دعوة لاوي 2: 13- 28
ما جئت لأدعو الصالحين، بل الخاطئين.
ورجع يسوع إلى شاطئ البحر... البحر هو مركز قوة الشر. لا يزال يسوع قرب قوى الشر وكأنه يريد أن يمنعها من الضرر بالناس. يحارب يسوع قوى الشر أولاً بالتعليم. وثانياً بالشفاء الذي يبدو هو أيضاً تعليماً. طرد يسوع الروح النجس، فتحدّث الناس عن تعليم جديد (1: 27).
ودعا يسوع لاوي... هذا شخص من قبيلة لاوي. إنه كاهن. نحن أمام لاوي إنحطّ من مركزه. صار جابي ضرائب. هو يتعامل مع الرومان. هذان سببان ليحتقره الفريسيون ويبتعدوا عنه. أما يسوع فدعاه. غريب أمر هذا الرابي، هذا المعلّم! يختار تلاميذه بين الخطأة والعشارين... يأكل معهم في بيتهم ويدعوهم إلى بيته. "البيت" المذكور في آ 15 يدل على الكنيسة التي تستقبل الخطأة كما تستقبل الأبرار، تستقبل المرضى كما تستقبل الأصحّاء. إنها على مثال الله الذي يشرق شمسه على الأشرار والأخيار، ويرسل غيثه على الصالحين الفجّار (مت 5: 45).
وكلّم معلمو الشريعة التلاميذ. لم يجسروا أن يكلّموا يسوع مباشرة. كلّموا التلاميذ. أرادوا أن يقنعوهم. من يدري؟ قد يتركون معلمهم. هو يعمل ما لا يُعمل. يختار أصدقاءه من بين هؤلاء! أين أهل الخير، أهل التقوى والورع...
قال يسوع: ما جئت... أجل، الأصحاء والأقوياء لا يحتاجون إلى طبيب، لا يحتاجون إلّي... هنا مكمن الخطر: أن لا نحتاج إلى يسوع، أن لا نحتاج إلى الخلاص، أن نعتبر نفوسنا بلا خطيئة. ساعتئذ نشبه الفريسي الذي جاء إلى الهيكل ليصلي، ولا نشبه العشّار الذي طلب الرحمة. يقول الإنجيل: رحمه الرب فعاد إلى بيته مبرّراً (لو 18: 9- 13).
ما جئت لأدعو الأبرار. بعد مجيء المسيح لا وجود للابرار. نحن كلّنا خطأة، أي نحتاج إلى الخلاص. هذا هو الوحي الذي يحمله يسوع، ولكننا لا نقبل به: بدأ يسوع فشفى خاطئاً. ولكننا نحتاج كلّنا إلى شفاء.
ويُطرح موضوع الصوم. التلاميذ الصالحون يصومون أقلّه مرة أو مرتين في الأسبوع. هذا ما قاله الفريسي متبجّحاً بأعماله: أصوم في الأسبوع مرتين. هل تلاميذ الفريسيين أفضل من تلاميذ يسوع لأنهم يصومون؟
وسألهم يسوع: لماذا تصومون؟ تصومون لتتذكّروا أيام الحزن، أيام الضربات والمصائب، أيام المحن. بعد اليوم، سيتنظّم الصوم حسب حضور العريض أو غيابه. سمّى يسوع نفسه العريض، فدلّ على أنه الله. فأسفار العهد القديم تكلّمت عن الله العريس الذي تزوّج شعبه واتّحد به.
وهنا تعود بنا صورة العريض إلى صورة ابن الإنسان. لابن الإنسان سلطان بأن يدين البشر، بأن يخلّص البشر. والعريس هو المتصلّ إتصالاً حميماً بالبشرية. تحدّث يسوع عن الطبيب الذي يشفي. هذه وظيفته. وها هو يتكلّم عن العريس الذي يحبّ ويضحيّ بحياته من أجل عروسه، من أجل شعبه.
لا نضع رقعة عتيقة في ثوب بالٍ. الأفضل أن نشتري ثوباً جديداً. ثوب العرس يرتبط في العهد القديم بالعريس. واللباس هو لباس المعمودية. نحن نلبس الله، نتجدّد به تجدداً كلياً.
ماذا يقول لنا المسيح (آ 22)؟ قد جاء إلى الأرض ليبدّل الإنسان من الداخل. لا من الخارج أو على مستوى الأعمال دون القلب. جاء ليحوّل قلب الإنسان، لينتزع منه الخطيئة من جذورها. ويستطيع أن يفعل لأنه ابن الإنسان الذي نال كل سلطان من الله. لأنه الطبيب الذي يشفي، لأنه العريس الذي يأخذ عروسه إلى البرية وهناك يكلّمها في قلبها.
بعد شريعة الطاهر والدنس: من نلمس، من لا نلمس؟ مع من نتعامل؟ وبعد شريعة الصوم التي غلبتها شريعة المحبة، تأتي شريعة المسموح والممنوع. كان يسوع الطبيب الذي يعامل الجميع بالرحمة. ثم العريس. وها هو الآن رب السبت. إنه داود الجديد الذي يسمح لتلاميذه أن يعملوا ما عمله رجال داود. ولكن يسوع ليس فقط ابن داود، إنه رب داود كما سيقول في جداله مع الكتبة (12: 35-37).
جُعل السبت للإنسان. لم يجُعل الإنسان ليمارس السبت. ولكن السبت جُعل لكي يحرّر الإنسان من أعمال تستعبده كل يوم. السبت هو علامة نهاية الأزمنة. هذا هو السبت العظيم، السبت المسيحاني. حين يأتي يسوع فهو السبت، وكأني بالرب يقول لهم: أي سبت تعنون؟ أتعنون سبتاً نصنع فيه بعض الأعمال أو لا نصنع، أم سبتاً هو أنا بالذات؟ إنا سيد السبت. أنا رب السبت. والله وحده هو رب السبت. فاستخرجوا النتائج.
وعت الجماعة المسيحية أنها دخلت مع المسيح في عهد جديد. الثوب العتيق، الزقاق العتيقة تدل على النظم اليهودية التي حاول الفريسيون أن يجدّدوها، ولكن عبثاً. قال يسوع: صار الخرق أوسع. رفض يسوع الترقيع والتلزيق. وأحلّ محلّ القديم جديداً كل الجدّة. وقد لخصّ يوحنا الإنجيلي هذا الجديد بما فيه من جذرية جاءت في المسيح فقال: "من ملئه نلنا جميعاً نعمة على نعمة. أعطيت الشريعة بموسى. وجاءتنا النعمة والحق بيسوع المسيح" (يو 1: 16-17).