الفصل السادس: سيرة ماني بحسب أعمال أرخيلاوس

 

الفصل السادس

سيرة ماني بحسب أعمال أرخيلاوس

أعمال أرخيلاوس هي أوَّل شاهد معروف على الهراطقية من وجهة مسيحيَّة ضدَّ المانويَّة(1). دُوِّنت على ما يبدو في اليونانيَّة، حوالى سنة 340، ونُسبت إلى هيجيمون(2) بحسب شهادة هرقليون الخلقيدونيّ، كما قال فوتيوس(3). أمّا من هو هيجيمون، فأمر نجهله.

لم يحفَظ النصَّ اليونانيّ لأعمال أرخيلاوس، إلاَّ بعض مقاطع نقلها إبّيفان، أسقف سلامينة، في الهرطقة 66(4) ضدّ المانويّين، المدوَّنة سنة 376. مقابل هذا حُفظ النصُّ كلُّه في ترجمة لاتينيَّة تمَّت سنة 376.

عَرفت أعمال أرخيلاوس نجاحًا كبيرًا في تاريخ الهريزيولوجيّا (الهراطقيّة) المناوئة لماني في الغرب. وأوَّل أبٍ من آباء الكنيسة أشار إليها كان كيرلُّس الأورشليميّ في الفقاهة السادسة ضدَّ المانويّين المدوَّنة سنة 348(5). دوِّنت الأعمال قبل ذلك التاريخ بقليل، ساعة بدأ تأثيرها يَبرز: فأكثر الهراطقيّين الكتّاب في اللغتين اليونانيَّة واللاتينيَّة، استلهموا هذا النصَّ حتّى العصر الوسيط(6) وهكذا كانت صورة ماني والمانويَّة في الغرب سيِّئة، حربيَّة، كما بناها صاحب الأعمال. واحتفظوا بشكل رئيسيّ بثلاثة عناصر: وجه ماني الذي رُسم على مدِّ الكتاب بألوان الهرطقة المعتَّمة (14: 3-4)، سيرته (64: 1-65: 9)، وعرض لمقدِّمة التعليم المانويّ بيد تلميذه توربون (7-13).

بدت أعمال أرخيلاوس وكأنَّها نقل لجدال أمام الجماعة تمَّ في مدينة حرّان، في بلاد الرافدين الرومانيَّة، في النصف الثاني من القرن الثالث(7). في هذا الجدال (ف 14) عارض أرخيلاوس(8)، الأسقفُ المسيحيّ في المدينة، ماني أمام أربعة قضاة(9) في الديانة الوثنيَّة وجمعٍ كبير جدٌّا.

1. البداية

قالت الأعمال: توصَّل ماني لأن يجعل مرقلُّس(10)، وهو رجل معروف في المدينة، يدعوه إلى داره. أمِلَ بأن يهديه، وبواسطته أن ينشر تعليمه في المنطقة كلِّها. وبعد أن أرسل ماني رسالة(11) إلى مرقلُّس يُعلن فيها نقاط تعليمه، حصل على دعوة بأن يأتي إلى حرّان. وفي الحال مضى. غضب الأسقف أرخيلاوس الذي لم يرضَ إطلاقًا أن يأتي إلى المدينة. فأراد مرقلُّس أن يهدِّئه فعزم على تنظيم جدال أمام الناس بين الاثنين، بحيث يَحكم الحاضرون على قيمة نظريَّة كلٍّ منهما (ف 15).

ترك وصول ماني إلى حرّان أثرًا كبيرًا، حيث كان لباسه على مثال المجوس الفرس(12) وصوَّر الهراطقُ(13) المشهد ببعض التهكُّم والسخرية. كشف ماني، بطريقة لباسه طبيعته الحقيقيَّة: هو من الفرس والبربر (لا يعرف اليونانيَّة). هو غريب وعدوّ(14).

وبدأ الجدال (ف 15-43) في شكل بلاغيّ، حيث مزج أرخيلاوس براهينه ضدَّ ماني بشتائم ثقيلة جدٌّا بعض المرّات. غير أنَّ الأسقف كان واعيًا لقريحة خصمه التي لا جدال فيها. ذاك ما قاله مرغمًا: »عرف ماني بصوته الواضح والقويّ أن يفرض نفسه على السامعين ويجتذبهم«(15).

خرج أرخيلاوس منتصرًا من هذا الجدال الأوَّل، وما فتئ طوال »المبارزة« يصوِّر عدوَّه بألوان قاسية من الغشِّ والخداع: مسيح كاذب، نبيّ كاذب. فماني يجسِّد في نظر المدينة، الشيطان حلاٌّ ونسبًا. وتجاه ماني، لا بدَّ من إعادة النظر في ولنطين وباسيليد ومرقيون(16). وقدَّم القضاةُ نخيلَ النصر إلى الأسقف أرخيلاوس (ف 43).

طُرد ماني من حرّان، فلجأ إلى قرية في الجوار، ديودوريس، حيث تجادل مع كاهن في هذا المكان. كانت انطلاقة الكاهن سيِّئة، فما أحسَّ أنَّه يقدر أن يواجه ماني في جدال لاهوتيّ، فدعا الأسقف لكي يعينه (ف 43-52). وكان جدال آخر بين أرخيلاوس وماني، فانتصر الأسقف أيضًا. وفي نهاية هذا الجدال الثاني ضدَّ ماني، رسم الأسقف أرخيلاوس من أجل الجمع، صورة عن خصمه، وفيها يُوجز طريقته (ف 42-46) سيرته وأعماله(17). وسبق له فأعلن قصده بعبارة مماثلة خلال الجدال الأوَّل مع ماني: »من أنت، من أين أنت، ما تكون أنت؟«(18) غير أنَّه اندفع في الجدال فما كان عند كلامه.

وسبق التقرير عن سيرة ماني توضيحٌ (ف 61) فيه يتوجَّه أرخيلاوس إلى جمهور المؤمنين (قبل أن يدخل في عمق الموضوع) المحتشدين في ساحة قرية ديودوريس من أجل هدف محدَّد: أن يوطِّد سلطته ويحدِّد موقعه في قلب الكنيسة الكبرى، في التسلسل الشرعيّ، في التقليد الرسوليّ.

وتٌفهمنا براهينُه وإن لم يهتمَّ بإيضاحها، أنَّ ذاك الذي يورد أقواله وأعماله، يقيم خارج هذه البنية الكنسيَّة، خارج هذه الشرعيَّة، خارج هذا التقليد.

2. بعض الإيضاحات(19)

يبدو ف 61 نصٌّا كثيفًا جدٌّا حيث كاتب أعمال أرخيلاوس يستعمل أدوات هراطقيَّة ليعطي تحديدًا للجهة التي يدافع عنها: الكنيسة الكبيرة. من هذا التحديد ينطلق ضمنيٌّا تحديدُ الهرطقة التي يتماهى معها تعليمُ ماني.

فخطبة الهراطقيّ التي يعبِّر عنها صوت أرخيلاوس، في الخدعة الأدبيَّة، لا تُصيب فقط شخص ماني وتعليمَه، بل أيضًا البنية التي ترتسم وراءه، أي كنيسته.

نذكر قبل كلِّ شيء حقيقة تعليم(20) أرخيلاوس الذي يهتف له الجمع. انتصر مرَّتين على ماني في حرّان وديودوريس. والتعليم(21) في هذا السياق هو التعليم الكتابيّ، التعليم المؤسَّس على الكتب المقدَّسة. والجدال بين الأسقف المسيحيّ وماني كما يرد في أعمال أرخيلاوس، جاء في إيرادات بيبليَّة حيث يقدِّم كلُّ خصم تفسيره.

وافترضت »حقيقة تعليم« أرخيلاوس وتضمَّنت كذب تعليم ماني. فالموضوع ليس صريحًا هنا. ومفردات الضلال المأخوذة من التقليد الهراطقيّ هي أحد الخيوط التي تقودنا في أعمال أرخيلاوس(22)، ونجدها أيضًا في حياة ماني التي تلي.

* الحقيقة تجاه الكذب والغشّ والضلال(23)

التأم جمهور كبير ليسمع الأسقف. ما جاء هؤلاء الناس فقط من القرية حيث تجري الأحداث، بل من كلِّ المقاطعة والمناطق المجاورة.

»بعد أن فرض أرخيلاوس الصمت شرع يكلِّم ماني قائلاً: عرفتم ما هو تعليمنا وأدركتم براهين إيماننا. فبقدر ما استطعت فهم الكتب، عرضتها قدّامكم. والآن أتوسَّل إليكم أن تسمعوني بصمت لأنّي أريد أن أتكلَّم بإيجاز كبير لكي تعرفوا من هو هذا الرجل الذي وصل إلى هنا، من أين جاء، وكيف هو« (89: 11-16).

أبرز أرخيلاوس ثلاث نقاط في بداية خطبته: به عرف المؤمنون التعليم، »تعليمنا«. به أدركوا أيضًا مسيرة الإيمان، »إيماننا«. وبه وبه دومًا سمعوا تفسير الكتب المقدَّسة.

وهكذا ذكَّر الأسقف سامعيه وظائف السلطة التعليميَّة: تعليم نظريّ في الكتب المقدَّسة (doctrina)، ممارسة التعليم(24)، تفسير الكتب المقدَّسة. وهكذا يجعل نفسه لا المعلِّم(25) فقط، بل المسؤول عن الكتب المقدَّسة. وإذ يتبع أرخيلاوس التسلسل بين التعليم والإيمان، يشير بشكل ضمنيّ إلى الخطر الذي يشكِّله ماني لكليهما. فماني هو من حاول أن »يميل بمرقلُّس عن تعليمنا وإيماننا«(26). فهذا الوجيه الغنيّ كان مرمى الجدال: إن اهتدى إلى تعليم ماني تبعته المقاطعةُ كلُّها(27).

تجاه إيمان (fides) أرخيلاوس والذين معه، هناك الكفر (impietas 78, 2) والغشّ (perfidia 90, 16) لدى ماني. هذه المفردات نجدها بتواتر عند الهراطقيّين(28).

* الإيمان تجاه الكفر والغشّ

وذكر أرخيلاوس أيضًا السامعين بمسألة تفسير الكتب المقدَّسة(29). نفهم من كلامه أنَّ له سلطةً للتأويل الكتابيّ: هو الأسقف، وله موقعُه في التسلسل الرسوليّ. يتضمَّن هذا البرهان أنَّ ماني ليس كذلك إطلاقًا: لاشرعيَّة لتأويله. فماني يتغلغل في خطِّ الضلال(30) الذي يمثِّله أخطر تمثيل. أمّا أرخيلاوس فهو في خطِّ الحقيقة.

* التفسير الصحيح تجاه التفسير الضالّ(31)

كشفت أقوال أرخيلاوس أنَّه واعٍ للخطر الذي يشكِّله للكنيسة المانويّون، المؤوِّلون الدقيقون للبيبليا(32). والتشديد على ما »يخصُّنا«، »تعليمنا«، »إيماننا« واضح ظاهر. وإذ كدَّس الأسقف استعمال ضمير الجمع (نحن)، أبرز وحدة جماعته وشدَّد على روح التماسك تجاه تهديد يأتي من الخارج. تهديد ماني وتنظيراته. هذا يفترض ويتضمَّن موقف استبعاد بالنسبة إلى الخصم: ماني الهرطوقيّ رُذل خارج حدود الجماعة المسيحيَّة حيث حاول أن يتغلغل(33) لأنَّه الآخر الآخر. فتنظيراته هي غريبة alienae. لا يوسِّع أرخيلاوس هنا هذا الموضوع المعروف في الهراطقيَّة(34). فإنَّه سبق وفعل من قبلُ خلال المجادلة(35).

* نحن تجاه الآخر

يتيح هذا التعارض أن نرتِّب أيضًا سائر العناصر في خطبة أرخيلاوس.

بعد هذا الكلام، عاد أرخيلاوس إلى الموضوع الذي تطلَّع إلى معالجته: حياة ماني. بدأ فدلَّ على مصادر معلوماته، وهي من نوعين: معلومات جمعها، كما قال، من فم مهتديين اثنين. ومعلومات أخرى حصل هو عليها: »ما اكتشفناه نحن بأنفسنا« (ص 89: 21-22). هذا البحث الميدانيّ عن الهرطوقيّ يذكِّرنا بما فعله إبّيفان »الذي يتصيَّد الهرطقات«.

من هما هذان المهتديان المخبران لأرخيلاوس؟ الثاني هو تربون، تلميذ ماني، الذي لا نعرف عنه شيئًا في موضع آخر: »أوردت الأعمال الملخَّص الذي قدَّمه عن تعليم ماني قدَّام أرخيلاوس (ف 7-13)، حين وصل إلى حرّان. رفض توربون أن يعود إلى معلِّمه، فارتبط بالديانة المسيحيَّة وصار شمّاسًا في الكنيسة (14: 2). أمّا المهتدي الأوَّل فهو »سيسينيوس(36) أحد رفاق ex comitibus)

(p. 89, 17 ماني الذي آمن بتعليمنا«. وأعلن الأسقف أن سيسينيوس مستعدٌّ أن يقدِّم شهادته في حضرة ماني نفسه.

من الواضح أنَّ هذه المعلومة معلومة كاذبة، لأنَّ سيسينيوس لم يهتدِ، بل خلَفَ ماني على رأس كنيسته. فنحن هنا أمام نهج »أنتي إعلامي« يستعمله الأسقف أكثر من مرَّة في أعمال أرخيلاوس وفي الهراطقيَّة، وهو يتضمَّن في ينبوعه معلومة دقيقة عن الأحداث. وإذ جعل الأسقف من رفيقَي ماني مهتديين إلى الإيمان المسيحيّ، أراد أن يقول: حتّى القريبون منه خانوه: استعمل أرخيلاوس هنا برهانًا هراطيقيٌّا(37).

وبعد أن حدَّد الأسقف طبيعة معلوماته، ساعة دفعه حماسُ الجمهور المستعدِّ لأن »يسمعه حتّى الليل«(38)، أخذ يتكلَّم بثقة كبيرة ولكن دون أن يعرُض حياة ماني. أمّا البراهين التي يكدِّسها في الدرفة الثانية من خطبته (89: 29-90: 7)، فتدخل في الترسيمة التي سبق وأشرنا إليها. ذكر أوَّلاً التوافق بين العهدين، حيث الأوَّل يعلن، والثاني يُتمُّ النبوءة عن المسيح (ف 44-52) وكان الموضوع الرئيسيّ في الجدالات بين الخصمين التوافق بين العهد القديم والعهد الجديد، في نظر أرخيلاوس، واللاتوافق والاختلاف بين العهدين في نظر ماني.

* التوافق في الكنيسة تجاه اللاتوافق في الهرطقة(39)

والبرهان الذي يُعالَج فيما بعد (ص 89: 32) هو برهان الاسم المسيحيّ. وهو اسم يطالب به لنفسه ولجماعته (نحن دُعينا مسيحيّين). ووردت ثلاث سلطات لتسند هذه المطالبة: المخلِّص نفسه، الأرض كلُّها(40)، السلطة الرسوليَّة. موضوع معروف في الهراطقيَّة، المطالبة باسم مسيحيّ(41). علامة التماسك والتعارف داخل الجماعة. ومقابل هذا، يتضمَّن أنَّ الهرطوقيّ، وفي هذا الوضع المحدَّد، ماني، لا يحقُّ له أن يحمل هذا الاسم. وهكذا استُبعد، رُذل خارج الجماعة. واستبعاد ماني يتضمَّنه منطق أرخيلاوس. وهكذا نقابل:

* اشتمال تجاه استبعاد(42)

سوف يعود هذا البرهان فيما بعد (65: 21-24). قال الأسقف: سعى المانويّون أن يتغلغلوا لدى المسيحيّين مُبرزين اسم المسيح. ألبَسَ ماني تنظيراته بقشرة مسيحيّة لكي يُقنع الناس بأن يلتصقوا بتعليمه(43).

وإذ أراد أرخيلاوس أن يبرهن شرعيَّة اسم مسيحيّ، ذكَر السلطة الرسوليَّة (ص 89: 33). هذا يكون له تسلسل لإدخال البرهان التالي: بولس (ص 90: 1-7). صُوِّر الرسول بألفاظ مأخوذة من 1 كو 3: 10: »بانٍ رفيع وأساسنا«(44). فالأساس الذي وضعه بولس هو »أساسنا« fundamentum nostrum أي »بناء الكنيسة« ecclesiae (ص 90: 1). والتماهي بين »نحن« و»الكنيسة« يستعيد موضوع استبعاد الهرطوقيّ من جماعة المسيحيّين. وإذ يشير أرخيلاوس إلى بولس أمرٌ له مدلوله أيضًا: فصاحب الأعمال يمكن أن لا يجهل أهمِّيَّة الرسول في ديانة ماني(45). إلى بولس نسب أرخيلاوس تنظيم البنية الكنسيَّة وتراتبيَّتها، في أدقِّ التفاصيل: »نقل الشريعة ورتَّب فيها الشمامسة (والكهنة) والشيوخ (1 تم 5: 17-19؛ أع 1: 23). يتضمَّن هذا البرهان ويسند، مقابل هذا، انتقادًا للتنظيم الكنسيّ المانويّ. كنيسة مبنيَّة بناء محكمًا، بعد أن ثبَّت ماني قوانينها ونظامها(46) فصارت ينبوع قلق للمسؤولين في الكنيسة الكبرى.

* الكنيسة الكبرى تجاه الكنيسة المانويَّة(47)

وعن التراتبيَّة الكنسيَّة، وهذا برهان أرخيلاوس الأخير، هو موافقة للقاعدة وللعناصر المستمرَّة (ص 90: 5-7). هذا يتضمَّن أنَّ الأمر مختلف تمامًا في منطقة الخصم. فتجاه ثبات القاعدة(48) يقف لاثباتُ الهرطقة التي لا قاعدة orqoV norme لها.، كما يقول الآباء(49): تجاه استمراريَّة الكنيسة الكبرى وتواصلها نجد الجانب العابر والمتقلّب في الهرطقة: تواصل، دوام تجاه عابر(50).

3. سيرة ماني

أ- سيتيانُس وتيريبنتي(51)

بعد أن مكَّن أرخيلاوس سلطته، وصل أخيرًا إلى قلب الموضوع. ماني. قال: »أعرض عليكم أصلَ وسلوك هذا الرجل الذي تفجَّر بفقاقيع كبيرة(52) فوصل إلينا آتيًا من مقاطعة الفرس، واسمه ماني. ومعه كانت لي مجادلة سبق وقمتُ بها. ولكن سوف أبيِّن أيضًا بوضوح تامّ من أين يأتي تعليمه« (62: 1= ص 90: 8-11). ثمَّ أضاف عبارة لافتة: »هذا الشخص ليس الكاتب الأوَّل لهذا التعليم ولا الفريد«.

أيَّ حيلة سوف يستنبط أرخيلاوس ليُسند كلامه ويَنزع عن ماني كلَّ مصداقيَّة؟ ها هو يفبرك شخصين سابقين اكتفى ماني بأن ينسخهما. وهدف ذاك المسعى واضحٌ جديد: تعرية ماني من تعليمه الخاصّ واتِّهامه بأنَّه سارق. هذا الاتِّهام جزء من العالم الهراطقيّ(53) الذي يستقي أرخيلاوس منه طوعًا.

دار الأسقف دورة أخرى وبنى أمام سامعيه سيرة من جعلهم سابقَيْ ماني: سيتيانس (62: 3-7= ص 90: 2-91: 11) وتيريبنتي (63: 1-6 = ص 91: 12-92: 15). شخصان من المخيِّلة حُمِّلا الرموز.

ما روى أرخيلاوس أمام الناس الذين يسمعون، سيرةً واحدة، بل ثلاث سيَر متداخلة:

رجل اسمه سيتيانس، في زمن الرسل، كان مؤسِّس هذه البدعة ورئيسها، على مثال عدد كبير من الجاحدين الذين دفعهم الطمع فطالبوا لنفوسهم بالأوَّليَّة، فكتبوا أكاذيب لا حقائق، واجتذبوا البسطاء إلى الضلال بحسب نزوتهم. والوقتُ لا يسمحُ الآن أن نورد أسماء الهراطقة وتعاليمهم. إذًا، سيتيانس هذا أدخل هذه الثنويِّة التي تعارض نفسها بنفسها. وهو استخرجها من فيثاغور، شأنه شأن الآخذين بهذا التعليم الكاذب، الذين يدافعون كلُّهم عن الثنويَّة فيميلون عن طريق الكتب المقدَّسة القويم. ولكنَّهم لا يستفيدون. فما من أحد يحصل بوقاحة على مصداقيَّة أكثر من سيتيانس هذا. فهو أدخل العداوة بين مبدأين لامولودين، وكلَّ ما ينتج عن تأكيد من هذا النوع. فسيتيانس هذا هو من أصل عربيّ (sarracéni) وتزوَّج سبية من بلاد طيبة العليا التي أقنعته بأن يسكن في مصر لا في الصحاري. آه! يا ليت السماء أرادت أن لا تستقبله هذه المقاطعة أبدًا. فلمّا سكن فيها تعلَّم حكمة المصريّين... فالحقُّ يقال إنَّه كان غنيٌّا بالمواهب الطبيعيَّة وبالأحوال كما شهد لنا أيضًا، شفهيٌّا، أولئك الذين عرفوه. ثمَّ كان له تلميذ كتب له أربعة كتب دعا الأوَّل: الأسرار، والثاني: الفصول. أمّا الثالث فهو الإنجيل. ودعا آخر هذه الكتب الكنز. كان له هذه الكتب الأربعة وتلميذ واحد اسمه تيريبنتي. وبعد أن تشاورا معًا فترة من الزمن، أراد سيتيانس أن يجول وحده في الجليل ليجد فيها جميع الذين اشتهروا فيها بأنَّهم معلِّمون. ولكنَّه مات فجأة وما صنعا شيئًا (ص 90: 12-91: 11).

إنَّ سيرة سيتيانس، شأنها شأن سيرة تيرينتي التي ستلي، تستحقُّ تفسيرًا مفصَّلاً. سأقوم بذلك في موضع آخر، وأكتفي هنا ببعض ملاحظات مفيدة في إطار هذا المقال.

لجأ أرخيلاوس إلى اللغة الهجوميَّة التي يُحبُّها ليروي حياة سيتيانس. فهذا المؤسِّس المزعوم ورئيس البدعة(54) الذي كان معاصرًا للرسل، أُدخل في خطٍّ هرطوقيّ يتوزَّعه جاحدون، في خدمة الكذب .falsa pro vera conscripserunt فهدفـهــم كلِّهـم هو إبعـاد البسـطاء devertere simpliciores أي شعـب المسيحيّين.

إرجاع أصل هرطقة إلى الأزمنة الرسوليَّة برهانٌ استعمله الآباء. ففي هذا الوقت مثلاً عاش سيمون الساحر أبو كلِّ بدعة غنوصيَّة كما يقولون. وفبرك أرخيلاوس هنا، على ما يبدو، بقياس مع الغنوصيَّة، رئيسًا أسَّس المانويَّة كان معاصرًا للرسل. ثمَّ إنَّ تركيب الهراطقيّون لشخص سيمون قد يكون أثَّر في شخصيَّة سيتيانس في أعمال أرخيلاوس: هناك عناصر من سيرته تلتقي مع عناصر من سيرة الساحر(55). غير أنَّنا نلاحظ لاتناسقًا كرونولوجيٌّا في خطبة أرخيلاوس: أكَّد بعد قليل أنَّه جمع شهادات شفويَّة على سيتيانس بفم أشخاص عرفوه معرفة شخصيَّة. وهذه الأحداث تجري في منتصف القرن الثالث: فكيف استطاع الأسقف أن يسمع شهودًا عاشوا في القرن الأوَّل؟ مردُّ هذا التناقض هو أنَّ أرخيلاوس أراد بأيِّ ثمن أن يُبرز مصداقيَّة برهانه، فقدَّم براهين وشهادات مباشرة.

رسم أرخيلاوس عن سيتيانس لوحة تودُّ أن تعطي فكرة عن تعليمه وحياته. فالتعليم يتأسَّس على مفهوم الثنويَّة dualitas، التي استقاها سيتيانس من فيثاغور. فالفيلسوف هو المسؤول عن الانحرافات الهراطقيَّة، وهذا موضوع نقرأه مرارًا عند الآباء (كليمان اسكندرانيّ، إيرينه أسقف ليون). من هم المتشيِّعون sectatores الآخرون الذين يرتبطون بشكل الفكر عينه بحيث يبتعدون عن طريق الكتب via director القويم(56)؟ لا يدخل أرخيلاوس هنا في التفاصيل، ولكنَّه يتحدَّث في الفصول الأخيرة من الكتاب (ف 67-68) على باسيليد الذي »أراد أن يؤكِّد هذه الثنويَّة«(57)، ويتوسَّع في نهج هذا المفكِّر. وفي لائحة (كاتالوغ) الهرطقات التي يلصقها مخطوط موناكو monacensis بأعمال أرخيلاوس (ص 98=100 في نسخة Beeson. هذا يعني أنَّ هذه اللائحة جزء من الكتاب). الخيط الذي يربط الهراطقة بعضهم ببعض هي الفكرة عينها، الثنويَّة dualitas التي تضمّخ كتابات قردون ومرقيون وولنطين وباسيليد (ص 98:24-27). والرأي القائل بأنَّ التنظيرات الهرطوقيَّة (ومنها هرطقة ماني) تعود إلى فيثاغور، أمرٌ يُقال هنا أيضًا: هم يشربون من نبع فيثاغور(58).

في بعض كلمات انتهى أرخيلاوس من مضمون تعليم سيتيانس (»أدخل العداوة inimicitias بين اللامولودين، وكلّ ما ينتج عن كلام من هذا النوع«) ليتوقَّف عند حياته ويطيل الكلام عن مغامراته. ونحن نجد هنا عددًا من التوابل التي نجدها في الروايات الهراطقيَّة: المفكِّر الهرطوقيّ هو من أصل غريب (سيتيانس هو من أصل عربيّ). ماضي امرأته لا يُشرِّف (هي سبيَّة من أصل مصريّ). أقام في مصر، أرض العلوم عن الآخرة، أرض المنجِّمين والسحرة، وهناك تعلَّم الحكمة في »مصنعها«(59). نضيف إلى ذلك أنَّ سيتيانس رجلٌ غنيّ. غير أنَّ أرخيلاوس لا يقول شيئًا عن أصل غناه (وذلك عن ذكاء) ممّا يعني خطرين في نظر الراعي المسيحيّ (قال إبّيفان: هو تاجر غنيّ).

وصُوِّر تيريبنتي، تلميذ سيتيانس، بشكل ملتبس: هو وحده ولا تلميذ سواه. ثمَّ هو من كتب لمعلِّمه أربعة كتب. هل نفهم بذلك أنَّ التلميذ هو الكاتب الحقيقيّ للمؤلَّفات، أو هو كتبها بعد أن أملاها معلِّمه؟ وقال أرخيلاوس: عنون سيتيانس هذه الكتب: الأسرار، الفصول، الإنجيل، الكنز. نكتشف هنا عناوين ثلاثة كتب لماني تشهد عليها المصادر اللامباشرة والشهادات المباشرة(60): الأسرار، الإنجيل، الكنز. وعُرفت الفصول »كافلايا« على أنَّها من التقليد المانويّ. وموت سيتيانس الفجائيّ، ليلة انطلاقه إلى اليهوديَّة، دخل هو أيضًا في إطار سير الهراطقة التي تنتهي مرارًا بمخرج محتوم (مثل سمعان الساحر).

وإليك ما قال أرخيلاوس عن تيريبنتي:

في الحقيقة، هذا التلميذ جمع كلَّ أغراض الآخر وهرب فوصل إلى بابلونيا، وهي مقاطعة يسكنها حاليٌّا الفرس، وهي تبتعد قرابة ستَّة أيّام وستِّ ليالٍ سيرًا على الأقدام من بلدنا. وحين وصل إلى هذا المكان، أشاع تيريبنتي هذا ضجَّة كبيرة حول شخصه فقال إنَّه انغمر بكلِّ حكمة المصريّين. وإنَّه منذ الآن لا يُدعى تيريبنتي بل بودا، وإنَّ هذا الاسم فُرض عليه. وتظاهر أنَّه وُلد من عذراء وبأنَّ ملاكًا قاته على الجبال. فاتَّهمه باركوس وهو نبيّ، ولابراكس ابن ميترا(61)، بالكذب، وكان الجدال بينهم كلَّ يوم حارٌّا في هذه القضيَّة. ولكن لماذا نتكلَّم بعد؟ فمع أنَّه انتُقد مرارًا، ما زال يشرح لهما ما كان قبل الزمن، والدائرة السماويَّة والنيِّرات. ثمَّ كيف تنفصل الأنفس عن الأجساد، وبأيِّ شكل تعود إليها أيضًا. وبراهين أخرى كثيرة من هذا النوع وأكثر شناعة من هذه (أي تحرَّكت حربٌّ ضدَّ الله في البداية) لكي يُحسَب نبيٌّا. ولمّا أفحموه في تنظيراته، اعتزل مع هذه الكتب الأربعة لدى أرملة. فما كان اجتذب تلميذًا واحدًا سوى هذه المرأة العجوز وحدها التي تواطأت معه بعد ذلك. وفي الصباح الباكر، صعد سطحًا عاليًا ليدعو بعض الأسماء التي قال توربون إنَّ المختارين السبعة وحدهم يعرفونها. إذًا صعد ولا أدري من أجل أيِّ احتفال أو ممارسة سحريَّة اعتاد عليهما. صعد وحده لئلاَّ يتَّهمه أحد. فلو كذب أو حسبوه لا شيء، لظنَّ أنَّه أُخضع لعقاب أراكنة الهواء. وإذ كان يحرِّك هذه الأشياء في داخله، أمر الإله العادل أن يطرحه روحٌ تحت الأرض. وإذ ألقيَ فجأة من فوق سقط الجسد تحت من دون حراك. حينئذٍ أشفقت عليه المرأة العجوز والتقطته ودفنته في المقبرة« (ص 91: 12-92: 5).

جاءت سيرة تيريبنتي أكثر اضطرابًا من سيرة سيتيانس. ارتبطت بالسرقة (كما قال إبّيفان بالنسبة إلى أغراض سيتيانس). فإنَّ تيريبنتي وضع يده على أغراض معلِّمه وهرب من مصر إلى بابلونيا. وبين هذه الأغراض، الكتب الأربعة. وحمل تيريبنتي الحكمة التي تعلَّمها معلِّمُه ودعاها حكمته. وإذ تزيَّن بهذه المعارف التي اقتناها بالسرقة إن لم يكن بوسائله الخاصَّة، بنى لنفسه هويَّة جديدة في الأرض الجديدة التي يسكن فيها منذ الآن. أمّا هدفه فقام بأن يجعل الناس يعتبرونه نبيٌّا (ص 92: 5). فأدرج في سيرة حياته أحداثًا ترتبط بالعالم العجائبيّ (وُلد من امرأة، تربّى على يد ملاك، ص 91: 18-19). ونقول الشيء عينه بالنسبة إلى اسمه: قال: اسم جديد فُرض عليه(62)، وذلك بإرادة إلهيَّة. في بابلونيا، تكرَّس لجدالات لاهوتيَّة مع حاملي ثقافة زرسوسترا وكهنة ميترا. وإذ لم يستطع إقناعهم، لجأ إلى السحر (نداء إلى أسماء بربريَّة nomina barbara وإلى استرفاع lévitation(، ولكنَّه فشل ومات ميتة مأساويَّة. وهزئ أرخيلاوس من النجاح القليل الذي ناله تيريبنتي في بابلونيا. فقط امرأة عجوز تعيش حالة الترمُّل صارت تلميذته ومشاركتِه (ص 92: 7 particeps).

لن نتردَّد لكي نتعرَّف في نظريّات تيريبنتي التي أوردها أرخيلاوس، إلى رسمة سريعة لتعليم ماني في أزمنة ثلاثة. وإذا أضفنا إلى ذلك ما نسبه أرخيلاوس إلى سيتيانس، نحصل على ملخَّص واضح لنهج ماني اللاهوتيّ.

ثمَّ إنَّ العناصر الأساسيَّة في فكرَي هذين السابقين، تتقاطع مع المفاصل الكبرى في عرض تربون حول تعليم ماني (ف 7-13). في هذا النصّ، استقى الهراطقيّ العناصر الضروريَّة ليبني تعليم من دعاهما »سابقَيْ« ماني. هناك عناصر في سيرتهما تجد شرحًا في سيرة ماني، ولنا عودة إلى ذلك بعد أن نقرأ كلام أرخيلاوس عن مسيرة ماني.

ب- ماني

نستطيع أن نبيِّن في رسمة سريعة عناصر سيرة ماني بحسب الترتيب الذي نراه في خبر أرخيلاوس. ويكون ذلك في أربع محطّات.

أوَّلاً: المحطَّة الأولى

* الطفولة

اشترت أرملة عبدًا صغيرًا، عمره سبع سنوات. اسمه قوربيقيوس. حرَّرته وعلَّمته.

* القطيعة

ماتت الأرملة وعمر الولد 12 سنة. فورث أموالها كما ورث كتب سيتيانس الأربعة. وترك المكان مستفيدًا من الميراث، ومضى إلى قلب المدينة حيث يقيم الملك. بدَّل اسمه فدُعيَ ماني. في الستّين من عمره، صار عالمًا كبيرًا في حكمة تلك المنطقة، وتأمَّلَ في الكتب الأربعة.

* التلاميذ الأوَّلون وتدوين الكتب

صار له ثلاثة تلاميذ: أداس، توماس، هرماس. ونهب الكتب مع نظريّات من عنده (أخبار من المرأة العجوز).

* توقيع الكتب

محى اسم سيتيانس وجعل اسمه على الكتب وكأنَّه هو من دوَّنها.

* الإرساليّات الأولى

أرسل تلاميذه مع الكتب. أوَّلاً نحو أوضع الأماكن في هذه المقاطعة. ثانيًا نحو المدن والقرى لكي يأتي بالمنضوين الجدد إلى تعليمه.

* اقتسام المسكونة

مضى توماس إلى مصر، أدّاس إلى سكوتيا، ولبث هرماس مع ماني.

ثانيًا: المحطَّة الثانية

* ماني طبيب

بعد ذهاب التلميذين، مرض ابن الملك، فأطلق الملك قرارًا: من يشفي ابنه ينال المكافأة الكبيرة.

* اللقاء بالملك

مضى ماني ووقف أمام الملك، وأكَّد أنَّه يشفي الملك. استقبله الملك ورحَّب به. ولكنَّ الولد مات بين يدي ماني (أو بالأحرى قُتل).

* السجن

رمى الملك ماني في السجن وأمر بأن يحمَّل القيود الثقيلة.

* انتشار التعليم

راح الملك يبحث عن التلميذين لكي يعاقبهما، ولكنَّهما هربا وأدخلا التعليم في موضع بعد موضع.

* تقرير عن الرسالة

عاد التلميذان إلى ماني وقدَّما تقريرًا عن رسالتهما: قاسا الأتعاب في كلِّ مكان، فحثَّهما ماني على أن لا يخافا شيئًا.

ثالثًا: المحطَّة الثالثة (الكتب وموقع المسيحيَّة)

بعد ذلك، قام ماني ليتكلَّم وهو في السجن. أمر أن تُشتَرى له كتب شريعة المسيحيّين. فالتلميذان لقيا معارضة كبيرة جدٌّا في الوسط المسيحيّ بشكل خاصّ. فتوجَّه التلميذان إلى الأمكنة التي فيها تُكتَب كتبُ المسيحيّين، وجعلا الناس يعتبرونهما مبتدئين. اشتريا كلَّ كتب »كتاباتنا« وحملاها إلى ماني.

بحث ماني في هذه الكتب عن الذرائع لثنويَّته. فرذل نصوصًا وشوَّه نصوصًا أخرى. ثمَّ عبَّر عن كلامه فأضاف اسم المسيح وحده (هي حيلة لكي يُوقِع المسيحيّين في الفخ). وهكذا ما عادوا يطردون تلميذيه. استعاد فكرة البارقليط في العهد الجديد وقال إنَّه البارقليط. وبعد أن فبرك ماني كلَّ هذه النظريّات، أرسل أيضًا تلميذيه في الطرقات (هي ضلالات مصاغة ضلالةً ضلالة)

رابعًا: المحطَّة الرابعة (التعذيب والموت)

علم الملك أنَّ ماني ما زال ينشر تعليمه فعزم على قتله. ولكنَّ ماني أفلت من السجن بعد أن رشا السجّانين. جاءه حلم نبَّهه إلى الخطر. اختبأ في بلدة أرابيون المحصَّنة، ومن هناك كتب إلى مرقلُّس. وما زال الملك يبحث عنه لكي يقبض عليه. بعد ذلك عرف أرخيلاوس أنَّهم قبضوا على ماني وأتوا به إلى الملك. وإذ أراد أن يثأر لموت ابنه وموت الحارس، أمر بسلخ جلده، وبتعليق جسده على أبواب المدينة، وبنفخ جلده بالعقاقير، وبإعطاء جثَّته طعامًا للطيور الكواسر.

الخاتمة

حياة ماني بحسب أعمال أرخيلاوس مع وقائعها ووقائعها المضادَّة، تمتلك بنية منطقيَّة وتتبع هدفًا هراطقيٌّا محدَّدًا. فهي ليست تجميع براهين »من كلِّ وادٍ عصا«، بل تخضع لنواميس التضليل الإعلاميّ، به ننشر بعلمنا معلومات تعطي صورة كاذبة أو مشوَّهة عن الواقع أو عن شخص من الأشخاص بحيث يبتعد الناس عنه.

ذاك ما فعله صاحب أعمال أرخيلاوس الذي لا نعرف اسمه. في خدعة أدبيَّة، بواسطة أسقف اسمه أرخيلاوس، اخترع اسمه وشخصه، حدَّثنا عن ماني، بعد أن عرف كلَّ المعرفة شخصَه وتنظيم رسالته. فاهتمَّ بالكتب وبالتفاصيل عن تفرُّعات الرسالة في بلاد فارس وفي خارجها، وبيَّن من خلال شخصين هم سيتيانس وتيريبنتي تفاصيل من حياة ماني نعرفها في المصادر المباشرة(63).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM