقة،

وأجعل بيوتهم عرضة للنهب.

فلا إله سواه يستطيع أن يخلص على هذا النحو،

850 ولا سلطان يمكنه أن ينجّي إلاّ هو.

هذا من يدعونه الربّ، حقّاً، مثلما هو،

كلّ من اشتهر من الأسياد، هم خرساء.

لا يجدَّف، لا يُحتقر ولا يستصغَر،

لا يُعتزَل، ولا ينبذه أحد ولا يموت.

855 هو السيّد، هو الملك والإله،

ذو بأس، ربّ الخليقة والكائن الأعظم.

رُقمتْ له الأمم والبلدان كلّها،

ولا أحد يدعو إلهاً آخر سواه.

بحكمة، اقتنص الحقّ ذاك الكلدانيّ،

860 وشدّه مرغماً بنير التعليم.

في العيد الذي حشد فيه الملك لتمثاله ليعتزّ به،

رفعه الربّ وجعله خاصّته، وتمجّد به.

أصبح الملك المفخّم، معلّماً للحشد العظيم،

فما كان أحد أهلاً لأن يعلّم هناك، مثل هذا التعليم.

865 يفسِّر الملك، فمن لا يسمع التعليم،

بالوعيد والتهديد، كان يثبته.

تشدّد وأصدر أمراً مع التعليم،

الحقّ والسيف والملك، يعلّمون، فمن لا يخاف.

رفع الحقُّ الملكَ إلى جانبه، ليتكلّم به،

870 وكان الجمع كبيراً، وماكان يسمع إلاّ للملك.

ما كان يعلّم، بل يتوّعد، مع التعليم،

لينتشرالحقّ، عن خوف، أو عن حبّ.

فكانت له النار معلّمة ومنها تعلّم،

واستنار بالتعليم، وأخذ يعلّم.

875 كلامه حكيم، وسيفه رهيب، فمن يزدريه،

فهو يتعامل بالتعليم والعقاب.

طرأت حكمة الربّ واضطرّته للتكلّم

في جمعه،لأنّه ما كان يصغي، إلاّ إليه.

ولو تكلّم شخص بسيط، فمن كان يصغي إليه،

880 لذلك اعتلى الملك ليتكلّم عوض الخطباء.

ودعا الشعوب وأشهدهم مجتمعين،

وأمر الأمم التي كانت قد دعيت.

أن تسجد الخليقة لأله الفتية الثلاثة،

وألاّ يدعى اسم إله سواه.

885 سمعت الجماهير وسبّحوا معه الظافر الأوحد،

استجابته النار، عرفه الملك وتعلّمته الشعوب.

تلك النهاية لا تشبه تلك البداية،

الشرّير ابتدأ، والربّ أنهى بحكمة.

احتشدوا من كلّ الجهات لعيد التمثال،

890 وحملوا اسم الله وانطلقوا وأيديهم مملؤة.

ظفر الحِسان وانتصر الحقّ وقُهِر الشيطان،

مبارك من نجّى عبيده من اللّهيب.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM