الفصل 21: من إيمان إبراهيم إلى إيمان يسوع

من إيمان إبراهيم إلى إيمان يسوع

روم 1 في تفسير مار أفرام

وُلد في عائلة مسيحيّة، في نصيبين (صوبة الحاليّة في تركيا)، حوالي سنة 306، وتوفّي في الرها (أورفا، تركيا) سنة 272. ظلّ أفرام شمّاسًا في الكنيسة، لم يرتسم كاهنًا. اهتمّ باالوعظ، كما اهتمّ بممارسة المحبّة، ومات وهو يرافق المصابين بالوباء في الرها.

ترك أفرام الأناشيد الكثيرة حول الميلاد والإيمان والفصح والصلب والقيامة... ولكن يهمّنا أنّه فسّر الكتاب المقدّس بعهديه، فبقيت لنا تفاسير التكوين والخروج... والإنجيل الرباعيّ أو الدياتسّارون، وأخيرًا فسّر رسائل القدّيس بولس.

ضاعت بعض تفاسير أفرام في السريانيّة، ولكنّنا نجدها في الأرمنيّة، في مخطوطات تعود إلى القرن الخامس والسادس. وقد طبعها الآباء المخيتاريوّن في أربعة أجزاء في البندقيّة (إيطاليا)، سنة 1826. أمّا تفسير الرسائل فنقله الأب أوخر إلى اللاتينيّة، وطبعه في البندقيّة أيضًا سنة 1893. ونحن ننطلق من هذه الترجمة لنقدّم تفسير الفصل الأوّل من الرسالة إلى رومة.

قال "بولس المدعوّ" (1: 1)، أي الذي دُعي في طريق دمشق بوحي من يسوع المسيح الذي أرسله ليحمل إنجيله. لم يقل دُعيتُ ساعة اختُرت قبل أن يكون العالم من أجل البشارة بإنجيل الله. واحد هو إنجيل رومة، وواحد هو الذي ثبّتته بشكل رئيسيّ كتب الأنبياء المقدّسة. الابن الذي في نهاية الأزمنة ظهر بينهم لابسًا الجسد، من نسل داود. فابن الله هذا قد رؤي، فكيف رؤي؟ بقوّة الروح وقداسته، أي بملكاته وعطاياه التي حلّت في رسله مع الروح القدس. قال: ذاك الذي قام من بين الأموات (آ 4)، ما أعاده أحد إلى الحياة. كان ميتًا فصار حيًّا. اعتبر ميتًا في الجسد الذي أخذه، وهو حيّ بسبب الألوهة. لهذا قيل: ثبت أنّه ابن الله. لم يقل: أعيد إلى الحياة لئلاّ تتضارب أقواله، بل أعاد ذاته من الموت ليكون هو هو الذي يعلن القول ويثبّته.

الذي به نلنا النعمة (آ 5) بغسل المعموديّة الرسوليّة التي قبلناها مع عطايا الروح القدس لكي نعلن باسمه، لا أعمال الشرّ والنجاسة والحياة البغيضة التي ذكرناها. أمّا أنتم أيّها الرومانيّون، فكنتم منهم، وقد دُعيتم، فلم تحرموا من النعمة التي أرسلتنا إليكم.

جميع الذين برومة، المدعوّون القدّيسون (آ 7)، أي الموعوظون والمعمّدون الذين اغتسلوا. قال: "عمّد القدّيسون من أجل تكفير تعطيه المعموديّة. غُسلوا فتقدّسوا. السلام لكم، والنعمة من الله أبينا الذي دعاكم وقرّبكم من التبنّي ومن ربّنا يسوع المسيح. لم يقل بواسطة ربّنا يسوع المسيح. أشكر الله بيسوع المسيح (آ 8). كان قد قال من قبل: "من الربّ". ليدلّ على اللاهوت، وها هو الآن يتكلّم بواسطة الربّ ليدلّ على الناسوت. إيمانكم عظيم كمدينتكم، وهو يذاع في العالم كلّه".

يشهد لي الله الذي أخدمه بروحي (آ 9)، أي بحياتي الروحيّة، لا حسب نواميس الذبائح. إنجيل ابنه، لا حسب كتب موسى. أذكركم في كلّ حين في صلواتي. أنا أطلب بأن يُتاح لي أن أراكم بعد وقت قصير، لا وقت طويل، لكي أشارككم في نعمة روحيّة كما شاركت إخوتكم في غلاطية وكورنتس، كي أثبّتكم لكي تصمدوا في وقت التجربة، وفي الوقت عينه كي يعزّي بعضكم بعضًا، ونصلّي معًا في الإيمان المشترك.

لا أريد أن تجهلوا أيّها الإخوة أنّي رغبت مرارًا في أن آتي إليكم (آ 12). فيكم وجدت أيضًا الثمار التي أقدّمها للعزّة الإلهيّة التي أنا تلميذها، كما وجدت أيضًا عند سائر الأمم، لدى الحكماء والجهّال، أي لدى الذين قبلوا أن يطيعونا، والآخرين الذين رفضوا. فسواء طاعوا أم لا، فعملي هو البشارة. وأنا معجّل، أيّها الرومانيّون الطائعون، لأن أبشّركم بالإنجيل الذي كان بعيدًا عنهم: هذا واضح، كما قال، إمّا لأنّ تلك المدينة تعبّدت للأصنام، وإمّا لأنّها غابت عن جميع النفوس التي جاءت إليها.

فأنا لا أستحي بإنجيلي (آ 16)، بسبب الصليب الذي يُكرز به هنا. فهو قوّة الله التي فعلت بحيث إنّ الأمم العصاة عادوا إلى الخضوع، والعبرانيّين والأمم الذين آمنوا به نالوا خلاصًا أكيدًا. فبرّ الله أي حياة الأقدمين فيه، أعلن من إيمان إلى إيمان (آ 17). من إيمان إبراهيم إلى إيمان يسوع الذي تدلّ عليه الكتب، فتقول "البار بالإيمان يحيا".

أعلن غضب الله من السماء (آ 18)، في انتقام الشريعة الطبيعيّة على الذين يتمادون في الشرّ. فمع أنّهم عرفوا الحقّ فقد عبدوا الكفر. عُرف لديهم علم الله، بعد أن كشف الله عن نفسه بواسطة الخلائق. فما لا يرى من مبدأ الكون. قال هذا، إمّا بسبب طبيعة الخلائق التي صوّرها موسى، وإمّا بسبب الابن الذي كان خفيًّا، وقد كشف عن ذاته الآن. لقد تجلّى الحقّ الآن بواسطة المعجزات، كما تجلّى في البدء بواسطة المخلوقات. فلا عذر للذين ابتعدوا عنه.

عرفوا الله من  الخلائق، ولكنّهم لم يمجّدوا الله (آ 21)، خالق كلّ طبيعة، ولم يشكروه، بل زاغوا في عقولهم عن حقيقة مجده. بما أنّهم لم يمجّدوه في جميع معجزاته، بعد أن وجب عليهم أن يمجّدوه بسبب معجزاته، صاروا ظلامًا بسبب جهل القلب ونور العلم، لهذا صاروا جهلة. ظنّوا أنّهم حكماء، فإذا هم حمقى (آ 22). ابتعدوا عن الله ومجّدوا صورة الإنسان والطيور والزحّافات والدوابّ.

بما أنّهم ابتعدوا عن الله الذي يحبّ القداسة والعفّة وأحبّوا الصور...، أسلمهم الله، لا غلى الغنى الذي أبغضه، بل أسلموا إلى النجاسة في شهوة قلوبهم، وأهانوا أجسادهم في داخلهم، وحوّلوا حقّ الله إلى باطل، وفضّلوا عبادة الخلائق على عبادة الخالق...

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM