الفصل 2: الذبائح في العالم الشرقي

الذبائح في العالم الشرقي

حين نتعرّف إلى النصوص القديمة في العالم الشرقيّ، نكتشف الغنى الذي غرف منه الكتاب المقدس، ثم نقّاه من كل شرك قبل أن يصبح نصاً مهماً في سفر اللاويين أو في غيره من الأسفار. هنا نقول إن أساس الديانة الوثنية هو أن الانسان يرتبط أو يتأثّر بعالم يتعدّى عالم الآلهة، وفيه عدد من الكائنات الخيّرة أو الشرّيرة. إذن، على الانسان أن يمتلك قوّة سحريّة لكي يفرض إرادته عليهم فيعطوه ما يطلب. نشير بشكل عابر إلى أن بقايا من هذه العقليّة ما زالت حاضرة في أيامنا، حيث نحاول أن نؤثّر على الله أو على القديسين لكي ننال ما نريد. ونحن لا نفي النذر الذي نذرناه إن لم ننل ما طلبناه. في الذبيحة الحقيقيّة، نجعل نفوسنا في مشيئة الله ونتركه يفعل بحسب إرادته.

في هذا المجال قيل عن الأشوريين: كل ما في ديانة بلاد الرافدين مطبوع بالخوف من قوى الشرّ والسحر الأسود، لا بعمل إيجابيّ من العبادة للآلهة. فقد تصوّروا العالم مليئاً بشياطين أشرار يقدرون أن يُسيئوا إلى الناس في كل مجالات الحياة. فإذا هوجموا، وجدوا الشفاء في طقس يمارَس ممارسة دقيقة. فالناس والبشر يستطيعون أن يُضرّوا »بفنّهم«. لهذا، يحتاجون إلى الطقوس. هنا نفهم أن الذبائح التي وصلت إلى العالم العبراني، كانت قديمة قدم الانسان. ولكن اللاهوت الكهنوتيّ الذي يُشرف على سفر اللاويّين، يرفض هذا التفكير الوثنيّ. إنه يعلن وجود الله السامي الذي لا قدرة فوقه، ولا كائن يزاحمه. ألغيَ عالمُ الشياطين في المعنى الوثني، فانتفت كل حرب لهم مع إله الخير. وهكذا لا يبقى أمام الله سوى الخلائق التي تخضع لله في كيانها. غير أنها تقدر أن تقاومه في حريّتها.

في عالم أوغاريت، وفي النصوص الفونيقيّة (قرطاجة والمدن المرتبطة بها) استعمل اللفظ »ك ل ل« الذي ارتبط بالعربية »كلّ«. »ذبيحة السلامة ذبيحة يأكلها الملك كلّها«. وبالتالي الإله. غير أن الكتاب المقدس أحلّ محل »ك ل ل« لفظ »ع ل ه« (ما يُرفع قبل أن يُحرَق). وفي كنعان كما في موآب، عُرفت الذبائح (عد 33:15؛ 1 مل 18:38)، ولعبت المحرقة دوراً هاماً. وهناك نصّ من الالاخ (في شمالي سورية) يقول: »النار تحرق الحمل والعصافير«. وتحدّث الحثيون في أناتولية (أو برّ الأناضول الحالي) عن ذبيحة محرقة في طقوسهم: »يُحرق خروف وأربعة عصافير حرقاً كلياً. يُحرقون عصفوراً ليُبعدوا الغضب، وعصفوراً آخر  (ذبيحة) عن الاثم. يحرقون الواحد أمام الأبواب، والآخر أمام آلهة المدينة«. كل هذا يدلّ على موقع الذبيحة المحرقة بدءاً من اليونان، وصولاً إلى حدود مصر وبلاد الرافدين.

ونقرأ في هذا الإطار عن الملك مورشيلي الثاني أنه مرض مرضاً سبّب له فجوة في فمه. فقيل له أن يرسل عجلاً إلى الاله مع عصافير تُحرَق في هيكل كوماني. قام مورشيلي بما طُلب منه، فقدّم العجل وما قدّم العصافير. ولكن المعلوم أن هناك خمس حيوانات تُحرق، وهي التي طُلبت من ابراهيم في تك 15:9: العجل، الضأن، المعز، اليمامة، الحمامة.

وقبل أن نستنير بالرسالة إلى العبرانيين، نقرأ هذا النص من مدراش لاويين ربّه: »أراد الملك أغريبا أن يقدّم ألف محرقة في يوم واحد. فأرسل يقول لعظيم الكهنة: ''لا تسمح لأحد سواي بأن يقدّم اليوم ذبائح''. ولكن جاء فقير مع يمامتين في يده، فقال لعظيم الكهنة: ''إذبح هاتين''. فقال له: »أمرني الملك فقال: 'لا تسمح لأحد سواي بأن يقدّم اليوم ذبائح''. قال له: ''يا سيدي عظيم الكهنة، أُمسك كلَّ يوم أربعَ حمامات: أقدم اثنتين وأقتات باثنتين. فإن امتنعت عن تقديمها قطعتَ وسائل عيشي''. فأخذها الكاهن وقدّمها. فكُشف في الحلم لأغريبا: ''سبقت ذبيحةُ الفقير ذبيحتَك''. فمضى إلى عظيم الكهنة وقال له: ''أما أمرتُك قائلاً: 'لا تسمح لأحد سواي بأن يقدّم اليوم ذبائح''؟ فقال له عظيم الكهنة: ''يا جلالة الملك، جاء فقير مع يمامتين في يده. وقال لي...''. فقال الملك أغريبا: ''كنتَ على حقّ إذ صنعتَ ما صنعت'' (مدراش لاويين ربه 3:5).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM