الفصل 17: كنيسة فتيّة في وسط العالم الرومانيّ

كنيسة فتيّة في وسط العالم الرومانيّ

موضوعنا موضوعان. في الأوّل نرى الكنيسة تبحث عن حكمة توجّه حياتها. لا شكّ هناك حكمة الصليب التي تحدّث عنها بولس الرسول. ولكن كان لا بدّ للمؤمنين من البحث عن طريقة بها يعبّرون عن "حكمتهم" وسط الحكمات التي توزّعت في رومة وسائر الإمبراطوريّة. وفي الثاني، نرى الكنيسة على ملتقى الطريق. أي حضارة؟ أيّ فكر؟ وكيف تعبّر عمّا رأته وسمعته من الربّ يسوع، في لغة تناسب الزمان الذي تعيش فيه والمكان؟

1- البحث عن حكمة جديدة

كانت رومة في قلب الحياة الثقافيّة، في حوض البحر المتوسّط. فاجتذبت كلّ الحركات الروحيّة التي توسّعت في بداية القرن الأوّل المسيحيّ. وحاولت أن تجيب عن أسئلة تطرَح حول مصير الإنسان وخلاصه. والبوليتاويّة (= تعدّد الآلهة) الرومانيّة كانت جدّ متسامحة، فما قاومت العبادات الغريبة الآتية من الشرق. وبدت المسيحيّة، لأوّل وهلة، إحدى هذه الديانات المشرقيّة التي انتشرت في الإمبراطوريّة كلّها بفضل تمازج السكّان عقب الفتوحات المتلاحقة، التي أتت بالتجّار والعبيد. ولكنّ المسيحيّة لها أصالتها. لهذا، حاول الفلاسفة المسيحيّون أن يخرجوا من هذا الغموض ليقدّموا فكرهم الأصيل.

أ‌-     الديانات السرّانيّة

الديانات السرّانيّة والعبادات التدرّجيّة (ينشّأُ الإنسان) تتضمّن نسكًا وتطهيرات وقواعد حياة، وتقدّم خلاصًا يتجاوب مع المسألات الوجوديّة الكبرى. وهذا ما لا تطيعه ديانة المدينة التقليديّة، التي لا حرارة فيها.

أوّلاً: عبادة قيباليس، أمّ الآلهة الكبرى

أقدم الديانات السرّانيّة، ديانة الأمّ الكبرى، أمّ الآلهة. فقيباليس دخلت إلى البانتيون (مجمع الآلهة) الرومانيّ مع الحرب الفونيقيّة الثانية (ضد قرطاجة)، ولبست اللباس الرومانيّ. اتّخذت مع أسطورة طروادة، فأنشدت وأنشدت الأصول الفريجيّة (تركيا) في رومة. فأدخل كلوديوس الإمبراطور (41-54) بشكلّ رسميّ، إلى رومة أعياد الربيع[1]. والإمبراطور أنطونين ضمّ ضمًّا وثيقًا عبادة قيباليس وأتيس، إلى التجديد الذي يؤمّنه الاحتفال بعيد[2] يمنح الإمبراطور ورومة حقبة جديدة من الرفاهيّة.

استطاع الشعب الرومانيّ أن يشارك في هذه الاحتفالات الضاجّة، الصاخبة، في شوارع المدينة. بعد أيّام من الحداد تذكّر موت أتيس (إله الخصب في فريجية. تركيا. رفض حبّ قيباليس فخصى نفسه. حينئذٍ حوّلته إلى شجرة صنوبر) وجنازته، يُعيَّد في 25 آذار قيامة الإله الشاب، وتنتهي دورة الأعياد، في 27 آذار، بتطواف احتفاليّ يقود تمثال قيباليس (إلاهة الخصب) إلى شواطئ ألمو التي تجري. يُغسَل التمثال في تلك الساقية، ويعاد إلى هيكله في البالاتين، إحدى تلال رومة.

ثانيًا- عبادة آتية من مصر، أسرار إيزيس

النداءات الحلوة إلى نقاوة ديانة إيزيس الآتية من مصر والملاحقة مرارًا لدى السلطات الرومانيّة، لاقت آذانًا صاغية لدى مؤمنين عديدين. فهيكل إيزيس الثمين[3] الذي بُني في حقل مارس، صار أجمل ما في رومة. صور الكاتب أبولايوس[4] بالتفصيل عيدًا كبيرًا "سفينة إيزيس". في 5 آذار، يدشّنون استعادة الملاحة في البحر المتوسّط. تدرّج أبولايوس في أسرار إيزيس فعرفنا في كتابه التحوّلات الاستعدادات النسكيّة القاسية وطقوس التطهير ولبس اثني عشر ثوب تكريس. كلّ هذا يقود المؤمن إلى التماهي مع الإله أوزيريس، رفيق الآلهة، وإلى الموت مثله من أجل ولادة لحياة جديدة.

"مفاتيح العالم السفليّ وكمقالة الخلاص هي في يد الإلاهة، وفعل التدرّج يمثّل موتًا إراديًّا وخلاصًا نناله بنعمة. فالمائت الذي يبلغ إلى نهاية حياته، يدوس العتبة حيث ينتهي النور. وإذا استطاعوا أن يسلمّوه بدون خوف أسرار الديانة السامية، تجتدبه قدرة الإلاهة نحوها، وتجعله يولد من جديد، في شكل من الأشكال، بقوّة عنايتها، وتفتح له مسيرة جديدة فتردّ له الحياة"[5].

ثالثًا: عبادة مترا: تنظيم عسكريّ

جاءت عبادة مترا من إيران، مع نظامها القاسي ومحن التدرّج الهائلة ومتطلّباتها الخلقيّة الرفيعة، فعرفت نجاحًا كبيرًا في أوساط الجيش. والمعبد الكبير الذي يقع قرب القديّسة بريسكا[6]، وخصوصًا مقام مترا[7] الذي نستطيع أن نزوره اليوم بجانب بازيليك القدّيس كلامان، يحافظون على أثر من هذه الجماعات، من تلاميذ مترا التي تضمّ مجموعات صغيرة من التلاميذ بعد أن تلاحموا بلحمة الأخوّة حول ولائم ليتورجيّة.

ب- نجاح المدارس الفلسفيّة

والتيّارات الفلسفيّة التي حاربتها بعض المرّات السلطات الرومانيّة، هي شاهدة أيضًا على هذا التفاعل بين الهلّينيّة والتيّارات الآتية من الشرق. وواصلت نموّها فصاغت فنّ الحياة، أسلوب حياة يُشرق على وجود الإنسان، وقدّمت نهوجًا صوفيّة حقيقيّة.

فالرواقيّة مع سينيكا دابيكتانس ثمّ الإمبراطور فرقس أوريليوس، توسّعت في معرفة واعية ومتشائمة لرذائل النفس وأمراضها، وصاغت مقالات كبيرة من الإرشاد الروحيّ. تجاه النظرة الإنسانيّة في الرواقيّة، حيث الإنسان هو القيمة الكبرى، بدت الفيتاغوريّة تقدّم تجديدًا في زمن الإمبراطور كلوديوس. فبدت في ما وراء الطبيعة (ميتافيزيكا). ضمّت إلى خلقيّة عمليّة ونسكيّة، نظرة مجدّدة إلى مصير النفس بعد الموت، وعلم حساب ما ورائيّ كأسلوب للوصول إلى الحقيقة اللامحسوسة. قد تكون بازيليكًا الباب الكبير موضعًا للعبادة الفيتاغوريّة.

ولكن تبقى مؤلّفات أفلاطون، الفيلسوف اليونانيّ (427-348 ق.م.) الجديرة بالاهتمام الكبير، وبلوتارخس (46-125) ذاك اللاهوتيّ والكاهن الوثنيّ والفيلسوف أقام طويلاً في رومة، فأغنى الإرث اليونانيّ الرومانيّ بما حمله من عبادة إيزيس. وإذ استعاد ميتولوجيا المصير البشريّ، صوّر نفسًا خُلقت قبل الجسد، ويجب عليها أن تنفصل عن الجسد والعقل اللذين تتركهما في عالم تحت القمر، لتصعد عبر الدوائر السماويّة فتبلغ إلى مقامها الحقيقيّ.

ج- الهويّة المسيحيّة

وسط تنوّع لا محدود لهذه المجموعات الدينيّة أو التيّارات الفلسفيّة بما فيها من نزعة روحيّة، أبرزت المجموعات اليهوديّة والمسيحيّة أصالة عميقة: رفضت رفضًا قاطعًا البوليتاويّة أو تعدّد الآلهة، وأخذت بالمونوتاويّة (عبادة الإله الواحد) الدقيقة، التي لا تجد ما يوازيها في العالم الوثنيّ. وأكّدت عهد إله البيبليا مع البشر في التاريخ. وإن كانت رسالة أقليمس الرومانيّ وراعي هرماس حافظا على فكر يهوديّ مسيحيّ[8]، فالوثائق التي نعرفها عن الكنيسة الفتيّة تعرّفنا بجدالات خطيرة حول هويّتها، وخاصّيّتها، وإمكانيّتها في تقديم الجواب على أسئلة يطرحها العالم عليها. فبدت رومة بوتقة تثاقف كبيرة، وللمسيحيّة أرض انثقاف[9].

أوّلاً: الفلسفة الوحيدة، الأكيدة والنافعة

يوستينس كان أحد العاملين في هذا المجال، فبدا لنا شاهدًا مميّزًا. قبِلَ أن يتواجه مع العالم الفكريّ في عصره، فوسّع أفق جماعته، وجدّد تعبير إيمانها، وصاغ لاهوتيًا بدأ يستعمل المدلول الفلسفيّ كأداة ووسيلة.

وُلد في نابلس (فلسطين) في السامرة، في بداية القرن الثاني، في أسرة يونانيّة وثنيّة، روى بحثه العنيد عن الحقيقة، وبعد أن تتلمذ على التوالي في مدرسة رواقيّ يشدّد على أهميّة الإرادة، ومشّائيّ[10] عجَّل فباعه فلسفته بالفضّة، وفيتاغوريّ أضافه بكميّة العلوم التي يجب أن يعرفها لينال السعادة. ما اقتنع بكلّ هذا، فتوقّف عند الأفلاطونيّة. وفي قلب نسكه الأفلاطونيّ، التقى شيئًا جعله يكتشف كتابات الأنبياء في البيبليا.

قال في حواره مع تريفون، الفصل الثامن: "فجأة اشتعلت في نفسي نارٌ. فاجتاحني حبٌّ للأنبياء ولهؤلاء الرجال أصدقاء المسيح. أعدتُ في ذاتي كلّ هذه الأقوال، فاكتشفت أنّها الفلسفة الوحيدة، الأكيدة والنافعة. كيف ولماذا صرت فيلسوفًا؟ هكذا. وأودّ أن يكون لكلّ واحد العواطف نفسها التي لي، بحيث لا يميل عن تعليم المخلّص. فهذا التعليم يمتلك من المهابة الرائعة، فيخيف أولئك الذين يبتعدون عن الطريق القويم، وفي الوقت عينه، يمنح الراحة الهنيئة لمن يتعلّق به. إن كنت تهتمّ بنفسك بعض الاهتمام، إن كان يهمّك الخلاص، وبما أنّك لست بغريب عن هذه الأمور، تستطيع أن تعرف مسيح الله، وتُصبح كاملاً وسعيدًا".

وصار يوستينس، بكلّ باسطة، الفيلسوف المسيحيّ وصديق الحكمة التي تماهت له مع المسيح. بعد ذلك، جعل كلَّ مواهبه في خدمة غيرة رسوليّة دفعته ليبشّر بطريق الحياة السعيدة. وأقام في رومة، شأن عدد كبير من الوعّاظ واللاهوتيّين في ذلك العصر، وفتح مدرسة فلسفة مسيحيّة. أقام "فوق شخص اسمه مارتين قرب حمّام تيموتاوس". هناك علَّم تلاميذه، وأطال لحيته ولبس رداء الفلاسفة.

ففي المسيحيّة كما في العالم اليهوديّ، تلعب القراءة البيبليّة دورًا كبيرًا. يقرأ اليهوديّ في إطار تاريخه. والمسيحيّ على ضوء الحدث يسوع المسيح. وحتّى منتصف القرن الثاني، الكتاب المقدّس كان الكتاب الوحيد، فأبرز البعد الفكريّ الذي يمكن أن يبقى بسيطًا، كما يمكن أن يسند صياغة لاهوتيّة حقيقيّة. وكان الأمر سهلاً لأنّ اللغة الليتورجيّة في هذه الجماعة، كانت اليونانيّة، لغة جميع هذه الشعوب الآتية من الشرق، ولغة الفلاسفة أيضًا.

أمام مجتمع يتّهم المسيحيّين ويضطهدهم، قبل يوستينس بأن يدخل في الجدال مع سائر الفلاسفة، وما تردّد في اتّهام المعارضين الذين يعتبرون أنّهم يقدرون أن يحكموا على المسيحيّة دون أن يعرفوا شيئًا عنها. وعرض على الأباطرة أن ينظّموا مناقشة عامّة بينه وبين الفيلسوف الكلبيّ كراسانس، لمعرفة الحقيقة.

هنا نودّ أن نقدّم مقطعًا عن الليتورجيّا المسيحيّة، نقرأه في الدفاع الأوّل ف 67، فنفهم وضع الجماعة والتدرّج المسيحيّ:

"في اليوم الذي يُدعى يوم الشمس، في المدن وفي الأرياف، يجتمعون في مكان واحد: يقرأون تذكّرات (الأناجيل) الرسل وكتابة الأنبياء بقدر ما يسمح الوقت. وحين تنتهي القراءة، يبدأ المترئّس الكلام فينبّه ويحضّ (المؤمنين) على العمل بهذه التعاليم الجميلة. بعد ذلك، ننهض كلّنا، ونصلّي معًا بصوت عالٍ. ثمّ، كما قلنا، وحين تنتهي الصلاة، يحملون الخبز مع الخمر والماء. ويُصعد المترئّس الصلوات وأفعال الشكر بقدر طاقته، فيجيب الشعب بهتاف آمين".

تحدّث يوستينس عن الاحتفال بقيامة الربّ في يوم محدّد، يوم الشمس، فكيف أنّ جماعة مسيحيّة مغروسة في أرض وثنيّة، تبقى أمينة في الاجتماع الأسبوعيّ، كما عرفه العالم اليهوديّ؟ وكيف تقدّم هويّتها في اختيار اليوم الأوّل من الأسبوع، يوم الربّ، الذي هو اليوم الذي يلي السبت هو يوم الأحد؟

والتدرّج (أو التنشئة) المسيحيّ الذي ينتهي في العماد والإفخارستيّا، يُدخل المؤمن في الكنيسة، في حياة تشارك الله حياتَه، وتُمارَس في محبّة أخويّة حقيقيّة.

ثانيًا: تاتيانس في مدرسة الله

كان تاتيانس من سورية. تتلمذ على يد يوستينس، ومثله بحث عن الحقيقة. اهتدى في رومة حوالي سنة 150، قبل أن يسمع تعليم يوستينس. قال في "الخطبة إلى اليونان"، الفصل التاسع والعشرين:

"عدتُ إلى نفسي فتساءلت: كيف أستطيع أن أكتشف الحقيقة؟ وإذ كنتُ أتأمّل، باحثًا عن الخير، التقيتُ بكتابات "بربريّة" (أي غريبة عن الكتابات اليونانيّة واللاتينيّة)، أقدم من تعاليم اليونان ولا تُقاس بها وبأخطائها، كتابات وضح لي أنّها ملهمة من قبل الله. فآمنتُ بها... وراحت نفسي تتتلمذ في مدرسة الله. ففهمت أنّ تعاليمكم (أيّها اليونان) تقود إلى الهلاك. أمّا التعاليم الأخرى فتنجّي من العبوديّة في هذا العالم، وتخلّصنا من معلّمين عديدين ومن متسلِّطين لا يحصَون، وتعطينا لا ما لم نتقبّله، بل ما مُنعنا من الاحتفاظ به بسبب الضلال".

فالفلسفة المسيحيّة ليست فلسفة بين فلسفات أخرى. هي الفلسفة الحقيقيّة. وحارب تاتيانس، شأنه شأن يوستينس، مع الذين اعتبرهم متنسّكين كاذبين يبيعون الخلاص بالفضّة، في كراسي أساتذة على حساب الدولة:

"فلاسفتكم أبعد من أن يخضعوا لهذا النظام، بحيث أنّ بعضهم يتقاضون من الإمبراطور ستّ مئة قطعة ذهب في السنة، دون أن يفيدوا. وهكذا لا يتركون لحاهم تطول مجّانًا. فإن كراسانس مثلاً، الذي جعل عشّه في المدينة الكبيرة، تفوّق على جميع الآخرين بسبب شواذه الجنسيّ، وتمرّس تمرّسًا البخل. فذاك الذي وعظ عن احتقار الموت، خاف من الموت خوفًا فصنع ما في مقدوره لكي يحدرنا فيه، أنا ويوستينس وكأنّه شرّ، لأنّ يوستينس الذي وعظ الحقيقة، عرف كيف يُقنع الفلاسفة تجاه الأخلاق الفاسدة والأكاذيب"[11].

ومضى يوستينس ليكون شهيدًا مع بعض رفاقه حوالي سنة 165. وأعمال الشهيد، القريبة من تفاصيل المحاكمة، احتفظت لنا بحوار يوستينس مع والي المدينة يونيوس روستيكس ذات الاتّجاه الرواقيّ، واعترافات الإيمان لدى الشهداء.

ففتح تاتيانس مدرسته الخاصّة، بعد موت معلّمه، ودعا نفسه "الفيلسوف البربريّ" الذي اغتنى بهذه الحكمة التي يحتقرها اليونان. وهي موجودة في التقليد البيبليّ:

"ألّفت هذه الأمور لكم، أيّها اليونان، أنا تاتيانس الفيلسوف البربريّ. وُلدت في أرض سورية. وتربّيتُ أوّلاً في تعاليمكم، ثمّ في تلك التي أسعى الآن إلى إعلانها. منذ الآن، عرفتُ من هو الله، وما هو عمله، فقدّمتُ نفسي إليكم، وأنا مستعدّ أن تُفحَص تعاليمي، وأنا متعلّق بطريقة عيش بحسب إلهي، ولستُ مستعدًا أن أغيِّر"[12].

بدا تاتيانس متشيعًا لنسكٍ جذريّ. فقابل الإنسان الجديد، المسيح البتول، بالإنسان القديم، آدم، الذي سبق وحُكم عليه. أراد إيريناوس، أسقف ليون في فرنسا، أن يرى فيه مؤسّس بدعة التعفّفييّن، فحكم عليه بقساوة لأنّه يرفض الزواج، ويشجب أكل اللحم، ويطلب استعمال الماء لا الخمر (التي يُمنع شربها) للاحتفال بالإفخارستيّا. ومع ذلك مثّل تاتيانس اتّجاهًا نسكيًّا دخل في مسيحيّة عصره، فوجب على الكنيسة أن تحدّد موقعها[13].

2- ملتقى الطرق

منذ منتصف القرن الثاني وعلى امتداد القرن الثالث، تزاحم الإيمان المسيحيّ والمدارس الغنوصيّة والتيّار الأفلاطونيّ الجديد بما فيه من قوّة، والديانات السرّانيّة، لامتلاك الناس في الإمبراطوريّة الرومانيّة. وقامت علاقاتهم على التنافس الصراع مرّة، وعلى التبادل والتداخل مرّة أخرى. وهكذا كانت الجماعة المسيحيّة على ملتقى الطرق: وجب عليها أن تبني هويّتها بين اليهوديّة والهلّينيّة، في قلب حضارة انغرست فيها. فالآتون من العالم الوثنيّ ما استمرأوا الإرث اليهوديّ. لهذا تكوّنت بعض الهرطقات، فوجب أن يكون إيضاح متواصل حول وضع الكتابات اليهوديّة.

ولم يكن من قبيل الصدف أن يستعمل يوستينس لفظ "هرطقة"[14] ليدلّ على اتّجاهات داخل المسيحيّة، عائدًا بشكل صريح إلى "مدارس" الفلسفة اليونانيّة. فقد سبق واستعملت لفظة "هرطقة" في اليهوديّة المهلينة لتدلّ على تياّرات يهوديّة مختلفة. وبعد يوستينس ستدلّ على الهرطقة في المسيحيّة، على الضلال تجاه خطّ الإيمان المستقيم.

أ‌-     الهرطقات ووضع الشريعة الموسويّة

وصل "قردون" من سورية إلى رومة. سنة 138-142، فعلّم أنّ الإله الذي أعلنه الناموس والأنبياء، ليس أبا يسوع المسيح. قال عنه إيريناوس في "الردّ على الهراطقة" (3/4: 3): "أتى إلى الكنيسة، وأظهر توبته أمام الجميع، ولكنّه استمرّ، مع ذلك، في الهرطقة، تارة يعلّم في الخفاء، وطورًا يتوب من جديد. وفي النهاية، اقتنع أنّه يعلّم الضلال، فطرِد من جماعة الإخوة".

وأتى ولنطينس من الإسكندريّة، وأقام في رومة حوالي سنة 140 وأسّس فيها مدرسة ونشر تعاليمه. جاء فكره صعبًا، مشتّتًا، غير أنّ نصوصًا من مخطوطات نجع حمادي ترتبط ارتباطًا واضحًا بالنهج الولنطينيّ. كان مفكّرًا منظِّرًا، متفوِّقًا، فشيَّع له الكثيرون. وها نحن نقدّم مقطعًا حفظته كتابات إكليمنضس الإسكندرانيّ، يتيح لنا أن نفهم قوّة البلاغ الذي يوصله ولنطينس:

"هناك كائن واحد، صالح، وحرّيّة كلمته هي تجلّيه بالابن، به وحده يطهَّر القلب. ساعة يُطرَد كلُّ روح شرِّ من القلب. فالأرواح الكثيرة التي تقيم فيه، لا تتيح له أن يتطهّر، وكلّ روح من هذه الأرواح يعمل عمله الخاصّ، فينجّس القلب مرارًا بشهوات مشينة. ويبدو لي أنّ القلب يحمل شيئًا مماثلاً لما يحدث في فندق: يُثقب، يُحفر من جهة إلى جهة، ويُملأ زبلاً. والناس يتصرّفون فيه بدون حياء، ولا يراعون المكان لأنّهم غرباء عنه. هكذا يُعامَل القلب إذا لم يلقَ تدخّلاً من قبل العناية الإلهيّة: هو نجس، وهو مسكن عدد من الشياطين ولكن حين يزوره الأب الوحيد الذي هو الصالح، يتقدّس ويشعّ نورًا. ومن امتلك مثل هذا القلب يطوَّب لأنّه يرى الله"[15].

أوّلاً: بطليمس وقراءة جديدة للعهد القديم

أرسل بطليمس، تلميذ ولنطينس، رسالة إلى فلورا، إحدى المستمعات التي طرحت عليه سؤالاً ملحًّا في عصرها، وما زال: وضع الشريعة الموسويّة. هذا السؤال يعرّفنا إلى مناهج التعليم والتفسير لدى هؤلاء اللاهوتيّين، ويكشف لنا حضوره المسائل المطروحة على المسيحيّين آنذاك:

"يا أختي العزيزة فلورا. ما فهم حتّى الآن عدد كبير من الناس، أنّ الناموس أعلنه موسى، لأنّهم لم يمتلكوا معرفة دقيقة للمشترع الحقيقيّ ولوصاياه. هذا سيكون لك واضحًا، كما أظنّ، حين تعرفين الآراء المتضاربة حولها"[16].

وعرض بطليمس هذه المواقف المتعارضة: موقف اليهود والمسيحيّين في خطّ النظرة القويمة التي تنسب التوراة إلى الله الآب". ونظرة تنسبها إلى الخصم، إلى إبليس المفسد.

تلقّى بطليمس من الغنوصيّة المعرفة، المبدأ المعارفيّ (الإبستيولوجيّ) الذي وحده يكفل التفسير الصريح، الذي وحده يقدر أن يشرح شريعة موسى شرحًا صحيحًا. هذا يعني، عكس ما يُقال مرارًا، أنّ الغنوصيّة تعترف بالعهد القديم، ويرافق هذا الاعتراف موقفٌ نقديّ وقراءة كرستولوجيّة (تصل إلى يسوع المسيح) تجعلنا نُبرز طبقات مختلفة في الأصل والقيمة، في العهد القديم. فتفسير بطليمس يعود دومًا إلى كلمات المخلّص التي تشكّل العرفة (غنوسيس) الخلاصيّة. فتتيح التمييز، داخل طروح بطليمس، ما هو من الله وما هو من البشر، وتترسّخ في بنية أساسيّة للسطرة الغنوصيّة التي تضع العالم في مواجهة خالقهـ وبارئ الكون (ديميورغس) تجاه الإله الحقيقيّ والأب اللامعروف.

"إذا سمح الله، تتقبّلون فيما بعد إيضاحات أدقّ حول مبدئها وولادتها. حين تُحسبون أهلاً بأن تعرفوا تقليد الرسل، وهو تقليد تسلّمناه نحن أيضًا عن طريق التسلسل. في هذه الحالة أيضًا ، نثبت نظراتنا بكلمات مخلّصنا"[17].

ثانيًا: هرقليون وإنجيل يوحنّا كما قرأه الغنوصيّون

كان هرقليون أيضًا تلميذ ولنطينس. وكان أوّل من كتب تفسيرًا متواصلاً لإنجيل يوحنّا. انطلق من أفق التفسير عنده، فشرح النصّ اليوحنّاوي، وأوَّن السطرة الغنوصيّة. حُفظ لنا جزء من مؤلَّفه لدى أوريجانس الذي دوَّن تفسيرًا كبيرًا لإنجيل يوحنّا، فيه يردّ على تأويل هرقليون الغنوصيّ.

بدا مجهود التفسير الغنوصيّ، في جوهره، حين أراد أن يشرح كيف أنّ الإنسان، الذي هو روحيّ، الذي يملك في ذاته جزءًا إلهيًّا، يستطيع أن يترك عالم المادّة والزمن أو الجسد الذي يجعله يتألّم، ويبلغ إلى "بليورما"، إلى ملء الآب الامعروف. فالإله الخالق، البارئ، يتماهى حينئذ مع إله سفر التكوين والتوراة. إله يفرض على البشر ناموس العبوديّة والاستبداد. أمّا الإله المتعالي، الذي ينفصل عن العالم انفصالاً مطلقًا، فهو إله الصلاح، وأبو يسوع المسيح الذي يكشف لتلاميذ العرفة، بلاغ الإنجيل.

ثالثًا: هرقيون ومسيحيّة بدون جذور توراتيّة

في رومة أقام مرقيون سنة 135 تقريبًا، وهو الآتي من البنطس، من مدينة نينوى بعد أن فشل في مجهوده ليجعل إكليروس رومة يَقبل تعليمه، أخرج سنة 144 من "الكنيسة الكبرى". قيل عن مرقيون إنّه كان منطقيًا مع مسيحيّته، بطريقته الخاصّة، فراح أبعد ما يمكن في جديد البشرى المسيحيّة. أسس ديانة جديدة، ورفض كلّ ارتباط بالعالم اليهوديّ. إن كان الغنوصيّ قردون أثّر في احتقاره للبشريّ (اللحم والدم)، فلا أثر عنده لتفسير السطر الغنوصيّة.

كان مرقيون تلميذ بولس الرسول، فعارض بشكل جذريّ، النعمة والإيمان. ارتبطت ثنائيّته بنظرة خاصّة جدًّا إلى البيبليا. فالإنجيل يعرّفنا بأب صالح، رحيم، وبخلاص يحرّرنا من هذا العالم فنبلغ إلى واقع مغاير كلّ المغايرة. وهذا الإله الرحيم، إله الإنجيل، لا يمكن أن يكون ذاك الذي يتكلّم ويعمل في الكتابات اليهوديّة. رذل مرقيون نهوج التأويل الأليغوريّ (الإستعاريّ) والتيبولوجيّ (الأنماطيّ) حيث كلّ شيء يشير إلى المسيح)، فقام بعمل نقد نصوصيّ حقيقيّ، فنقّى النصوص من التشويهات التي أدخلها المتهوّدون. وألغى من إنجيل لوقا (ترك سائر الأناجيل، ومن رسائل القدّيس بولس التي تشكّل قانون (لائحة) أسفاره المقدّسة) كلّ أثر للعهد القديم.

فعارض رودون ابن آسية (عاصمتها أفسس) وتلميذ تاتيانس في رومة، معارضة قويّة الكنيسة المرقيونيّة. وروى أحد جدالاته مع أباليس، تلميذ مرقيون، هذا كتب مؤلّفًا ضخمًا "القياسات"[18]، كما ترك نقضًا يردّ فيه على شريعة موسى.

ثالثًا: تيودوتس وإنكار لاهوت المسيح

في نهاية القرن الثاني، أتى من بيزنطية مسيحيّ اسمه تيودوتس، كان يعمل في صناعة الجلود. أتى إلى رومة حيث نشر تعليمًا فيه يقول إنّ المسيح مجرّد إنسان وما صار الله إلاّ بعد القيامة. وأسّس كنيسة جعل أسقفها ناتاليوس الذي جاهد في سبيل الإيمان، خلال اضطهاد سنة 202-203. هذا "الأسقف" قبض أجرته، ولكنّه ما عتَّم أن تاب لدى الأسقف زافيرين الذي قبله من جديد في شركة الكنيسة. أورد أوسابيوس ما قاله أحدُ الكتّاب عن هذه المجموعة:

"تركوا كتبَ الله المقدّسة، فرافقوا الدراسات الهندسيّة أي قياسات الأرض. بما أنّهم من الأرض يتكلّمون عن الأرض ويجهلون ذاك الآتي من العلاء. أعجبوا بأرسطو وبنيوفراستس (أثينة 372-287). وبعضهم عبد جالينس (طبيب 131-201)... لهذا وضعوا أيديهم على الكتب المقدّسة، وما خافوا أن يصحّحوها"[19].

ب- ردّ المفكّرين المسيحيّين

أوّلاً: يوستينس وإيريناوس

كلّ هذه الجدالات حول الكتاب المقدّس، تدلّ على عمل مثاقفة كبير، ثمَّ حين دخل الفكر البيبليّ، المسيحيّ، أوساط المفكّرين مع فكرة صاغوها عن الإله. فالإله المتعالي، المنفصل عن العالم، بجسب هذه التيّارات، يُشبه بالأحرى كيانًا يونانيًّا: هو إله الفلاسفة لا إله إبراهيم وإسحق ويعقوب وأبو يسوع المسيح. كان يوستينس أوّل من ردّ بقوّة، على مثل هذه الهرطقات التي ما زالت في المهد:

"أعلن مرقيون الذي من البنطس، وما زال يعلّم حتّى الآن، إيمانه بإله أسمى من الخالق. كلّ المتشيّعين لهذه المدرسة، كما قلنا، يُدعَون مسيحيّين، كما أنّ اسم فيلسوف يُعطى لجميع الذين يعلّمون الفلسفة، مهما اختلفت تعاليمهم"[20].

أمام محاولات بها يبنون مسيحيّة تنقطع من جذورها التوراتيّة، ولا تلجأ إلى شريعة موسى، لا بدّ من تحديد موضع القراءة المسيحيّة لأسفار العهد القديم، وتحديد ما يجب أن يبقى من قاعدة بالنسبة إلى التوراة "كنصّ مقدّس وكممارسة": فالمسيحيّة التي خرجت من إطار يهوديّ وحملت البشارة إلى الأمم، تأخذ الإرث التوراتيّ وفي الوقت عينه تنفصل عنه. فعليها أن تختار بين إعلان جذريّ ليصل إلى جميع البشر، وبين نخبة مختارة من الروحيّين وقويَت الجدالات في قلب جماعة رومة، فبان هذا الاختيار صعبًا، معقّدًا.

أقام إيريناوس، أسقف ليون (فرنسا) بعض الوقت في رومة، وكان شاهدًا أساسيًَا لوضع مجموعة الأسفار المقدّسة والاعتراف بها، مع ارتباط بين الكتابات الرسوليّة (الإنجيل، الرسائل) والتوراة. فنادى بالله، خالق السماء والأرض، الذي قطع عهدًا مع الإنسان، عهدًا أدرك ملئه في يسوع المسيح.

تنوّعٌ في الخيارات، حرّيّة في الجدالات. فحدثُ يسوع السميح لا يمكن إلاّ أن يحرّك الديناميّة الرسوليّة. ولكنّه يكشف في الوقت عينه مخاطر خلق فكرٍ لإيجاد حلول غير معلّبة.

ثانيًا: هيبوليتس

هو مفكّر يونانيّ في أرض لاتينيّة. إنّه وجه مميَّز في جماعة رومة، في القرن الثالث. حين زار أوريجانس، سنة 202، جماعة رومة، سمع عظة هيبوليتس في إحدى كنائسها. ترك كتابات عديدة كان لها أثر كبير. كما كان آخر ما كتب في اليونانيّة في كنيسة رومة، التي انتقلت إلى اللاتينيّة في القرن الثالث.

كان هيبوليتس كاهنًا رومانيًّا. أتى من اليونان أو من الشرق فكان أوّل كاتب مسيحيّ يفسّر، في شكل متتابع، أسفار العهد القديم كلّها، ليتجاوب مع حاجة الكنيسة. انطلق من العالم اليهوديّ واليهومسيحيّ ومن الوعظ المسيحيّ في القرن الثاني، فقدّم التفسير التيبولوجيّ في خطّ يوستينس، وتجاهل طريقة الاستعارة التي أخذت بها كنيسة الإسكندريّة.

في مناخ الاضطهادات التي تلت قرار بستيمس ساويرس سنة 202، الذي به منع كلّ تبشير يهوديّ ومسيحيّ، دوّن هيبوليتس "تفسير سفر دانيال".

إليك كيف حدّد الكنيسة:

"المكان العاديّ لا يمكن أن يُسمّى كنيسة. لا البيت المبني بالحجر والطين والإنسان أيضًا لا يمكن أن يُجعل وحده كنيسة. فالبيت يسقط والإنسان يموت. إذن، ما هي الكنيسة؟ مجموعة القدّيسين العائشين في الحقيقة"[21].

تكاثر عددُ المهتدين الجدد، وطُرحت أسئلة حول الجحود في وسط الاضطهادات فاتّخذ البابا كالستس موقف الرحمة تجاه المؤمنين الذين سقطوا في الخطيئة بعد العماد، وتساهل على مستوى الزواجات. أمّا هيبوليتس فتصوّر الكنيسة على أنّها تجمّع الأبرار، ورفض مثل هذا الموقف الرعويّ. فكتب: "والآن أيضًا، ذاك الذي تقبّل الإيمان وما حفظ الوصايا، يجرَّدُ من الروح القدس: يُطرد من الكنيسة لأنّه لم يعُد في الربّ، بل صار ترابًا وعاد إلى الإنسان القديم"[22].

خاتمة

تلك كانت نظرة إلى كنيسة رومة في قلب تيّارات فكر عديدة. فلا بدّ أن تجد طريقها في مثاقفة مع عالم وثنيّ يحتفظ بآلهته، مع فكر يونانيّ لا يتوافق مع فكر الإنجيل، وإن بدا أفلوطين (205-270) مفكّرًا متصوّفًا ليتحدّث عن النفس "المسرعة إلى العلاء والناسية أمور الأرض" ومع ممارسات سابقة، مثل الاحتفال بعيد الفصح: هل تعيّد الكنيسة مع اليهود في الرابع عشر من شهر نيزان (آذار- نيسان)، أيًّا كان اليوم، أم تعيّد يوم الأحد، يوم الربّ؟

وننهي بمقطع من هيبوليتس في شرح سفر دانيال (4: 60): "فانظر أيّها الإنسان! ما كان في الأمس مختومًا لا معروفًا، يُعلَن اليوم بدون تحفّظ، على السطوح (مت 10: 27؛ لو 12: 3). فكتاب الحياة الذي فُتح منذ اليوم وفُتح نُشر على الخشب مع عنوانه في الروميّ واليونانيّ والعبريّ (و 19: 20) لكي يستقي منه الرومان والهلّينيّون والعبرانيّون، التعليم. وإذ ينتظر البشر الخيرات الآتية، يؤمنون بما كُتب في سفر الحياة، وما أعلن في العالم كلّه".



[1] Hilaria: joie, gaieté, bonne Humeur: يدعو إلى الضحك.

[2] تعاقب السنين Vicemalia

[3] Compensis

[4] Apuléo (125-175) Navigidium Isidis

[5] Métamorphose 11,19

[6] Santa Presca

[7] Mithréum

[8] Judéo-christianisme مسيحيّون جاؤوا من العالم اليهوديّ، واهتمّوا بالحفاظ على الشرائع الموسويّة.

[9] تدخل المسيحيّة في حضارة جديدة. Inculturation: entrer dan la culture

[10] يجادل في الأمور الفلسفيّة وهو يمشي Péripatéticien هكذا كان يفعل أرسطو، تلميذ أفلاطون.

[11] Discours aux Grecs, 19

[12] المرجع السابق، ص 42.

[13] Franscine Culdant, Une jeune Eglise en débats, 1, La recherché d’une sagesse, Le Monde de la Bible, no 73 (nov-déc 1991), p. 38-40.

[14] Hairesis

[15] Clément d’Alexandrie, Les Stromates 2/20, 114

[16] Lettre à Flora 3,1

[17] المرجع السابق، 7: 9. رج المشرق 76 (2002)، ص 201-222. هنا ص 216.

[18] Syllogismes

[19] Eusèbe de Césarée, Hist. Eccl., V, 28, 14-15.

[20] الدفاع الأوّل، 26.

[21] Comm. sur le livre de Daniel, I, 18, 6-7.

[22] المرجع السابق، 1/18: 14.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM