الكتـــاب الثـــامن

 

الكتـــاب الثـــامن

يتضمَّن الكتاب الثامن في الأقوال السيبلِّيَّة قسمين مميَّزين تمييزًا واضحًا. فالأبيات الشعريَّة 216 الأولى (القسم الأوَّل)، هي نبوءة ذات طابع سياسيّ، موجَّهة بشكل رئيسيّ ضدَّ المُضايِق الرومانيّ. أهي يهوديَّة أم مسيحيَّة؟ ما زال الجدال قائمًا، ولا جواب إلاّ في كلِّ مقطع من المقاطع. أمّا القسم الثاني (217-500) من الكتاب، فمضمونه في جوهره لاهوتيّ، دون الاهتمامات السياسيَّة التي ميَّزت القسم الأوَّل.

يبدأ القسم الثاني بقصيدة تطريزيَّة(1) حول يسوع المسيح، ويتواصل بقصيدة طويلة حول المسيح وحاشه وآلامه (251-336). وتأتي لوحة عن الانقلابات فترافق نهاية الأزمنة (337-358)، تسبق خطبةَ الله ضدَّ عبادة الأوثان (359-428). أمّا نهاية الكتاب فتتضمَّن مديحًا لمجد الله (429-455)، وقصيدة حول التجسُّد (456-479)، وإرشادات ذات طابع خلقيّ وطقوسيّ (480-500). هذا القسم الثاني من الكتاب الثامن، هو تأليف مسيحيّ بلا شكّ.

هناك إشارات تاريخيَّة تدفعنا لأن نحدِّد موقع تأليف القسم الأوَّل (1-216) في نهاية القرن الثاني ب.م. ولكنَّه يصعب علينا أن نحدِّد زمن كتابة القسم الثاني (217-500). أمّا أبعد تاريخ فنربطه أيضًا بلاكتانس الذي يورد الكثير من أشعاره. واعتبر غافكان(2) أنَّ الأسلوب المتقارب بين القسمين يدفعنا إلى القول بأنَّ تدوين القسم الأوَّل قريب من تدوين القسم الثاني. وقد لا يكون القسم الثاني دُوِّن قبل القرن الثالث.

ممالك العالم وخرابها

1 حين أتى الغضب العظيم على العالم العاصي(1)

أعلنتُ غضب الله في الدهر الأخير(2).

فتنبَّأتُ للبشرِ كلِّهم، مدينة مدينة،

منذ الزمن الذي فيه سقط البرج، وألسنة البشر(3)

5 انقسمت إلى لهجات عديدة لدى المائتين.

أوَّلاً المملكة المصريَّة، ثمَّ مملكة الفرس(4)

والمادايّين والأحباش وأشور وبابل(5)،

ثمَّ مملكة مكدونية التي افتخرت في عجرفة كبيرة،

ثمَّ خامسًا، مملكة الإيطاليّين(6) التي اشتهرت برفضها للشرائع.

10 وآخر الجميع، أبيِّن الشرور الكثيرة للبشر جميعًا.

وأمدُّ الأشغال الشاقَّة على الناس في الأرضِ كلِّها.

هو يقود ملوك الأمم الذين يتعبون إلى الغرب

ويشرِّع للشعوب ويُخضع الأشياء كلَّها.

طواحين الله تغربل الطحين الدقيق، ولو متأخِّرًا(7)،

15 حينئذٍ تدمِّرُ النارُ كلَّ شيء وتحوِّل إلى غبار دقيق

رؤوسَ الجبال المتعالية والبشرِ كلِّهم(8).

تحذير من الطمع

بداية الشرور للجميع تكون حبَّ الريح والحماقة،

لأنَّه تكون رغبة مخيِّبة للذهب وللفضَّة(9).

فالمائتون لا يفضِّلون شيئًا على هذه،

20 لا نورَ الشمس ولا السماء ولا البحر.

ولا الأرض الواسعة حيث ينبتُ كلُّ شيء.

ولا الله الواهب كلَّ شيء وأبو الجميع.

ما فضَّلوا الإيمان والورع على هذه (الذهب والفضَّة).

هي ينبوع الكفر ومقدِّمة الفوضى.

25 مدبِّر الحروب والعدوّ الذي يبلبل السلام

الذي يُبعد الوالدين عن أولادهم والأولاد عن والديهم.

حتّى الزواج لا يعود مكرَّمًا بمعزل عن الذهب.

يكون للأرض حدودٌ، للبحر كلِّه حرَّاس.

بالحيلة تُقسَم بين ممتلكي الذهب.

30 كما لو تمنَّوا أن يمتلكوا إلى الأبد الأرض حاملة الغذاء،

يجتاحون الفقير بحيث يمتلكون بأنفسهم

الأراضي المضافة ويُخضعونهم بالكذب.

لو لم يكن للأرض الضخمة عرشها

بعيدًا جدٌّا عن السماء بنجومها، لن يكون للبشر نورٌ بالتساوي

35 بل كانت تباع لقاء الذهب وتخصُّ الغنيّ

ولكان الله هيَّأ عالمًا آخر للمتسوِّلين.

نبيئة على رومة

في يوم من الأيّام، يأتي على رومة المتشامخة، من العلاء،

ضيقٌ سماويّ معادل فتلوين أوَّلاً عنقكِ

وتسوَّين حتّى الأرض، والنار تحرقك كلَّك معًا

40 ملقاة متهالكة على أرضك. وهناك يهلك

الذئاب، وبنات آوى تقيم في أساساتك (إش 34: 11-15).

ثمَّ تكونين مقفرة كلُّك وكأنَّك ما كنتِ أبدًا (3: 310)

أين يكون البيلاديوم(10)؟ وأيُّ نوع من الآلهة سوف يخلِّصك؟ (2 با 31: 5)

أإله من الذهب أو من الحجر أو من البرونز؟ أو أين تكون

45 مراسيم شيوخك(11)؟ أين نسل رايا(12) أو كرونوس(13)

أو زوش(14) أو جميع الذين عبدتِ؟

شياطين(15) لا حياة فيها يشبهون جثث الموتى

الذين يفاخرون بقبورهم المشؤومة في (جزيرة) كريت(16).

عبادات لا معنى لها، جثث تُجعَل على العروش في الطقوس.

الإمبراطور أدريان(17)

50 ولكن أيَّتها المترفة، حين كان لك خمسة عشر ملكًا

الذين أخضعوا العالم من الشرق إلى الغرب،

سيكون أميرٌ شعرُه أبيض مع اسم البحر القريب(18).

يفتقد العالم بقدم(19) ملوَّثة ويمنح الهدايا،

يمتلك ذهبًا وافرًا ويريد أن يجمع بعد

55 فضَّة من أعدائه ويجرِّدهم ويدحرهم.

هو يشارك في جميع أسرار المحافل السحريَّة(20).

هو يعلن عن طفل أنَّه إله(21) ويجرِّده من كلِّ أغراض الإكرام.

منذ البداية يفتح أسرار الضلال للجميع.

عندئذٍ يكون زمنُ الويلات، لأنَّ »الويل« نفسه يَهلك.

60 ويقول الشعب في يوم من الأيّام: »تسقط قدرتك العظيمة، أيَّتها المدينة«.

وهم يعرفون أنَّ يوم الشرِّ المشؤوم صار قريبًا جدٌّا(22).

عندئذٍ يحزن معًا الآباء وأولادهم الأطفال

حين ينظرون مصيرك التعيس.

باكين يرفعون الأناشيد الجنائزيَّة على ضفاف التيبر(23).

65 بعده (بعد أدريان) ثلاثة(24) يحكمون الذين يمتلكون اليوم الأخير الأخير

فيملأون اسم الإله السماويّ(25)

الذي قدرته الآن وفي كلِّ الدهور معًا.

عودة نيرون

واحد، رجلٌ شيخٌ(26) يسيطر على الأراضي البعيدة، الواسعة

ملكٌ تعيس جدٌّا يُغلق كلَّ ثروات العالم ويحتفظ بها

70 في بيته. وهكذا حين يعود قاتل أمِّه(27)

الناريّ(28) من نهايات الأرض

فيعطي هذه الأشياء للجميع ويمنح آسية ثروة عظيمة(29).

ويلات على رومة

حينئذٍ تبكون حين تخلعون لباس(30) القادة

مع تطريزه الأرجوانيّ الواسع، وتلبسون لباس الحداد.

75 أيَّتها الملكة المتشامخة، يا سليلة رومة اللاتينيَّة،

لن يكون لك شهرةُ تشامخك زمنًا طويلاً بعد،

ولن يكون لك أن ترتفعي يومًا، أيَّتها المشؤومة، بل تُلقَين أرضًا.

فمجد الفيالق الحاملة النسور (الرايات) يسقط أيضًا.

إذًا، أين قوَّتك؟ أيُّ أرض تكون لك حليفة

80 بعد أن أُخضعتْ، خارج كلِّ شريعة، بأفكارك الباطلة؟

فعندئذٍ تكون البلبلة في كلِّ أرض (البشر) المائتين.

ساعة الحاكم المسكونيّ(31) نفسه يأتي إلى المحكمة ويدين

نفوسَ الأحياء والموتى، والعالمَ كلَّه.

لا الوالدون يكون أصدقاء أولادهم، ولا الأولاد أصدقاء والديهم(32).

85 بسبب الكفر والضيق في ما وراء الرجاء.

تصرُّون أسنانكم وتتشتَّتون وتُعتَقَلون(33)

حين يأتي سقوط المدن وتنفتح الفجوات في الأرض.

حين التنّين الأرجوانيّ يأتي على الأمواج(34)،

حاملاً (مثل امرأة) مع ضيف ويقيت أولادَك.

90 حين تقترب المجاعة والحربُ الأهليَّة.

عندئذٍ تكون قريبة نهايةُ العالم واليوم الأخير

ودينونة الإله الخالد للمختار الذي رُضيَ عنه.

أوَّلاً يكون على الرومان غضبٌ لا شفقة فيه.

زمنٌ متعطِّشٌ إلى الدم يأتي وحياةٌ يابسة.

95 ويل لك يا أرضًا إيطاليَّة، يا أمَّة كبيرة متوحِّشة؛

ما شعرتِ حين أتيتِ، عريانة، تافهة(35)،

إلى نور الشمس بحيث يمكن أيضًا أن تمضي عريانة

إلى الموضع عينه، وبعد ذلك تأتين إلى الدينونة

لأنَّك حكمتِ بالجور...

100 بأيدٍ جبّارة، وحدكِ في العالمِ كلِّه

تأتين من العلاء وتسكنين تحت الأرض(36)

في النفط والزفت والكبير والنار الكثيرة(37)

وتزولين فتصبحين غبارًا ناريٌّا

إلى الأبد. وكلُّ من ينظر يسمع أنين حداد كبيرًا

105 من الجحيم وصريرَ أسنان(38)

وتضربين صدرك الكافر بيديك.

الليل هو هو للجميع مرَّة واحدة، للذين امتلكوا الغنى

وللمتسوِّلين. يأتون عراة من الأرض ويمضون عراة أيضًا

إلى الأرض، فتنتهي حياتهم بعد أن أتمُّوا زمانهم(39).

الجميع يتساوون في النهاية

110 لا عبد هناك ولا سيِّد ولا طاغية(40)،

لا ملوك، ولا قوّاد يكونون متعجرفين جدٌّا.

لا خطباء قانونيّون ولا حكّام يحكمون من أجل المال (2: 62)

لا يسفكون الدم على المذابح في سكائب الذبائح.

لا طبول تعطي صوتًا ولا صنوج (لاستقبال الملوك)،

115 لا مزمار متعدِّد الثقوب له صوت يؤذي القلوب (رؤ 18: 22)

لا شبابة تحاول أن تقلِّد الأفعى الملتوية.

لا صوت بوق متوحِّش ينادي بالحروب (5: 253)

ما من أحد سكران يتخلَّع أو يرقص رقصًا خليعًا.

لا صوت كنّارة ولا أداة تصنع الشرّ.

120 لا نزاع، لا غضب بأشكاله المتنوِّعة. ولن يكون هناك سكّين

بجانب الموتى، بل يكون العمرُ هو هو للجميع

حامل مفتاح الأسوار الكبيرة إلى محكمة الله... (2: 227).

دمار رومة

ومع تماثيل الذهب والفضَّة والحجر(41)،

كوني جميلة بحيث تقدرين أن تجيئي إلى يوم مُرّ

125 لترَيْ عقابَك أوَّلاً، يا رومة، وصرير الأسنان.

بعد اليوم، لا السوريّون ولا اليونان ولا الغرباء ولا أيَّة أمَّة

يضعون عنقهم تحت نير استعبادك.

يجتاحونك كلَّك ويدمِّرونك بسبب ما عملتِ.

تئنّين في ارتعاد وتعطين حتّى تفي كلَّ ما عليك،

130 وتكونين مشهد انتصار للعالم وتوبيخًا للجميع.

تقريظ أدريان

حينئذٍ الجيل السادس من الملوك اللاتين

يكمِّلون حياتهم الأخيرة ويتركون الصالحة.

ويملك ملكٌ آخر من السلالة عينها(42)،

ويحكم الأرض كلَّها ويمدُّ تأثيره على البلدان.

135 هو يحكم بمشورات الإله العظيم، بدون فساد،

أولاده ونسل أولاده المتماسكين،

لأنَّه هكذا كانت النبوءة في مسيرة الزمن الدائريَّة،

في أيِّ مكان يكون خمسة عشر ملكًا في مصر(43).

عودة نيرون

عندئذٍ، حين يأتي زمن الفينكس(44) في الحقبة الخامسة...(45).

140 يأتي ليجتاح سلالة الشعوب، والقبائل بدون تمييز،

وأمَّة العبرانيّين. حينئذٍ يأخذ أريس (إله الحرب) أريس أسيرًا،

هو نفسه يُدمِّر خطر الرومان المتشامخ(46).

هلكت إمبراطوريَّة رومة التي كانت مزدهرة،

الملكة القديمة، التي سادت على المدن المحيطة بها.

145 بعد اليوم لن يبقى منتصرًا سهلُ رومة المترفة،

حين يأتي (نيرون) من آسية فيحتلَّ (الأرض) مع أريس

وبعد أن يفعل كلَّ هذا يأتي إلى المدينة المداسة.

سوف تملأ ثلاث مرّات ثلاثمئة وثماني وأربعين

سنة(47) حين يأتي القدرُ الشرّير العنيف

150 ويكمِّل اسمك.

قول آخر على عودة نيرون

وأسفاه عليَّ أنا البائسة ثلاث مرّات! متى أرى ذلك اليوم

الذي يدمِّرك، يا رومة، وبشكل خاصّ اللاتيوم(48) كلّه؟

أنشدي، إذا شئتِ، الرجل السريَّ الولادة،

الممتطي مركبة تراجان من أرض آسية

155 مع روح ناريّ. ولكن حين يعبر البرذخ (في كورنتوس)،

ناظرًا حوله، متحدِّيًا الجميع، مجتازًا البحر،

عندئذٍ يلاحق الوحشَ الكبير الدمُ الأسود.

الكلبُ يطاردُ الأسد الذي دمَّر الرعاة.

هم يأخذون السلطان وهو يعبر إلى الجحيم.

نبيئات على أمم مختلفة

160 غير أنَّ أكبر الشرور وآخرها يأتي على أهل رودس،

واعتقال شرّير ينتظر بعد ذلك أهل تيبة.

مصرُ تدمَّر سبب شرِّ حكّامها.

(وأيضًا مثل الرجال الذين هربوا من الدمار المريع

ثلاث مرّات يكون الرجل سعيدًا، وأربع مرّات مباركًا)(49)

165 رومة تُصبح شارعًا (يمرُّون فيه) وديلوس موضعًا لا يلاحظه أحد

وساموس رملاً...

ثمَّ يأتي الشرّ أخيرًا على الفرس أيضًا.

ردَّ على التشامخ المتعالي كلُّ عجرفة تدمَّر(50).

تقلُّبات اسكاتولوجيَّة

حينئذٍ يضع أمير قديس(51) يده على صوالجة العالم كلِّه

170 في كلِّ الأجيال، وهو الذي أقام الأموات.

العليّ المتسامي يقول حينئذٍ ثلاثة(52)، في مصير رومة التعيس

وجميع البشر يهلكون في داخل مساكنهم

ولكنَّهم لن يقتنعوا من يكون الأفضل الأفضل.

ولكن حينذاك يقوم يوم الشرّ على الجميع.

175 يوم جوع ووباء، أقسى من أن يُحتمَل، يوم ضجيج،

وعندئذٍ يجمع أيضًا السيِّدُ التعيسُ السابق(53)

مجلسه ويتشاور كيف يُدمِّر...(54).

* * *

الذابل يُزهر وتظهر معه الأوراق.

أرضيَّة السماء تمطر(55) على الصخر القاسي

180 رذاذًا ولهيبًا وعددًا من النسائم على الأرض

ووفرة الزروع السامة عبر الأرض كلِّها.

ولكنَّهم يتصرَّفون أيضًا بروح وقحة،

لا تخاف غضب الله ولا البشر،

فتترك الحشمة وترغب في الوقاحة.

185 طغاة متقلِّبون وخطأة عنيفون

كذبة، مُحبّو الخيانة، فاعلو الشرّ، في لا شيء صادقون.

ينقضون الأمانة. يبرعون في صبِّ الافتراء.

لا يشبعون غنى، بل بوقاحة

يريدون أن يجمعوا بعد. فيهلكون وقد سحقهم الطغاة.

190 كلُّ النجوم تسقط توٌّا في البحر

كلُّ نجمة بدورها، والناس يدعونها النجم (النيزك) الساطع.

»النجم« علامة العمل المرهق،

والحرب والقتل.

يا ليتني لا أحيا حين المرأة الكريهة تملك(56).

195 ولكن حين تأتي النعمة السماويَّة لتحكم،

وحين الولد المكرَّس، مدمِّرُ الجميع،

يدمِّر الهوَّة الشرّيرة مع رباطاتها ويفتحها،

فجأة يغطّي بيتُ خشبيّ الناس الذين في الجوار.

ولكن حين الأجيال العشرة تكون في بيت الجحيم،

200 تُصبح بعد ذلك قوَّة الأنثى كبيرة. فالله نفسه

يُنمي لها الشرور الكثيرة حين تتوَّج.

وتتقبَّل التكريم الملكيّ. والسنة بكاملها تكون عصرًا منقلبًا، منحدرًا(57)

الشمس الشحيحة النظر تشعُّ في الليل.

النجوم تترك قبَّة السماء، والعاصفة الزائرة مع الأعاصير الكثيرة

205 تجعل الأرض منكوبة. وتكون قيامة الأموات (مت 11: 5)

العرج يروحون في سباقات سريعة جدٌّا، والصمُّ يسمعون،

والعميان يرون، والذين لا يقدرون أن يتكلَّموا يتكلَّمون،

والحياة والصحَّة تكونان شركة للجميع (2: 318-321)

الأرض تخصُّ الجميع بالتساوي ولا تُقسَم

210 بواسطة الأسوار والحواجز، فتحمل عندئذٍ بكثرة الثمار الوافرة.

تعطي عيونًا من النبيذ الحلو والحليب الأبيض

والعسل...(58).

* * *

ودينونة الإله الخالد...

ولكن حين يبدِّل الله الأزمنة...

215 جاعلاً الشتاء صيفًا، عندئذٍ تتمُّ كلُّ النبيئات(59)

ولكن حين يهلك العالم...

يسوع المسيح، ابن الله، المخلِّص، الصليب

حين تكون(60) علامة الدينونة هنا،

تتغطّى الأرض بالعرق(61).

والملك(62) المقبل يأتي من السماء إلى الأبد(63).

يكون حاضرًا ليدين كلَّ بشر والعالم كلَّه.

220 والمائتون، مؤمنون ولا مؤمنون، يرون الله

العليَّ مع قدّيسيه، في نهاية الأزمنة.

في(64) محكمته يدين نفوس الناس الذين ارتدوا (الجسم) البشريّ(65)،

حين يصير العالم كلُّه أرضًا لامزروعة وشوكًا(66).

يرذل المائتون أصنامهم وكلَّ غناهم(67).

225 والنار(68) تسرع فتلتهم الأرض والسماء

والبحر، وتحطِّم أبواب سجن الجحيم(69).

حينئذٍ(70) كلُّ أجساد (لحم ودم) الموتى، الذين هم قدّيسون، ينهضون

إلى نور الحرِّيَّة. أمّا الأشرار فالنار تعذِّبهم إلى الأبد(71).

وكلُّ إنسان يقول جهرًا كلَّ ما صنعه سرٌّا.

230 لأنَّ الله يفتح القلوب المعتَّمة بشعاعات النور.

ومن الجميع تنطلق الأنينات وصريف الأسنان(72).

بهاء الشمس يزول(73)، ومثله طواف النجوم.

يلفُّ السماء(74)، فينطفئ ضياءُ القمر.

يُعلي الوهاد(75) ويَحطُّ أعالي التلال(76).

235 لن يظهر بعدُ عند البشر كلُّ سوء مترفِّع.

الجبال(77) تتساوى مع السهول، والبحرُ كلُّه

لن يصلح(78) للملاحة، لأنَّ الأرض مع الينابيع

تكون منشَّفة حينذاك وتزول الأنهارُ في غليانها.

يُسمِع البوقُ(79) من السماء صوتًا مملوءًا بالأسى،

240 فيعلن(80) رجاسة الأشرار ومحن العالم.

حينئذٍ تنفتح الأرض فتُري هوَّة الأسافل.

يأتون كلُّهم(81) إلى محكمة الإله الملك.

وينصبُّ(82) من السماء نهر من النار والكبريت(83).

علامةً(84) لجميع المائتين، وختمًا(85) يُرى حسنًا(86)،

245 يكون الخشبُ وسط المؤمنين(87)، القرن المرغوب(88).

حياةً للناس الأتقياء، وشكٌّا(89) للعالم،

فيعطي الاستنارة(90) للمختارين في مياه الينابيع الاثني عشر(91).

تسود عصا الراعي الحديديَّة(92).

من يمتلك الآن أوائل حروفه في تطريز هو إلهنا،

250 المخلِّص، الملك الخالد، الذي تألَّمَ من أجلنا.

قصيدة من أجل المسيح

هو الذي صوَّره موسى(93) حين مدَّ ذراعيه المقدَّستين،

فنال النصر على عماليق بالإيمان، لكي يعرف الشعب

أنَّهما مختاران وثمينان لدى الله الآب،

عصا داود(94) والحجرُ(95) الموعود به.

255 فمن آمن به نال الحياة الأبديَّة(96).

لأنَّه(97) يأتي في الخليقة(98)، مثل مائت، لا في المجد.

(يأتي) شقيٌّا(99)، بدون كرامة وبلا شكل ليعطي الرجاء للأشقياء.

وهو يعطي شكلاً للبشريَّة المعرَّضة للهلاك، وإيمانًا سماويٌّا

للامؤمنين(100)، ويكوِّن الإنسان المجبول (بالطين)

260 في البدء، بيدَيْ الله المقدَّستين

والذي طغته الحيَّة(101) بمكرها، فضلَّ ومضى إلى مصير

الموت ونال معرفة الخير والشرّ،

بحيث يخدم عوائد المائتين بعد أن يترك الله.

فالقدير(102) بدأ فأخذه مستشارًا

265 وأعلن منذ البدء: »لنصنع(103) نحن اثنينا، ولدي (أنا)

من أنسال مائتة تُجبَل على صورتنا.

وكما أنا الآن بيدي، أنت بعد ذلك، بالكلمة، تعتني

بشكلنا لكي نُعطيَه بنية عاديَّة«.

وإذ يتذكَّر هذا القرار، يأتي في الخليقة

270 حاملاً نسخةً(104) من هذه الصورة في عذراء مقدَّسة

فيعطي الاستنارة(105) بالماء كما بأيدي الشيوخ،

فيُتمُّ كلَّ شيء بالكلمة، ويشفي كلَّ مرض(106).

يهدِّئ الرياح(107) بالكلمة، ويبسِّط البحر

الهائج فيمشي عليه(108) بقدمَي السلام(109) وبالإيمان(110).

275 مع خمسة(111) أرغفة من الخبز وسمك من البحر،

أشبع خمسة آلاف رجل في البرِّيَّة(112).

وإذ جمع بعد ذلك كلَّ الكسر الباقية

ملأ اثنتي عشرة قفَّة تجاوبًا مع رجاء الشعوب.

ودعا نفوس المغبوطين، ومنح حبَّه للبائسين

280 الذين(113) يصنعون الخير بدل الشرّ، وهم موضوع هزء،

يُضرَبون، يُجلَدون، لأنَّهم رغبوا في الفقر.

فالذي(114) عرف الكلّ، ورأى الكلّ، وسمع الكلّ،

يتفحَّص القلوب ويعرّيها لكي يُخجلها.

فهو نفسه السمع والفهم والنظر لكلِّ شيء،

285 والكلمة التي يخلق الأشكال فيطيعه الكلّ،

الذي يخلِّص الموتى ويشفي كلَّ مرض.

بعد ذلك، يسقط في أيدي المجرمين والأشرار(115).

بأيديهم ناهكة الأقداس، يُطلقون اللطمات على الله،

وبفمهم المنجَّس، البصاقَ المسمَّم(116).

290 يمدَّدون(117) ظهره ويسلمونه للسياط.

لأنَّه هو نفسه يُسلم إلى العالم عذراء مقدَّسة(118)

يُضرَب(119) ضربات، فيَلبثُ صامتًا لئلاّ يعرف أحد

من هو، ممَّن خرج، ومن أين جاء بحيث يقدر أن يتكلَّم إلى المائتين(120).

ويحمل إكليل الشوك(121). فالنظر إلى أشواكه(122).

295 صار إكليلُ المختارين زينةً أبديَّة(123).

يتقوَّون بشريعتهم فيثقبون جنبيه بقصبة(124).

لأنَّ من هذه القصبات التي تحرِّكها الرياح(125)،

ابتعدت(126) ميولُ(127) النفس عن الغضب والعقاب.

ولكن حين يتمُّ كلُّ ما قيل في السابق،

300 حينئذٍ كلُّ شريعة بالنسبة إليه، التي أعطيت في الأصل للبشر

بشكل تعليم، ستُلغى بسبب شعب عنيد(128).

يمدُّ يديه(129) ويأخذ قياسَ العالم كلِّه(130).

أعطوه المرَّ طعامًا(131)، والخلَّ شرابًا.

وعرضوا هذه المائدة التي لا تعرف الضيافة.

305 حجاب(132) الهيكل يتمزَّق في وسط النهار.

وتكون ظلمة سوداء(133)، متوحِّشة، خلال ثلاث ساعات.

لأنَّه كُشف أيضًا أنَّ لا خدمةَ بعدُ لهيكل

ولا لشريعة سرِّيَّة تختفي في صُوَر العالم،

حين ينزلُ السيِّد الأزليّ على الأرض.

310 يأتي إلى الجحيم(134) ويعلن الرجاء إلى جميع

القدّيسين(135): نهاية الأزمنة واليوم الأخير.

وبعد رقاد ثلاثة أيّام، يضع حدٌّا للموت(136).

وإذ يعود من عند الراقدين، يجيء إلى النور،

فيكون(137) أوَّل من يبيِّن للمختارين بداية القيامة.

315 ويغسل(138) الذنوب القديمة في مياهِ

ينبوعٍ خالد(139)، بحيث إنَّ الذين وُلدوا من عَلُ(140)

لن يُستعبَدوا بعدُ لعادات هذا العالم الشرّيرة.

حينئذٍ(141) يظهر الربُّ أوَّلاً إلى أخصّائه

في (جسم) بشريّ كما كان من قبل. في اليدين وفي الرجلين، يبيِّن

320 أربع علامات مُثبَتة في أربعة أعضاء:

الشرق(142) والغرب، الجنوب والشمال.

لأنَّها عديدةٌ ممالك العالم التي تُتمُّ

العملَ الشرّير الذي يرمي اللوم على مثالنا.

نداء إلى المؤمنين

ابتهجي(143) يا بنت صهيون المقدَّسة. يا من احتملتِ عددًا من الشرور(144)!

325 فمَلكك نفسُه دخل إليك صاعدًا على جحش (ابن أتان).

يأتيك(145) مملوءًا بالوداعة ليرفع النير

الذي يُثقل عبوديَّتنا، الذي يحزُّ على رقبتنا.

وليُلغي(146) النواميس الشرّيرة والرباطات المكرِهة.

تعرَّفي إليه على أنَّه إلهُك، هو الذي هو ابن الله(147).

330 مجِّديه واحفظيه في قلبك،

أحبِّيه(148) من كلِّ نفسك واحملي اسمَه(149).

اطردي الآلهة(150) القديمة، واغتسلي بدمه!

فإنَّك لا تُرضينه(151) بأناشيدكِ ولا بتنهُّداتكِ.

بما أنَّه لا يزول، فهو لا يعير أيَّ اهتمام للذبائح التي تزول.

335 ولكن(152) أنشدي مديحًا بفم عاقل.

اعرفي من هو هذا وحينئذٍ ترين الآب.

تقلُّبات إسكاتولوجيَّة

حينئذٍ(153)، مع الوقت، اضمحلَّت كلُّ عناصر العالم(154)،

الهواء(155) والتراب والبحر وضياء النار المشعَّة.(156)

وقطب السماء(157)، والليل، وجميع الأيّام

340 تنصهر في واحد(158)، وفي شكل مقفر.

لأنَّ النجوم التي هي نيِّرات تسقط كلُّها من السماء(159).

ولا تطير(160) بعدُ في الهواء، الطيورُ ذات الأجنحة الجميلة(161)،

ولن يمشي بعدُ واحدٌ على الأرض، لأنَّ جميع الحيوانات تزول.

لا صوت بشر، ولا (صوت) الحيوانات أو الطيور.

345 والعالم(162) في فوضاه لن يسمعَ صوتًا مفيدًا

غير أنَّ(163) عمق البحر يُخرج صوتًا كبيرًا مهدِّدًا،

وجميع الخلائق التي تسبح في البحر تموت وهي ترتجف،

والسفينة مع حمولتها(164) لن تندفعَ بعدُ على الأمواج.

والأرض المدمّاة بالحروب تخور (كما البقر).

350 ونفوس(165) جميع البشر تصرف بأسنان(166).

نفوس شرّيرة(167) في أصوات الوجع وفي الخوف،

حين يفنيها العطشُ والجوع والوباء والقتل،

وتدعو الموت على أنَّه خير لها، فيهرب الموتُ منها(168).

لأنَّه لا الموت ولا الليل يمنحان بعدُ راحة لهؤلاء الناس.

355 وعبثًا يوجِّهون تضرُّعات عديدة إلى الله، السيِّد السامي،

ولكنَّه يميل حينذاك بوجهه عنهم جهارًا(169).

لأنَّه(170) أعطى البشر الضالّين سبعة أيّام من الأبديَّة

لكي يتوبوا بواسطة عذراء قدّيسة.

كلام الله على الأصناميَّة

الله نفسه كشف كلَّ هذه الأشياء لروحي،

360 وكلُّ ما قال بفمي سوف يُتمُّه(171)

فأنا(172) أعرف عدد حبّات الرمل وكيلان البحر،

أعرفُ أعماق الأرض والأسافل المظلمة،

أعرف عدد النجوم والأشجار، وما هي أصناف

القوائم الأربع(173)، والخلائق السابحة والعصافير الطائرة،

365 والناسَ الذين هم الآن والذين سيكونون، كما (أعرف) عدد المائتين،

لأنّي(174) أنا بنفسي حدَّدتُ أشكال البشر وروحَهم،

أعطيتُهم العقل المستقيم، ونقلتُ إليهم المعرفة.

أنا كوَّنتُ عيونهم وآذانهم، أنا الذي يرى والذي يسمع(175)،

أنا الذي يعرف كلَّ فكر، أنا الذي هو للجميع شاهد.

370 بما أنّي في داخل كلِّ إنسان، أصمتُ ثمَّ أتَّهمهم أنا بنفسي،

إذ(176) أجعل كلَّ مائت يدفع ما فعله في الخفاء،

وإذ أتكلَّم إلى الموتى الذين يأتون إلى محكمة الله.

الأصمّ والخرس أنا أَفهمه أيضًا، والذي لا يتكلَّم أنا أسمعه.

كلُّ العلوّ بين السماء والأرض

375 البداية والنهاية، كلّ هذا أعرفه، أنا من خلق السماء والأرض(177).

لأنَّ كلَّ شيء هو منه، ويعرف كلَّ شيء من البداية حتّى النهاية(178).

فأنا وحدي الله، ولا إله سواي(179).

يعلنون(180) أنَّ صورة مكوَّنة من المادَّة هي صورتي،

وإذ يجبلون بأيديهم صنمًا لا صوت له،

380 يكرِّمونه بالصلوات والعبادات النجسة.

إذ يتركون الخالق، يخدمون عوائد وقحة(181).

وإذ ينالون كلَّ شيء منّي يقدِّمون تقدمات لأشياء نافلة،

ويحسبونها كلَّها مفيدة وكأنَّها تكرِّمني،

إذ يملأون(182) بالدخان لحوم وليمتهم كما من أجل أمواتهم الأخصّاء.

385 لأنَّهم يأكلون اللحوم، ويذبحون عظامًا مملوءة

بالنخاع على مذابحي، يسكبون الدم من أجل الشياطين

ويُشعلون(183) مشاعل لأجلي، أنا واهب النور.

كما من أجل إله عطِش، يسكب المائتون سكائب الخمر،

ويسكرون باطلاً من أجل أصنام لا نفع منها.

390 أنا لا أحتاج(184) من قبلكم ذبيحة ولا سكيبًا،

ولا دخانًا كريهًا ولا دم البغض.

لأنَّ(185) كلَّ هذا يصنعونه تذكُّرًا للملوك

والمتسلِّطين، من أجل أرواح الموتى وكأنَّها كائنات سماويَّة

يقدِّمون عبادة مشؤومة، لا إلهيَّة.

395 فالرجال الذين لا إله لهم، يعطون صورتهم اسم الآلهة،

إذ يتركون الخالق، وهم يحسبون أنَّهم يستلمون من (الصور)

كلَّ رجاء وكلَّ حياة(186). هم أمناء، لشقائهم،

لأصنام صمّاء، لا صوت لها. فلا يعرفون نهاية سعيدة.

وأنا بنفسي عرضتُ طريقين(187): طريق الحياة وطريق الموت،

400 وعرضتُ على تمييزهم أن يختاروا الحياة الطيِّبة.

ولكنَّهم انحدروا في الموت والنار الأبديَّة.

الإنسان هو صورتي(188)، فمنحتُه ذهنًا مستقيمًا.

من أجله(189)، أَعِدَّ مائدةً نقيَّة، لا دمَ عليها(190)،

مملوءة(191) من الطيِّبات، وأعطِ الخبز للجائع،

405 واسقِ العطشان (وأعطِ) اللباس للجسم العريان،

وكلَّ هذا تجلب بمجهوداتك الخاصَّة وبيدين نقيَّتين.

استقبل المظلوم، وساند المتألِّم.

احمل ذبيحة حيَّة(192) لي أنا الحيّ

حين تزرع الآن في الماء(193) لكي أستطيع أنا أيضًا أن أعطيك يومًا

410 ثمارًا خالدة، فيكون لك النورُ الأبديّ

والحياة(194) التي لا تزول حين أعبِّرهم كلَّهم في محنة النار.

لأنّي أحبُّ كلَّ الأشياء وأنقّيها لأجعلها طاهرة(195).

ألفُّ السماء(196) وأفتح لجج الأرض.

حينئذٍ(197) أُنهض الموتى وأحُلُّ المصير(198)

415 وشوكة الموت(199)، وبعدئذٍ أعود من أجل الدينونة

لأدين حياة البشر(200)، الأتقياء والأشرار.

وأجعل(201) الكبش مع الكبش، الواحد بجانب الآخر،

والراعي مع الراعي، والعجل مع العجل، لكي أمتحنهم.

فالذين(202) يُخزَون بالاتِّهام وقفوا،

420 وأَغلقوا فمَ الجميع لكي يَستعبدوا،

حسدًا، أولئك الذين يتصرَّفون بالقداسة،

فيأمرونهم بأن يسكتوا، ويضايقونهم لكي يستفيدوا،

كلُّ هؤلاء يبتعدون عنّي حينئذٍ بموافقتي

ومنذ الآن(203) لن تقول وأنت حزين: »هذا يكون غدًا«،

425 ولا: »هذا حصل البارحة«. لن يكون لك أن تهتمَّ بالأيّام العديدة،

لا بالربيع ولا بالشتاء ولا بالصيف ولا بالخريف

لا بالمساء ولا بالصباح. لأنّي أصنعُ نهارًا طويلاً

والنور الذي يرغب فيه العظيم(204)، يكون إلى الأبد.

مديح الله

الوالد في ذاته، المنزَّه، الأزليّ، الأبديّ(205)

430 سيِّد السماء بقدرته، ويقيس النسمة الجامحة.

يحمل صولجان الرعد مع شعلة النار القاسية(206)،

يهدِّئ قصف الصواعق بصوتها العميق

يعصف بالأرض ويقيّد ضجيجها المتسارع

يخفِّف سياط النور المجنونة(207).

435 يحبس حبَّ الرذاذ الذي لا يوصَف وعواصف الجليد،

البرَد، وابل الغيوم، وهجمات الشتاء.

لأنَّها تحمل شهادة لكلِّ شيء

بحيث تقرِّر بنفسك ما تفعل وتوافق عليه في عقلك.

مع ابنك قبل كلِّ خلق شاركتَ في المشاورات

440 مع صدرين متساويين، صانع الإنسان وخالق الحياة

توجَّهتَ إليه بأوَّل قولٍ حلو من فمك:

»انظر! لنصنعْ إنسانًا شبيهًا بشكلنا في كلِّ الوجوه،

ولنعطِه أن يمتلك النسمة التي تسند الحياة.

مع أنَّه مائت، فعلى كلِّ أشياء العالم أن تخدمه.

445 حين جُبل من الطين أخضَعْنا له كلَّ شيء«.

هذه الأشياء قُلتَها (يا الله) للكلمة، وكلّ شيء صُنع في قلبك،

جميع العناصر معًا أطاعَتْ أمرك

وترتَّب الخلقُ الأبديّ من أجل الخليقة المائتة:

السماء والهواء والنار والأرض، اليابسة والبحر الراكض.

450 الشمس والقمر وجوق النجوم، والجبال،

الليل والنهار، النوم واليقظة، الروح والحركة

النفس والعقل، المهارة والصوت والقوَّة.

أسراب متوحِّشة من الخلائق الحيَّة، الخلائق السابحة والغيوم،

الخلائق الدابَّة والبرمائيّات والأفاعي وأصحاب الطبيعتين.

455 فكلُّ شيء ترتَّب طوعًا تحت قيادتك.

التجسُّد الإلهيّ

في الأزمنة الأخيرة، حوَّل الأرض فأتى طوعًا(208)

مثلُ نور جديد، ونهض من حشا البتول مريم.

أتى من السماء ولبس شكلاً مائتًا.

أوَّلاً حين تجلَّى جبرائيل في شخصه القويّ والقدّيس.

460 ثانيًا، توجَّه رئيسُ الملائكة أيضًا إلى »الخادمة« وكلَّمها (لو 1: 26):

»تقبَّلي الله، يا مريم، في حشاك النقيّ«.

وإذ تكلَّم هكذا نفخ في نعمة الله حتّى إلى من كانت دومًا »الخادمة« (لو 1: 31-36).

امتلكها الخوفُ وفي الوقت عينه الدهشةُ لما سمعَتْ.

وقفت مرتجفة، طار عقلها

465 ساعةَ كان قلبُها يهتزُّ بأشياء سمعَتْها وما اعتادت عليها.

ولكنَّها فرحت أيضًا وشُفيَ قلبها بهذا الصوت.

ضحكت الخادمة واحمرَّت وجنتاها،

وفرحت فرحًا وتهلَّلت في قلبها وهي خائفة،

فحلَّت عليها الشجاعة أيضًا، وسالت الكلمة في حشاها.

470 في الزمن صار بشرًا وأتى إلى الحياة في الحشا (يو 1: 14)

وتكوَّن في شكلٍ مائت وصار طفلاً

بواسطة الولادة البتوليَّة. لهذا كانت الدهشة كبيرة للناس،

ولكن لا دهشة كبيرة لله الآب ولله الابن.

الأرض الفرحة طارت إلى الطفل في ولادته.

475 ضحك العرش السماويّ وفرح العالم.

نجمة عجيبة جديدة أضاءت، فكرَّمها المجوس (مت 2: 2).

الطفل المولود جديدًا تجلّى في مذود للذين أطاعوا الله (لو 2: 7ي):

قطعان البقر وقطعان المعز ورعاة الغنم.

وقيل عن بيت لحم إنَّها تسمَّت مسكن الكلمة (مي 5: 1ي)

إرشاد نهائيّ

480 كن متواضع القلب وأَبغضِ القوَّة المرَّة،

وفوق كلِّ شيء أحبب قريبك كنفسك(209)،

وأحبب الله من (كلِّ) نفسك واخدمه.

فنحن أيضًا من النسل السماويّ المقدَّس

(نسل) المسيح، ودُعينا إخوة (له).

485 إذ نتذكَّر الفرح في شعائر العبادة،

نسير في طريق التقوى والحقيقة.

لا يُسمَح لنا أبدًا أن نقترب من معابد الهياكل

لنسكب السكائب على التماثيل أو لنكرِّمها بالصلوات،

بروائح الزهور الطيِّبة، وبأضواء

490 القناديل، ونزيِّنها مع التقدمات

وبرائحة البخور المصعدَة لهيبًا على المذابح،

وبالسكب من ذبيحة العجول، فرحين بالدم المسفوك،

ولنرسل الدم من نحر الخراف كذبيحة تكفيريَّة عن جهالات الأرض

ولندنِّس ضوء السماء بالدخان من التقدمات المحرَقة.

495 ونسمات (الهواء) الملوَّنة من نار تحرق لحم (الذبائح).

بل نفرح بعقول مقدَّسة وروح سعيدة

وحبٍّ وافر وأيدٍ تحمل العطايا الصالحة

مع مزامير عذبة وأناشيد تليق بالله.

أُمِرنا لكي نُنشد مدائحك كالدائم والمنزَّه عن كلِّ غشّ

500 يا الله، يا خالق الكلِّ بحكمة.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM