القسم الثاني عشر:صاحب اليد اليابسة

صاحب اليد اليابسة
3: 1- 12

أيحلّ في السبت عمل الخير أم عمل الشر؟
رجل يده يابسة، هو رجل لا يستطيع أن يفعل شيئاً. إنه يشبه إنساناً يعرف الشريعة كلها، ولا يقدر أن يمارسها لأن الإمكانيات المادية تنقصه. إنه على صورة العالم اليهودي الذي يعرف ما يجب عمله، ولكن الشريعة لم تعطه القوة لكي يمارسها. تال يسوع: سأعطيكم القدرة على ممارسة الشريعة، وهذا الشفاء هو رمز إلى هذه القدرة، إلى هذه الإمكانية التي تعود إليكم.
وطرح يسوع السؤال هنا كما طرحه حين قدّموا إليه المخلّع. ما الأسهل؟ أن يقال... هنا، لم يقل: هل يُسمح بفعل خير قليل أو خير كثير، أن نخلّص الإنسان كله أو نخلص قسماً منه؟ بل قال: إن لم تخلّصوا الإنسان فأنتم تقتلونه. إن كنتم لا تعملون الخير فأنتم تعملون الشر. والفريسيون يعرفون أن كل شرائع التوراة تزول حين تكون القضية قضية حياة أو موت. وقال يسوع: يجب أن نخلّص إنساناً، يجب أن نخلّصه حالاً. ماذا يحدث إذا إنتظرتم؟ يجب أن تخلّصوه الآن، لأن السبت المسيحاني العظيم قد جاء. لا تتأخروا... وسكتوا كلّهم.
مدّ يدك... هذا ما قال الرب لموسى. مدّ يدك فوق البحر. وصار هذا الرجل مثل موسى. كانت يده يابسة فعادت إليها الحياة. والتوراة ستعود إليها الحياة بأمر يسوع، فيفعل المؤمن المعجزات.
وانتهى هذا المقطع (آ 6) بالتشاور. لقد بدأت محنة يسوع. منذ البداية، ظهر موته في الأفق. بل منذ 1: 14 حدّثنا مرقس عن اعتقال يوحنا، وكأنه يلّمح إلى الموت الذي ينثظر يسوع. ماذا سوف يعمل الفريسيون والهيرودسيون حتى يهلكوه؟ هذا ما سنعرفه فيما بعد.
وانصرف يسوع مع تلاميذه. لم يعد يسوع وحده. إنه دائماً لا جماعة، في كنيسة. بل هو مع جمهور كبير. هل ينظر مرقس إلى "كنيسة رومة" من خلال هذا الجمهور الذي يحيط بيسوع والذي جاء من العالم اليهودي كما من العالم الوثني؟ الأمر ممكن.
من الجليل واليهودية وأورشليم، من عبر الأردن وأدومية وصور وصيدا. 3 أسماء من العالم اليهودي 4 أسماء من العالم الوثني. الرقم 7 هو رقم الكمال. وكلهم قد وصلت إليهم البشارة. نحن هنا أمام انفتاح. هناك الجليل وهناك أدومية شرقي البحر الميت (اليوم في الأردن). وعبر الأردن أي بلاد موآب في الأردن. هذا إلى الشرق. وإلى الغرب صور وصيدا في أرض لبنان. لقد امتد الإنجيل شرقاً وغرباً؟ إنفتح على العالم كله.
أعلن يسوع الملكوت ودعا الناس إلى التوبة. دعا أربعة تلاميذ يرمزون إلى العالم بأقطاره الأربعة. دعاعم ساعة كانوا على شاطئ البحر (مركز الشر). أي دعاهم ليعيشوا مغامرة تخلّصهم من الشر. عمل في مجمع كفرناحوم، في إطار يهودي. وفي البيت، في إطار كنسي. عمل في الأمكنة العامّة وفي الأمكنة الخاصة فدخل إلى حياة الناس الحميمة.
كيف بدا يسوع؟ بدا إنساناً يعارض قوى الشر. إنه معارضة. إنه تحرير. إنه ذاك الذي يشفي. إنه قوة وهو يظهرها على كل الصعد. وقد عرفها الشعب فجاء إليه من كل مكان. جاؤوا إليه ليُشفوا. جاؤوا إليه ليستعيدوا هويتهم. كانت المدينة كلها عند باب المدينة، في ساحة المدينة.
وفي المتتالية اللاحقة، انطلق يسوع من الباب وبدأ يعلّم. ونبهّهم: ليس المهم الشفاء. الشفاء هو علامة عن واقع داخلي، عن واقع الخطيئة التي جاء يخلّصنا منها. لهذا كان يسوع لا يرضى عن الذين يلمسونه وكأنه عزائم سحرية. فالإقتراب منه ليس شيئاً خارجياً فقط. هناك اقتراب من نوع آخر. حين نتركه يدخل إلى كياننا، يبدّل حباتنا كما فعل في ذاك المخلّع.
ونرى ردّة فعل الجموع، كما نرى ردّة فعل الكتبة الفريسيين الذين يعتبرون نفوسهم يعرفون. هم قساة على يسوع. "يعرفون" ويرفضون النور. ولكن ما نعرفه نحن لا نعرفه بطريقة حسنة. يجب أن نتقبلّه دوماً من جديد. لا نستطيع أن نخزّن معرفتنا. لا نستطيع إلا أن نتقبلّها يوماً بعد يوم.
نحن مثل هؤلاء الكتبة. نعتبر نفوسنا أننا نعرف إيماننا. نعتبر أننا نفهم الإنجيل لأننا نعرف بعض أخباره. نحن نحتاج أن نتعلّم كل يوم، نقرأ، نسمع، وإلا نصبح جهلة في نظر يسوع. نتعلّم فننفتح على يسوع. وأوّل انفتاح هو انفتاح على غفرانه ومحبّته وعطاياه. من رفض قسّى فلبه، قسّى نظره، وفي النهاية قتل. هذا ما فعل الكتبة والفريسيون. وهذا ما يمكن أن نفعله مع إخوتنا.
شفى يسوع الناس فصار ضحية نجاحه الشفائي. ولهذا أراد أن تكون مسافة بينه وبين الشعب يلمسونه كما نلمس الصورة أو الشخص. المعجزات هي علامة عن تعليمه. هي تعليمه، فلا يجب أن تصبح أملاً كاذباً لعالم يتخلّص اليوم من الشر ويعطينا النصر على الآخرين. أجل، يريد الشعب المدهشات و"الظهورات". أما يسوع فيهمّه قبل كل شيء، إعلان ملكوت الله. قال له التلاميذ وهم معجبون به: الجميع يطلبونك (ستصير الملك). أجابهم: "تعالوا نذهب إلى القرى المجاورة لأبشر فيها أيضاً. لأني لهذا خرجت من الآب وأتيت إلى العالم" (1: 37- 38).
وأنا ماذا أنتظر من يسوع؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM