الفصل 25: الرسالة إلى غلاطية

الرسالة إلى غلاطية

بعد المقدّمة، نقدّم شرح بشر بن سرّي في ثلاثة فصول.

المقدّمة

سبب هذه الرسالة شبيه بسبب رسالة بولس الثانية إلى الكورنثيّين، وذلك أنّ قومًا من المتنصّرين من اليهود، كانوا يُظهرون تعصّبًا للتوراة بلا تمييز. وكانوا يحثّون المتنصّرين من الأمم على حفظ شرائعها. فقدِموا أيضًا على الغلاطيّين، بعد أن نصّرهم بولس، وجعلوا يُنقصونه ويقولون: »ليس يُشبه سائر الحواريّين، وليس ينبغي أن يُتركوا (الرسل) كلّهم، ويُطاع هذا وحده، لأنّ أولئك تلاميذ المسيح ولم يزالوا معه مشاهدين لما يُعلِّم. فأمّا بولس فلم يرَ المسيح، وإنّما هو تلميذ هؤلاء«. ثمّ كانوا يحتجّون (= يبرهنون) عندهم وفي تثبيت التوراة ويقولون إنّها إنّما أنزِلَتْ من عند الله لأحد أمرين: فمن أطاعها أُنعم عليه. ومن عصاها عُوقِب. وكانوا يدعون على (يعلنون) الحواريّين أنّهم معتنون بحفظ شرائع التوراة، فليس ينبغي أن يُتبَع هذا الأمر بتركها، بل يُتبَع أولئك. وأقنعوا الغلاطيّين بهذه الأقاويل، وصاروا يحفظون شرائع اليهوديّة في النصرانيّة، واختُتن كثير منهم. فلهذه العلّة، احتاج المغبوط بولس أن يكتب هذه الرسالة، إذ يُبيِّن فيها أنّه ليس ينبغي، بعد مجيء المسيح، أن تُحفَظ شرائع التوراة.

الفصل الأوّل

1 من بولس الرسول، ليس من الناس، ولا على يد إنسان، بل على يد يسوع المسيح والله أبيه الذي أقامه من بين الأموات.

يقول: ليس أمري كما زعم أولئك، بل أمري أنّ سبب الرسالة كي لا يكون من الناس، بل من قِبَل يسوع المسيح الذي تجلّى عليَّ وظهر لي بمسّرة أبيه.

قوله »على يد يسوع المسيح« متّصل بقوله »والله أبيه«. أي وعلى يد الله الآب.

»الذي أقامه«. زاد هذه المقالة، لأنّها تدلّ على جدّة العالم المزمع، الذي كانت فاتحتُه قيامة المسيح، حيث لا يُوجَد مكانٌ لشرائع التوراة.

2 ومن جميع الإخوة الذين معي، إلىالبِيَع التي في غلاطية.

قال: »ومن جميع الإخوة الذين معي من الحواريّين«، لأنّ أولئك المنتقصين له، كانوا يقولون: »ليس ينبغي أن يُطاع بولسُ وحده ويُخالَف جميعُ الرسل«. فأبان أنّ له في ذاته شركاء كثيرين، أي الحواريّين.

3 النعمة معكم، والسلام من الله الآب، ومن ربِّنا يسوع المسيح.

4 ذلك الذي بذل نفسه بدَلَ خطايانا، لينجّينا من هذا العالم الخبيث، كمشيئة الله أبينا.

دلّ بهذا أنّ التوراة لم تكن أطاقت (= في طاقتها) إيصال الخطيئة. فالمسيح بقيامته ضمنَ لنا القيامة. ونجّانا من هذه الحياة ذات الميتة، التي تُعمَلُ فيها مسيئاتٌ خبيثة كثيرة.

5 الذي له الحمدُ إلى أبد الآباد. آمين.

6 ثمّ إنّي متعجّبٌ أن كيف ترتدّون عن المسيح الذي دعاكم بنعمته إلى بشرى أخرى ليست موجودة.

ما أحسن قوله: »أتعجّب«. لأنّ ذلك منهم أمرٌ لم يكن يُرجى ولا يُؤمَل.

أكّد التعجّب بقوله هذا كما يقال على الموت: »تؤخذون«، لا »تنطلقون سريعًا«.

»ليست موجودة«. دلّ أنّهم بَعُدوا البتّة عن تقوى الله.

7 إلاّ أنّ أناسًا يزعجونكم (يولهونكم، كما في السريانيّ) ويهوون أن يغيّروا بشرى المسيح.

يقول: إلاّ أنّ قومًا يأتونكم فيُدهشونكم ويقلقونكم.

15 ولكنّه لمّا شاء من أفرزني من بطن أمّي ودعاني بنعمته،

عنى بالإفراز سابق علم الله، ليبيّن أنّه من قبل أن يكون، قد كانت لله فيه هذه المشيئة، وكانت بشراه (= إنجيله) بعيدة من أن تكون محدَثة أو بدعة من الناس.

أبان بقوله »دعاني بنعمته«. تفضّل الله عليه بأنّه بنعمته دعاه، لا باستحقاق، وذلك دليل على شدّة تواضع الرسول.

16 لم أظهر من ساعتي للحم ودم.

قوله »لم أظهر من ساعتي«، لأنّه من بعد ذلك قد ظهر. وعنى باللحم والدم، الناس. أي الحواريّين. يقول: بلغ من اجتنابي التعلّم من الحواريّين الذين قبلي أنّي لم أنطلق إليهم على المكان، أو أراهم، أو أظهر لهما ما اطّلعت عليه، لأنّي كنتُ أراه فضلاً (زيادة) من بعد استعلان المسيح ووحْيِه أنّي أتعلّم شيئًا من الناس المائتين.

الفصل الثاني

14 فلمّا رأيتُ أنّهم ليسوا ينطقون بالاستقامة في حقّ الإنجيل، قلتُ للصفا تجاههم أجمعين: »إن كنتَ الذي أنت يهوديّ، إنّما تعيش أمميٌّا، لا يهوديٌّا، فكيف تضطّر الشعوب أن يعيشّوا عيشًا يهوديٌّا«؟

يقول: أنا وحدي من بينهم جاهدتُ بإيثار الحقّ، وقمتُ مقابل بطرس رأسهم أجمعين، علانية، وحاججتُه.

»إن كنتَ«. يقول: ليس من العدل أن تكون أنت، إذ أنت يهوديّ في أصلك، أن تتصرّف مرارًا كثيرة خارجًا من شرائع التوراة، وتروم أن تُلجئ الأمميّين المتباعدين منها إلى حفظها.

15 لأنّا إن كنّا نحن الذين نحن يهود من طبعنا ولسنا من الأمم الخاطئين.

يقول: ها نحن هؤلاء الذين أصلنا من جنس اليهود، لا من الأمم الوثنيّن، قد اعتمدنا على الإيمان بالمسيح، ومن الإيمان به نرجو نوال البرّ، لأنّنا لم نُطق (نقدر) التبرّر من أعمال التوراة، وذلك أنّا مائتون، ولسنا نقدر على النجاة من الخطيئة لضعف طبيعتنا، وإن نحن أجهدنا أنفسنا في البرّ. فأمّا الخطيئة فمبطلة البرّ. وذلك أنّ التوراة مشجبة للمذنبين، ولست تكترث بكثرة فضائل من يذنب، ولا إذا كان الذنبُ صغيرًا، بل تجلب النكال على الذين خطئوا كيف ما كان. فمن الاضطرار إذن احتجنا إلى البرّ بإيماننا بالمسيح، الذي أكمل، كان يعزب عن (ينقص) إكماله، قصرنا بإيماننا به كأنّنا قد صرنا منذ ألفٍ في الحياة التي لا موت بعدها، حيث لا نحتاج إلى سنَّة ولا نقدر على ارتكاب خطيئة. فليس يحسن إذن بنا، بعد قبولنا هذا، أن نعود إلى أمور التوراة.

17 وليس كنّا إذ نتبرّر بالمسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأة. فيسوع المسيح إذًا خادم الخطيئة! حاشَ من ذلك.

قول: لعجزنا عن التبرّر بالتوراة، دنَونا من المسيح لننال البرَّ به. فإن كنّا وقد آمنّا، نُوجَد خطأة حتّى لا نحفظ التوراة، فيُظنُّ به أنّه جاء ليسبّب لنا الخطيئة لا البرّ، وأنّما جاء ليدعونا إلى إيمانه، لا ليعلّمنا التوراة، التي كانت في أيدينا قبل مجيئه.

»حاشَ من ذلك«. المعموديّة مثلٌ للموت بالتوراة، والحياة بإيمان المسيح. يقول: إن كان الإيمان به دون حفظ شرائع التوراة، هو إثم، فإنّما هدانا إلى الخطيئة. إلاّ أنّي أقول: حاشَ من ذلك لقيمه وسماجته.

19 لأنّي أنا للشريعة متُّ، كي ما أعيش لله.

بيّن الآن أنّ التحوّل عن التوراة ليس هو معصية. يقول: أنا بشريعة التوراة وجدتُ المسيح موعودًا به. فدنوتُ منه بالتوراة والإيمان، ومتُّ للتوراة فصرتُ في حياة غير هذه الحياة، وذلك أنّي أخذت من الله حياة غيرها من الصبغة (من المعموديّة).

20 وأنا مصلوب مع المسيح. والآن، فلستُ أنا الحيّ، بل المسيح حيّ فيّ. وهذا الذي أنا حيّ بالجسد، إنّما أنا حيّ بإيمان ابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه دوني.

المعموديّة فيها يكمل مثالُ موت المسيح وقيامته. فمن يُعمَّد يمثِّل مثالَ موت المسيح وقيامته. ويقال أنّه صُلب مع المسيح، لأنّ المسيح بالصليب، ذاق الموت وتبرّأ (وتحرّر) من هذه الحياة.

يقول: وإن كنتُ بعد حيٌّا هذه الحياة المائتة، إلاّ أنّي بالإيمان أَنزل في الحياة غير المائتة من أجل الرجاء الصادق للأمور التي ضمنَ لنا المسيح إعطاءها في الآخرة.

عنى بقوله »هي بالجسد« كعادته: حياة تعقبها الميتوتة.

الفصل الثالث

1 يا أيّها الناقصة آراؤهم، معشر الغلاطيّين، من حسدكم؟ فها هو يسوع كأنّه كان مصوَّرًا تصويرًا نصبَ أعينكم إذ هو مصلوب.

يقول: بحبّ جزيل قبلتم الإيمان بالمسيح، ومثّلتموه بين أعينكم مصلوبًا. فبأيّ حسد (حسم في السريانيّة، تعني حسد. والواقع سحرٍ) ارتددتم عن تلك المحبّة؟ وفي قوله »من حسدكم« تخفيف للتوبيخ.

2 هذه فقط أُحبّ أن أعلم منكم: أمن أعمال التوراة أخذتم الروح، أم من سماع الإيمان؟

يقول: كيف نلتم عطيّة الروح؟ أترى ذلك من أعمال التوراة؟ ولكن متى غُنيتم بها (= بالعطيّة) إنّما كنتم وثنيّين. إلاّ أنّ الأعاجيب التي تجري على أيديكم، تدلّ أنّكم بالإيمان بالمسيح نلتم الاقتدار على اجتراحها بعطيّة الروح القدس، ومنه تُؤملون الانبعاث من الأموات، والدوام على البرأة (= التحرّر) من الموت، والعتق من التغيير.

3 أهكذا أنتم سخفاء؟ أنّكم بدأتم بالروح، والآن بالجسد تُتمّون.

أي ابتدأتم بما يشاكل عطيّة الروح القدس، من اليقين بالبرأة من الموت، وأنّكم تحيون في القيامة، حياة لا موت بعدها.

يعني »بالجسد« أي اللحم والدم، الميتوتة. أي رجعتم عن »البرأة من الميتوتة« (اللاميتوتة) إلى الميتوتة. يقول: كلُّ هذا بلغ من جهلكم أن ترجعوا عن الحياة بالروح إلى عبوديّة التوراة كالمائتين.

10 لأنّ الذين هم من أعمال التوراة هم تحت اللعنة، وذلك كأنّه مكتوب »أنّه ملعون كلّ من لا يعمل بجميع ما هو مكتوب في هذه السنّة«.

يقول: بلغ من بعد الأمم عن التبرّك بإبراهيم من قِبَل أعمال التوراة، أنّ الذين هم تحت التوراة لا ينجون من اللعنة، لأنّ التوراة قد حتّمت (فرضت) اللعنة على كلّ من لا يكمل شرائعها بالاستقصاء. ومن الممتنع (المستحيل) أن تبرأ الطبيعة الآدميّة في الدنيا من الخطيئة. ولو تبرّك أحد ما دام تحت التوراة، لكان تبرّكه عن غير رضى التوراة.

11 فأمّا أنّه ليس يتبرّر إنسان بالتوراة عند الله، فإنّ ذلك بيِّن ظاهر من أجل أنّه مكتوب: »إنّ البار إنّما يحيا بالإيمان«.

يقول إنّ التوراة إنّما تطالب بالأعمال، ولن ينال أحدٌ منها ثوابًا إن لم يُكمل جميع شرائعها. فأمّا من يُنعَم بالحياة من الإيمان، فمعروف أنّه ليس من أعماله ينال ذلك، بل من كلمة الله يؤمل تلك الحياة.

»إنّ البار« من نبوّة حبقوق.

13 فأمّا نحن فإنّ المسيح ابتاعنا من لعنة التوراة، وهو صار بدلنا لعنة، لأنّه مكتوب: ملعون كلّ من يعلَّق على خشبة.

يقول: إنّ الدَين الذي كان للتوراة على الناس، قضاه المسيح عنّا ببرّه، وأعتقَنا من اللعنة المحتومة على معصيتها، وذلك أنّه ليس إنّها هو إنسان فقط، بل هو إله وإنسان. فبالاتّحاد مسيح واحد وابن واحد.

»صار بدلنا«. أي قبِلَ موتَ الصلب كالخاطئ الملعون من التوراة، لأنّ السفر الخامس (تث) يقول: »إنّ من يُعلَّق على الخشبة ملعون، مفترى«. وهو إذ هو بريء من اللعنة لبرِّه بأعمال التوراة الحقيقيّة. ولذلك لم يكن يجب عليه الموت أصلاً، وذلك أنّ الموت إنّما يجب على من يُخطئ. احتمل الموت دوننا، وأعتقنا من لعنة التوراة. وأفادنا الحريّة من الموت.

14 كي تكون في الشعوب بركةُ إبراهيم بيسوع المسيح، ونأخذ نحن موعود الروح بالإيمان.

إمّا أن يكون قال كالمعلول (= النتيجة) ما يلزم من الأفعال أنفسها، وإمّا أن يكون عنيَ هذا. أي لأنّ الله كان عالمًا في سابق علمه، بإيمان الأمم وكفر اليهود، جعل بركة المواعيد على الأمم، ولعنة التوراة على اليهود، لمن يجوز الأفعال، قال الرسول ذلك.

15 يا إخوتي، أقول كما يُقال بين الناس، إنّ وصيّة الإنسان التي تحقّقت لن يَرذل أحد أو يغيّر فيها شيئًا.

يقول: أذكر ما عادتُه جاريةٌ بين الناس: أنّ الرجل إذا مرض وأشرف على الموت، أوصى بوصيّة. لا يجرؤ أحد أن يزيد فيها شيئًا أو يغيِّر. فكذلك حالُ ما وعد الله به إبراهيم من أمر المسيح.

17 وأعني هذا أنّ الوثيقة التي حُقِّقت من قبل الله في المسيح، التوراة، التي كانت بعد أربع مائة وثلثين سنة لن تقدر أن ترذلها وتُبطل الموعد.

يقول: إنّ الله وثّق لإبراهيم بأنّ جميع الأمم بنسله يتبرّكون. وإنّما كلّ ذلك في المسيح الذي آمنّا به كلّنا. إنّه من جنس إبراهيم. وبه ننتسب إلى إبراهيم أبًا ونؤمل البركة من الله. فالتوراة لن تقدر على إيصال هذا الوعد الموثَّق بالإيمان. فيبيّن بهذا القول أنّ شرائع التوراة تسير بخلاف ما وُعد به إبراهيم.

من سنة خمس وسبعين لعمر إبراهيم إلى مولد إسحق، خمسٌ وعشرون سنة. وعاش إسحق إلى مولد يعقوب ستّين سنة. فذلك خمسٌ وثمانون سنة. وعاش يعقوبُ إلى مولد يوسف إحدى وثمانين سنة. فذلك مائة وستٌ وستّون سنة. وعاش يوسف مائة وعشر سنين. فذلك مئتان وستٌّ وثمانون سنة. ومكث بنو إسرائيل في أرض مصر إلى أن خرجوا على يدي موسى مئة وأربع وأربعين سنة. فذلك أربع مئة وثلاثون سنة.

18 ولئن كان الميراث من التوراة، فليس هو إذن من الموعد، فأمّا إبراهيم فبالموعد أعطاه الله.

يقول: إنّ قول الله هذا لإبراهيم ذو موعد بأمر عظيم. فأمّا التوراة فإنّما تطالب بالعمل أوّلاً. وبعد ذلك تعطي الأجر، لأنّ الكدّ في شرائعها يوجب الأجرَ لا الموعد. إلاّ أنّا نرى أنّ الذي وُعد به إبراهيم من وراثة الأمم له، ليس بأعمال التوراة إذا كانت شرائعها إنّما أنزِلت بعد إبراهيم بنيّف وأربع مئة سنة. فإنّما ذلك إذن، نعمة من الواعد لا جواب من التوراة. فوعدُ الله إذا، هو الذي خوّلنا الشركة في البركة.

19 فما التوراة إذًا؟ إنّما زيدت من أجل الزيغ، يأتي الزرع الذي له كان الوعد، وأوتيت التوراة بسفارة (بأيدي) الملائكة على يد المتوسّط (الوسيط).

يقول فإن سألت ما كانت منفعة التوراة، إذ كان الوعد والنعمة تأخّرا، قلت لك إنّ منفعتها أنّها جُعلت في الوسط لتردع الناس ما أمكن من الزيغ إلى الخطايا.

يقول: أنزلت التوراة بخدمة الملائكة، وتوليههم أمرها، على يد موسى المتوسّط (الوسيط) كان فيما بين الله وبين بني إسرائيل.

20 وأمّا المتوسّط فليس لأمر واحد. فأمّا الله فواحد.

إنّ المتوسّط أين ما كان، ليست وساطته بين واحد، يقول: وكان موسى متوسّطاً بين الله وبني إسرائيل، لوصايا كثيرة، ضعيفة. فأمّا المسيح فتوسّط بين الآب والناس، أمرَ القيامة التي لا موتَ بعدها.

يقول إنّ الله الذي أعطى تلك الأمور على أيدي العبيد مثل موسى وأشباهه، أعطى هذه على يد الابن الوحيد.

21 أفالتوراة إذًا ضدّ موعد الله؟ حاش من ذلك. لأنّه لو كانت أنزلت سنَّة كانت تقدر أن تحيي، لكان البرّ حقٌّا إنّما كان يكون من التوراة.

يقول إنّ التوراة قد أخبرتنا بنفعها، إلاّ أنّها مبطلة لوعد الله، لأنّها لو كانت لها قوّة على أن تبرِّر وتؤتي حياة الأبد، لكانت مُبطلة لوعد الله. إلاّ أنّها تزهّر في الخطيئة وليست تطيق (لنا) الاعتاق منها.

22 إلاّ أنّ الكتاب حصر كلَّ شيء تحت الخطيئة، كي بإيمان يسوع المسيح، يُرفَع الوعدُ إلى الذين يؤمنون.

يقول: بمقدار ما كانت التوراة ترذل الخطيئة، كذلك كنّا نعرف شرَّها لضعفنا. وأنّا لا نطيق إكمال فعل الحسنى. فأمّا نعمة الله فحين قيسَتْ بها، بانَ فضلُها، وذلك أنّها جعلت الشيء الذي لم يكن يُدرَك بالتعب الكثير، سهلاً علينا. وتجعلنا في الآخرة (النهاية) نتصرّف بلا خطيئة أصلاً. فمنفعة التوراة في حينها ظهرت. إلاّ أنّ أمر المسيح فاق منفتعها بما لا يُحصى.

23 وأمّا قبل أن يأتي الإيمان، فإنّ التوراة كانت تحفظنا، إذ نحن محتسبون للإيمان الذي كان مزمعًا بالظهور.

يقول: قبل مجيء المسيح، كان تعليم التوراة يحتفظ بنا. فمنه ومن تقدمة أقوال الأنبياء عرفنا الله، وتوقّعنا مجيء المسيح ولا جرم. لمّا جاء المسيح، لم يعد مجيئه بديهًا (لا مؤمّلاً) بل مؤمّلاً.

27 لأنّكم، يا معشر الذين اصطبغتم بالمسيح، قد لبستم المسيح.

جملة هذه الأقوال هذا. أنّ بدء هذه الحياة لآدم، كان لنا ولجميع الناس الذين شاركوا إيّاه في الخلق وفي الطبيعة وغير ذلك. وكذلك المسيح كان بدء الحياة المزمعة، وكلّنا إيّاه نشارك في القيامة وفي البرأة (التحرّر) من الموت. وكأنّنا نصير عنده واحدًا في شركة الأمر. وكلّ واحد يقوم عند ذلك المقامة، مقام العضو، فلأنّه ليس هناك نكاح (زواج)، لا فرق هناك بين الذكر والأنثى. ولأنّه ليس للختان موضعٌ في الطبيعة التي لا تموت، ليس فرقٌ بين اليهوديّ والأمميّ، فإن كنتم قد صرتم في الصبغة (العماد) جسم المسيح، كذلك تصيرون في القيامة التي الصبغةُ مثالُها. والمسيح هو ذرّية إبراهيم. فيجب، ضرورةً، لأنّكم جسم المسيح وذرّيّة إبراهيم، أن تكونوا ذرّيّة إبراهيم أيضًا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM