الخاتمة

الخاتمة

تياران كيران حاولنا الدخول فيهما. عالم واسم انفتح أمامنا. وإن رحنا في هذه الطرق، فليس حبٌّا بالقديم لأنه قديم، ولا حنينًا إلى الاركيولوجيا ونبش الآثار العتيقة، »الانتيكة« كما يقول الناس. فالفكر هو هو. وإلاّ لماذا نقرأ حتى اليوم كتب أفلاطون وأرسطو، وأوغسطين وتوما الأكويني؟ النظر إلى الحياة والموت لم تتبدّل ولن تتبدّل في عصر صعد فيه الانسان إلى الفضاء. والحزن والفرح عاطفتان في قلوبنا، سواء سافرنا على ظهر بغلة أو في أفخم سيارة إن لم نقل طيّارة أو سفينة فيها كل وسائل الراحة.

أجل، التيارات الفكرية تبقى حاضرة ونحاول اليوم أن نتعامل معها كما تعامل الأقدمون. فالعالم الغنوصي مثلاً، الذي يغرز جذوره في الهند مع المعرفة الباطنية، التي لا يحتاج فيها الانسان أن يخرج من ذاته، أطلّت اليوم في التأمّل التجاوزي أو في حركة »العصر الجديد« New Age .

وبالنسبة إلى المرقيونية، يُطرَح اليوم كما في القرون الأولى للمسيحية: لماذا العهد القديم، بعد أن أعطي لنا الانجيل وسائر أسفار العهد الجديد؟ في أوروبا أو أميركا صار العهد القديم »الأهم« إن لم يكن »الأول« عند بعض الفئات المسيحية لهذا السبب أو ذاك. أما في الشرق، فالوجه السياسي جعل مفكّرين يرفضون العهد القديم ويستخرجون منه ما يعارض عظمة الانجيل.

وبالنسبة إلى المانوية، هناك مسألة الحرية: هل الانسان مسيَّر أم مخيَّر؟ هل وصل إليه كلام الله حقًا؟ أمَا تنسخ ديانةٌ تلك التي سبقتها؟ جاء الجديد فيجب أن يزول القديم أو يخضع له؟ وتُستعمَل كلُّ الوسائل من الترهيب إلى الترغيب، مع الدعايات التي نعرفها اليوم في نطاقها الأوسع.

ومع ذلك، سؤالات الانسان تبقى هي هي. المفكرون يفكرون، والباحثون يبحثون. ويبقى لدى الانسان »الايمان« الذي هو استسلام لله. ونعبّر عنه بطرق متشابهة: فالبوذي والهندوسي لا يصلّيان بطريقة مختلفة عمّا يفعل أصحاب الديانات التوحيدية. والممارسات هي هي من صوم وحجّ وتجمّعات وغيرها.

أما نحن فأردنا في هذا الكتاب عن »المرقيونية والمانوية« وفي ما سبقه من كتب أن نفتح مجتمعنا على الفكر القديم، ولاسيّما الشرقي منه. فالديانة، التي وإن أتت من السماء، فهي تحتاج إلى لغة بشريّة تحمل المعاني الالهيّة. فلا بدّ أن تتأثّر بالتيّارات البشريّة التي تُولَد فيها. فديانة »المُثُل« التي أطلقها أفلاطون موجودة في العقول والمخيّلات، لا في الواقع اليومي. فالديانة تتجسّد في هذا المكان وهذا الزمان. فابن الله الذي نزل من السماء، تجسّد على الأرض. أخذ جسمًا من امرأة، هي مريم العذراء وعاش في بيئة شرقية مع طقوسها وعاداتها. أفنريد بعد ذلك أن لا »تتجسد« كلمة الوحي؟ إذا جعلناها فوق وتركناها فوق، فهي لا تؤثر في حياتنا. أو ربّما نتركها »فوق« ونعيش نحن خادعين أنفسنا بأننا من »المؤمنين«، والايمان منا براء.

ذاك هو هدفنا من سلسلة »على هامش الكتاب«: اكتشاف هذا الفكر الذي تجذّرت فيه حياتُنا وتاريخنا. وإلى مزيد من الأبحاث، إن شاء الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM