الفصل 16: رومة والإمبراطوريّة الرومانيّة

رومة والإمبراطوريّة الرومانيّة

ما عرفت المجتمعات البشريّة يومًا شيئًا مماثلاً. قال أياليوس أرستيدس في خطبة مشهورة ألقاها سنة 143: "صار العالم كلّه مدينة واحدة". وتابع ذاك الذي التقى أسكيبيوس، إله الطب: "العالم كلّه يعيش العيد. ترك سلاح الحرب واستسلم إلى مباهج الحياة"[1]. وبعد سبعين سنة، أكّد ترتليانس، ذاك المسيحيّ ابن أفريقية، وصاحب الطبع الرافض: "نلاحظ ملاحظة اليقين أنّ العالم يتحضّر يومًا بعد يوم، ويمتلك كلّ شيء كما لم يكن من قبل. كلّ شيء هو في متناولنا. كلّ شيء معروف. والشغل وصل إلى كلّ مكان. فالمناطق الريفيّة الحلوة أعادت إلى الوراء صحراوات معروفة، والأثلام سيطرت على الغابات. والقطعان هرَّبت الوحوش المفترسة، وزُرعت مساحات الرمل. فتحوا طرق في الصخور وجفّفوا المستنقعات. فصارت المدن بعدد ما كان من بيوت في الماضي... المساكن في كلّ مكان. الشعوب في كلّ مكان. في كلّ مكان المدن، وفي كلّ مكان الحياة"[2].

مع السلام الرومانيّ الذي دشّنه أوغسطس (27-14 ق.م.)، بدأ عهد رأى فيه المعاصرون السلام والازدهار. لا شكّ في أنّ مؤامرات حيكت ضدّ سلطة الإمبراطور. تقاتل الكبار فقتل الواحد الآخر. وبعضهم نُفِّذ فيه حكم الإعدام. أربع سلالات انتهت في الدم. ولا شكّ أيضًا في أنّ ثورات وعزوات اندلعت في المقاطعات دون أن نستطيع التمييز بين السلب والنهب من جهة وبين الرغبة في الاحتفاظ بطريقة عيش سابقة للاحتلال الرومانيّ، من جهة ثانية. وهناك من أراد أن يقاوم سيطرة المنتصر. هناك أحلام انتصارات ماتت في المهد، ومناطق لم تعرف يومًا السلام. سنة 68-69، وسنة 193-197، صارت الفيالق الرومانيّة فيالق أخرى، وحمل مواطنون رومان السلاح على مواطنين رومان. وقوّاد أعلنوا نفوسهم أباطرة فهاجموا قوّادًا آخرين استولوا هم أيضًا على الأرجوان. وهجمات البرابرة بلبلت النهج الدفاعيّ في الإمبراطوريّة التي عرفت الوباء والفساد وانفجار العنف. ومع ذلك، فنظام العنف الذي وضعه أوغسطس ظلّ ثابتًا، مدّة طويلة.

1- من المحيط الأطلنطيّ إلى البحر الأحمر

هذه المتانة في الإمبراطوريّة كانت وليدة طبيعة ملتبسة تخفّف من دور العناصر الأساسيّة، التقليديّة، في الجمهوريّة، مثل مجلس الشيوخ. وأضيف شكل حكم ملكيّ، مع سلطة تقوى وتضعف بحسب الأباطرة والظروف. قد يكون توازن، أو تغلّب سلطة على أخرى. مثل هذا النهج تطوّر بدون أن ينكسر، وتكيّف مع الأوضاع السياسيّة. كما كان كفوءًا لإدارة إمبراطوريّة واسعة الأطراف كانت الجمهوريّة قد وضعت الأسس. فحجّمها أوغسطس في وحدة متماسكة وصل بها إلى حدود العالم الذي فيه فائدة لرومة. وتابع خلفاؤه العمل، فمدّوا "إمبراطوريّة الشعب الرومانيّ" إلى أقصى الحدود التي يمكن الإمساك بها.

من شواطئ الإطلنطيّ إلى البحر الأحمر، ومن إيطوسيا المجاورة لإنكلترا إلى النوبة السفلى، ومن غابات تراتسلفانيا (رومانيا الحالية) إلى فيافي الجزائر. فرضت رومة سلطانها، وما أرادت أن تكون البلدان في شكل واحد. أحصت السكّان وعرفت مداخيلهم. ورتّبت الطرق والمزارع والمخيّمات والمدن، فتركت آثارها بشكل مباشر في القسم الغربيّ من الإمبراطوريّة، وبشكل غير مباشر في القسم الشرقيّ، عبر الحضارة الهلّينيّة، اليوناينّة. وتوصّلت دومًا إلى ربح ودّ الأشراف في كلّ بلد. فالإمبراطوريّة واحدة، بل إمبراطوريّتان، بل أكثر من إمبراطوريّة.

2- سلطات الإمبراطور

في قلب السلطة، الأوّل، الإمبراطور. ما هو مسلَّط مع آخرين، ولا هو سيّد مطلق في المعنى الحصريّ للكلمة. في القرن الثاني، كان الجنود يهتفون له، فيوافق مجلس الشيوخ. وهكذا يكون مدينًا بسلطته لمجلس الشيوخ وللشعب. هي سلطة تحلّ محلّ القناصل، فلا يكون لها حدود، بل تمتدّ إلى كلّ المناطق في الإمبراطوريّة. هذا ما يعطيه مدى الحياة قيادة الجيش، ويمكنه من ممارسة منذ البداية إلى الاستئناف. وهكذا يتفوّق على ما يمكن أن يقوله العرّاف ليكتشف علامات إرادة الآلهة.

والسلطة الثانية تجعله فوق الذين ينتحبهم الشعب. تُعين لمدّة سنة. ولكنّها تتجدّد مدى الحياة. فتجعل الإمبراطور فوق كلّ شبهة، كما تمنحه الحقّ بمعارضة جميع القرارات، بما فيها قرارات "نوّاب" الشعب.

بالإضافة إلى ذلك، يقدّم الإمبراطور مرشّحين للقضاء والحكم، ويبرز قوانين أساسيّة. ويقرّر السلام والحرب، ويدعو الجمعيّات العامّة، وينظّم الحياة الدينيّة العامّة كونه الحبر الأعظم والمشارك في الطبقات الكهنوتيّة الأربع الكبيرة. كلّهم يقسمون أمامه قسم الولاء. أمّا ثروته الضخمة فتجعل منه الملاّك الأوّل، والمتعهّد الأوّل، والحصن (أورجاتيس) في الإمبراطوريّة. وأخيرًا، نسله إلهيّ، بعد أن أُلِّه والده أو أحد أجداده. بحيث إنّ هيبته الشخصيّة تجعله فوق البشر. بل إنّ مختلف أشكال عبادات الإمبراطور تدلّ هذا المائت إلى إله في الشرق الرومانيّ حيث ينال "إكرامًا يوازي إكرام الآلهة"، وإلى "عاملٍ" لدى الإله في الغرب. وهكذا نرى على القوس، الإمبراطور تريانس يستقبله جوبيتر، رئيس الآلهة، ويقدّم له البرق، على مثال بعل في العالم الشرقيّ.

3- عمليّة الدمج والتوحيد

حول الإمبراطور ومجلسه، تتقوّى الوحدة لمجموعة نظم وممارسات: الإدارة المحلّيّة تؤمّن التواصل بين رومة والمقاطعات. ثمّ البريد الذي يتبع الإمبراطور في تنقّلاته. وإدارة المقاطعات التي تطبّق قرارات الإمبراطور، والجيش وقدامى الجيش، وبعض الممارسات على مستوى الحقوق والتشريع. دمج نخبة العائلات الريفيّة مع مجلس الشيوخ. القبول بموظّفين وُلدوا من وجهاء بلديّين بين الفرسان. تنامي عدد المواطنين الرومان بحيث امتدّ إلى جميع الأحرار في الإمبراطوريّة الرومانيّة، سنة 212. العيش معًا في نظام الحاضرة، مع نواة مدينة بمبانٍ تعبِّر عن مثال حضارة مشتركة.

ما يدلّ على هذا الاندماج هو ما نقرأه على قبر جنديّ أفريقي سقط سنة 238 في ثورة مكسيمين الذي اعتبر من المتسلّطين البربر. هذه الكتابة تدلّ على نجاح الأسلوب الرومانيّ، قيل فيها: "مات حبًّا برومة". وإذا ارتفعنا في السلّم الاجتماعيّ، نرى في البالاتين، مقام الأباطرة، سلالة أفريقيّة أو سوريّة. وذلك حيث أسّس رومولس المدينة، وحيث وُلد أوغسطس.

4- مجموعة لغات وتقاليد

إنّ اندماج سكّان المقاطعات في الإمبراطوريّة، وامتداد المواطنيّة، لا يعنيان أنّ للجميع لغة واحدة وحضارة واحدة. والجميع لا يأخذون بنموذج واحد آتٍ من الغربة. إذا كانت الإمبراطوريّة رومانيّة، فلست بلاتينيّة[3] أي لا يتكلّم الجميع اللغة اللاتينيّة. فهناك اللغات العديدة، كما في مدننا المعاصرة. بل لغة الثقافة هي اليونانيّة، تجاه اللاتينيّة التي هي لغة الإدارة.

منذ تواجه أوكتافيوس (صار أوغسطس) وأنطونيوس (الذي تولّع بكليوبترا)، واحد باسم الغرب وآخر باسم الشرق، عاشت عاطفة الانتماء إلى هذه الهويّة أو تلك. وخلف كلوديوس مستشاريّتين، واحدة يونانيّة وأخرى لاتينيّة، ليأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار. وهكذا تميّزت، في قلب الإمبراطوريّة، مجموعتان جغرافيّتان: في الأولى، اللاتينيّة هي اللغة الرسميّة، في الثانية تزاحم اليونانيّة اللاتينيّة.

في النصف الثاني من القرن الثاني، أخفى هذا التوازن بين هاتين المجموعتين ديناميّة غير متساوية: وصلت مقاطعات الغرب إلى الذروة، ولكنّ المسيرة لم تتواصل أكثر من قرن من الزمن، إلاّ في أفريقية. أمّا المقاطعات الشرقيّة، وإن عرفت بعض الظلال، فثبّتت نجاحها الاقتصاديّ، ووسّعت سيطرتها الفكريّة، فصارت في القرن الثالث المركز الحيويّ في الإمبراطوريّة.

ثمّ إن وحدة الإمبراطوريّة، ووجهتيها الشرقيّة والغربيّة، كشفت تنوّعًا إتنيًّا وحضاريًّا هائلاً، مع طابع لا يونانيّ حين نبتعد عن المدن. فشابهت الإمبراطوريّة فسيفساء من اللغات ومجموعة شعوب مختلفة، متباينة، وغزارة معتقدات، وكثرة التقاليد الفنيّة والأدبيّة. ما أرادت رومة أن ترقِّد هذه الحضارات المحليّة، ولا أن تقتلها. بل ساعدت بالأحرى على تفتّحها، دون أن تدري.

مثلاً، في غالية (فرنسا القديمة)، في الشمال الغربيّ من إيبارية (إسبانيا والبرتغال)، في أفريقية الشماليّة، تشهد بفضل الكتابة والأشكال الفنيّة الجديدة، إزدهار التماثيل والصور التي تبرز الآلهة المحلّيّة، والتي لا علاقة لها برومة ونقول الشيء عينه عن المقاطعات الشرقيّة، حيث الآلهة المحلّيّون حافظوا على محبّة السكّان الأصليّين لهم، بعد أن أخذوا ما أخذوا من التقاليد اليونانيّة.

بعض هذه الديانات لبثت مطبوعة بخاصّيتها الأصليّة، فانحصرت في الأرض التي وُلدت فيها. وديانات أخرى طلبت التزامًا دينيًّا يتميّز عن إطار المدينة وينفصل عن جماعة إثنيّة. كان خارج الفئات الاجتماعيّة، فيشارك فيه ذاك الذي أعدّه كهنة اختصاصيّون، إعدادًا روحيًّا ولاهوتيًّا. وهذا الالتزام يقود إلى خلقيّة فرديّة حيث يحتلّ التطهير والخلاص مكانة هامّة.

في هذا الإطار، نجحت نجاحًا باهرًا الديانات اليونانيّة الشرقيّة. فهذه الديانات التي تأثّرت بالفكر الهلّينيّ، انطلقت من الشرق فوجدت في الغرب نجاحًا لا يمكن أن يحصره في حضور بعض المهاجرين، من عبيد أو تجّار أقاموا في أرض استقبلتهم. كانت اهتداءات إلى عبادة قيباليس، أم الآلهة الكبرى، وإلى إيزيس المصريّة التي كان معبدها في حقل مارس، وإلى ميترا بخلقيّتها العسكريّة وولائمها الليتورجيّة.

هؤلاء الآلهة الشرقيّون تجاوزوا وظائف آلهة البنتيون (مجمع الآلهة) الموجودين في قلب الأنقياء، الحاملين سلطة لا حدود لها. هؤلاء الآلهة الشرقيّون متطلّبون، متنبّهون للأفراد، ومسؤولون عن العالم. كانوا على مستوى الإمبراطوريّة. حينئذٍ لا ندهش أن تكون رومة استضافتهم: هيكل قيباليس كان على البالاتين مع عدد من الكتابات. وكان لميترا قرابة أربعين معبدًا، ولإيزيس ستّة معابد. ومنذ منتصف القرن الأوّل، تأسّست جماعة مسيحيّة. في البداية، حُسبت فئة يهوديّة في نظر السلطات لا سيّما وأنّ عددًا من مؤمنيها كانوا من أصل يهوديّ. بعد ذلك، تميّزت حين كثر فيها عدد الآتين من العالم الوثنيّ. ومع ذلك، لبثت مجهولة حتّى منتصف القرن الثاني. فلا نجد الشهادات الكثيرة الآتية من العالم الوثنيّ. في هذه الإمبراطوريّة الجبّارة التي لا خطر يهدّدها، ما لفت المسيحيّون نظرها. فهذه المدينة تبتلع كلَّ شيء، لا الديانات فقط.

5- الأرض كلّها سوق مشتركة

كتب أياليوس أرستيدس أيضًا: إن احتاج أحد أن يرى كلّ منتوجات العالم، وجب عليه أن يتجوّل في الكون كلّه أو يأتي إلى مدينتك (= رومة). فكلّ ما يَنبت، وكلُُّ ما يُصنع في كلّ بلد، يُوجَد هنا وبوفرة... تشبه المدينة سوقًا مشتركًا لكلّ الأرض". إذا تركنا البلاغة جانبًا، هناك واقع يقول إنّ رومة هي أوّل مركز استهلاك في الإمبراطوريّة. وتمّ التزويد بخدمة جميع المحاصيل تحت سلطة الإمبراطور.

هي عاصمة تعدّ مليونًا من الناس، فتوجز مجتمع الإمبراطوريّة. هي عاصمة الملذّات والحياة الفنّيّة واللباس، ومركز السلطة مع تنظيمها البلديّ الذي هو النموذج للكون الذي تقوده. ورثت ماضيًا من العمارات غنيًّا، حوّله يوليوس قيصر وأوكتافيوس أوغسطس. وجدّدته سلالة فلافيوس وأنطونيوس. صارت رومة مدينة المتحف، ومدينة لا يتوقّف العمل فيها. لا يتوقّفون فيبنون ويجدّدون ويصلحون بدون أي تنظيم ما عدا في حقل مارس وفي منطقة ساحات الإمبراطور. هي بيوت متلاحقة، ذاك طابق واحد أو عمارات ترتفع. وتتداخل أماكن السكن مع الأحياء الشعبيّة. كلّ هذا حول نهر التيبر. ويُشرف عليه هيكل جوبيتر وسائر القصور على الكابيتول، مع الحمامات والمسارح والهياكل وثكنات الجيش ومراكز الألعاب. في الوسط، الفوروم (الساحة) القديم، حيث يسجّل تاريخ رومة ويُقرأ في الحجر قراءة دينيّة. فهذه المدينة، ملكة العالم وسلطانته، تبقى مدينة مقدّسة، لا مساوئ لها في العالم، ولا ثاني لها.

ومع ذلك، في الحادي عشر من أيّار سنة 330، دُشِّنت رومة الجديدة، القسطنطينيّة، على شواطئ البوسفور خلال عيد جمع بين الاحتفال المسيحيّ والممارسات الوثنيّة. وإذ أعطى قسطنطين اسمه لعاصمته، زرع "روماه" من أجل وارثيه[4]. وإن بقيت الإمبراطوريّة موحّدة، إلاّ أنّها تحوّلت في قرن من الزمن تحوّلاً عميقًا. بعد سنة 235، اجتاح الإمبراطورّة الجرمانيّون (ألمانيا) على الرين والدانوب، والفرس الساسانيّون إلى الشرق. فكيف للإمبراطور أن يكون في جميع الجبهات. وكيف لك أن يجنّد مقاتلين؟ وتوالت الهزائم. فسنة 251، وقع الإمبراطور فاليريانس أسيرًا في يد الملك الساسانيّ الذي أمر بقتله. وترافقت هذه الهزائم الحربيّة مع أزمة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وأخلاقيّة. ومع ذلك، ثبتت الإمبراطوريّة حيّة، وحافظت على الإمبراطور والإدارة والجيش والأطر السياسيّة، وشعب ينتظر أيّامًا حلوة وهو يعتاد ظروف جديدة، صعبة.[5]

خاتمة

ذاك هو المناخ الذي استقبل المسيحيّة في رومة، وفي الإمبراطوريّة الرومانيّة. ولكنّ الإنجيل سيدخل شيئًا فشيئًا فكالخمير في العجين. والمسيحيّون تكاثروا شيئًا فشيئًا، انطلاقًا من الجماعات اليهوديّة، بانتظار العالم الوثنيّ. ولمّا أتى بولس إلى رومة، "خرج المسيحيّون ليستقبلوه في ساحة أبيّوس والحوانيت الثلاثة" (أع 28: 15). إليهم وصلت الرسالة إلى رومة، كما وصلت الرسالة إلى العبرانيّين. وهناك مات بولس على طريق أوستيا، بعد أن قطع رأسه، وصلب بطرس، فكانا الشاهدين. ماتا ولكن دخل فيهما روح حياة، قاما مثل يسوع المسيح. بانتظار أن يصعدا إلى السماء في السحابة (رؤ 11: 11-12). أما هكذا كان صعود يسوع إلى السماء؟[6]

 

 



[1] Aelius Aristide, Eloge de Rome, éd. J. H. Oliver

[2] Tertullien, De l’âme

[3] Maurice Sartre, L’Orient romain, Seuil, 1991.

[4] Gilbert Dagron, Naissance d’une capitale, Paris, P.U.F., p. 27.

[5] André Chastagnol, Le Bon-Empire, 3o éd., Paris, Armand Colin, 1901, p. 8.

[6] Jean-Louis Voisin, Rome et son Empire, dans Le Monde de la Bible, no 73 (nov-déc. 1991), p. 3-7.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM